إعلان موعد تلقي أوراق الترشح للانتخابات مجلس النواب اليوم    سعر الذهب في السوق المصري اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    مسؤول أمريكي يكشف موعد بحث نزع سلاح حماس بعد الرد على خطة ترامب    نشرة أخبار الطقس| الأرصاد تحذر من أمطار والعظمى 33 في القاهرة و38 بالصعيد    جهود أمنية لكشف لغز وفاة طالبة بشكل غامض أثناء تواجدها في حفل زفاف بالفيوم    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    وسائل إعلام فلسطينية: إصابة شابين برصاص الاحتلال خلال اقتحام قلقيلية واعتقال أحدهما    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس 30 يونيو الذي لم تتعلمه "الإرهابية"
نشر في صوت الأمة يوم 29 - 06 - 2025

ثورة المصريين كانت صفعة قسّمت التنظيم وأنهت وهم حكم المرشد
الثورة أصابت الجماعة ب"الشلل الدماغي".. والمصريون كتبوا الشتات على "أبناء البنا" في الأرض
ذاكرة المصريين لا تنسى ما أساله الإخوان من دمائهم ولن يسمحوا بتكرار الكارثة
في صيف 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع في واحدة من أكبر موجات الاحتجاج في تاريخهم المعاصر، ليعلنوا في 30 يونيو رفضهم الصريح لحكم جماعة الإخوان الإرهابية، بعد عام واحد فقط من صعودها إلى السلطة عبر أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير. لم يكن ما جرى مجرد لحظة سياسية عابرة، بل نقطة تحول فاصلة أعادت تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، ووضعت مشروع الإسلام السياسي في مصر أمام مأزقه البنيوي الأكبر.
ومع مرور أكثر من عقد على تلك اللحظة، لا يبدو أن الجماعة استوعبت حجم التحوّل ولا طبيعة الرسالة. فعوضًا عن المراجعة، تمسكت بسردية «المظلومية»، واختزلت أسباب السقوط في نظرية المؤامرة، متجاهلة الإخفاقات الكبرى التي طبعت تجربتها في الحكم: من عجزها عن بناء شراكة وطنية حقيقية، إلى اختزال الدولة في التنظيم، وانتهاءً بانفصالها المتزايد عن الواقع الاجتماعي والثقافي المصري.
لقد تصرفت الجماعة – كما تفعل كثير من الحركات الأيديولوجية عند الاصطدام بالواقع – كما لو أن المجتمع أخطأ، لا هي. حافظت على خطابها المغلق، وانقسمت تنظيميًا، وتآكلت قواعدها الاجتماعية، بينما ظلّت أسيرة فكرة «العودة» كخلاص وحيد، دون طرح أي تصور عملي يعيد وصلها بالمجتمع أو بالزمن السياسي الذي تجاوزها.
في هذا التحليل، نعيد تفكيك تجربة الإخوان في ضوء دروس 30 يونيو، من خلال قراءة في ثمانية محاور رئيسية ترصد مظاهر الإنكار، والانقسام، والجمود الفكري، وتآكل المشروع السياسي والتنظيمي. تحليل لا يكتفي بوصف ما حدث، بل يحاول تفسير لماذا لم تتعلم الجماعة من اللحظة التي أسقطتها، ولماذا لا تزال تتعامل معها كحادثة طارئة وليست نتيجة طبيعية لمسار خاطئ.

