ذكرنا في مقال السابق أن معني الخلافة أو الخليفة هو الذي يخلف غيره ويأتي وراءه أو بعده بدلاً عنه في عمل يقوم به، وهذا محال في حق الله لأن الله لم يكن مقيما في الأرض وتركها ثم جعل آدم خليفة له، ولم يكن الله يعمل عملا ما في الأرض ثم جاء بآدم من ورائه أو بعده بدلا عنه للقيام بذلك العمل، ومن المحال أن يجعل الله آدم خليفة له ليتولي عملاً يريده المستخلِف مثل الوكيل أو الوصي، ولا يستقيم معني الخلافة مع جعله في الأرض مدبراً يعمل ما يريده الله في الأرض لأن هذه ليست خلافة، لأن الله تعالي لم يكن حَالاً في الأرض ولا مقيما فيها ليستخلف آدم من بعده، ومحال أن يكون الخليفة خليفة إلا إذا كان للمخلوف مقام حقيقي في محل الخلافة قبل أن يرحل، ومحال أن يخلف شخص شخصا آخر لم يكن له وجود في محل الخلافة. فلا يستقيم المعني إذا قلنا مثلا: إن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) جاء رئيسا للولايات المتحدة خلفا للرئيس (جاك شيراك)، لأن الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) لم يكن يوما رئيسا للولايات المتحدة أو مقيما فيها بصفة دائمة حتي يأتي (باراك أوباما) خلفا له، إنما يستقيم المعني حين نقول جاء الرئيس (باراك أوباما) رئيسا للولايات المتحدة خلفا للرئيس (جورج دبليو بوش)، لأن الرئيس بوش كان رئيسا فعليا للولايات المتحدةالأمريكية وليس الرئيس (جاك شيراك)، إذن فكيف يستقيم الأمر إذا قلنا إن آدم خليفة الله في الأرض ونحن نؤمن ونوقن أن الله من المحال أن يكون قد استوطن الأرض أو أقام فيها؟. وأقدم للقارئ بعض آيات القرآن التي تؤكد هذا المعني: قال تعالي: (يا دَاودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَينَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَي فَيضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (26_ ص) وقال تعالي: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (165_ الأنعام) وقال تعالي: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ) (14_ يونس) وقال تعالي: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّينَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُنذَرِينَ) (73_ يونس) وقال تعالي: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ) (39_ فاطر) وقال تعالي: (وَلْيخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيهِمْ فَلْيتَّقُوا اللَّهَ وَلْيقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (9_ النساء) وقال تعالي: (إِن يشَأْ يذْهِبْكُمْ وَيسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم مَّا يشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (133_ الأنعام) وقال تعالي: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) (69_ الأعراف) وقال تعالي: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ) (74_ الأعراف) وقال تعالي: (قَالَ عَسَي رَبُّكُمْ أَن يهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ) (129_ الأعراف) وقال تعالي: (وَقَالَ مُوسَي لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (142_ الأعراف) وقال تعالي: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَي إِلَي قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) (150_ الأعراف) وقال تعالي: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الكِتَابَ) (169_ الأعراف) وقال تعالي: (فَالْيوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيةً) (92_ يونس) وقال تعالي: (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيكُمْ وَيسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيرَكُمْ) (57_هود) وقال تعالي: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) (59_ مريم) وقال تعالي: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (55_ النور) وقال تعالي: (أَمَّن يجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيكْشِفُ السُّوءَ وَيجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ) (62_ النمل) وقال تعالي: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (7_ الحديد). إذن فالخلافة لا تكون إلا لمخلوف كان له وجود حقيقي وفعلي في محل الخلافة. للحديث بقية