قيادي بحماس يدين اتهامات الاحتلال لمصر بغلق معبر رفح: يسوقون لروايات غير منطقية    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    تحذير من ترك الشواحن بمقبس الكهرباء.. الفاتورة تزيد 50 جنيها لهذا السبب    سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    البيت الأبيض: بايدن سينقض مشروع قانون لمساعدة إسرائيل لو أقره الكونجرس    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    التنمية المحلية: 50 ألف طلب للتصالح في مخالفات البناء خلال أسبوع واحد    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    جوارديولا: العمل لم ينته بعد.. ولابد من الفوز بالمباراة الأخيرة    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    الشناوي: استعدينا جيدا لمباراة الترجي ونعلم مدى صعوبتها    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القاهرة    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأربعاء (تفاصيل)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    وسيم السيسي: 86.6% من المصريين يحملون جينات توت عنخ آمون    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    حتى لا تقع فريسة للمحتالين.. 5 نصائح عند الشراء «أون لاين»    شاهد لحظة استهداف حماس جنود وآليات إسرائيلية شرق رفح (فيديو)    شهادة كوهين بقضية شراء الصمت: ترامب كان على علم دائم بما يجري    ميدو يوجه رسالة لاتحاد الكرة بشأن حسام حسن    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قرب جبل طارق.. إسبانيا تحذر من "مواجهات مخيفة" مع حيتان الأوركا    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    الحماية المدنية تسيطر علي حريق هائل في محل زيوت بالاقصر    بطلقات نارية.. إصابة فتاة وسيدة في مشاجرة بسوهاج    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    حتى لا تستخدمها ضدك.. 3 تصرفات تجنبها مع الحماة النرجسية    شارك صحافة من وإلى المواطن    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    3 فعاليات لمناقشة أقاصيص طارق إمام في الدوحة    كامل الوزير: لم نبع أرصفة ميناء السخنة.. والمشغل العالمي يملك البنية الفوقية    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    ريا أبي راشد بإطلالة ساحرة في مهرجان كان السينمائي    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    قبل انطلاقها في مصر بساعات.. أهم 5 معلومات عن إم جي 4 الكهربائية    بعد سماع أقواله بواقعة "فتاة التجمع".. صرف سائق أوبر من سرايا النيابة    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    أمين الفتوى: «اللى معاه فلوس المواصلات والأكل والشرب وجب عليه الحج»    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    أمين الفتوى يوضح متى يجب على المسلم أداء فريضة الحج؟    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة حديثة: التفكير السياسي والتعبئة في "حماس" و"الإخوان"
نشر في الموجز يوم 30 - 04 - 2014

في التفكير السياسي للإخوان المسلمين عامة، والتفكير السياسي لحركة "حماس"، فقد بقي الكثير من الثوابت القطعية على حاله كما أكدته الأيام، وما ظنته "حماس" كما ظنه "الإخوان المسلمين" عامل (بناء) أو (تماسك) للتنظيم، وإن هو كان كذلك أحيانا، فانه ظهر كعامل (هدم) وعامل (نفور) بعد إمساكهم بالسلطة، ونقصد استيلاء حماس عبر ما أسمته (الحسم العسكري) في غزة عام 2007 على السلطة وتسلم الإخوان المسلمين للسلطة في مصر لمدة عام يتيم في 2012
الجماهير انفضت عن الوهج الذي كان يغلف (مطاطية) الفكر الإخواني الملبس بالدين والذي نشر في العالم امتلاكه لمشروع (جهادي) في فلسطين سرعان ما تهاوى مع أمساك حماس بالسلطة عام 2007 بالقوة ثم مطاردة (المقاومين) من خلال الاتفاقيات مع الاسرائيليين على صيانة حدود غزة خاصة بعد العدوان الصهيوني عام 2012.
انفضت الجماهير عنإخوان مصر في نفس العام الذي حكمت فيه، لأن عباءة الإسلام الفضفاضة التي لبسوها لم تنجح أن تغطي على ترهل الجماعة وضعفها العملي وسلبياتها الكثيرة، كما لم تستطع (التعبئة) التي دامت ل 80 عاما أن تفرز تنظيما حديديا لا تلين له قناة، أو أن تغطي على أوهام ما أسموه "مشروع النهضة" في دعايتهم الانتخابية أو (المشروع الإسلامي) في مصر (كانت الدعاية الانتخابية لحماس في فلسطين عام 2006 تحت قوانين اتفاق "أوسلو" واضحة ومتناقضة مع عنوان قائمتها التي أسميت التغيير والإصلاح) الذي طرحوه ولم يظهر في أي من ممارساتهم التي سرعان ما كشفت تعطشا مذهلا للسلطة، وكأن "التمكين" أو ما أسماه المعارضون في مصر "الأخونة" وفي فلسطين "الأسلمة" الجبرية قد أصبح ممكنا وواجبا ولا مَن يصده كما تهيأ لهم.