خطاب المظلومية بدلاً من تعلم الدرس
منذ اللحظة التي خرجت فيها جموع الشعب المصري في 30 يونيو للمطالبة برحيل حكم الجماعة، لم تُظهر الأخيرة أي استعداد للاعتراف بأخطائها أو مراجعة تجربتها في الحكم، بل آثرت الهروب إلى الأمام، واختارت الاحتماء بخطاب "المظلومية"، الذي قدّم الرواية على أنهم كانوا ضحية مؤامرة كبرى، دون أن تُفسّر لماذا انفضّ الناس عنها بهذه السرعة؟ ولماذا أخفقت في بناء قاعدة دعم مجتمعية واسعة تُمكّنها من الصمود سياسيًا؟
سادت داخل الجماعة الإرهابية نغمة تُرجع الفشل إلى "البيئة المعادية"، أو إلى "الدولة العميقة" التي لم تُمكّنها من الحكم، في تجاهل كامل لما ارتكبته من أخطاء حقيقية أثناء وجودها في السلطة، سواء في إدارة الدولة أو في تعاطيها مع شركاء الثورة، وبدلًا من مراجعة المواقف والسياسات، راحت القيادة تُحمّل الجميع المسؤولية: خصومها، الإعلام، القوى السياسية، بل وحتى الشعب نفسه، متناسية أن المشروع السياسي الناجح هو الذي يُصاغ ليتعامل مع بيئة معقدة لا مثالية، درجة أن هذا الإنكار لم يقتصر على الخطاب الخارجي، بل تمدد إلى داخل التنظيم نفسه، فبدلًا من فتح نقاشات جادة حول أسباب ما جرى، حافظت الجماعة على خطابها المغلق، ودعت قواعدها إلى الثبات والصبر، وكأن ما حدث ليس نتيجة مسار خاطئ بل بلاء ينبغي احتماله، وتدريجيًا، انسحبت بعض عناصر التنظيم بل وتفكك، وتوجه البعض منهم للحديث عن النشاط الدعوي فقط، في محاولة لحماية ما تبقى من شرعية رمزية، وهو أيضاً ما لم يستجب له المصريين، فسريعاً ما تجاوز المصريون الصدمة وعادوا إلى حياتهم اليومية، وكأن الإخوان وهم لم يكن.

شعارات وهمية و"سعار" حكم
بين عامي 2012 و2013، وجدت الجماعة الإرهابية نفسها على رأس الدولة المصرية، بعد عقود من العمل في الظل والمعارضة؛ لكنها بدلًا من أن تتحول إلى فاعل سياسي مدني يُدير مرحلة انتقالية معقّدة بتوافقات وطنية، تصرّفت كما لو أنها وحدها صاحبة الحق الثوري والشرعية المطلقة، وهنا، تكمن لحظة الانكشاف الأولى: فالجماعة التي رفعت شعارات "الحرية" و"العدالة الاجتماعية"، لم تكن تملك في جعبتها مشروعًا حقيقيًا للحكم، بل مجرد خطاب أيديولوجي هش، سرعان ما تهاوى أمام اختبار الدولة، وبدت الجماعة كمن دخل إلى مؤسسات الحكم بروح تنظيم مغلق، لا بعقلية دولة، وبدلاً من بناء شراكة وطنية واسعة، انقلبت الجماعة على القوى التي شاركتها لحظة 25 يناير، واستأثرت بالمشهد السياسي في مرحلة كان التوافق فيها ضرورة لا ترفًا، وتصرّفت ك"وصي على الثورة"، متجاهلة تنوع المجال السياسي المصري، وعاجزة عن استيعاب ديناميات الدولة الحديثة.
وهنا تجلت ثلاثية الإخفاق:
1. الهيمنة بدل الشراكة: اختارت الجماعة الإرهابية المضي في طريق الإقصاء، لا التوافق، تجاهلت شركاء الثورة، ودخلت في صدام مفتوح مع المؤسسة القضائية، والإعلام، والمجتمع المدني، والمؤسسة العسكرية، وفي ظل هذا المناخ المتوتر، بدا أن الجماعة لا تؤمن بالتعددية بقدر ما تسعى لتثبيت سيطرتها عبر آليات ديمقراطية شكلية.
2. الجمود التنظيمي: واجهت الجماعة الإرهابية أزمة في تحويل بنيتها المغلقة إلى كيان سياسي قادر على إدارة الدولة، بقيت آليات اتخاذ القرار مركزية ومحتكرة، ما أدى إلى عجز في استيعاب الكفاءات، وغياب كامل لمبدأ الشفافية، هذا الجمود التنظيمي حوّل التجربة إلى إدارة بيروقراطية متضخمة وعاجزة.
