تكررت الأسئلة لى من بعض الشباب المسلم من الاسلاميين والعلمانيين والليبراليين، ومن المسيحيين عن الفروق الجوهرية بين الإخوان أيام الامام الشهيد حسن البنا وإخوان اليوم، بعدما سمعوا منى بعض الأحاديث عن الامام البنا وعن رسائله التى أشرت إليها فى لقاءات تليفزيونية من قبل، فى قناة مصر 25 بعد عودتى من بريطانيا، وقبل استقالتى من الإخوان فى آخر شهر مارس 2012، وكذلك البرنامج المهم عن الامام البنا فى قناة cbc مع الاعلامى القدير عماد الدين أديب، أو تلك البرامج التى شاهدها الشباب على اليوتيوب. وهذا الأمر بالكامل وبالتفصيل يحتاج إلى اعداد دقيق واستشهادات توثيقية لكل نقطة من النقاط، ولكننى أردت فى هذا المقال أن أشير إلى بعض النقاط المهمة التى تتعلق بهذا الموضوع، انتقاء مما كتبه وشهد عليه أستاذنا عمر التلمساني، المرشد العام الثالث للاخوان رحمه الله تعالى، ونقلاً من كتابه المشهور:حسن البنا الملهم الموهوب- أستاذ الجيل- الذى صدر عن دار النشر والتوزيع الاسلامية- الطبعة الثانية 2002. وسيقرأ هؤلاء الشباب من المتسائلين المسلمين والمسيحيين بعض التعليقات المختصرة منى عن تلك المواقف. يقول الأستاذ التلمسانى عن الامام البنا: لقد بلغ من تواضع هذا الأستاذ لجليل، أن من جالسه وهو لا يعرف مكانته وإن كان مرغما فى داخليته على احترامه، لا يتصور أنه يجالس حسن البنا، كان لا يتصدر المجالس، ويجلس حيث يفضى به المجلس، إلا أن يحمل على الصدارة حملا تحت إلحاح متواصل، وإذا صلى فى مسجد لا يتقدم للإمامة، ويرى أن الإمام الراتب أولى بها، إلا أن يتخلف الإمام ويطول الوقوف بالمصلين فى انتظار الإمام إذا جادل ورأى ما يؤاخذ عرفا أو شرعا، سلك كل أسلوب هين لين مهذب مؤدب مقنع، حتى يرد مجادله إلى الفهم السليم فى الشرع ، أو الترصف الكريم فى العرف». ثم يقول عن الامام البنا: «وكان يشعر المشايخ أنه تلميذ لهم، وهو أستاذهم، وأنهم أساتذته وهم تلامذته. يخاطب الصغير منهم والكبير بأبرع آيات الأدب والرقة والتواضع مشعرا من يخاطبه منهم، أنه يتلقى منه ويتعلم على يده، ما أحرج يوما عالما أو أوقفه موقف المخطئ، ولكنه كان يصل إلى ما يريد منهم.فى أسلوب لا يتقنه إلا حسن البنا الذى فطره الله على كل طيب جميل فلا ينال ما فوق رأسه إلا من تحت كفيه». وهنا يذكر الأستاذ التلمسانى ميزة أخرى من مميزات الامام البنا التى طبعت الدعوة بطابع متميز فى عهده حيث يقول: « كان يعلم أن فى بعض الإخوان حياء وتعلقا فينادى الأخ الحيى أن تعال أمسك بذراعى فإنى متعب. هكذا يحقق للأخ أمنيته فى أن يكون إلى جوار مرشده دون أن يحرجه بين إخوانه. كان خلقه الصدق فى كل شيء ما جرب أحد عليه يوما مقالة غير صحيحة. ولم يبدر فى أمر إلا وكان صادقا فيه مع نفسه ومع الناس ومع ربه. ومن هذا القبيل أنه ما منى يوما أخا مسلما بالمال الوفير والجاه العريض، ولكنه كان يقول لكل من يبايعه: إن طريقنا وعر طويل وعلى وعورته ومشاقه فهو محفوف بالمكاره. ثم هو بعد ذلك طريق الجنة الوحيد لمن كان يرجو الله واليوم الآخر». وهنا ميزة أخرى كبيرة يشير إليها الأستاذ التلمسانى من صفات الامام البنا وصلابته ضد المستعمر حيث يقول: «لقد ساومه المستعمرون وساومه الطغاة وساومه ذو المال فباءوا جميعا بالفشل والخذلان ولمّا لم تنفع كل وسائل الإغراء معه أخذوا يسلكون طرق التهديد فنقل من عمله بالإسماعيلية إلى القاهرة فشاع ذكره وعلا قدره فنقلوه