إننا في هذه الاضافة للمادة السابقة سنتعرض ل 10 نقاط فقط هي أساسية نظنها تستخدم عبر الزمن وسائل أو آليات أومضامين وسبل التعبئة والتحريض الداخلي والتربية والخطاب التي اتبعتها جماعة الإخوان وفروعها التي منها "حماس"، إذ أن الخطاب سواء الدعوي أو السياسي لم يكن موحدا لدى الجماعة وحماس، بل ارتبط في حقيقة الأمر بالفئة المستهدفة (أعضاء / مناصرين / جماهير / الاقليم / العالم....) وبالموقف، وإن احتفظ بسمات عامة تمثل حقيقة الفكر الإخواني كمضمون وكآليات ما سنورده أدناه.
أولا : المظلومية والضحية:
اجتهدت "حماس" كما "الإخوان المسلمين" في اظهار حجم الاضطهاد أو القمع الذي أصابهم سواء في فترات حكم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر ومن تبعه، أو في حماس في سجون السلطة الوطنية الفلسطينية (رغم استخدام ياسر عرفات أبوعمار معهم سياسة الباب الدوار كما أسماها الاسرائيليون أي يدخلون من باب ويخرجون من آخر فلا يسجنون فعليا)، أو من خلال تكرار اسطوانة أنهم تحصلوا على السلطة شرعيا في فلسطين عام 2006 ولم يسمح لهم العالم بممارسة السلطة لذلك فان الآخرين هم من انقلبوا عليهم وليس العكس، فهم الضحية دوما.
وتأتي فكرة المظلومية كأسلوب تعبوي مثمر (خاصة داخليا) استطاع الإخوان المسلمين من خلاله أن يلعبوا بإتقان دور الضحية أمام الجلاد، وهذا الجلاد الذي مثّل الحكومات المتعاقبة التي تعقبت قيادات وكوادر الإخوان وزجت بهم بالسجون طوال كافة العهود في مصر، فهم دوما ضحايا مع ما يعنى ذلك من إنكار مستمر لأي دور لهم فيما حصل لهم بمعنى أن عقلية الاعتراف بالخطأ أو المراجعة أو النقد الذاتي لم تكن من آليات العمل في التنظيم الذي لم تظهر فيه المراجعات إلا من عدد من قياداته تلك التي انفصلت عنه أمثال د.عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي وكمال الهلباوي ومختار نوح وثروت الخرباوي، وفي كثير من قيادات التنظيمات التي انسلخت عن الإخوان مثل الامام محمد الغزالي والشيخ محمد متولي الشعراوي، أو عاشت في ثوبها ثم غالت (تطرفت)، لكنها عادت لتمارس المراجعات كما حصل مع عبود الزمر والشيخ ناجح ابراهيم والشيخ نبيل نعيم
فكرة المظلومية شكلت عامل تماسك داخلي في الجماعة أزاحت عن قيادتها تحمل عبء اتهامات التقصير أو الفشل أو السقوط فنزهتها لسبب الربط المحكم بين الفكرة والقيادة والقيم حيث لا يمكن لعابد راكع قائم أن يقصّر أو يكذب أو يفشل لتصبح النظرة للشكل علامة ثقة وليس النظرة للفعل أو نتائج الفعل.
لا جدال أن (مظلومية) الحسين في التاريخ الإسلامي الشيعي خاصة منذ الدولة العباسية كان لها عامل تماسك وبناء من قبل تيارات الشيعة المختلفة، والتي استخدمها الساسة لاحقا ولعبوا عليها في مراحل تاريخية عدة أبرزها عندما تولى الصفويون حكم ايران فشيعوا أهلها بالقوة وفرضوا مظاهرا وطقوسا لا يقرها كل الشيعة، ولكنها على علاتها أدت للحفاظ على المذهب بشكله الصفوي وحفظت الحكم مقابل ذاك النموذج العلوي المغاير كما يقول المفكر الإسلامي الشيعي الكبير علي شريعتي
إن منطق المظلومية في التاريخ استطاع أن يحافظ على التماسك من جهة وأن يشوه صورة الآخر من جهة أخرى بل واستطاع أن يرسم أوهاما وأحلاما وينظر لها على أنها حقائق كما فعل اليهود في (مظلوميتهم) كمثال واحد، لربما استفادت منه التنظيمات السرية ومنها الإخوانية.