3. شعارات بلا مضمون: رفعت الجماعة الإرهابية راية "الديمقراطية المحافظة"، لكنها سرعان ما تخلت عن مضامينها. لم تُقدّم برنامجًا اقتصاديًا جادًا، ولا رؤية لإصلاح مؤسسات الدولة، بل حاولت تطويع تلك المؤسسات لسلطة التنظيم، وهو ما وسّع الهوة بينها وبين قطاعات واسعة من المجتمع، وبدا للناس أن الشعارات كانت غطاءً لأجندة لا تشبه ما وُعدوا به، وأن خطاب الثورة تحول في يد الجماعة إلى أداة لإعادة إنتاج الاستبداد باسم الدين.
ومع تسارع وتيرة الأزمات السياسية والاجتماعية، انهار الغطاء السياسي للجماعة الإرهابية بسرعة، ولم تصمد الشرعية الانتخابية التي طالما روجت لها أمام غياب الأداء والبرنامج، وسرعان ما تلاشت الصورة "الإصلاحية" التي روجت لها، لتحل محلها صورة جماعة تُعيد إنتاج ما ثارت عليه الجماهير أصلًا: "تنظيم يُقايض السلطة بالولاء، ويُعلّق إخفاقه على خصومه، دون أن يعترف بأن المشكلة كامنة في جوهر مشروعه"، فالجماعة أدارت السلطة بأيدلوجيتها المتطرفة دون أي سياسة، فقط سياسة: "لست معي إذن أنت عدوي"، وبالتالي كان السقوط مدويًا في 30 يونيو.

الانهيار الكبير في 30 يونيو
لم يتوقف الانهيار داخل جماعة الإخوان الإرهابية عند حدود السقوط السياسي، بل امتد إلى بُنيتها التنظيمية ذاتها، فبعد الضربة الأمنية القاصمة التي تلقّتها عقب 2013، دخلت في طور من الانقسامات الحادة، لتجد نفسها أمام مشهد تفكك بين جبهتين تتنازعان الشرعية والقيادة، دون أن تمتلك أي منهما تصورًا واضحًا للمرحلة، أو مشروعًا جامعًا يعيد ترميمها، فبرز تيار يقوده محمود حسين، يهيمن على ما تبقى من البنية الإدارية والإعلامية التقليدية للجماعة، ويحتفظ بأدوات النفوذ المالي والتنظيمي، وتيار مناوئ يقوده إبراهيم منير من لندن، حاول تقديم خطاب إصلاحي، اصطدمت بعجزه عن فرض واقع تنظيمي بديل أو تشكيل قاعدة دعم حقيقية في الصفوف الوسطى.
ولم يكن مجرد هذا الصراع مجرد اختلاف في الرؤى، بل تطوّر إلى معركة كسر عظم حول من يملك "الشرعية الإخوانية"، وهي شرعية لم تعد مستندة إلى ميثاق تنظيمي أو قاعدة انتخابية داخلية، بل إلى شبكة الولاءات والمصالح العابرة للحدود، ومع تعليق اجتماعات "مجلس الشورى العام"، وتبادل قرارات العزل والتجميد، تحوّل التنظيم إلى كيان "مُهلهل" تُحركه حسابات السيطرة لا رؤى التجديد.
ويُجمع مراقبون على أن هذا الانقسام لم يكن وليد اللحظة، بل امتداد لانقسامات صامتة كانت تتفاقم منذ 2013، بفعل النجاحات الأمنية للدولة المصرية من جهة، وغياب عقل للجماعة يعيد ترتيبها من الداخل، وبذلك كان طبيعيًا أن يوُلد داخل الجماعة واقعان متوازيان: كلاهما يفتقر إلى وضوح الرؤية، ويتعامل مع الماضي بوصفه خزانًا شرعيًا، لا دروسًا تستوجب المراجعة، وهو ما أكده تحليل رأي صدر عن معهد واشنطن، أشار إلى أن الجماعة باتت "جبهة مشققة بلا قيادة مركزية فعالة"، في ظل استمرار النزاع على من يملأ الفراغ القيادي، في مشهد من الانقسام التنظيمي العميق تسبب مع الوقت في تآكل البنية الداخلية، وأضعف قدرة الإخوان على إنتاج خطاب سياسي موحد، أو حتى الحفاظ على ولاء قواعدها التقليدية.