إلى قنا وانتشرت دعوته فاعتقلوه فعلم الناس عنه ما لم يكونوا يعلمون. وهكذا الدعوة الصادقة لا يزيدها الطرق إلا صلابة ولا تزيدها الشدة والإيذاء إلا تصميما على مواصلة السير ولا يزيدها الظلم إلا إصراراً على الحق الذى تنادى به». «لقد صدق الله فصدقه، فقد تحالف عليه الشرق والغرب والشمال والجنوب وما بين كل أولئك فلم تهتز له شعرة تحت تهديدهم ووعيدهم، فاغتالوه فى أشد شوارع القاهرة ازدحاما ( شارع رمسيس ) وعلمت الدنيا كلها أن حسن البنا كان صادقا وأنه قدم حياته فداء لصدقه فى دعوته». ويذكر هنا الأستاذ التلمسانى شيئاً مهماً عن الشائعات التى تطارد المصلحين والموقف العاقل منها: قالوا: إن حسن البنا شيوعي، فاتضح كذبهم وانكشف، فالشيوعيون لم يحاربوا أحداً بمثل ما حاربوا حسن البنا ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين ولم يفتروا على احد بمثل ما افتروا عليه». قالوا: إنه عميل أمريكى إنجليزى فانفضح كذبهم فالولايات المتحدة ومن فى فلكها شغلهم الشاغل القضاء على حسن البنا ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين ظنا منهم أن قتل حسن البنا ينهى جماعة الإخوان المسلمين، وأراد الله غير ذلك فنجت جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة فضيلة الأستاذ الهضيبى بعد حسن البنا، بما أثبت أن جنود الدعوة ليسوا عبّاد أشخاص، ولكنهم رجال دعوة، وجند إسلام». وقالوا عنه: إنه عميل للقصر الملكى فى مصر فثبت كذبهم حيث لم يبلع القصر ريقه إلا يوم أن استشهد الإمام، وذهب فاروق الملك بنفسه إلى قصر العينى ليطمئن إلى وفاة الإمام وفرح فاروق بهذا الاغتيال الذى كان آخر مسمار دق فى نعش عرشه المتهاوى. وقالوا: إنه صنيعة الإقطاع، فثبت كذبهم وصدق الرجل، إذ ناصبه الأغنياء العداء، وقتلوا العديد من الإخوان فى كفور نجم وغيرها، وثبت ذلك فى قضايا قدمت للنيابة وجرى فيها تحقيق، فهو إذا ليس شيوعيا ولا رأسماليا، ولا ملكيا، ولا إقطاعيا ولا غربيا فماذا هو إذن بمنتهى البساطة والوضوح والصدق إنه الداعية المسلم الصادق، الذى ملأ طباق الأرض دعوة إسلامية فى القرن الرابع عشر الهجرى ( العشرين الميلادى ) ولم يصل فيها إلى مستواه أحد، خلال مئات السنين الأخيرة من التاريخ الهجرى والميلادى على السواء». أما هذا الدرس فهو من أروع الدروس فى معاملة المستقلين أو المنشقين أيام الامام البنا. وكيف تعامل الدعوة أبناءها حتى لو استقالوا أو فصلوا منها. يقول الأستاذ التلمساني: ويوم أن انشق بعض الإخوان. وخرجوا من الجماعة، وسموا أنفسهم شباب محمد، لم يثر عليهم ولم يقاطعهم ولم يوزع عليهم الشبهات ولم يؤلب أحداً عليهم ولكن تصرف معهم التصرف الذى لا يتصرفه سواه فى مثل هذا الموقف اتخذ شباب محمد له مقرا وأعد دفاتر للاشتراك فى صفوفه فكان الإيصال الأول ( نمرة 1) باسم حسن البنا ليؤكد لهم أن موقفهم هذا لم يزعجه وأنه يتمنى لكل عامل فى حقل الدعوة الإسلامية أن يوفقه الله لكل ما يحب ويرضى وما دام هو واثق من نفسه. فلماذا لا يتصرف وهو على بينة من نتائج هذا التصرف؟ إنه التصرف، تعالى على الصغائر والمهاترات واكتسب احترام الذين انشقوا عليه لأنه لم يبدأهم بهجوم ولا ملام. هذه هى الثقة الهادئة المطمئنة لا يزعزع من إيمانها بنفسها تعدد الأحداث ولا تكاثر الخصوم، ولا تحالف الأضداد لا شيء من هذا يفزعها أو يردها عما اعتزمت.