إن منطق الابتلاء منطق إسلامي يبتلي فيه رب العزة المؤمنين ويختبرهم ليس ليستظلوا بذلك ضمن فكر التسيير، وانما ليعودوا لصوابهم وعقلهم ويتفكروا فيما اقترفوا فيعالجون أخطاءهم ويتوبون عن خطاياهم، وهو ما كان يوما غطاء للفشل أو غطاء للتقصير أو غطاء يتم عبره تجنب النقد والاستغفار والتعلم من التجارب، لكنه كذلك في فكر وآليات التعبئة في "الإخوان" فالابتلاء من الله وهو حكما مرتبطا بصحة المنهج الإخواني من جهة وما ينبثق عنه من مواقف، ويرتبط بأن الآخر هو عدو الجماعة أي عدو "المشروع الإسلامي" أي عدو الإسلام، وعليه فان هناك مؤامرة تقع على الإخوان من مخالفيهم وعلى "حماس" من كافة الاتجاهات كما دأب كثير من قادتها ومتحدثيها على التكرار.
ان التعبئة الخطرة في عملية استخدام (المظلومية) و(الابتلاء) الرباني و (المؤامرة) الكونية تستدعي إما (السُكون) و(المَوات) أو السُبات، وهي الحالة التي صاحبتإخوان فلسطين فترة طويلة امتنعوا فيها عن الثورة والجهاد والمقاومة (من العام 1948-1988)،وقد تستدعي الموت المقدس (الشهادة) في سبيل الإسلام وهو الموت في سبيل الجماعة حال "التمكين".
ثانيا: المؤامرة وعدم الاعتراف (الإنكار)
مقابل عدم الاعتراف بالفشل أو التوجه نحو نقد الذات ما هو مفترض في أصل نماذج "دعوة" الإخوان يلجأ الإخوان كما هي حماس إلى نظرية المؤامرة والتخوين للمخالف لتبرير الفشل أو العجز أو الخسارة.
إن الشعور الدائم بالاضطهاد نتيجة الابتلاء الرباني الذي لا علاقة لنا به فهو من الله يتكامل مع الفعل الخارج عن القدرة الذاتية لرد الهجوم، أي مع عقلية "المؤامرة" التي تحاك دوما في الظلام ضد الإسلام أي ضد حماس أو ضد الإخوان، وهنا تصبح الشهادة أسمى امانينا ليس ضد الكفار من غير المسلمين وإنما ضد الكفار المسلمين (وربما يطلق عليهم المرتدين أوالجاهليين أو العلمانيين... ) الذين تصبح استباحة دمائهم قابلة للفتوى بسهولة كما حصل من قبل نزار ريان ويونس الاسطل ومروان أبو راس في انقلاب (تسميه "حماس" الحسم العسكري)عام 2007 والذي أدت فيه مثل هذه الفتاوى لمقتل ما يقارب الف بريء من الشعب الفلسطيني في غزة مع سحل بعضهم بالشوارع.
نجد شبيها في الحالة المصرية لما فعله مفتو (جمع مفتي) حماس بحِلّة الدم، وذلك في مواجهة السلطة في مصر إثر حكمهم لمدة عام ثم انقلاب الشعب والجيش عليه من خلال إدخال الاوهام والأحلام في سياق التعبئة في ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر وما صاحبه من فتاوى استحلال دم الآخرين من قيادات جماعات ملتفة حول الإخوان (يمكن لمن يرغب مراجعة مواقع اليوتيوب في ذلك ليرى عيانا لا كتابة ما قالوه).