الشلل الدماغي وغياب المراجعات الفكرية
بعد سقوطها من سدة الحكم في 2013، لم تلجأ جماعة الإخوان الإرهابية إلى فتح أبواب المراجعة أو طرح أسئلة نقدية حول مسارها، بل فضّلت الاحتماء بتراثها الفكري القديم، وإعادة تدوير مراجعها التأسيسية دون تجديد أو اجتهاد، لم تُقدّم الجماعة منذ ذلك الحين أي قراءة نقدية لخطابها السياسي أو لعقيدتها التنظيمية، بل اكتفت بإلقاء اللوم على "البيئة المعادية" و"المؤامرات الدولية"، متجاهلة أن الفشل كان كامناً بالأساس في طريقة تفكيرها، لا فقط في الظروف المحيطة بها، فبدلا من الاعتراف بنهاية مشروع حسن البنا على يد المصريين، واصلت ترديد مقولات المؤسس وسيد قطب كما لو أن الزمن قد توقّف، وكأن مصر 2013 لا تختلف عن مصر الأربعينيات أو الستينيات، وبالتالي هربت الإرهابية بتفسير فشلها في ترويج خطاب مجتمعي يُفسّر إخفاقها السياسي كتعبير عن "أمراض اجتماعية" أو "بيئة غير ناضجة"، وليس كمحصلة طبيعية لأفكار متطرفة، فلم تستفد من تجارب نظيراتها في الشرق الأوسط وتغيير جلدهم ومراجعة أفكارهم، بل اختارت الصدام مع المصريين دون أي وعي، وساد خطاب يغلب عليه الحزن والرثاء والمظلومية، وكأن الجماعة أصبحت أسيرة رواية من الماضي، غير قادرة على إدراك التحولات أو التفاعل معها.

وهم العالمية الذي فضحه المصريون
لم يكن إخفاق جماعة الإخوان في مصر معزولًا عن سياق أوسع، بل جاء كجزء من تراجع متصاعد في حضور الإسلام السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، فبعد أن تصدرت الحركات الإسلامية المشهد عقب موجات الربيع العربي في 2011، جاء سقوط الإخوان في مصر بمثابة ضربة البداية لتلاشي مشاريع الإرهاب والحركات ذات الأيدلوجية الإسلامية المتطرفة أو ما عرف بجماعات الإسلام السيسي، وبالتالي لم يكن صدى سقوط الإخوان في مصر على الداخل أو التنظيم فقط بل مثل ضربة موجعة للمشاريع المشابهة أو المنبثقة عن الإخوان.
وهو ما ظهر جلياً في عدد من الدول العربية، حيث خرجت المتظاهرون ضد حكم الإخوان الإرهابية، رافعين شعارات تُركّز على الحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، وإسقاط حكم المرشد، في السودان مثلًا، كان الإسلام السياسي في طليعة القوى المرفوضة شعبيًا، بوصفه جزءًا من النظام الذي تمت الإطاحة به.
أما على المستوى الدولي، فقد تبدّلت خريطة التحالفات والمواقف، فبعد سنوات من النقاش حول "الإسلاميين المعتدلين" في الغرب، باتت العديد من الدول تنظر إلى جماعة الإخوان بوصفها مفرخة فكرية للتطرّف، أو على الأقل كتيار لا يندرج ضمن الأطر الليبرالية التي باتت شرطًا للشراكة السياسية، وبالتالي صنفت عدد من الدول الجماعة على قوائم الإرهاب، فيما فضّلت قوى دولية كبرى دعم نماذج إسلامية "مُروّضة" أو منزوعة الطابع الحركي، إن وُجدت، ويدلل على ذلك ما خلص له تقرير لجنة التحقيق الحكومي حول نشاط "الإخوان المسلمين" في فرنسا في مايو الماضي، إلى تغلغُل الجماعة في أربعة قطاعات أساسية، هي: التعليم، والعمل الخيري، والعمل الشبابي، والعمل المحلي، وحذَّر التقرير من أنّ المشروع الإخواني يُشكِّل تهديداً للمؤسسات المحلية والتماسك الوطني، وتتطلب مواجهته عملاً ميدانياً حازماً ومستمراً.
