لن يحكم مصر بعد الآن حاكم مستبد ولا تيار دينى أو سياسى متطرف. تلك هى خبرة السنوات الثلاث الغائبة بكل ما حملت من مفاجآت وتقلبات، واختبرت فيها كل القوى والتيارات. فلا التيارات الدينية المتشددة لها أرضية فى الشارع ولا التيارات الثورية. فقد كفر الناس بتجار الدين كما كفروا بتجار الثورة. اكتشفوا أن تجار الدين يتجارون فى كل شىء، بدءاً من الزيت والسكر ونهاية بالوطن!. واكتشفوا أن تجار الثورة يتاجرون فى كل شىء، بدءاً بالدولة المدنية والحريات السياسية ونهاية بالوطن!. وكما ابتذل تجار الدين شعار «الإسلام هو الحل»، ابتذل تجار الثورة، النضال من أجل الحريات السياسية والمدنية. بعد 25 يناير قفز الانتهازيون على الثورة، وقدموا أنفسهم للشعب على أنهم ثوار ميدان التحرير، وأنهم الذين قاموا بالثورة!. وقبل 25 يناير وعلى مدى ثلاثين عاماً لم نسمع بهم ولم نكن نعرف عنهم شيئاً، ولم نسمع لأحدهم صوتاً يعارض مبارك واستبداده وفساد نظامه. بعد 25 يناير توارى المناضلون الحقيقيون، الذين دخلوا السجون والمعتقلات، وعانوا من الاقصاء والقمع والملاحقات، انسحبوا من المشهد المبتذل تعففاً وترفعاً، وتركوا المسرح للأراجوزات وثوار السبوبات والعملاء. وكتائب المارينز المتدثرة برداء ليبرالى والمنوطة بمهمة اختراق المجتمع المصرى فى العمق، والاحتلال المدنى للبلاد، تحت لافتات براقة، هى الحريات المدنية، وحقوق الإنسان، وحماية الاقليات. يروجون للقيم الأمريكية، التى من شأنها تمزيق المجتمع المصرى، وينشرون ثقافة جديدة ويتبنون مفردات غريبة على الأذن المصرية إذا ما تحدثوا عن الشعب المصرى «المواطنات والمواطنين»!. مع أن كلمة «المواطنين» شاملة وجامعة، وشافية ووافية، ولا تمييز فيها بين رجل وامرأة، لكنهم يكرسون للتمييز، وفى ذات الوقت يدعون أنهم ضده، يحاربون الإرهاب والتطرف، وفى ذات الوقت يناصرون الجماعات الدينية المتطرفة. يدافعون عن حق الإنسان الإخوانى، فى التظاهر بالمولوتوف والخرطوش ويتجاهلون حقوق المدنيين من ضحايا التفجيرات والعمليات الإرهابية!. يرفضون تدخل الجيش ولو كان انصياعاً لإرادة الشعب وفى ذات الوقت يشجعون الفاشية الدينية ويدافعون عن طاغية مستبد. ولا عجب فى موقف الإدارة الأمريكية، الرافض لمحاكمة زعماء العصابة الإرهابية. نشر بعدد 682 بتاريخ 6/1/2014