يهمني بشكل خاص إلقاء الضوء علي بعض التقارير المهمة والحركة الدائرة في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة و فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بصفة خاصة. وبداية لابد من تحية كبيرة إلي رجل يحمل في قلبه ووجدانه وعقله قضايا حقوق الإنسان في العالم، وهو ريمي باجاني، عمدة جنيف، الذي تحاورت معه مؤخرا وخلص هو إلي ضرورة المضي قدماً بمعاهدات جنيف لكي تكون هي مربط الفرس في تقديم مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم الإنسانية للعدالة، و لكن كيف؟ باستخدام المادتين 146 و147 من المعاهدة من أجل إقامة محاكم وطنية تلاحق مجرمي الحرب أينما كانوا علي غرار المحكمة التي تشكلت مؤخرا في البوسنة والهرسك، وهي محكمة وطنية شكلت بإرادة وطنية وليس من خلال قرار دولي. فضلاً عن هذا فهو يؤمن بضرورة التوصل إلي محكمة دولية دائمة الانعقاد لمحاكمة مجرمي الحرب في كل أنحاء العالم. وهو سيزور قرية بلعين في يناير القادم، وهي القرية التي تصارع من اجل الحرية والحفاظ علي أرضها التي تنهش من قبل الجدار الفاصل التي تقوم إسرائيل ببنائه، وقال باجاني إن الجدار الفاصل ينافي معاهدات جنيف التي تقف ضد فصل الاراضي تحت الاحتلال و في وقت النزاع. وهذه لقطة صغيرة عن رجل يستحق الاحترام و التحية قبل الدخول في صلب الموضوع. و ما هو الموضوع؟ إن الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان ستعقد يوم 14 سبتمبر القادم و لمدة 3 أسابيع و سيفجر فيها القاضي ريتشارد جولدستون، رئيس لجنة تقضي الحقائق الأممية حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب غزة، تقريره الذي يضاف إلي عدد قد بلغ خمسة تقارير دولية عن نفس القضية.وفي هذا الإطار لابد من إلقاء الضوء علي عرب فلسطين 1948 كما جاء في تقرير جديد للجنة العربية لحقوق الإنسان و مقرها باريس. ولا يمكن سرد التقرير كله هنا و لكنني أنصح المهتمين بالقضية أن يقوموا بقراءة متأنية له فهو يذكر، علي سبيل المثال و ليس الحصر، أن عرب النقب أو بدو جنوبفلسطين كانوا قبل عام 1948 مائة ألف نسمة، لكن لم يبق منهم مع سياسات الطرد والتهجير هذه سوي 11 ألف نسمة. وينبه التقرير إلي تصاعد الاستفزازات التي يتعرض لها بنوع خاص منذ بضعة أشهر الفلسطينيون من سكان عكا ويافا، وما يفرض في قري وبلدات المثلث في منطقة وادي عارة والطيرة وقلنسوة وكفرقاسم من قوانين تعسفية لهدم البيوت، وما واجهه مؤخراً سكان حي "الحليصة" في مدينة حيفا من ابتزاز وتهديد بالإخلاء، ويظهر التقرير وبالأرقام نقلا عن التقرير الإحصائي السنوي لسنة 2008 لدائرة الإحصاء المركزية، نقلا عن المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في الناصرة أن تعداد السكان العرب في "إسرائيل" بلغ 1,431,700 نسمة. وحتي تلخيص التقرير صعب لأنه وبالتحديد يقع في 12.504 كلمة ومن هنا أعمل علي نقل لقطات سريعة منه لا تفي بالغرض البحثي والقيم و المهم. فالتقرير الشامل الذي أعده مركز (ركاز- بنك المعلومات عن الأقلية العربية في "إسرائيل") وجمعيتا "الجليل للبحوث والخدمات الصحية" و" الأهالي - مركز التنمية الجماهيرية " يهدد بكارثة سكنية لأن هناك