· كانت موهبة هند صبري وحضورها المحبب والطاغي أهم من أن تهدر في أفلام ضعيفة هند صبري بنت «عفريتة»، وفنانة استثنائية نجحت في أن تصبح من أهم الاكتشافات الفنية في السينما المصرية والعربية مع بداية الألفية الجديدة، إنها ممثلة لا تملك إلا «الموهبة».. والموهبة وحدها تكفي لصنع أشياء كثيرة مهمة ومبدعة!. هل هند صبري مجرد فتاة محظوظة؟.. هل الحظ وحده هو الذي أتي بها من تونس لتكون من نجمات الأفلام المصرية والسينما العربية؟.. وهل الصدفة وحدها هي التي اختارتها لتدير لقاء مع النجمة سلمي حايك في مهرجان القاهرة السينمائي منذ أيام؟.. والأهم من ذلك هل مجرد دعوة تقليدية من مهرجان فلسطيني عن فيلم قدمته من 15 سنة يمثل صدفة أخري جعلتها تصبح طرفا في معركة سياسية خطرة تلتبس فيها التعريفات والتوجهات السياسية بين مفهوم التطبيع مع اسرائيل، ومفهوم مقاومة وكسر الحصار عن الفلسطينيين؟! يقولون: إن الموهبة الحقيقية تجد دائما من يكتشفها، ومن يقدمها للناس؟ .. وهذا ما حدث مع هند صبري أكثر من مرة، ففي البداية شاهدها المخرج التونسي الكبير نوري بوزيد، ورشحها للمخرجة مفيدة تلاتلي لتصبح بطلة فيلم «صمت القصور»، وهي مازالت طفلة علي أعتاب المراهقة، ثم أسند لها بطولة فيلمه «عرائس الطين».. ويأتي المشهد الثاني في مصر، حيث ترشحها المخرجة إيناس الدغيدي لبطولة «مذكرات مراهقة» بعد أن ضاقت بشروط الممثلات الشابات وطلبهن تعديل بعض المشاهد بما يفسد فكرة الفيلم نفسه.. وتدرك الممثلة الصغيرة قيمة الفرصة وتجتهد في تعلم اللهجة المصرية، والتعبير بصدق عن مشاعر الفتاة المراهقة .. وسرعان ما يجد مخرجنا الكبير داود عبد السيد ضالته فيها لتلعب بطولة فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» وتلمع موهبة الفتاة الصغيرة مثل «ماسة» عرف قيمتها جواهرجي ماهر.. وتحترف هند صبري التمثيل، وتحقق 15 فيلما مصريا في 8 سنوات، وفي نفس الوقت لا تترك السينما التونسية التي وصل رصيدها فيها إلي 6 أفلام. كانت موهبة هند صبري وحضورها المحبب والطاغي أهم من أن تهدر في أفلام ضعيفة، وهكذا أصبحت بطلة في أفلام محمد خان وشريف عرفة ويسري نصر الله، ومعبرة عن الفتاة المصرية والعربية في أفلام إيناس الدغيدي وكاملة أبو ذكري وهالة خليل .. ولكن الطريق لم يكن سهلا أو ميسرا، فقد اتهمت هند صبري بأنها تعمل في الأفلام المصرية لأنها تقبل الأدوار التي لا تقبلها الممثلات المصريات، ومع الوقت سقطت هذه الحجة الخائبة بسبب مهارة أداء هند صبري من ناحية، وقدرتها علي اختيار أدوارها وأفلامها من ناحية أخري، والأهم من هذا وذاك أن الجمهور أحب هذه الموهبة وصدقها، ورفض أن يفرض عليها الحصار لأنها ممثلة قادمة من تونس. وعندما أثار د.أشرف زكي نقيب الممثلين «زوبعة» عدم عمل الممثلين العرب في مصر، استثني الجميع بمن فيهم النقيب نفسه هند صبري والممثلة اللبنانية نور، لأن الموهبة تصبح صاحبة الكلمة العليا!.. ووسط هذه الظروف ظهر اجتهاد هند صبري الحقيقي والمثمر في تطوير نفسها لتحقق أكبر قدر من النضج في فنون الأداء، وفي نفس الوقت لا تهمل دراستها وتثقيف نفسها، فتحصل علي درجة الماجستير في المحاماة، وعندما ترفض نقابة المحامين في تونس منحها العضوية لأنها ممثلة - كما حدث مع شريهان في مصر - تدخل معركة حقيقية، وتنجح في أن تصبح عضوا بالنقابة.. وتكسبها معركتها في اثبات نفسها في السينما المصرية، ومع نقابة المحامين في تونس، بالاضافة إلي اختيارها لعضوية لجان التحكيم في مهرجانات مثل قرطاجوالقاهرة ومراكش ودمشق، في تعميق ثقافتها واجتهادها وإكسابها المزيد من الوعي. ومنذ أيام.. هل كانت الصدفة وراء لقاء هند صبري بالنجمة سلمي حايك؟، فالأخيرة جاءت من الأفلام المكسيكية لتصبح من نجمات هوليوود الكبار، أما الأولي فجاءت من تونس لتصبح من نجمات السينما العربية الكبار، بل وتثبت وجودها في سينما تميل للبطل الرجل، ومتحفظة في تقديم الفتاة أو المرأة كبطلة وصاحبة قضية.. كان لقاء هند بسلمي لقاء نادرا، لا يمكن اعتباره إلا مدبرا بخطة من صنع الصدفة!. نأتي إلي مهرجان القصبة السينمائي الفلسطيني الذي ذهبت إليه هند صبري بمنتهي الوعي لتشارك الفلسطيين في رام الله مهرجاناتهم، وتكسر الحصار المفروض عليهم، ويرحب بها الرئيس الفلسطيني أبومازن، وتذهب لقبر ياسرعرفات والشاعر الكبير محمود درويش.. ذهبت لتؤكد حق الفلسطيني في المقاومة وكسر الحصار، ولم تذهب للجلوس مع الاسرائيليين، فهي من الوعي والثقافة والفهم للتفريق بين التطبيع، والمقاومة وكسر الحصار.. وهذا الفهم الذي ساند موهبتها وهي تكبر وتنضج كممثلة مصرية تونسية عربية استثنائية، تكتسب يوما بعد يوم الكثير من الاحترام والتقدير لقيمة موهبتها التي أكسبها الإبداع وعيا بمكانة الفنان ودوره في قضايا أمته وشعبه. مرة أخري.. هل هند صبري فتاة محظوظة ساقتها الصدفة إلي الشهرة والنجومية؟ .. ربما ولكن الحظ لا يصادف إلا من يستحقه، والموهبة لا تكبر وتنمو إلا بالوعي بما يحدث حولها، فيصبح صاحبها مبدعا يؤثر ويتأثر بالناس وقضاياهم، ويكون منهم ومعبرا عنهم.