كان ميلاد صحيفة الدستور ميلادا قويا.. وكان كل شيء فيها يتصف بالعملقة من أول قضاياها التي تتبناها وحتي اسم المستشار السياسي للصحيفة.. المرحوم/أحمد الخواجة نقيب النقباء.. وانتبه لها أعداء الحرية منذ اليوم الأول فقاتلوها ولكن لم يقتلوها لانهم لم يفلحوا.. وكانت الدستور هي التعبير عن المشاعر الحبيسة في صدور ملايين المصريين.. وكانت هي الواحة التي يلجأ إليها مطاريد الصحافة وهؤلاء المطاريد هم أصحاب الآراء والأقلام التي تتجول بين الصحف لأسباب لا تعود إلي حب التنزه بقدر ما تعود إلي طبيعة مقالاتهم التي لا تروق للكثيرين. واتسمت جريدة الدستور في ظل إدارة الاستاذ/ إبراهيم عيسي بأنها رحبت بالمطاريد وسمحت لهم أن يكتبوا حي لو هاجموا جريدة «الدستور» نفسها ونجح إبراهيم عيسي في تخريج دفعات من الصحفيين الذين يؤمنون كلهم بحق الكلمة فشكلوا وحدهم جبهة إصلاح مختلفة الاتجاهات والانتماءات السياسية. وبالطبع فقد كنت أنا واحدا من هؤلاء المطاريد وقد أتيت من جريدة الشعب بسبب أنها أغلقت ثم رحلت إلي آفاق عربية حتي تم خروجي منها باعتذار جميل ثم إلي «صوت الأمة» حتي تغيرت إدارتها بعد خروج الأستاذ/ وائل الإبراشي.. فخرجت مع جيل المطاريد من «صوت الأمة» إلي الدستور مباشرة.. وكان من أدب الأستاذ إبراهيم عيسي أنه إذا عرض علي أحد المطاريد أن يكتب في الدستور فكان يعبر عن ذلك في أدب شديد بقوله «ياريت تكتب معانا في الدستور» مما يشعر المطرود بكيانه.. وأنه مازال مطلوبا في دنيا الكتابة والدليل أن الاستاذ/ إبراهيم عيسي يتمني لو تفضل المطرود بالكتابة عنده.. من أجل ذلك فقد وضع الجميع رحاله في الدستور وهم في غاية الاطمئنان.. إلا أنا .. فلم أكن مطمئنا، ذلك أني كنت علي ثقة من أن الحكومة «أمنا الغولة» والتي هي ليست أمنا ولا حاجة سوف تتخلص من الكلمة الصادقة بعد أن أممت القنوات الفضائية وأصبحت هي والصحف الحكومية سواء بسواء ولا يفعل فيها المذيع شيئا سوي أن يقول «آلو.. مين معايا» وشعرت بقبضة في القلب حينما علمت بنبأ بيع جريدة «الدستور».. وهذه القبضة ليست بسبب رؤيتي لكلب أسود أو «عرسة مخنوقة» وإنما لأني أعلم أن رأس المال لا يعرف المجازفة ولا علاقة له بما نردده من عبارات مثل «رسالة الكلمة أو النضال أو الصمود» تلك المصطلحات التي نرددها وندخل من أجلها السجون ونتعرض بسببها للمنع من السفر والمنع من الترشيح ومن الزواج إن استطاعوا لذلك سبيلا.. المهم ياسادة إن «إبراهيم عيسي» كان في رقبته «كوم لحم» من المطاريد بعضهم كان قد قام باللجوء السياسي إلي موقع «المصريون» الذي أصبح عالميا وبعضهم كان قد هجر الكتابة واستراح إلي القراءة فقط.. وبعضهم ينتظر نتيجة المعركة التي تدور بين رأس المال وبين المباديء.. لاننا نحن المطاريد كنا نشعر بقيمتنا في الدستور.. حتي من السادة المسئولين من الاعداد اليومية فقد كانت أخلاقهم مثل أخلاق أستاذهم فيتابعونك قبل صدور العدد ويقولون لك مثل أفلام السينما «فين المقال يا أستاذ» ويكررون الطلب حتي تظن في نفسك أنك أصبحت وبلا مقدمات «عباس العقاد» أو «حسين أمين» أو «الرافعي» .. الخلاصة يا سادة أن «الدستور» لن تموت .. وسيقوم إبراهيم عيسي أو أحد تلاميده بصناعة «الدستور الجديد» أو «الدستور الدائم» حتي لو اضطررنا إلي إعلان الاكتتاب العام بين المثقفين المصريين وستكون الدستور دائما هي أول وآخر جريدة يملكها الشعب كله.. وحينئذ فلن يقدر أحد علي شراء الشعب كله أو بيع الشعب كله.. وعلي المطاريد أن يذهبوا إلي الأبواب المفتوحة والتي تمارس حرية تعرف معناها حتي لو اختلفت معهم في الرأي مثل جريدة «صوت الأمة».. هذا لو لحقتها قبل أن تباع.. أو عند جريدة «المصريون» الالكترونية والتي يديرها «آل سلطان» علي الأقل لأنني لا أري سلطانا حتي الآن علي آل سلطان.. وعلي العموم فالمطاريد لهم ربنا.. وعليهم أن يستمروا حتي ولو كتبوا في مجلة الحائط فلا يأس ولا حزن.. بل علي العكس فإن ما يحدث إنما يعبر عن قوة الكلمة ونجاح أثرها. وبمناسبة الإعلام الكاذب فيروي أن أحد رؤساء مجلس إدارة صحيفة حكومية وضع جهازا علي باب المؤسسة لكشف الكذابين.. وكان كلما مر صحفي من أهل النفاق أصدر الجهاز «تك».. وفجأة صرخ الجهاز «تك .. تك.. تك..» بلا توقف فنظر الموظفون إلي الشخص الذي يمر من بوابة الجهاز فكان رئيس مجلس إدارة الجريدة. .... وعجبي