· حاول المخرج مجدي أحمد علي قدر المستطاع أن يقدم عالم إبراهيم أصلان في صور سينمائية بليغة من خلال شخصياته الشديدة الثراء. جاء «عبدالرحيم» إلي القاهرة اراد أن يكون صيده فيها كبيرا وعظيما، فاختار أن تكون سنارته غابة طويلة، وذهب للصيد في النيل فكان نصيبه:«عصفورة» علقت في هلب السنارة أثناء طيرانها في الجو، وصدم عبدالرحيم لأنه لم يفهم!كانت هذه هي الصورة التي قدمها أديبنا الكبير ابراهيم اصلان للشاب الريفي «عبدالرحيم» في أول تعامله مع المدينة الكبيرة «القاهرة» اصطاد من النيل عصفورا ومن هذه الصورة كان عنوان روايته واسم الفيلم الذي أخذ منها بعد ذلك «عصافير النيل»، والمسألة ليست «عصفور» عبدالرحيم وحده، انما ملايين مثل عبدالرحيم، احتضنهم النيل وعاشوا علي ضفتيه بأحلام صغيرة وامال محبطة، أنهم علي هامش الحياة، ولكنهم يظنون مثل عبدالرحيم أنهم حققوا شيئا! حاول المخرج مجدي أحمد علي قدر المستطاع أن يقدم عالم ابراهيم اصلان في صور سينمائية بليغة من خلال شخصياته الشديدة الثراء، والتي تمثل في واقع الأمر «دراما» هذا الفيلم وترك له حوار الفيلم حتي لاتهرب «روح» كل شخصية بينما أدخل علي السيناريو صوت الراوي «حلمي فودة» ليبدو العمل في النهاية وكأنه حدوتة، فكانت اضافته جيدة، ولكن تلاعبه بالزمن كان نقطة ضعف حقيقية في السيناريو فالمفروض أننا امام زمن ممتد، يرجع إلي العصر الملكي، وعهد جمال عبدالناصر، ويتمهل في عصري أنور السادات وحسني مبارك، ومن أجمل الاشارة إلي الزمن يتوقف أمام احداث بعينها.. أمام المكان فهو علي ضفاف النيل، في امبابة، وبالتحديد في حارة فضل الله عثمان. اعتمد الفيلم علي فلاش باك طويل حيث نبدأ من النهاية، فبعد أن مرت السنون يلتقي «عبدالرحيم» ببسيمة «فتحي عبدالوهاب- عبير صبري» إنهما يعيشان علي حافة الموت في هذا المستشفي البائس مثل حالتهما، أخذ السرطان من بسيمة جمالها وشعرها وحيوية جسدها، ولم يبق لها سوي ابتسامة ضائعة في وجه شاحب إنها أول حب أو علاقة في حياة عبدالرحيم، كانت امرأة متحررة فاتهمت بسوء السيرة، وتردد عبدالرحيم في الزواج منها، فعاقبته بالرحيل.. ويمضي عبدالرحيم في عمله بالقاهرة في «البوسطة»، وتتابع مراحل حياته في علاقاته حيث يرتبط بأرملة ولكنه لايستمر معها فهي تفضل معاش زوجها الراحل علي الاستمرار مع هذا الفحل الريفي، ثم يسكن إلي ممرضة، وتحاول أن تخرجه من ريفيته ليتمدين، ويفشل فترفضه، ثم يتزوج من فتاة في قريته وتنجب له الأبناء.. إنها حياة أقل من عادية، ولكنها مليئة بالتفاصيل والعلاقات، والتقابل والفراق.. ولكنها ايضا ليست حياة عبدالرحيم وحده، فالبهي «محمود الجندي» زوج شقيقة عبدالرحيم، الذي ولد في العصر الملكي، ومن خلال عمله بالبوسطة استلم خطابات «الضباط الأحرار» وحرص علي ايصالها ولذلك يعتبر نفسه من رجال الثورة، تطحنه البيروقراطية، وترفض أن تعامله كفني، فيخرج علي المعاش كإداري في سن الستين، وهذه أزمة حياته.. أما الست نرجس «دلال عبدالعزيز» فهي الأم المصرية التي ترعي الجميع.. وكل شخصيات الفيلم من دم ولحم وتكاد تعرفها أو ربما التقت بها، وكل شخصية تمثل في حد ذاتها «دراما» مع الحياة، ولايخطر ببالها ابدا أنها تعيش علي هامش الحياة، أو أنها مثل العصفور الذي علق في هلب سنارة المدينة الكبيرة ونيلها العظيم. توقف الفيلم أمام تفاصيل حياة شخصياته وتعاملهم مع الحياة والموت والعمل والزواج جعلهم في النهاية يمثلون «دراما» الفيلم، فما يعيشونه ليس حدوتة في حد ذاته، ولكن حياة المدينة معهم هي الحدوتة وهذه هي روعة رواية ابراهيم اصلان.. مع الحوار استطاعت اضاءة رمسيس مرزوق وموسيقي راجح داود أن تقدم الشخصيات بكثير من الحب والشجن، فتعيش معهم دون ان تصاب بما يعكر حياتهم من بؤس .. وكان ديكور خالد أمين موفقا.. أما اللاعب المهم فعلا في هذا الفيلم فهو اداء الممثلين، فهناك تفهم حقيقي وبليغ من فتحي عبدالوهاب ومحمود الجندي ودلال عبدالعزيز وعبير صبري في اداء الشخصيات بدرجة عالية من الحرفية والاقناع واختار مجدي أحمد علي الممثلين الثانويين بوعي متميز: سعيد الصالح ومني حسين واحمد مجدي وليلي نصر وغيرهم. يظهر المخرج مجدي أحمد علي في «عصافير النيل» في انضج حالاته كمخرج سواء في سيطرته علي ادواته أواخراج الاحساس من ممثليه، ولا يؤخذ عليه سواء الاطالة في بعض المشاهد، وإقحامه مشهد «هاملت».. فقد قدم فيلما صعبا ببساطة وحرفية ومشاعر مليئة بالشجن والحب لشخصياته.