مايميز فيلم «طير إنت» تلك الروح المرحة الساخرة، وبالتالي فهو عمل مسل، وكوميديا خفيفة تدعوك منذ المشاهد الأولي إلي الضحك.. صحيح أن الفيلم كله تقليد في تقليد، لكنه لا يصيبك بأي إزعاج!. عن الفيلم الامريكي «BEDAZZLED» الذي عرض في مصر باسم «احلام شيطانية»، اقتبس صناع «طير إنت» فيلمهم، حيث تلعب امرأة «اليزابيث هارلي» دور الشيطان، وتساوم بطل الفيلم «براندن فريزر» علي روحه مقابل طلبات سبعة تحققها له، ولانه يحب فتاة ويتمني أن تلتفت اليه، فإنه يطلب من المرأة - الشيطانة - أن يتحول إلي شخصيات تجعله يتميز بجاذبية خاصة وتخرجه من خجله.. ولكن في «طير إنت» تصبح الشيطانة «عفريتا» طيبا «!!»، اسمه «مارد الكدواني» ويلعب الدور ماجد الكدواني بخفة ظل وظرف.. ومسألة «احضار» عفريت لتحقيق الامنيات قدمت في السينما المصرية عدة مرات، ولا تستدعي عملية الاقتباس .. فلماذا لجأ اليها صناع الفيلم؟. الامر في تصوري يرجع إلي الكسل الشديد - من السينمائيين المصريين عموما - فهم يريدون صياغة جاهزة للعمل عليها وتمصيرها، ولايريدون الاجتهاد وبذل الجهد في التأليف، رغم أن «طير إنت» في بحثه عن شخصيات تجعل البطل بهيج «أحمد مكي» جذابا يقدم صورا مختلفة ومتنوعة ومحلية، وبالطبع ليست مقتبسة.. ونعود للفيلم الذي يقدم بطله انسانا خجولا ووحيدا، يعمل طبيبا بيطريا، وتستهويه فتاة «دنيا سمير غانم» تعالج كلبها في المستشفي الذي يعمل به، لكن خجله يمنعه من الاقتراب منها، بينما نري الاطباء زملاءه يعيشون قصصا غرامية مثيرة. المهم.. يظهر «العفريت» الذي جاء لصاحبنا لمساعدته في أن يصبح رجلا جذابا، وذلك مقابل أن يحصل العفريت في نهاية المهمة التي جاء اليها علي «شهادة» من بهيج بالنجاح في تحقيق رغباته، حتي يحصل علي «الاعدادية» من مدرسته في عالم العفاريت، بعد أن اخفق في الحصول عليها في مرات سابقة!.. وتبدأ رحلة «بهيج» في تقمص شخصيات مختلفة منها المغني معشوق النساء والذي يبدو وكأنه مخنث، والصعيدي، وبطل كمال الاجسام، والمدرب، ودبور الروش، والخليجي.. ويكتشف «بهيج» في النهاية أن الانسان الناجح هو نفسه، وليس مقلدا لأي أحد. سيطرت علي مواقف وحوار الفيلم الروح والافيهات الساخرة من الكاتب الشاب عمر طاهر، والتي كان بعضها شديد اللطف مثل خوف العفريت من جهاز أمن الدولة، وكان ظهور العفريت بشكل مختلف وحميمي من مميزات الفيلم، وقد شارك في السيناريو كل من أحمد مكي والمخرج أحمد الجندي لتحقيق الاطار الذي يريده كل منهما لخلق اجواء كوميدية، لذلك خرج الفيلم مزيجا من الحوار الساخر والموقف الذي يقوم علي المفارقة «الصعيدي ومهند مثلا»، وتقديم الشخصيات بشكل كاريكاتيري كما كان الامر في استدعاء: تامرحسني وحسن شحاتة وممدوح فرج، ثم التنقل إلي الافلام مثل شيء من الخوف، والافلام الهندية، بل ويتم استحضار شخصية «دبور» التي قدمت أحمد للشهرة لتأخذ نصيبها من التواجد. أحمد مكي في «طير إنت» يتسع عالمه كممثل، ويخرج من الدائرة الضيقة الشخصية «اتش دبور» التي قدم من خلالها أول افلامه الذي حقق ايرادات كبيرة ولكنه كان فيلما ملفقا سخيفا، وهنا نضحك معه بعد ان تنوع في الاداء دون افتعال، وهذا تطور مهم حتي يجد لنفسه شكلا واسلوبا يمكنه من القدرة علي الاستمرار والبقاء، وقد أصبح لأحمد مكي جمهور مما يتيح له أن يكون أكثر ثقة في اختياراته القادمة «ملحوظة: مازلت اعتقد أن أحمد مكي المخرج أهم من الممثل!».. أما اكتشاف الفيلم الحقيقي فهو «دنيا سمير غانم» هذه الممثلة الصغيرة الموهوبة، خفيفة الظل والحضور، وقد قدمت عدة شخصيات بفهم وتنوع.. أيضا ماجد الكدواني لعب دور «العفريت» من منطقة كوميدية جديدة. وفق المخرج أحمد الجندي في اختيار أماكن التصوير، وسيطر علي ادوات: تصوير «احمد جبر»، وموسيقي «عمرو إسماعيل»، وتوظيف لديكور حمدي عبد الرحمن، حيث احتفظ بأجواء المرح التي هي أساس الفيلم، وكان مونتاج سلافة نور الدين موفقا في الانتقال السهل والمريح بين المواقف والشخصيات التي احضرها العفريت، وبين لقاء العفريت وبهيج، ولكننا لا نلمح اضافة لإيقاع الفيلم نفسه، لأن المواقف المختلفة لم تكن مشبعة في كل الحالات، فجاءت تقمصات بهيج احيانا اطول مما يجب، واحيانا اشبه بمرور الكرام.. وعموما فإن أحمد الجندي هنا أفضل من فيلمه الأول، حيث نلحظ تطورا واضحا. دعونا نقول إن التجهم الذي اصاب السينما المصرية في هذا الصيف ساهم كثيرا في تحقيق ايرادات أكبر فيلم «طير إنت» بوصفه الفيلم الكوميدي الوحيد الذي عرض في الموسم الصيفي.. ونقول أيضا ان الفيلم وضع أحمد مكي علي الطريق ليكون «عفريت» السينما الكوميدية الجديد، فهل يستغل الفرصة؟.. هل يحسن الاختيار ويخرج من دائرة التقليد؟.. وكما جاءت فكرة فيلم «طير إنت» بأن الانسان الناجح هو نفسه، هو قدراته وموهبته الخاصة، فلعل هذه الفكرة تصل لأحمد مكي نفسه بعيدا عن الافكار المسروقة والشخصيات المنقولة!. بالمناسبة ..ربما مايميز اسلوب اداء أحمد مكي هذه السخرية اللاذعة السهلة والتي يمكنها أن تطول كل شيء، وهذا الاطار الكوميدي نفتقده في الافلام المصرية.. فهل يستطيع أن يحققه مكي؟!