«بطينه ولا غسيل البرك».. مثل كنت اسمعه من أهلي الفلاحين.. ومعناه من الأفضل أن تأكل مما تنبت الأرض مباشرة حتي لو كان عالقاً به بعض طين الأرض. ولاتتناوله بعد غسله في بركة مياه لأن البركة تكون مياهها راكدة وغير متجددة! وهذا يؤدي إلي تعفنها! زمان كنا نقول هذا المثل لأن الفلاحين كانوا يروون زراعاتهم بمياه ري نظيفة ليس فيها رصاص ولا كيماويات! ولم تكن المصانع تصرف مخلفاتها من المواد الكيماوية في مجري النهر مباشرة، ولم تكن مياه الري من مخلفات محطات الصرف الصحي! مجبر أخاك لابطر والمضطر يروي زراعته التي توشك علي الهلاك من مياه المجاري! وماذايفعل الفلاح لكي يروي أرضه وليس متاحاً إلا هذه المياه الملوثة أو هذا الوضع ليس وليد اليوم وقائما منذ فترة طويلة! ولولا تسليط الأضواء عليه مؤخراً ما تحرك أحد! المهندس أمين أباظة وزير الزراعة استجاب للحملة! وأصدر قراراً بإزالة جميع الزراعات التي تروي بمياه الصرف الصحي والصناعي.. تعظيم سلام معالي الوزير! وماذا بعد؟ هل فكرت في مصير أصحاب الزراعات.. وهل ستعوضهم عن ثمن هذه المزروعات.. وهل دبرت الاعتمادات المالية اللازمة لصرف تعويض حوالي 40 ألف فدان ستتم إزالة زراعاتها.. وماذا بعد الإزالة وهذا هو الأهم! من أين سيحصل المزارعون علي المياه النقية لري أراضيهم.. أم أنكم قررتم ألا تزرع هذه الأراضي مرة أخري! أعرف أن مياه الري غير تابعة لوزارتك.. وهي مسئولية وزارة الري.. فهل تم اتفاق أو تفاهم أو تباحث بين وزارتكم ووزارة الري علي هذا الموضوع! أم أنكم ستزيلون الزراعات وتتركون الفلاحين يواجهون مصيرهم.. ويدبرون أمورهم بمعرفتهم! أرجو ألا يكون قرارك يامعالي الوزير مجرد قرار انفعالي استجابة لحملة إعلامية! أنا أعلم أن ملف هذا الموضوع ليس اختصاص وزارتكم وحدها! وفي الدرجة الأولي من اختصاص وزارة الري وهناك وزارات أخري تشارك في هذا الملف مثل وزارة البيئة والسياحة والحكم المحلي!.. وزارة الري والموارد المائية وكما هو اضح من اسمها أنها المسئول الأول عن توفير مياه الري! وكان الله في عون وزيرها الدكتور نصر علام.. الذي جاءوا به من الدار إلي النار! وتولي منصبه في وقت اشتدت فيه حروب ومؤامرت المياه الأفريقية من الأصدقاء والذين يحسبهم البعض كذلك! وأرجو ألا يكون انشغال معالي الوزير بهذا الملف علي حساب باقي الملفات المتعلقة بهذا الشريان الحيوي داخل الأراضي المصرية! فنحن للأسف نتعامل مع هذا النهر العظيم بمنتهي القسوةوعدم الاحترام! بعض المراكب السياحية العاملة بين الاقصر وأسوان تلقي بمخلفاتها في النهر! بعض المصانع تصب مخلفاتها الكيماوية داخل النهر مباشرة! علاوة علي السلوك السييء من بعض الذين يلقون بالحيوانات النافقة في مجري النهر!.. بعض ذوي النفوذ قاموا بردم مساحات من حرم النيل لبناء القصور أو لإقامة مشروعات سياحية! أليس كل ما سبق إهانة للشريان الرئيسي للحياة في مصر! تركنا كل الممارسات السابقة وهي الأسباب الرئيسية لتلوث مياه النهر وامسكنا بتلابيب فلاح يزرع بضعة قراريط وحملناه مسئولية تلوث الغذاء في مصر! وكأن الفلاح كان متاحاً أمامه مياه نظيفة ومياه ملوثة واختار الأخيرة لري زراعته! والمضحك المبكي أن كل جهة من الجهات المسئولة تنفض يدها من الموضوع وتلقي بالمسئولية علي جهة أخري! تعالوا بنا نترك فلاح ناهيا وبني مجدول وأبورواش والصف الذي أجبرته الظروف علي ري زراعته بمياه ملوثة إلي فلاح قرية البرادعة بمحافظة القليوبية الذي شرب الماء مختلطاً بمياه الصرف الصحي مما أدي إلي اصابة أكثر من 600 من أهالي القرية بالتيفود، يوم الثلاثاء الماضي كان مجلس الشعب علي موعد لمناقشة هذا الموضوع! فكيف كانت وقائع تلك الجلسة! حاول كل طرف من الأطراف الحاضرة الصاق التهمة بالطرف الآخر محافظ القليوبية المستشار عدلي حسين اتهم الجهاز التنفيذي لوزارة الإسكان بمسئوليته عن هذه الجريمة باعتباره الجهاز المعني بالتخطيط والطرح والتنفيذ للمشروع! بينما اتهم المسئولون عن الجهاز المحافظة بأنها سبب الكارثة! أما الدكتور حمدي السيد رئيس لجنة الصحة فوجه اتهامات مباشرة إلي وزارة الصحة والهيئة العامة لمياه الشرب بتقديم بيانات مضروبة ومزورة عن نتائج عينات مياه الشرب المأخوذة من قرية البرادعة واتهم نقيب الأطباء هذه الجهات بأخذ عينات من منطقة أخري غير المنطقة الموبوءة! أعضاء مجلس الشعب عن القليوبية انقسموا إلي فريقين!.. فريق يهاجم المحافظ وفريق يدافع عنه! وهكذا تفرق دم أبناء قرية البرادعة بين القبائل والفرق المتصارعة وانتهز كل فريق الفرصة لتصفية حساباته مع الفريق الآخر!.. كل هذا والحكومة الذكية غائبة عن الأحداث والملمات التي تنزل بالمواطن المصري! وكان الله في عون حكومتنا النائمة في «مارينا» والمشغولة بحفلات عمرو دياب وتامر حسني! نجاح الصاوي