دعا زعيم منظمة القاعدة أيمن الظواهري يوم 11/10/2013 المصريين المسلمين إلى أن يتصدوا (للمؤامرة) في ما أسماه "بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي العلماني الصليبي" التي تقوده العلمانية العسكرية، ليخلصوا مصر من هذه العصابة المجرمة التي قفزت على الحكم بالحديد والنار واستغلت تنازل بعض الفئات في لهثها وراء سراب التوافق الموهوم"، وان كان الخطاب بهذه الصيغة أصبح لصيقا اليوم فقط بالتيارات المسماة "السلفية الجهادية" فهو للأسف حقيقة التعبئة الداخلية للأفراد داخل حماس وفي الإخوان المسلمين.
وبالعودة لحماس وعقلية المؤامرة المستحضرة دوما كالجني يخرج من القمقم لنترككم مع تصريحات حديثة لتنظروا، يقول ايهاب الغصين على فضائية القدس منكلا بحركة فتح والمصريين بما يدعيه من حصار للمعبر في رفح على فضائية القدس التابعة لحماس بالخارج يوم 28/9/2013 وانظر ببصيرة لتكرار كلمة مؤامرة ومتآمرين وترى المئات مثل هذا النموذج، يقول:( نقول للمتآمرين ( ) والمراهنين على نجاح خطتهم بالتضييق على الشعب الفلسطيني للحصول على نتائج سياسية أن مؤامرتهم ( ) ستفشل كما فشلت كثير من خططهم السابقة، وأن الشعب الفلسطيني شعب واع ويدرك حقيقة المؤامرة ( ) ويعلم من الذي يقوم بالتحريض والتضييق على الشعب.) ويضيف في مسلسل الاتهامات بالمؤامرة في 1/10/2013 على ذات القناة التابعة لحماس الخارج (يريدون التضييق على الشعب الفلسطيني ويراهنون أن هذا التضييق والحصار والإغلاق وزيادة المعاناة وقطع الكهرباء دون بديل أن الشعب سيثور على الحكومه هنا أو على حماس، وهم لا يعلمون أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب وعياً وثقافةً ويعلم حقيقة المؤامرة ( ).) ويضيف أيضا (الشعب الفلسطيني لا بد أن يثور على هؤلاء الذين يبيعون الوطن "أي خون-الكاتب" ويتنازلون عن حقوقه وثوابته.)
وفي يوم 4/10/2013 وعلى رائي (تلفزة) الاقصى الذي يبث في غزة وردا على مقال لناصر اللحام مدير وكالة معا الاخبارية أورد فيه نية عناصر من غزة عمل تفجيرات في سيناء يعود الغصين ليستحضر فكر المؤامرة الكبرى هذه المرة بالقول : (هذه للأسف منظومة متكاملة من سلطة فتح والاحتلال ووسائل الإعلام المصرية (؟!!) هذا في إطار المؤامرة الكبيرة (؟!) التي تحدث ضد قطاعنا الحبيب.)
وربطا للمؤامرة بالخيانة يقول مشير المصري على قناة الأقصى التابعة لحماس في غزة يوم 26/10/2013 (التنسيق الامني يشكل خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، لانه يشكل ارتباط امني وثيق لصالح العدو الصهيوني.) مضيفا للتأكيد كي لا يخالط أحد الشك للحظة، بأن المقصود بالخونة المتآمرين هم السلطة (لكي تبقي قيادات السلطة على مواقعها على كراسي الحكم فان هذا يتطلب ارضاء امريكا والاحتلال والبقاء على التنسيق الامني.) ويوضح ذلك القيادي في حماس على ذات القناة صالح العاروري مؤكدا على قول المصري ( النشاط التي تمارسه أجهزة السلطة على المقاومة اكثر تأثيرا من الاحتلال على المقاومة وكله في النهاية يصب بمصلحة الاحتلال.)
