صار الهجوم الضارى، بل السخرية اللاذعة التى تتناول رؤساء الجمهورية مباحة عبر الفضائيات بعد أن حطمت ثورات الربيع العربى تلك القداسة التى حرص عليها الحكام العرب .. كان السقف عادة هو رئيس الوزراء ورسوم الكاريكاتير مثلاً فى مصر كانت قبل ربع قرن تسخر من رئيس الوزراء ولكن لم تجرؤ أى جريدة قومية على الاقتراب من رئيس الجمهورية ولكن حتى الصحف المستقلة كانت تحافظ على أن تنتقد بوقار مع الحفاظ على هيبة الرئيس إلا أن السخرية ممنوعة فى الدراما. مبارك كان كل الرقباء فى مصر يعرفون أين الخط الأحمر ولهذا يطالبون الكتاب بأن يقفوا قبله بمسافة.. من المعروف أن رأس النظام منطقة محظورة والحقيقة أن العائلة كلها وضعت فى إطار هذا التابوه والكل كان يعرف أنه ممنوع الاقتراب. هل بعد الثورة من الممكن أن يتم تحقيق تلك الحماية للرئيس، حتى كتابة هذه السطور فإن الرقابة على المصنفات الفنية التابعة للدولة تطبق القوانين التى تقضى بحماية النظام العام، حيث إن الرقباء دأبوا على تفسيرها بأنها تعنى رأس النظام.. رغم أن النظام العام هو ناموس الحياة الذى يضع الجميع تحت مظلة القانون. والحقيقة أن الدراما حاولت أن تنقد وفى كل العهود رءوس الأنظمة ومثلاً فى الثلاثينيات عرفت السينما المصرية أول مصادرة عندما رفض عرض فيلم «لاشين» الفيلم كان ينتهى بثورة الشعب على الحاكم وكان الفيلم قد ظل ممنوعاً بضعة أعوام قبل السماح بعرضه فى نهاية عام 38. وبعد ثورة 1952 كانت الدولة فى مصر حريصة على أن تضمن ولاء السينمائيين لها، بل إن محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد أسبوعين فقط على قيام الثورة وجه نداء إلى السينمائيين يطالبهم فيه بأن يقدموا أعمالاً تتواءم مع العهد الجديد. الاقتراب من الرئيس كان يتم أحياناً تلميحاً أو ربما يُسقط الجمهور ما لديه من حنق على شخصية درامية ويعتبرها هى المعادل للرئيس، حدث ذلك مثلاً فى رواية «شىء من الخوف» التى كتبها ثروت أباظة وقُدمت عام 1968 فى فيلم سينمائى اعتبر الجمهور أن شخصية عتريس التى أداها محمود مرسى هو عبدالناصر وشخصية فؤادة التى أدتها شادية هى مصر وصار نداء زواج عتريس من فؤادة باطل هو بمثابة إعلان للغضب ضد عبد الناصر بعد هزيمة 67 والحقيقة أنها كلها مجرد إضافات لا تمت للحقيقة ولا حتى المنطق الفنى ولكن الكبت هو الذى أدى إلى أن يسقط الناس من خلال كبتهم على الشخصيات التى تتجسد أمامهم. والدليل على ذلك هو أن الذى صرح بعرض الفيلم هو عبد الناصر بعد أن شاهده فى عرض أقيم له وقال لوزير الثقافة لسنا عصابة تحكم مصر. مبارك كان ممنوعاً من الاقتراب إليه حتى الأفلام التى لعبت دوراً فى نفاق الحاكم أيضاً لم تكن تمر بدون موافقته مثلاً فيلم «زواج بقرار جمهورى» كان يقدم الفساد فى كل المجتمع والحاشية القريبة من الرئيس ولكنه يستثنى فقط الرئيس بل ويقدمه وهو يلبى الدعوة التى أرسلها له مواطن بسيط لحضور فرحه الذى يقام فوق سطح