نصر يري أصحاب النشاط السياسي شرفاء لا يجب مساواتهم بالجواسيس لا يعتبر منع كتاب في بلد تحكمها أجهزة الأمن مثل مصر من الأمور الغريبة، خاصة لو كان الكتاب ينتقد النظام الحاكم أو يدعو لفكرة أو عقيدة تخالف التي عليه الدولة، ولكن أن يمنع كتاب لا يسئ لنظام حكم ولا يدعو لفكرة أو معتقد يتعارض مع ما تقوم عليه الدولة، فهو أمر عجيب، وغير مبرر، وهو ما حدث مع كتاب "عملاء الخيانة وحديث الإفك". الأغرب من ذلك أن الكتاب الذي تم منع طباعته وتوزيعه داخل مصر، فصدر في بيروت فترة حكم الرئيس السادات، من تأليف "صلاح نصر" رئيس المخابرات الأسبق، الكتاب ناقش قضية تجسس "مصطفي أمين" لحساب المخابرات الأمريكية في محاولة لإثبات صحة القضية ونزاهة جهاز المخابرات، وهما ما شكك "أمين" في صحتهما في كتابه "سنة أولي سجن" الصادر في 1975، وفي بعض مقالاته في أخبار اليوم التي عاد لها عقب صدور قرار جمهوري بالعفو الصحي عنه. الكتاب ضم عشرة فصول، أولها عرض بإيجاز رغبة وتطلع مصطفي أمين التقرب إلي السلطة، وقد استند "المؤلف" علي بعض ما كتبه مصطفي أمين نفاقاً للملك أيام وجوده علي عرش مصر، وهو ما تناقد مع ما كتبه فيما بعد عن الثورة ومدي تأييده لها. ثم يبدأ "نصر" في الفصل الثاني توضيح الفارق بين جريمة التجسس والتخابر وبين "الجريمة" السياسية، فالأولي يراها "نصر" خيانة للوطن، أما الثانية فيري إنها مجرد خلاف في وجهات نظر أبناء وطن واحد، وقد وصف "نصر" أصحاب النشاط السياسي المعارض للنظام بالشرفاء الذين لا يجب مساواتهم بالجواسيس والخونة الذين يقبضون ثمن خيانتهم، بعدها يبدأ "نصر" في الفصل الثالث إثبات تورط "أمين" في القضية من خلال عرض بعض أجزاء ملف القضية، التي أثبتت أن المتهم ما هو إلا جاسوس وعميل للمخابرات الأمريكية، تعامل مع ضابطها وهو يعرف أنه ضابط مخابرات، وأقر بذلك في التحقيق، بعد مواجهته بتسجيلات المخابرات للقاءاته مع الضابط "بروس تيلور"، والتي استعان ببعضها في الكتاب. الفصل الرابع خصصه المؤلف للرد علي المتهم الذي حاول إيهام الناس في كتابه "سنة أولي سجن"، بأن الأسرار التي قدمها للأمريكان لم تكن بالأهمية التي تجعل المخابرات تتهمه بالتخابر مع الأمريكان، محاولاً إيهام المحقق أن حواراته مع ضابط المخابرات الأمريكي، كانت مجرد دردشة، وهو ما أثبت كذبه صلاح نصر، من خلال عرض بعض أجزاء من تسجيلات المتهمين والتي استخدموا فيها الرموز بدلاً من الأسماء فعلي سبيل المثال كان يشار للرئيس عبد الناصر بالرمز "R" أو "أ" وهو أسلوب لا يستخدمه إلا من أراد إخفاء شئ ما، بالإضافة لكونه أسلوبا مستخدما في عالم التخابر والتجسس. وفي الفصل الخامس تعرض المؤلف إلي أهداف المخابرات الأمريكية من العمل داخل مصر، والتي كان علي رأسها أن تسير مصر في ركاب السياسة الأمريكية، بينما خصص الفصل السادس للرد علي ادعاءات مصطفي أمين بأنه كان يقوم بدور حمامة السلام بين الأمريكان وعبد الناصر، ثم عاد المؤلف مجدداً لإثبات تورط "أمين" من خلال تسجيلات تحدث فيها عن رغبته في تهريب أوراق هامة وهو ما حدث بالفعل بمساعدة الأمريكان بجانب أمواله الخاصة. وقد حرص "صلاح نصر" علي الدفاع عن جهاز المخابرات العامة في كتابه، ففي الفصل الثامن، عرض طبيعة دور الجهاز التي تقتصر علي جمع المعلومات وتقديم التقارير للقيادة السياسية، وكشف الجواسيس والعملاء، كما وضح أن الجهاز لا يتدخل في القضايا السياسية الداخلية، كما وضح الدور الهام الذي لعبته المخابرات قبل النكسة وكيف أن الهزيمة لم تكن بسبب الجهاز الذي قدم تقارير في منتهي الدقة، "نصر" عاود في الفصل العاشر الدفاع عن الجهاز، ولكن من خلال الرد علي افتراءات مصطفي أمين، والذي أوضح المؤلف طبيعة نشاطه داخل السجن والتفاف الجواسيس حوله، لدرجة أنه ساعد أحدهم علي تأليف كتاب عن تجربته مع الجاسوسية. أما الفصل الحادي عشر فقد تضمن جميع المقالات والرسائل التي أرسلها لجميع الصحف ولوزير الإعلام، بهدف الرد علي جميع ادعاءات مصطفي أمين، ولكنها لم تنشر..