حاجة لأكثر من سبعين ألف مسكن جديد للأسر الفلسطينية في الداخل، ولا تري الأسر العربية الآلية في كيفية تحقيق هذا الحلم، بسبب ممارسات الحكومة "الإسرائيلية"، أكان ذلك من خلال تضييق مناطق النفوذ، أو مصادرة الأراضي، واستمرار المنهجية التي كانت ومازالت في سياسة هدم البيوت. ويؤكد التقرير انه في حين أن حوالي 156 ألف فلسطيني، أي ما نسبته 9% من الفلسطينيين من سكان القري، وقلة من سكان بعض المدن "حيفا، عكا، يافا، اللد والرملة"، استطاعوا البقاء ضمن الحدود التي أقرتها هدنة 1949، تضاعف عدد الفلسطينيين منذ ذاك حتي نهاية 2006 نحو 7.3 مرة، ليبلغ تعدادهم منتصف 2007 نحو1.136.900 نسمة (باستثناء مواطني مدينة القدسالمحتلة). ويشير التقرير إلي انه فيما يتعلق بالعمل والبطالة إلي أن نسبة المشاركة في قوي العمل تبلغ 42.6% بين الفلسطينيين مقارنة ب 58.5% بين اليهود، وأن19% من النساء العربيات يعملن مقابل 56% من اليهوديات. ويذكر التقرير أن 68 % من الفلسطينيين من الفئة العمرية 60 سنة وما فوق يعانون من أمراض مزمنة.لكن 51 % منهم فقط يملكون تأميناً مكملاً مقابل 85 % من اليهود. ويقول التقرير إن هؤلاء العرب هم أيضاً الأكثر فقرًا، حيث تشير معطيات مؤسسة التأمين الوطني إلي أن 61.3 % من العائلات العربية سنة 2006 يقعون تحت خط الفقر، مقابل 28.7 % من العائلات اليهودية. وفي حين ينقذ الدعم الحكومي 47% من العائلات اليهودية الفقيرة بحيث تخرج من دائرة الفقر، فهو لا يساعد سوي 10.6 % فقط من العائلات العربية الفقيرة. وكشفت صحيفة "عرب الداخل" عن أكبر مشروع لاستخراج مادة الفوسفات في النقب، علي أراضي قرية الفرعة غير المعترف بها إلي الجنوبي من عراد، والذي بات في مرحلة متقدمة. أما شركة "روتم امبرط" المفوضة بتنفيذ المشروع، فتبذل قصاري جهدها منذ عام 1997 لوضعه حيز التنفيذ، حيث سيستخرج احتياطي فوسفات تقدر كميته بنحو 65 مليون طن بقيمة 100 مليار شيكل. لكن معارضة بلدية عراد للمخطط منعت من مباشرة العمل في المشروع الذي سيؤدي كلياً إلي تغيير ملامح الأرض من جبال وأودية ومعالم. فهذه القرية، التي يقطنها قرابة 5000 نسمة، سيجد أهلها أنفسهم في العراء في حال الشروع ببناء المشروع الذي سيلتهم نحو 13 ألف دونم من الأراضي العربية. وسيؤدي إلي انشطار الغبار الناعم الذي يلوث الهواء مما يعرّض السكان للإصابة بأمراض سرطانية مختلفة، أهمها سرطان الرئة. وبالرغم من كل هذا، فإن التقرير يقول: العرب متمسكون بحقوقهم وبممارستهم كمواطنين، فالمواطنة التي فرضت علي الفلسطيني في "إسرائيل" هي الصيغة الممكنة للبقاء في وطنه وحماية ما تبقي منه من التهويد، كما يقول رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات أمير مخول. ونحن في خضم متابعة أحوال الفلسطينيين في الضفة الغربية و قطاع غزة ننسي كثيراً مأساة عرب 1948 الذين يعيشون في إسرائيل، فتحية كبيرة للجنة العربية لحقوق الإنسان، التي رغم تعليق عضويتها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة والذي هو بمثابة إصابتها بشلل مؤقت، إلا أنها لا تكل ولا تمل وتتابع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل إسرائيل في الداخل والخارج.