أو يشككها فيما اتخذت من قرارات. إن الدعوة التى يتزعمها حسن البنا، إنما تطالب بالخير للناس كافة دون مفاضلة ولا تمييز. تدعو إلى قيام العدالة المطلقة بين جميع الناس فى كل نواحى الحياة». ودرس آخر فى غاية الأهمية وخصوصاً مع تنوع الفتاوى بشأن العلاقة مع المسيحيين وبعضها مما حرم تهنئتهم فى أعيادهم حيث يقول الأستاذ التلمسانى عن الامام البنا:» إنه بدعوته المسلمين العودة إلى تعاليم دينهم، بعد أن أهملوها سنينا إنما يدعوهم إلى العودة لنظام يستطيع فى ظله غير المسلمين أن يعيشوا آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وشعائر عقائدهم فى حرية كاملة تكفل لهم كل الحقوق التى هى حق معلوم لكل إنسان فى هذا الوجود. ويسرنا أن نشير هنا إلى رسالة من فضيلة المرشد العام إلى غبطة البطريرك يوساب سنة 1947 يقول فيها: حضرة صاحب الغبطة الأنبا يوساب بطريرك الأقباط الأرثوذكس تحية طيبة وبعد،،، فأكتب إلى غبطتكم وأنا معتكف لمرض ألم بي، إذ هالنى ما يكتب وما يقال اليوم حول وحدة عنصرى الأمة المصرية، تلك الوحدة التى فرضتها الأديان السماوية وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية، ولن تستطيع أن تمتد إليها يد أو لسان، كما أن الاسلام فرض على المؤمنين به أن يؤمنوا بكل نبى سبق وبكل كتاب نزل وبكل شريعة مضت، معلناً أن بعضها يكمل بعضاً وأنها جميعاً دين الله وشرعته وأن من واجب المؤمنين أن يتوحدوا عليها وألا يتفرقوا فيها» شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» كما أنه دعا المسلمين وحثهم أن يبروا مواطنيهم وأن يقسطوا إليهم وأن يكون شعار العمل بين الجميع التعاون والإحسان. على أن النبى صلى الله عليه وسلم قد اختص قبط مصر بوصيته الطيبة حين قال:»فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم بهم رحماً». وأشار القرآن فى صراحة إلى عاطفة المودة المتبادلة بين أهل الدينين فى قوله»ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون». وقد جاء رد غبطة البطريرك على رسالة فضيلة المرشد العام حيث نقتبس منه فقرات تقول: حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين. نهدى فضيلتكم أزكى تحية وبعد،،، فقد تلقينا كتابكم ومنه علمنا أنكم معتكفون فى المستشفى لمرض ألم بكم، شفاكم الله وأسبغ عليكم ثوب العافية وقد صدقتم فى قولكم «إن هذه الوحدة فرضتها الأديان السماوية وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية». وليس للأقباط من بغية إلا ان يعيشوا مع مواطنيهم على أتم ما يكون من الصفاء والوفاء من جانبهم عملاً بوصايا إنجيلهم وأوامر كتابهم، وإذا كانت لهم أمنية اخرى فهى أن تكون العدالة والمساواة واحترام الحريات الدستورية أساساً لكل معاملة لتتم السعادة بذلك لجميع أبناء الأمة ويبسط الأمن والسلام رواقهما على البلاد. أما ما اقتبستموه من الآيات القرآنية والحديث الشريف فمن شأنه حقاً أن ينير الأذهان ويبث مكارم الأخلاق إذا عممت معرفته بين جميع الأوساط ولاسيما التى تحتاج إلى مزيد من التأدب بهذا الأدب الدينى الرفيع. وإذا سار على هديه الحكام والمحكومون وبذلك تتوثق عرى علاقات الإخاء والمودة بين المسلمين والأقباط». كم كانت تلك الرسائل رائعة بشأن الوحدة الوطنية وأبناء الوطن الواحد وكم كانت الدروس عظيمة لمن يفقه فأين هذا من الوضع اليوم؟ ومن حرق مقرات الإخوان ومن خشية بعضهم النزول إلى الشارع إلا فى حراسة نشر بالعدد 631 بتاريخ 14/1/2013