اتحدت العرب اليوم - أغنياؤهم وغلابتهم - في نظرتهم إلي ما يحتشد له أصحاب الفخامة الرؤساء وأصحاب العروش وأولياء العهود في محافل تدوم لساعات أو أيام في واحدة من عواصمهم باسم «قمم» عربية، تسبقها اجتماعات تحضيرية لوزراء خاجية القمم تواطئة لانعقاد المحفل الكبير لتبدأ اجتماعات مغلقة، وأخري معلنة، وتنفض كلها بعد بيان ختامي يعلن وهو معلن سلفا!، فقد أعد من قبل، فتتحد نظرة العرب جميعا إلي هذه المحافل علي أنها بلا فائدة ولا لزوم، فله تضف هذه القمم - تعددت والاحوال واحدة!- شيئا إلي حياة العرب خلال العقود التي مضت، ولا يظن أي من العرب أنها ستضيف هي الأخري إن انعقدت! وعني كعربي، فإنني أظن أن فكرة «التنادي» فكرة عربية أصيلة، وربما ينفرد بها تراثنا العربي منذ كانت القبيلة هي الوحدة الأساسية في أي مجتمع عربي، تخلو من هذه الفكرة تواريخ الغرب الأمريكي الأوروبي حتي الآن، لأن انعقاد قمة عندهم يعني أن هناك ضرورة للانعقاد. فلا احتشاد إلا إذا دعت له ضرورة، ولا انفضاض قبل الوصول إلي قرار واضح ينهي حالة الضرورة التي دعت إلي الانعقاد، إلا نحن العرب - كما نري - من دون خلق الله جميعا تقوم حياتنا علي فكرة «التنادي» التي بدأت من عهد القبيلة، واستمرت حتي انتهت في التاريخ المعاصر للعرب إلي «التنادي» أيضا، ولكن باسم القمة التي يتنادي لها قادة العرب بنفير يدعو إليها بين الحين والحين، بل أصبحنا نوفر جهود إطلاق النفير، فجعلنا القمم ثابتة المواعيد، وبدون الدعوة إليها، فهي مقررة سلفا، وجدولها أصبح ثابتا، ثابت مواعيد انعقادها، وأعمالها واحدة!، بدليل أنها تنفض دائما عن بيان ختامي أظن أن مفرداته ثابتة!، من أشهرها لفظة «تفعيل»، ومعها حزمة من تشكيلات «لجانية» جديدة!، ربما لا تكتشف القمم أنها لم تنعقد ولم تصل إلي شيء عند كل قمة جديدة!، وليس معني ذلك أن يسأل أحد من الجالسين في القمة عنها!، ما دام الزاد لا ينفد من تشكيل لجان جديدة مصيرها إلي مصائر سابقاتها، والبيان الختامي هو نفسه الذي صدر في القمة التي سبقت!، والمشكلات التي يتناولها البيان هي هي التي بقيت دون حل لا يترقبه ولا يتعجله الذين اجتمعوا!، ولا الذين من جماهير العرب تابعوا من قمة إلي قمة لماذا انعقدت وعلي أي الاحوال انفضت، إنما الذي يتعثر فيه المواطن العربي وحياته تسير قمة جديدة تنتظره كلما خطت قدمه نحو المجهول الذي اعتاد السير إليه وهو لا يعرف ماذا يكون عليه الغد الذي لا ينتظر منه شيئا ذا بال!، بل قمة جديدة لتفعيل ما سبق وبقي بلا «تفعيل»!، وهكذا كانت قمة «سرت» الأخيرة، وبالبيان الختامي «إياه» انتهت، وإلي قمة قادمة!.