ترحيب جميع القوى السياسية بدعوة شيخ الأزهر لنبذ العنف، ليس كافياً وحده ما لم تكن هناك ارادة جماعية على لقبول كل الاطراف بقانون اللعبة السياسية، وهو أن المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام السياسى، وأن إقصاء المعارضة يفقد النظام شرعيته، وأن ليس من حق أى قوة سياسية جاءت بصندوق الانتخابات، تغيير قواعد اللعبة السياسية، لأجل احتكار السلطة، وتفريغ الديمقراطية من محتواها، حتى ولو تم ذلك «بالعنف الدستورى»! فلن يكون مقبولاً، وليس فى صالح البلاد، أن تصل جماعة إلى جزيرة السلطة، وتحرق المراكب التى أوصلتها لئلاً يستخدمها أحد، ولئلا يلحق بها أحد، تماماً كأن يصعد ساكن عمارة إلى «الروف» ثم يقوم بقطع حبائل الأسانسير، لئلا يستخدمه أحد، ولئلا يصعد أحد! المصالحة السياسية تقتضى تصفية الخلاف من موروث القمامة السياسية، وتنقية الخطاب الرئاسى من النفايات المتوارثة عن نظام مبارك الاستبدادى، والتى تخلط بين المعارضة والمؤامرة، وتعتبر نقد الرئيس مساساً بالمقدسات وعدواناً على الذات الإلهية العليا! وتقتضى المصالحة السياسية قدراً من «المصارحة» وشجاعة الاعتراف بالاخطاء التى ارتكبها الرئيس المنتخب، وأن تفهم جماعة الحكم أن الوصول للسلطة عبر صناديق الانتخابات، حتى ولو باكتساح وباجماع الناخبين، لا يمنح الرئيس المنتخب شيكاً على بياض، لاقصاء جميع القوى الوطنية، وتغيير قواعد اللعبة السياسية، واحتكار الحكم! تقتضى المصارحة اعتذار الرئيس عن اتهامه للمعتصمين بقصر الاتحادية بالخيانة والعمالة والمؤامرة لقلب نظام الحكم، من دون سند ولا دليل ولا برهان، ثم العدوان على السلطة القضائية، وتحريض النيابة العامة على تلفيق تهم لعدد من المحتجين بقصر الاتحادية! لماذا لم يأمر الرئيس بإجراء تحقيق فى اتهامات المحامى العام لنيابات شرق القاهرة للنائب العام، بالتدخل فى سلطاته، وحمله على حبس عددًا من المحتجين الابرياء بقصر الاتحادية، لمجرد ألا يظهر الرئيس كاذباً فى خطابه للشعب؟ ثم محاولة التنكيل بالمحامى العام ونقله إلى بنى سويف، ثم الرجوع فى القرار فى أقل من 24 ساعة؟ لماذا يقدم المعارضون للمحاكمة بتهمة إهانة الرئيس، ولا يقدم الرئيس للمحاكمة بتهة إهانة الشعب، يوم أهان جموع المواطنين بقصر الاتحادية، واتهمهم بالخيانة والعمالة، وطعنهم فى كرامتهم الوطنية؟ تستوجب المصارحة كذلك، أن يقدم الرئيس تفسيراً لتقاعسه عن حماية المحكمة الدستورية، وابتزاز قضاتها، وتعطيل أعمالها، وتقاعسه عن حماية مدينة الانتاج الاعلامى، وحماية أرواح المواطنين المعتصمين سلمياً بقصر الاتحادية، فى مواجهة ميليشيات جماعته المسلحة! نحن نعلم يقيناً أن ثمة ثورة مضادة، وأن مؤامرات فلول النظام السابق لم تكن لتتوقف، ولو جاء حمدين صباحى أو عبد المنعم ابو الفتوح للسلطة، ونعلم يقيناً أن ثمة تلاقى ارادات بين فلول مبارك، وقوى المعارضة، وإن اختلفت الأهداف والنيات، فليست كل المعارضة مبرأة ومنزهة عن الهوى، وليس كل المندسين فى صفوف المعارضة لديهم نوايا وطنية خالصة، فمليارات المال المنهوب توَظف لتدوير الفوضى، ومذبحة استاد بور سعيد كانت احدى تجليات الثورة المضادة، وحلقة فى سيناريو الفوضى، وجزءاً من لعبة التآمر الأمروصهيونية التى تعمل بكامل طاقتها لاشعال النيران، وتحويل الخلاف السياسى إلى صراع دموى، وإدخال مصر أتون الحرب الأهلية. نعلم ذلك وأكثر، لكننا نعلم ايضاً، أن الرئيس مرسى وجماعته، يتحملون الجزء الأكبر من مسئولية ما يجرى، بحكم وجودهم فى السلطة، ويلعبون دوراً محوريا فى سيناريو الفوضى، من دون قصد، وعن دون وعى، وعن دون خبرة سياسية، ومن خلال توفير الظروف المناسبة لصناعة العنف، وتمزيق الوطن شيعاً، بالغطرسة والاستعلاء، والتهديد والوعيد، واستخدام اصبع السبابة، وعاقبة المتظاهرين بقانون الطوارئ، وفرض حظر التجوال، لا بمراجعة الأخطاء، والاعتراف بالخطايا والذنوب! فالشعب غير ملزم «بالطاعة العمياء» والمعارضة غير ملزمة بقانون الجماعة، ولكن الرئيس المنتخب ملزم أمام شعبه بالمصداقية والشفافية، وتفسير التناقض والتصادم المروع بين مواقفه المتناقضة ومعاييره المزدوجة، والاجابة عن اسئلة من نوع: لماذا وقف تحت قبة البرلمان يرفض قروض صندوق النقد وبنك الاستثمار، ويعتبرها «رباً» وحين يسأله فتحى سرور:وبناءً عليه؟ يرد بالآية الكريمة «يمحق الله الربا ويربى الصدقات»! لماذا انقلب على عقبيه الآن، وأحل ما حرم الله، واعتبر «الربا» مصروفات ادارية؟ «أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه»؟ لماذا يرفعون الآن شعار «الضرورات التى تبيح المحظورات»- ويحلون ما سبق أن حرّموه- وهو من الشعارات حمّالة الأوجه والتى يمكن استخدامها للدفاع عن شرع الله، كما يمكن استخدامها للدفاع عن خطايا الشيطان! كما تقتضى المصالحة اقالة وزير الداخلية واعتذار مرسى عن واقعة «بلبصة» المواطن الذى تم سحله أمام قصر الاتحادية بعد تجريده من ملابسه وحبسه «بلبوصاً». وبما يشى باستبدال شعار «الشرطة فى خدمة الشعب» بشعار الشرطة «تبلبص» الشعب، وبما يفيد بإنتهاء مرحلة اللغوصة السياسية وبداية مرحلة البلبصة السياسية! نشر بتاريخ 4/2/2013 العدد 634