الى ذلك يقول عطا الله أبو السبح من قيادة حماس (وزير سابق) في غزة في لقاء له على فضاء غزة (أن السلطة تقوم ب (إخراس البنادق وزج المقاومين في داخل سجونها المجرمة) مضيفا ان ذلك يتم (من خلال التنسيق الأمني الخياني)؟! ومحرضا و داعيا للانقلاب في الضفة ليس على الصهاينة بل على السلطة قائلا (يجب أن يهب شعبنا في الضفة الغربية ضد السلطة التعسفية الظالمة المجرمة) ويضيف في 5/11/2013 متماديا بالقول وعلى قناة الأقصى الصادرة من غزة (ضروري أن تفعل المقاومة وأن تكسر القيود عن أيدي الشعب الفلسطيني، عندما نرى الأمن الفلسطيني في ظل التنسيق الأمني المجرم يلاحق المقاومين، ماذا أقول أقول أنهم عبارة عن مجموعة من العملاء والجواسيس الذين يعملون لصالح العدو المجرم الذي يقتل شبابنا. )
ويقول خليل الحية عضو القيادة السياسية لمنظمة حماس في مهرجان الجمعة 4/10/2013 في غزة تحت عنوان لبيك يا أقصى ملمحا لما حصل في مصر:( يا بلاد الربيع العربي يا من يتآمر عليكم بالإنقلاب على ثوراتكم وحياتكم وصناديق إقتراعكم تقتلون في الشمال وتقسم أرضكم في الجنوب)
ويقول يحيى موسى القيادي في حماس على قناة القدس التابعة لحماس في الخارج في18/6/2013 في سياق الإشارة بأصابع التخوين والتآمر (المقاومة ملاحقه من قبل الأجهزة الأمنية بالضفة وملاحقة من الاحتلال.... ونحن نشهد تعاونا كبيرابين الأجهزة الأمنية والاحتلال)
ويقول القيادي في حماس اسماعيل هنية في خطابه يوم 19/10/2013 منكرا أي أزمة أو مشكلة أو مأزق لديه بشكل بات:(إن حماس لا تغازل أحداً ولا تستجدي أحداً ولا تندم ولا تعتذر عن تلك المواقف المشرفة حتى ترضي أحداً، ولا تشعر أنها في مأزق حتى تدفع ثمناً لأحد للخروج منه)، ومشيرا كالعادة للمؤامرات بديلا عن الاعتراف بالخطا أو المآسي والمآزق التي تسبب بها فيقول في ذات الخطاب (إن ابناء المقاومة الفلسطينية ورجالها ينتظرون ( ) لحظة اللقاء ومعركة التحرير لتري المحتل هشاشة ( ) كيانه، هذه المقاومة التي تقف بالمرصاد للمؤامرات ( ) وتقوى وتكبر رغم الحصار والعدوان والتضييق).
وفي ذات اليوم في خطاب له في قطر كما تورد صحيفة "فلسطين الآن" يقول خالد مشعل في سياق الانكار والتنزيه (إن حركته ليست نادمة على انحيازها للأمة، ولم تخطئ حتى تعترف بخطئها، فهي لا تراجع صواباً، وإن أخطأت تراجع)، ومنكرا أيضا كما فعل هنية وجود أي خلافات في منظمته مؤكدا أن (موقف قيادة "حماس" موحد كما لم يكن موحداً من قبل)[3]
وعودة قليلا للوراء يقول المفتي الآخر في حماس مروان أبوراس، اضافة لزميله ياسين الأسطل، في شهر اكتوبر من عام 2011 على فضائية حماس في غزة أيضا (المقاومة موجودة في الضفة، ولكن يتآمر(؟!) عليها فكا الكماشة الأجهزة الأمنية التابعة لعباس والتابعه لفياض والأجهزة الأمنية الصهيونية).
وفي ذات "المؤامرة" وربطها هذه المرة بأنها ضد المقاومة أي ضد حماس حصريا كما الربط الدائم أيضا بين الإسلام والمؤامرة على اعتبار أن الإسلام بممثليه أو جماعته الحصرية، قال اسماعيل رضوان وزير الأوقاف في سلطة "الحسم العسكري" في غزة يوم 3/10/2013 على رائي (تلفزة) الأقصى التابع لحماس في تعليقه على مشاكل الحجاج وفي استدعاء موحد لعقلية المؤامرة (نحن إزاء مؤامرة ( ) تحاك خيوطها، يراد من خلالها كسر الإرادة وكسر شوكة قطاع غزة والمقاومة والشعب الفلسطيني) مضيفا (نحن نتحدث عن جريمة نكراء هذه الجريمة لا يمكن أن توصف...)
اذن هناك عناق واضح بين رفض الاعتراف أو الانكار الكلي لسوء الوضع أو لأن يكون للتنظيم الرباني دخل فيما تؤول اليه الأوضاع من سوء وتدهور ما يعني افتقاد الحس الانساني من جهة وافتقاد الزمن لأن من يفكر دوما بأنه على صواب يعتقد ذلك في ظل سوء الوضع أو تدهوره بافتراض المستقبل أو الماضي التليد الذي يعيش بين جنباته، وتبرز "نظرية المؤامرة" كحل سحري لحالة الانكار للفساد أو الانهيار أو الاندحارأو المأزق لأن سوى ذلك يعني أن التنظيم أو الجماعة خاطئة وقيادتها متهمة ما يعني أن المشروع "المشروع الإسلامي" فاشل، وهذا برأيهم لا يستقيم.