إحدى البيوت فى حى شعبى. اعتبرت الرقابة وقتها عام 2001 إنه لا يجوز الاقتراب من الرئيس وتم عرض الفيلم على جمال مبارك ووافق بعد أن وجد أنه لا يوجد مساس بوالده بل على العكس هو مقدم باعتباره المنقذ. وفى عام 2008 وافقت الرقابة بعد أن حصلت على ضوء أخضر من مؤسسة الرئاسة على فيلم «طباخ الرئيس» بل إن الرئيس السابق مبارك اقترب أكثر من طلعت زكريا بعد تلك الواقعة ولهذا فإنه عندما أصيب طلعت بفيروس غامض عالجه منه وكان قد التقى به قبل خلعه عن الحكم على مدى أكثر من ساعتين. الرقابة مثلاً قبل الثورة اعترضت على سيناريو فيلم «ابن الرئيس» كتبه يوسف معاطى مؤلف فيلم «طباخ الرئيس» ورشح لإخراجه عمرو عرفة وكان سيؤدى دور ابن الرئيس محمد إمام وبالتأكيد الفيلم لم يكن يحمل أى تعريض بجمال، بل على العكس كان يمهد لقبول فكرة التوريث ولكن الدولة تحفظت مثلما أصرت على أن فيلم «ظاظا رئيس جمهورية» يحذف من عنوانه «رئيس الجمهورية» ويكتفى فقط ب « ظاظا» وذلك توقيراً للرئيس كما اشترطت ألا يشار مطلقاً إلى أن الأحداث تجرى فى مصر ولكن فى دولة مجهولة ولهذا طوال أحداث الفيلم لا تشاهد لا النيل أو الهرم ولا يتم التعامل بالجنيه كل ذلك حتى لا يعتبر الأمر يحمل أى انتقاد للرئيس. الآن الدنيا من المؤكد قد تغيرت بل إن السخرية وليس فقط الانتقاد أصبحت هى مطالب المبدعين الآن فهل تستجيب الدولة لانتقاد الإخوان ولا أقول لرئيس الجمهورية؟! لا تستطيع أن تفصل وزارة الثقافة عن النظام فى مصر وتوجيهات الوزير الحالى وممارساته تؤكد أنه لن يسمح بأى انتقاد فى القطاع الدرامى الذى يشرف عليه باعتباره وزيراً ضد نظام الحكم الحالى، بل إن عددًا من الجهات غير الرسمية والمعروفة بولائها للحاكم وحزب الحرية والعدالة مثل ساقية الصاوى صادرت مؤخراً رسوماً كاريكاتيرية من العرض لأنها وجدت فيها سخرية من الرئيس. إن السؤال هو هل تملك الدولة الآن أن تمنع مثلما كان يحدث فى الماضى إنها حالياً تقيم دعاوى لملاحقة من ينتقد الرئيس أو يسخر منه مثلما حدث مع باسم يوسف وبرنامجه «البرنامج» الذى يحقق فى الشارعين المصرى والعربى نجاحاً استثنائياً ولكنى لا أتصور أن كل هذه المطاردات سوف تؤدى إلى شىء. يجب أن يعاد النظر مرة أخرى فى تلك المعايير الرقابية التى تُمسك بها الدول فى العالم الثالث بعد أن أصبح النت سلاحًا فى أيدى الناس يتيح لهم أن ينتقدوا كما يحلو لهم فلو تصورنا أن الدولة منعت التصريح بالسيناريو بل ولم تعط إذناً بالتصوير فهذا لن يحول دون أن يتم فعلياً التصوير بل والعرض فى النت. لقد تقدم للرقابة المصرية أكثر من عشرة أفلام تحمل انتقاداً للرئيس والإخوان وحتى الآن لم تحظ بالموافقة ولكنى لا أتصور أن الدولة سوف تستمر حتى النهاية قادرة على المنع.. السخرية من الرؤساء والحكام والتى كنت أراها المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والصديق الوفى لم تعد كذلك!! نشر بتاريخ 21/1/2013 العدد 632