· في كواليس أزمة هالة سرحان اشترطوا عليها المجيء ثم جرجرتها للنيابة فرفضت ممنوعون من الهواء.. هذا هو الاسم المختصر لقائمة طويلة من المذيعين في مصر.. حمدي قنديل وهالة سرحان وعمرو أديب وعلاء صادق وإبراهيم عيسي.. وفي الطريق مني الشاذلي ومحمود سعد.. الأسباب متعددة والنهاية واحدة..القبضة الحديدية للاستبداد قاسم مشترك.. لكنها قبضة تطول أبناءها أحيانا فيمنع من التنفس بعض المحسوبين علي هوي السلطة والمدافعين عنها.. طالما خابت حسبته في لحظة ما فيجد نفسه خارج الكادر. منظومة القهر الإعلامي تبدأ من الملكية، فالإعلام بصحفه ومجلاته في مصر مملوك للدولة أو لرجال أعمال محسوبين عليها أو بمعني أصح" والتعبير لإبراهيم عيسي " يسهل إفلاسهم عندما تشتد القبضة..حكي عيسي عن تجربته الأسبوع الماضي.. بقوله عن أحد ملاك الفضائيات التي عمل بها" كان يخبرني بأن فقرته التي تمتد لدقائق يعارض فيها النظام.. تتسبب في خسارته(المالك) ملايين الجنيهات".. لم يتحمل أصحاب أنابيب الأكسيجين الإعلامي البديلة لأنابيب الدولة في مصر معارضة بحدة عيسي فنزعوا عنه الخراطيم. الأمر نفسه كان بصورة أكثر فجاجة مع حمدي قنديل..ترك لسنوات في التليفزيون الحكومي كرافد قومي يلعب بعيدا عن الداخل المصري، وعندما أجبرته أحداث العراق علي قول ما لا يرضي عنه النظام المصري أطيح به، ومنع من الفضائيات الخاصة بل وتليفزيونات الدول الشقيقة. النمط الآخر هو ملكية الحكومة، فإعلام الدولة ودافعي الضرائب هو إعلامها، في خلط تاريخي متعمد للدولة والنظام معا.. والظهور في إعلام الحكومة يتم عبر (C.V) أمني يخلو من الشوائب المخالفة لوجهة نظر النظام، وحتي لو استوردوا موديلا معارضا كمحمود سعد فلابد أن يواجه بكوادر أخري أكثر حرصا علي وجهة النظر الرسمية.. ولا تتعدي معارضة سعد بالطبع مستويات بعينها. تنظيم الأداء الإعلامي هو الاسم "الشيك " للرقيب الجديد.. ترسانة اللوائح الحاكمة للبث الفضائي كفيلة بإسكات أي صوت نشاز يغرد بعيدا عن لحن النظام..فمراقبة تجاوزات الانتخابات علي الهواء باتت محرمة بعد شرط بقضي بأخذ إذن وزارة الإعلام قبل التصوير المباشر.. بل يتضمن ما عرف بمعايير تغطية الانتخابات بندا يمنع التشكيك في نتائجها.. رغم ميراث التزوير الممتد لثلاثة عقود لانتخابات البرلمان.. وأكوام الأحكام القضائية المثبتة لذلك.. وشكوي الحزب الوطني ضد مني الشاذلي، ثم تطور تبعات الشكوي بمثابة إنذار شديد اللهجة للآخرين.. فنحن أمام نظام يغلق بجرة قلم.. ويطيح بنجوم لهم مريدوهم بقرار لا يستغرق ثانيتين.. أغلقت المحطات الدينية رغم تجاوزاتها بقرارات فوقية..ودون السماح حتي بتناول الأمر قضائيا. جزء من تبعات الأزمة يتحمله المذيعون أنفسهم، فمصر ربما تنفرد بظاهرة "المذيع الزعيم".. أو صاحب وجهة النظر التي يفرضها علي مشاهديه..قال شوبير مثلا في تبريره لمساندة ممدوح عباس، إنه تأثر بنمط الإعلام الأمريكي، حيث تساند "فوكس نيوز" مثلا الجمهوريين.. وتتعاطف نيويورك تايمز مع الديمقراطيين..لكن القياس غير دقيق، لأن جزءا من انحيازات الإعلام الأمريكي ناتج من عدم وجود إعلام حزبي.. كما أن التغطية تضع المهنية واستماع الرأي الآخر كشروط جوهرية لا يمكن التخلي عنها.. كانت مثلا أوبرا وينفري داعمة لأوباما لكنها لم تسخر برنامجها لتأييده. كثيرا ما يخلط مقدمو البرامج الأدوار..يختلط منطق الناقد المنحاز بالمقدم الحيادي، أو يتراشق متنافسون بالشتائم علي طريقة الإذاعات الأهلية في النصف الأول من القرن العشرين، يستمتع الجميع باللعبة إلي أن تمس المحرمات الحكومية فينقلب السحر علي الساحر.. ترك مثلا علاء صادق يشتبك طوال أشهر مع زملائه وعناصر كثيرة من الوسط الرياضي.. إلي أن مس وزارة الداخلية بعتاب فأطيح به في دقائق. المنع من الهواء يمتد إلي أبنائه أحيانا.. طوردت هالة سرحان لسنوات بقضية قاسية مجمدة إلي حين.. وفي الكواليس مفاوضات وأسرار بعضها مثير، وصل الأمر إلي حد اشتراط مجيئها وجرجرتها إلي النيابة بالكلابشات ثم إنهاء الأزمة، لكن الأمور ظلت كما هي حتي الآن. لسنوات ظل عمرو أديب محل رضا الجناح القديم من السلطة..سمح له باستعراض تجاوزات الحكومة، كان له دور كبير في كشف تجاوزات الانتخابات البرلمانية الماضية، لكن هامش الحرية ضاق، وفي لحظة حساسية زائدة قبيل الانتخابات البرلمانية منع برنامجه من البث. العشرات بانتظار نزع أكسيجين البث..وجثث سابقيهم علي قارعة الطريق.. ترقد بجوار جثة الحرية.