ثالثا : القداسة والولاء :
يغرم الإخوان المسلمين بالألقاب وابتدأ هذا من المرشد الأول الذي يطلقون عليه لقب (الإمام) رغم أنه مدرس لغة عربية ويطلقون عليه (فضيلة) المرشد، واستمر معهم هذا الأسلوب بالتبجيل حتى اليوم، وارتبط لاحقا ظاهريا بتقبيل اليد او تقبيل الرأس، كما اصبحت الألقاب المختلفة التي تسبق الأسماء مثل الدكتور أو المهندس أو الأستاذ واجبة الكتابة كما تراها في مواقعهم الاعلامية وصحفهم وفي الاعلانات الضخمة في شوارع غزة (معالي رئيس الوزراء الأستاذ اسماعيل هنية كمثال) وليس في ذلك مظهر احترام نقدره أو مظهر اجلال فقط، وإنما غرس حقيقي في النفوس الناشئة لدى الإخوان أنكم على مسافة بعيدة عن قيادتكم التي تفهم أكثر منكم، فمن أنتم لتكونوا دكتور أو كمهندس أو....، وليس لكم أن تفكروا بأن يكون أي منكم اماما أو ان تتمتعوا بلقب (فضيلة) إلا ضمن شروط أتقنت قيادة الإخوان وحماس اسقاطها في روع الأعضاء كمسلّمات وبديهيات غير قابلة للنقض، وهي تمثلت في إهاب الطاعة المطلقة والانصياع بلا سؤال أو تفكير أو مخالفة مهما كانت للمراقب العام او المرشد العام او المسؤول المباشر، فالمتلقي ليس له إلا أن يكون كذلك وشتان بين موقع المرسل والمتلقي حيث لا انتقال بين المواقع إلا بشق الأنفس.
إضافة القداسة على التنظيم قد جاءت بشكل مقصود باعتقادي لإخضاع الاعضاء المنتمين للإخوان أو حماس (حيث يتكرر شعار الولاء والبراء والاستعلاء)، ورغم كل التبريرات التي تساق لمفهوم الطاعة العمياء او السلطة المطلقة للمسؤول الأول فإنها في الحقيقة قد أوجدت شيئين متناقضين داخل التنظيم الأول: هو التماسك الداخلي، والثاني هو التسليم والاستكانة وانتفاء روح النقد والمراجعة إلى الحد الذي جعل تنظيم الإخوان المسلمين وبعد 85 عاما من انشائه لم يفد العالم الإسلامي بشيء على الصعيد الفكري او الثقافي او الفقهي، اللهم إلا ما ينسب لسيد قطب وأفكاره، فكيف لتابع أو مستقبِل أن يناقش شمسا مشرقة أو قائدا ملهما أو مقدسا. ان هذا لا يصح؟! ما افسد العقل وأذهب الأحلام، وجعل من الاعضاء كما هي الشغالات في مملكة النمل.
القداسة صفة متحركة، وصفة لازمة بمعنى أنها ملازمة للدين، الذي يلقى في روع المسلم عندهم ألا يناقش فيه ما لا يعرف وإلا فمصيره جهنم، وبالتالي لأن الإسلام يتم نقله عبر وسائل (أشخاص) فان ناقل المقدس مقدس، سواء كتنظيم أوأشخاص ما ينسحب في الوعي، وفي إطار التعبئة على القيادات جميعا، وعلى مواقفهم المتناقضة مع البعض أو مع أنفسهم بحيث أنها تجد التبرير الدائم نظرا لعدم إمكانية إيجاد أي خطأ في مواقفهم واتجاهاتهم وأفعالهم لا سيما وأن قسم الإخوان (والتربية ضمن أسرها) قسم مقدس مرتبط بالبيعة للإمام وطاعته بلا تجاوز أو نقد كما يسقط في وعي الشخص.