في هذا السياق، لم تعد تجربة الإخوان تُقرأ كحالة محلية، بل كمثال مُركّز على المأزق الذي وصلت إليه حركات الإسلام السياسي حين تجد نفسها في موقع السلطة دون رؤية مؤسسية أو مرونة فكرية، ومن هنا، لم يعد الطريق إلى "العودة" مفتوحًا كما في الماضي، فحتى لو تبدلت الظروف الداخلية، فإن البيئة الإقليمية والدولية لم تعد تتسامح مع المشاريع الدينية ذات الطابع الأحادي أو الانغلاق العقائدي.
لقد سقط المشروع الأممي للإخوان – الذي طالما تصوّر نفسه تيارًا عابرًا للحدود – أمام الحقائق التي تظهرها الواقعية السياسية، وإذا لم تُنتج الجماعة خطابًا مغايرًا يُخاطب العالم بلغة السياسة لا الأيديولوجيا، فإنها ستبقى خارج الزمن السياسي، محاصرة بتراثها، ومُقيمة على أطلال مشروع لم يعد له جمهور ولا حاضنة دولية.

بين رهانات الفوضى وذاكرة وطنية رافضة
بعد سقوطها المدوي في صيف 2013، لم تُقدِم جماعة الإخوان الإرهابية على أي مراجعة فكرية أو تنظيمية حقيقية، بل آثرت خيارًا واحدًا: الرهان على الفوضى، إذ تبنّت قيادة الخارج ما يشبه استراتيجية الانتظار، متعلقة بأي أزمة سياسية أو اقتصادية قد تفتح ثغرة للعودة إلى المشهد، وبالتالي رُوّجت لشعارات سلمية ومتعلقة بالعودة وتآكل الدولة وانهيار قيادتها، لكن هذا التصور سرعان ما اصطدم بالواقع، فلا الجيش انقسم، ولا الدولة انهارت، ولا المصريون تعاملوا مع هذه السيناريوهات الخبيثة، فالمصريون لن يسمحوا مجدداً بسنوات الدم والفوضى التي تلت سقوط حكم الإرهابية.
لقد ترسّخت تجربة الإخوان في الحكم في وجدان المصريين كدرس تحذيري لا يُمحى، فالمزاج الشعبي، الذي كان في لحظة من اللحظات متعاطفًا أو متقبّلًا لتجربتهم، بات يرى في نموذج 2012–2013 مثالًا على الفوضى، والإقصاء، والتوظيف الطائفي للسلطة، وعليه، تحوّلت هذه التجربة إلى جزءٍ من "الذاكرة الوطنية السلبية"، تُستدعى كلما طُرحت أفكار عن إشراك الإسلاميين أو السماح لهم بفرصة جديدة.
تُظهر استطلاعات الرأي المحلية والدولية أن غالبية المصريين يرفضون أي وجود سياسي للتيارات الدينية ككل، والإخوان على وجه الخصوص، وهو مزاج عام ليس عابرًا أو مجرد شعور لحظي، بل تراكم بفعل تجربة صادمة، انكشف خلالها عجز الجماعة عن إدارة دولة، أو التعامل مع التعددية، أو تقديم مشروع وطني جامع، وحتى اليوم، لم تتمكن الجماعة من صياغة خطاب مختلف يُقنع المصريين بأن ما حدث كان استثناءً لا قاعدة.
في المحصلة، لم يكن 30 يونيو مجرد لحظة سياسية، بل نقطة قطيعة حقيقية بين المجتمع والإخوان، ومثلما لم تفهم الجماعة إشارات السقوط في حينها، لا تزال عاجزة عن فهم ما بعده، فلا تزال الإرهابية تُروّج للعودة، لكن الأرض تغيّرت، والناس تغيّروا، والذاكرة الجماعية باتت أكثر وعيًا، ولهذا، فإن التنظيم الذي أخفق في التكيّف مع التاريخ، سيبقى رهينة الماضي، وخارج معادلات المصريين، طالما استمر في إنكار الدرس الذي لقّنه له الشارع في يونيو 2013.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.