قامت الثورة، وجرت انتخابات ولم يتغير وجه الحياة فى مصر، فلم يزل «الفرعون» يحتل قصر الرئاسة، فقد تخلصنا من فرعون بثورة، وجئنا برئيس يحصن نفسه بسلطات وصلاحيات فرعون ويمارس ذات السلوك الاستبدادى والتسلطى للفرعون المعزول. هكذا يقول الدكتور «حسن نافعة» استاذ العلوم السياسية والناشط السياسى الذى يرى أن الجيش لن يسمح بأخونة الدولة المصرية، ويخشى من استخدام حزب الوفد لتفكيك المعارضة الوطنية، ويفسر الصراع الناشب بين الإخوان والسلفيين بخشية الإخوان من طرح حزب النور كبديل لهم!، تعالوا إلى الحوار: كيف ترى الأوضاع السياسية فى مصر فى ظل التناحر بين الأحزاب؟ - الوضع مقلق جدا فالنظام الحالى يدير البلاد بمزيد من العناد والبلادة مثلما كان النظام السابق ولا يختلف كثيرا عنه ويبدو اننا استبدلنا اغلبية جاءت من خلال التزوير بأغلبية أخرى يفترض أنها جاءت بصناديق الاقتراع ولكن نسبة التصويت اوضحت انها لم تعبر بشكل دقيق عن نبض الشارع وشعب قام بثورة وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات فى ظل المرحلة الانتقالية من خلال إعداد البلاد لها واستئصال بقايا النظام السابق ووضع اسس للنظام الجديد متفق عليها بين القوى السياسية ولكن ما حدث ان هناك سلسلة كبيرة من الأخطاء التى تراكمت وافرزت ما نعانى منه الآن ارتكب بعضها أثناء إدارة المجلس العسكرى للمرحلة الانتقالية وتحولت إلى أزمة سياسية وتناحر بين المجلس وجماعة الإخوان وقبل انتخاب الرئيس صدر إعلان دستورى يقلل من صلاحياته وتم الحكم ببطلان البرلمان واصبح النظام السياسى برأسين المجلس من جهة والرئيس المنتخب فى جانب آخر ورغم انهاء الخلاف بين القوتين الا أن ذلك لم يلغ الأخطاء وهى التى سهلت للدكتور مرسى ممثل جماعة الإخوان المسلمين أن يصبح بديلا للحزب الوطنى فى إدارة البلاد بسلطات مطلقة وقد فشل الرئيس فى ان يصبح رئيسا لكل المصريين كما تخيلت المجموعة التى التقت الرئيس قبل الانتخابات وانتهت إلى وثيقة اقر بها ولكنه لم يلتزم بتطبيقها واحمل المجلس العسكرى تسليم السلطة كاملة لمرشح الإخوان واحمل الدكتور مرسى شخصيا أنه فشل فى ان يكون رئيساً للمصريين واصبح رئيساً لجماعة الإخوان ووصل به الأمر إلى تحصين جميع قرارات ومصالح الجماعة ومنها مجلس الشورى والجمعية التأسيسية. ■ ما الحلول التى تطرحها لإنهاء هذا الوضع المعقد والخروج من الأزمة؟ ■ للاسف الشديد هذا الوضع لا حل له لان الحزب الحاكم ليست لديه رؤية وواضح أنه يريد الاستمرار داخل دواليب السلطة، ولا المعارضة لديها حلول لتلك الأزمة المستحكمة، وبالتالى نحن فى طريقنا إلى نفق مظلم ولكن ما يقلقنى يشكل شخصى هو الوضع الاقتصادى السيئ لدرجة اننا فى طريقنا إلى شبح الافلاس قبل انطلاق الانتخابات البرلمانية ولكن الحزب الحاكم مصر عليها دون التفكير فيما ستسفر عنه من أزمة مالية كما أن مطالب المعارضة قبل الذهاب للانتخابات لم تحقق حتى الآن وبالتالى ستكون اداة لتعقيد المشهد السياسى. ■ لكن مقاطعة الانتخابات هى سلاح المعارضة الذى دائما تتراجع عنه؟ - لذا ستكون الانتخابات أيضا اختبارا لمدى تماسك وجدية المعارضة اذا لم تتم الاستجابة لمطالبها بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية وتقوم بدخول الانتخابات فإن ذلك يكشف اننا امام معارضة 2010 فقد كنت المنسق العام لمعارضة التوريث وحزب الوفد كان خارجها وخاض الانتخابات ولم تلتزم الجماعة باتفاقها وخاضت الانتخابات تحت دعوى ان المقاطعة تكون فعالة ان لم تكن جماعية واخشى أن يتكرر نفس الشىء خاصة بالنسبة لحزب الوفد لانه يسهل استقطابه واستبعاده من التنسيق وبالتالى يسهل تفكيك المعارضة، كما أنها غير معبرة عن الشارع حتى الآن لم تستطع الوصول اليه خاصة أن مواقف المعارضة فى النهاية تعبر عن النخبة فتحركات الشارع فى الاعتصام والعصيان المدنى اثبتت انها اكثر صرامة من المعارضة التى لم تستطع اتخاذ موقف واضح اتجاه النظام القائم. ■ لكن كيف ترى المفاوضات التى يجريها الحزب الحاكم مع رموز المعارضة كلقاء البرادعى والكتاتنى؟ - ما يجرى من اتصالات عبارة عن مناورات سياسية لا تهدف لايجاد حلول للأزمة ولا يدل على استجابة الحزب الحكم للقوى السياسية بل هو محاولة منه لعدم انفراد حزب النور بالساحة من خلال المباردة التى اطلقها لنبذ العنف لان تخوف الإخوان منه تزايد ولا يزيد الامر عن منافسة بين الحزبين وحتى الآن لم نر لهذه اللقاءات اى فائدة ولكننا ننتظر ما ستنتج عنه الأيام القادمة خاصة أن جميع الأحزاب الموجودة على الساحة من التيار الشعبى وحزب المؤتمر وغيرهما ما هى إلا تيارات على ورق لا تعلم عن الشارع شيئا ولم تختبر فى انتخابات حقيقية. والأصوات التى حصل عليها حمدين صباحى لا تعبر عن ثقل هذا التيار خاصة ان الاوضاع اختلفت عن ذى قبل وليس قياسا لاستمراره وعمرو موسى تطور اداؤه ولكن ذلك لم ينف عنه صبغة انه من النظام االسابق. ■ ماذا عن الصراع الدائر بين جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة من جانب وحزب النور والدعوة السلفية بالاسكندرية من جانب آخر، وتعليقك على واقعة اقالة مسستشار الرئيس السلفى خالد علم الدين؟ - مما لاشك فيه ان الفترة الحالية تشهد صراعا قويا بين جماعة الإخوان والسلفيين وبالأخص حزب النور الذى صار يحلق بعيدا عن باقى التيارات الاسلامية، وربما سبب هذا الصراع هى المخاوف التى تنتاب جماعة الإخوان المسلمين من تصدر حزب النور وطرح نفسه بديلا لجماعة الإخوان المسلمين، اما بالنسبة لاقالة خالد علم الدين، فكانت مفاجأة للجميع، ولم تكن المفاجأة فى اقالته بقدر ماكانت المفاجأة فى توجيه تهمة الفساد اليه واستغلال النفوذ، ولهذا دلالة خطيرة فى علاقة النور بالجماعة وهما من كانا أهم حليفين سياسيين فى جبهة الحكم منذ فترة ليست بالبعيدة، وهذا ليس له إلا تفسيرين الاول ان يكون الحزب الحاكم «الحرية والعدالة» أدرك حجم الخطأ الذى وقع فيه، بتحالفه مع النور الذى كان تسبب فى توريطه فى مواقف متشددة من قضية الدستور، وأنه بدأ يسعى لتصحيح هذا الخطأ بالعمل على إعادة تشكيل تحالفاته، كوسيلة للبحث عن مخرج للأزمة السياسية الراهنة، أو أن يكون هذا التحرك مجرد مناورة سياسية، تستهدف إفشال محاولات حزب النور، الذى يعتقد الحزب الحاكم أنه يسعى لاستغلال الأزمة الراهنة لطرح نفسه كبديل أكثر مرونة وانفتاحاً على الآخرين. وعلى كل حال فسوف تظهر الأيام والأسابيع المقبلة شكل العلاقة بين هاتين الجهتين. ■ كيف ترى مشهد الاضطرابات القانونية التى تشهدها الفترة الحالية والصراع بين المحكمة الدستورية ومجلس الشورى؟ - دور المحكمة الدستورية مهم جدا ولا يمكن انكاره لانه لابد أن تكون هناك رقابة على القوانين ولكن المشكلة أن المحكمة تم استخدامها فى فترة حكم المجلس العسكرى لان توقيت بطلان البرلمان صحيح ولكن قيامها ببطلان كل البرلمان وليس الثلثين فقط الأمر الذى اساء استخدام السلطة من قبلها ولا ننكر أن توقيت الحكم سياسى ولا يمكن فصل تلك المحكمة عن السياسة والأسوأ هو تصور الحزب الحاكم للمحكمة الدستورية على أن المحكمة تعمل ضده ومن هنا لابد من استبعاد المؤسسة القضائية عن الساحة السياسية وقد استغلها الحزب الحاكم لتحقيق مصالحه واتضح ذلك فى الدستور فقد تمت الاطاحة بأعضاء المحكمة واعادة تشكيلها وهذا استخدام للسياسة للانتقام من المحكمة والحكم الاخير الخاص بقانون الانتخابات لم يكن موجها ضد النظام الحاكم بل إنه جاء فى صميم اختصاص عمل المحكمة بالرقابة اللاحقة ولكن الأزمة الآن تكمن فى منع المحكمة من الرقابة على القوانين بعد التطبيق لان العوار يتضح بعد التطبيق كما أن مجلس الشورى لابد أن يلتزم بالتعديلات ويقوم باعادة القانون للدستورية لاثبات حسن النية وانه لا يستحوذ على السلطة، وحتى لا ندور فى حلقة مفرغة مرة أخرى ونرجع لمرحلة الحضانة، ولكى نطمئن تماما أن مشروع القانون دستورى مائة بالمائة يجب ان يعطى الضوء الاخضر من المحكمة الدستورية قبل اصداره، أى انه واجب على مجلس الشورى او على الرئيس قبل ان يصدره أن يعيده إلى المحكمة الدستورية، لكى تقول إنه مطابق للدستور تماما ويكون رأى الدستورية نهائيا، والا يجب ان يسمح للمحكمة الدستورية العليا بالرقابة اللاحقة وهذا أمر يحرمه الدستور، ويبدو ان الحزب الحاكم فى عجلة من أمره ويريد ان تجرى الانتخابات بسرعة، ولكن فى سياق هذه العجلة والسرعة يرتكب الخطأ تلو الخطأ وبالتالى يعرقل المرحلة الانتقالية باستمرار. ■ معظم هذه الأخطاء قانونية ولكنها تأتى من رجال قانون ..كيف ترى ذلك؟ - القانون اداة ووسيلة، ودائما يمكن استخدام القانون فى إدارة اللعبة السياسة، وذلك لان القانون حمال أوجه ويحمل تفسيرت متعددة، ولتلاشى ذلك، لابد ان يكون هناك حد ادنى من التوافق السياسى، لانه فى الدستور مثلا قلت انه ليس هناك اغلبية تستطيع ان تفرض نفسها على الاقلية فيما يتعلق بالدستور، وعندما دخلنا إلى استفتاء 19 مارس كنت اول من نادى بالدستور اولاً لا الانتخابات اولاً، وللأسف المرحلة الانتقالية كانت تحتاج إلى إدارة مختلفة، وللاسف ايضا ان إدارة المجلس العسكرى وإدارة الرئيس مرسى كانتا أسوأ من بعضهما البعض. ■ المحكمة الدستورية تنظر خلال ايام الإعلان الدستورى الذى اصدره الدكتور محمد مرسى والذى جاء بعده الاستفتاء الذى نتج عنه الدستور.. ماذا لو حكم ببطلان الإعلان الدستورى؟ - لا اعتقد ان المحكمة الدستورية سوف تحكم فى قضية الدستور، فالمحكمة ليس من حقها ان تحكم على الدستور، المحكمة تحكم على القوانين، وهذه النقطة ستعيدنا إلى المربع بعد الصفر، وليس الصفر، وسنعيد عاما كاملا مضى، واعتقد ان المحكمة ستتنزه عن مثل هذا الأمر. ■ رأينا تخبطا واضحا داخل مؤسسة الرئاسة.. كيفترى هذا التخبط وما السبب فيه؟ - كان أحد مطالبنا قبل فوز الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، ان يكون للرئيس ثلاثة نواب واحد يمثل المرأة وآخر يمثل الاقباط واخر يمثل الشباب، وسجلنا ذلك فى وثيقة وقع عليها الدكتور محمد مرسى، الا أن هذه العهود طارت ولم يف محمد مرسى بعهوده فجاء الدستور خاليا من منصب نائب الرئيس، وحتى عندما اختار الدكتور محمد مرسى نائبا له لم يكن لهذا النائب علاقة بالسياسة مع احترامى وتقديرى له، حتى وعلى الرغم من انه رجل قانون الا انه لم يأخذ رأيه فى الإعلان الدستورى، فلقد كان خارج البلاد وقتها، وأداء مؤسسة الرئاسة ككل اثبت انه اداء هزيل جدا، وان الفرعون هو الفرعون وهو من يحتل القصر الجمهورى، ووجدنا ان الاصرار على فردية القرار هو ما أدى إلى استقالة المستشارين الواحد تلو الآخر، ولكن النقطة الفاصلة كانت الإعلان الدستورى، والذى قال عنه وزير العدل انه معترض عليه على الرغم من انه لم يستقل ولكنه كان معترضا، وهو ما يؤكد لنا ان فى قصر الاتحادية «فرعون» وليس رئيسا يمثل كل المصريين. ■ هل سبب هذا التخبط فى البيت الرئاسى سيطرة الإخوان المسلمين على الأمور بالقصر الجمهورى؟ - نحن لا نعلم بالضبط ما شكل العلاقة بين الدكتور محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، ولكنى اعترف انى اخطأت التقدير حين توقعت أن يكون هو فوق المرشد الاعلى، كما كنا نعتقد ان الدكتور محمد مرسى هو الذى سيقنن وضع الجماعة وهو الذى يتحكم فيها بدلاً من ان تتحكم هى فيه، وخاصة ان جماعة الإخوان تنظر إلى من فى يده السلطة وتحترمه، ولكن ثبت ان الدكتور محمد مرسى مازال يتعامل مع الجماعة كأنه أحد أعضاء مكتب الارشاد، وكذلك الجماعة تتعامل مع محمد مرسى على أنه عضو مكتب ارشاد يتلقى الأوامر من المرشد، وعليه السمع والطاعة، وهذا الأمر خلق علاقة معقدة جدا، فرئيس الجمهورية اتخذ من مكتب الارشاد مستشاره الاول والاوحد، وهذا ظهر على اداء الدكتور محمد مرسى المرتبك والذى يعكس فكر جماعة الإخوان المسلمين، وتقديرهم للموقف اكثر مايعكس فكر رئيس الدولة، وماعقد الامور أكثر غياب فكر جماعة الإخوان المسلمين وتفكيرها فى مصلحتها هى وحدها اكثر ماتفكر فى مصلحة الدولة ومصلحة الأمة . ■ كيف ترى الصدام الذى جرى اخيراً بين مؤسسة الرئاسة والجيش؟ - علينا أولا أن نتأكد من الاخبار التى تتناول هذا الصدام، فأنا لا أثق كثيرا فى الشائعات التى تتردد عن مثل هذه الصدامات، ولكن وضح ان هناك مشكلة حقيقية فى رغبة جماعة الإخوان فى السيطرة على الجيش والقضاء والشرطة، وربما يرجع هذا إلى العقدة التى تربت عليها الجماعة، منذ ان كانوا يستبعدون من كل هذه المؤسسات، والمشكلة التى تقع فيها جماعة الإخوان الآن أنهم يظنون أن من حقهم ان يعوضوا ما حرموا منه، وانا على يقين ان الجيش سيظل العمود الفقرى ولن يسمح بأخونة الدولة مهما كان الأمر نشر بتاريخ 25/2/2013 العدد 637