القسم الإخواني بحد ذاته مقدس حيث يقسم بالله العظيم أن يكون مخلصا ليس للإسلام أو للدين الإسلامي أو لنبينا محمدا وإنما (لدعوة الإخوان المسلمين-ولا دعوة بلا دعاة) وهي دعوة بشرية مهما احتوت من أفكار نبيلة فيها من الصواب، كما فيها من الخطأ ما يجب اسقاطه أو تعديله. يعبر القسم عن ولاء مقدس يسقط على "المرشد" وعلى مؤسسيها وقادتها مالا يدركه الشخص العادي في الجماعة لأول وهلة، لأن قسمه في (المنشط والمكره) يضعه كما حال التابع لشيخه الصوفي أي (كالميت بين يدي المغسل) كما أشار ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد)
في أثناء الانتفاضة الثانية في فلسطين (2000-2004م) صرخ أحد ائمة المساجد قائلا إنهم يسجنون الذين يوحدون الله فعاقبهم الله، يقصد أن السلطة تحبس "حماس" فقصف الاحتلال مقرات السلطة ما هو مدعاة للشماتة من جهة (انظروا كم الفرح الهائل في ميدان رابعة العدوية عندما سمعوا باقتراب البوارج الأجنبية في ساحل مصر ظنا أنها لدعم الإخوان، وانظروا توسل الشيخ يوسف القرضاوي بالأمريكان لضرب المسلمين في سوريا، وانظروا قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة التي تكررت في انقلاب غزة عام 2007 وفي مواجهات رابعة العدوية في مصر عام 2013)، وتقديس للذات أو الجماعة من جهة أخرى، وما كان من موسى أبومرزوق الذي يتميز برصانته وهدوئه في قيادة حماس إلا أن أوضح في مقابلة له مع الفجر الجزائرية عام 2013 ما وقر في نفسه والجماعة من تعبئة تقديسية تنزيهية للذات والتنظيم حيث صرح (أن العداء لحماس يأتي لخلفيتها الإسلامية) والأمثلة بهذا الصدد كثيرة ولك ان تجدها في تصريحات العشرات من قيادات حماس أو الإخوان.
إن آلية الربط المحكم بين قداسة التعليمات الإسلامية وبين التنظيم أو قياداته أصبحت حقيقة تجعل من المنتمي للتنظيم يشعر بتميزه عن الآخرين ليس لصلاته وصيامه واحترامه لجيرانه وعدم ايذائهم، وإنما لمجرد انه يحمل (الفكرة والمشروع الإسلامي) أو لمجرد أنه ينتمي للتنظيم (الإسلامي) ما يبرر له أن ينصاع بكل أريحية لقائده، وما يبرر نظرة المغالاة إلى حد القداسة لقائده (في القداسة شعور أكثر من التبجيل بكثير إذ تتشابك عوامل الخوف والرجاء معا)، وبالتالي المغالاة ضد من يخالفه إلى حد اتهامه بالكفر أو الزندقة أو الردة وبالخيانة كما امتلأت أفواه قيادات في حماس ضد مخالفيهم خاصة بعد (الحسم العسكري) في غزة عام 2007.
قال الناطق باسم طلبة حماس في بوليتيكنيك الخليل على قناة حماس غزة المسماة الأقصى التالي يوم 6/10/2013: (شنت أجهزة السلطة الصهيوأمريكية حملة كبيرة ومتغطرسة بحق كل ما هو إسلامي -على اعتبار أن حماس فقط هي ممثلة الله في البلاد- في الضفة الغربية وكل ما هو تيار ممانعة ومقاومة)، وربما يحاجج البعض أن هذا طالب والطلاب معروفون بتهورهم أو اندفاعهم، ولدحض هذا الافتراء يقول صلاح البردويل من قيادات حماس في 9/10/2013 على قناة حماس الفضائية من غزة ردا على حديث لقائد الجيش الثاني المصري ضد حماس ما نصه (نحن وضعنا في خانة الإخوان المسلمون، أمامنا أحد الأمرين إما أن نتخلى عن الإخوان المسلمين ونقول أن لا علاقة لنا بدين الإسلام (؟) وربما يقبلوننا وربما لا يقبلوننا وأما نطبل كما يطبلون) وفي هذه العبارة الموجزة مزج متعمد وواضح بين الجماعة والإسلام بحيث أن لا تمايز بينهما في اسقاط معيب وخبيث في نفوس الأتباع والناس جميعا.[4]
وللإضافة في غيض من فيض يقول خليل الحية عضو القيادة السياسية لمنظمة حماس في مهرجان الجمعة 4/10/2013 في غزة تحت عنوان لبيك يا أقصى في تنزيه للذات وتبجيل : نأتي اليوم لنقول كلمة واحدة هي شعار هذا الإحتفال لبيك يا أقصى نزلزل بها الأركان ونضحي من أجلها بكل ما نملك، ألسنا الصالحين (؟!) ألسنا على طريق الأبرار(؟!) المجاهدين وألسنا من وقفنا في كل الميادين نقول لا للإستكانة ولا للهزيمة ولا للقبول بالعدوان ولا الظلم ولا الطغيان ولا الحصار.
