· يجب أن نعترف بأن الرقيب بين شقي رحي فهو كما هو الحال في الحادثة الأولي- لايريد أن يغضب النظام السياسي أو مؤسسات الدولة لا أظن أن د. سيد خطاب رئيس الرقابة الجديدة، كان يدرك أنه يذيع سرا عندما أشار إلي أنه بفضل سياسته التي تدعو إلي الحوار والتفاوض، فإن السيناريوهات التي رفضت الرقابة تصويرها، وصلت إلي 10% فقط.. فهذه الأعمال لم تكن تعرف عنها أي شئ اصلا! منذ أربعة أشهر تم تعيين د. سيد خطاب رئيسا للرقابة علي المصنفات الفنية خلفا للناقد علي أبوشادي الذي امتدت رئاسته للرقابة لما يقرب من 10 سنوات حتي اعتدنا عليه ونكاد الآن أن نفتقده!.. وكان علي الرقيب الجديد أن يقدم نفسه للسينمائيين والمشاهدين والرأي العام، وللامانة فانه لم يدخر جهدا في الإدلاء بالحوارات الصحفية لكل من سأله ذلك!.. وقد ساعده علي الانتشار الإعلامي وقوع حادثتين مهمتين، الحادثة الأولي هي الحكم القضائي بتصوير فيلم «المشير والرئيس» الذي رفضت الرقابة تصويره لمدة تزيد علي 6 سنوات.. والحادثة الثانية هي عرض فيلمين بشكل متزامن «للكبار فقط» وهما «رسائل البحر» و«أحاسيس» وهو أمر غير مسبوق مما آثار الشهية الصحفية والإعلامية. في الحادثة الأولي، كان اصرار السيناريت الكبير ممدوح الليثي والمخرج خالد يوسف علي صنع «فيلم» المشير والرئيس» والاحتكام إلي القضاء في رفض الرقابة لتصويره، وراء فتحه ملف «السيناريوهات المرفوضة» فقد كان الانطباع السائد أن الرقابة ترفض بعض الأعمال، ولكن بعد تعديلها والحذف والاضافة يتم إجازتها.. ولكن بعد الحوار الذي أجراه الزميل أحمد بيومي مع الرقيب الجديد في مجلة «أخبار النجوم» اكتشفنا أن د. سيد خطاب يؤكد أنه في اربعة أشهر فقط- لم يرفض سوي 8 أفلام بينما وافق علي 62 فيلما، وقال إن السبب وراء تخفيض عدد الأفلام المرفوضة يرجع إلي أنه يحرص علي ترسيخ مبدأ المناقشة، واستدعاء المؤلف مباشرة لمناقشة افكاره ومحاولة الوصول لأرضية مشتركة.. ومعني هذا الكلام أن السيناريوهات التي كانت ترفض ولايسمع عنها أحد أكثر من هذه النسبة بكثير.. وهذه النقطة تنقلنا إلي قضية شديدة الخطورة، وهي المسئولية المباشرة للرقابة عن مستوي الأفلام السائدة حاليا، فنحن لانعرف «الموضوعات» التي رفضتها الرقابة ومدي قيمتها وقيمة صناعها!.. إنما نري ما يعرض علي الشاشة والذي يأتي في مجمله ضعيف وبائس. وتأتي الحادثة الثانية لترتبط بنفس القضية ولكن من زاوية أخري، وهي مسألة تصنيف الفيلم للكبار فقط حيث يعلن الرقيب الجديد عن عدم مسئوليته عن ذلك لأن فيلمي «أحاسيس» «ورسائل البحر» تمت اجازتهما قبل أن يصبح مسئولا، وإن كان في حواراته المتعددة لاينكر أن تصنيفهما «للكبار فقط» جاء صحيحا! «بل أكثر من ذلك، فهو يري أن فيلمي « كلمني شكرا» و«بالألوان الطبيعية» كان يجب عرضهما للكبار فقط «!!».. وبعد ذلك يرفع الرقيب العصا للسينمائيين فيقول في جريدة الشروق« لو طبقت القانون بحذافيره لن يمر فيلم في السينما» ويضيف «اعترف بإجازة بعض الأفلام شفقة بالمنتجين».. فين أيامك ياعم علي أبوشادي. والحقيقة أنه يجب أن نعترف أن الرقيب بين شقي رحي، فهو- كما هو الحال في الحادثة الأولي- لايريد أن يغضب النظام السياسي أو مؤسسات الدولة، وفي حالة وجود أي موضوع يناقش المسائل السياسية أو الدينية أو الجنسية يرفض فورا حتي يريح ويستريح لأنه لايتوقع ردود الأفعال، ويؤمن بالمثل القائل «الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح».. ويصل الأمر إلي طلبات مباشرة من الرقابة بتعديل «شخصيات» بعض السيناريوهات، فاذا رفض المؤلف يتم تحويل السيناريو للجهة التي تنسب لها الشخصية حتي تتم الموافقة عليها. فإذا انتقلنا إلي الحالة الثانية فإن الرقيب هذه المرة ينظر إلي الشارع، إلي الرأي العام والصحافة والانترنت، فهو يعرف أن هناك اتجاها محافظا ويميل إلي الاصولية ويجب عدم إغضابه بطرح فكرة أو حالة أو موقف يجعل الرقابة في موقف نقد وهجوم. إن الرقيب يشعر طوال الوقت أنه أمام محظورات من النظام السياسي ومن الرأي العام، وهو كموظف لايملك شجاعة تجاوز ذلك ولايريد!.. فكيف يتغلب علي ذلك في دولة تؤكد ليل نهار علي هامش الديقمراطية والحرية غير المسبوقة؟!. وسوف نجد الإجابة صريحة واضحة في كل حوارات د. سيد خطاب، فهو دائما يبدأ أحاديثه بأن «اتمني انتهاء زمن الرقابة»!.. أو توقعه باختفاء مقص الرقيب في المرحلة المقبلة فنحن في عصر السموات المفتوحة. نعم نحن أمام تناقضات مدهشة ولكن نأخذها- هكذا- كما هي لأنها مرضية للنظام السياسي والمؤسسات الحاكمة، ومرضية أيضا للرأي العام المحافظ ولو علي سبيل الادعاء!.. وفي سبيل ذلك فليذهب الابداع والافكار وقيم الحق والخير والجمال إلي الجحيم من أجل الولاء والطاعة!.. من لايصدقني فليذهب إلي صالات العرض ويشاهد الافلام، ليعرف ماذا فعل بنا الرقيب.. أي رقيب؟!