رغم أن أسطول الحكومة المصرية من السيارات خلال النصف الأول من القرن الماضي كان محدودا جدا بحجم هذا الأسطول في الوقت الحالي فقد كان مثالا لإهدار المال العام ، فما بالكم بما يحدث اليوم وقد بلغ حجم هذا الأسطول عشرات الآلاف من السيارات وربما بضعة آلاف. الملاحظ أنه عندما انتشر التسيب في العقود الماضية اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات بهدف القضاء علي هذا التسيب وكان هناك جهازا خاصا يسمي جهاز مراقبة السيارات الحكومية يتولي تحديد الخلل ويصدر الأوامر التي تهدف للقضاء علي هذا الخلل. ورغم أن تلك الجهود بدأت في الظهور خلال الأعوام الأخيرة من حكم الملك فاروق غير أنها بدت أكثر وضوحا و قوة خلال الأشهر الأولي التي أعقبت ثورة يوليو حيث أصدر رئيس الوزراء علي ماهر قرارا بسحب سيارات الوزراء دون منحهم مليما واحدا أسوة بما هو متبع في معظم دول العالم بحسب وصف مجلة الموتور. وفي الوقت ذاته أمر اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة وأول رئيس مصري بعد زوال الحكم الملكي بسحب السيارات الفاخرة التي كان قادة الجيش المصري يستخدمونها في تنقلاتهم والاكتفاء باستخدام السيارات العادية والجيب كما هو متبع في معظم جيوش العالم. وتقول المجلة أن نجيب اتخذ هذا القرار عندما ذهل من النفقات الباهظة التي تتحملها ميزانية الجيش مقابل الترف والأبهة التي يغرق فيها بعض كبار الضباط خلال فترة حكم فاروق. وتقول صحافة تلك الفترة أن القرار أدي لتوفير 30 ألف جنيه قيمة سيارات الوزراء وتكاليف صيانة تلك السيارات كما تذكر أن القرار ترتب عليه عدم منح الوزراء بدل انتقال ولكن يمنح وكلاء الوزارات بدلا شهريا يقدر بنحو 50 جنيها شهريا وهو أمر رحب به أكثرهم باعتباره إعانة غلاء جديدة. داخل الدوائر الحكومية تردد أن القرار كان تمهيدا لسحب جميع السيارات الحكومية من وكلاء الوزارات ومديري العموم وسائر كبار موظفي الدولة. ولكن يستثني من ذلك بعض الهيئات الحكومية ومنها الشرطة والنيابة والري خاصة في المناطق النائية التي لا يتوافربها وسائل للمواصلات المريحة بحسب طبيعة عملهم. ووفقا للنظام الجديد تعني مصلحة النقل بشئون السيارات الحكومية وأن يتم تزويد تلك المصلحة بالموظفين والفنيين المتخصصين كي تقوم تلك المصلحة بمهمتها علي أكمل وجه. وفي الوقت ذاته كانت النية تتجه أوائل عام 1953 للتوسع الحكومي في استخدام الموتوسيكلات بديلا عن السيارات لتوفير جانب كبير من النفقات الباهظة التي تتحملها الدولة سنويا. وفي الوقت ذاته بدأت الحكومة خلال تلك الفترة فرض رقابة صارمة علي عمليات صرف البنزين للسيارات الحكومية حيث تبين من التحقيقات أن تلك العملية تتم بدون أي ضوابط الأمر الذي تسبب في الكثير من الفساد والتلاعب في الكميات التي يتم صرفها لسيارات المسئولين. وفي واقع الأمر أفادت اللجنة المشكلة من وكيل وزارة المواصلات واللواء أحمد شاكر مدير مصلحة النقل بالوزارة بأن النظام الجديد أدي لتوفير ما يقرب من مليوني جنيه سنويا علي ميزانية الدولة و كان مبلغا مهولا بأسعار تلك الفترة. الطريف في الأمر أن النظام الجديد لمراقبة السيارات الحكومية كان يتطلب تركيب عداد في سيارة كل مسئول لحساب المسافات التي تقطعها تلك السيارة وكميات البنزين التي تستهلكها. وكان للمسئولين كل الحق في ذلك بعد أن تبين أن الكثير من تلك السيارات كانت تستخدم في أغراض غير تلك التي خصصت لها خاصة وأنه كان لدي الحكومة 500 سيارة ركوب تحمل أرقاما خاصة. وكانت تلك السيارات تستخدم بطبيعة الحال في مهام غير حكومية، وبمعني دقيق "مهام منزلية وترفيهية" لأسر المسئولين وهو ما يحدث اليوم علي نطاق واسع. فالتحقيقات تفيد بأن الكثير من تلك السيارات الحكومية شوهدت عند ملاعب الكرة أوقات المباريات كما شوهدت الكثير من زوجات المسئولين داخل تلك السيارات ولهذا صدر قرار بمنع النساء من ركوب السيارات الحكومية المخصصة لأزواجهن وانطبق نفس الأمر علي سيارات الجيش التي ترددت تقارير تفيد بأن الكثير منها يستخدم في الأغراض الشخصية البحتة وهو أمر نادر الحدوث في يومنا. كما تبين أن وكيل إحدي الوزارات كان يستخدم ست سيارات حكومية في وقت واحد. ولكن الأطرف علي الإطلاق هي التقارير التي نشرت عن سيارات تابعة لبلدية القاهرة وجامعة فاروق الأول. ففي الحالة الأولي تبين أن مدير البلدية السابق خلال الفترة الأخيرة من العهد الملكي ويدعي السيد مصطفي فهمي كان يستخدم سيارتين فاخرتين إحداهما من سراي عابدين بوصفه كبير مهندسي القصور الملكية، والأخري بوصفه مدير البلدية. والأغرب أنه لم يذهب للبلدية مطلقا سوي عند قيام الثورة. وخلال عام واحد صرفت السيارة 2033 جالونا من البنزين أي بواقع 6 جالونات يوميا و كانت تلك السيارة تستخدم في أغراض عائلية بحتة بعيدة عن أغراض العمل وساعده علي ذلك أن السيارة كانت تحمل أرقام ملاكي. وتقول مجلة الموتور التي نشرت مقتطفات من التقرير أن التكاليف السنوية لتلك السيارة بلغت 500 جنيه دون أن تقوم السيارة برحلة واحدة لصالح الهيئة التي تتبعها. شريف علي