ولم لا يكون ذلك رأيه وهنية يقول في خطاب له في 19/10/2013 في غزة (وما زالت حماس كذلك بفضل الله في قوتها ومنعتها ووحدة صفها وتماسك قيادتها والتحامها مع جماهير شعبها وجماهير أمتها في كل مكان.)
أسقط مفهوم القداسة في طريقه العقل، فافتقد التنظيم للتفكير كما افتقد للنقد الذاتي[5] ونفر واشمأز من المراجعات، ورغم أن كثير من قيادات "الإخوان" و"حماس" ممن درسوا العلوم التجريبية إلا ان المكون الأول للنشأة الذي ارتبط بالطاعة العمياء والقداسة قد قوّض الفكر العلمي التجريبي فيهم، فمالوا نحو الأوهام والأحلام والتفسيرات غير العلمية لكثير من إخفاقاتهم التي أنكروها ولم يعترفوا بها في مصر وغيرها– إلا من رحم ربي من تلك القلة التي منها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي أشار في عديد المقابلات لأخطاء حصلت في غزة، أي أثناء الانقلاب عام 2007 من قبل حماس على السلطة – كما لم تعترف حماس بتشرذمها أو لنقل خلافاتها الفكرية ما هو طبيعي في أي تنظيم، وبأزماتها وفشلها في إدارة قطاع غزة أو إدارة العلاقات الوطنية، أو أدارة العلاقات الاقليمية أوفي ضبط طريقة تبني المقاومة والسلطة معا.
قداسة الفكرة والتنظيم والأشخاص وإن أشعرت القائد بأنه مرتبة أعلى وأسمى، وأنه وصَفّ القيادة صفوة على من دونه إذ أنه من الخاصة والباقي من العامة ما يجد له سندا في التاريخ الإسلامي عندهم فان (منطقة الراحة) هذه للقائد هي نفسها منطقة الأزمة والعَنَت والصعوبة، فكلما ارتفع معدل القداسة للرأي، وهو الرأي المنزه أو العصي على النقد،[وفي الشخصية كلما اصطدم بالواقع السياسي المتغير ما يجعل من الصعب على هذا القائد الملهم أو المقدس أن يغير رأيه، وكأنه التف بالحبل في يده على رقبته، فإما العناد والاستمرار حتى يصطدم بالحائط، وإما التراجع بسند شرعي يتم تكييفه كما يفعل الشيخ يوسف القرضاوي في كثير من فتاواه المؤيدة لمواقف الإخوان وحماس أصابوا أم أخطأوا، أوبالنقد الذاتي والاعتراف بالفشل المفضي للخروج او الانشقاق للأتباع.
لم يستطيع الإخوان المسلمين وحماس في منطقة حكمهم في غزة ومصر أن يفصلا بين الواقع السياسي المتحرك والفكر السياسي النسبي من جهة، وبين مطلق الدعوة وثبات العقيدة من الجهة الأخرى، بل كرسوا ذلك على اعتبار أن الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف كما يقولون، فان كانت كل منهما تغذي الأخرى بشكل مباشر فعندها يصبح الرأي السياسي مقدسا كما التعاليم الإسلامية ويصبح التراجع صعبا ومهلكا ما أوقع الإخوان كما حماس في أزمات لم تخرج منها حتى الآن.
لا قداسة إلا لله، ولا فعل مقدس لبشر فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال سيد البشرية، ولكن كم من الناس أو القادة ينفذون ما يتلفظون به بألسنتهم، وأمامهم وخلفهم أتباع يهلّلون ويكبّرون، ويصدّقون ما يقولونه أصواب أم خطأ؟! فكيف أضحّى (بالقداسة) أو وجاهة الموقع ووهج الإعلام اليوم في سبيل الفكر العلمي وأساليب الادارة الرشيدة ؟! وكيف لي أن أفصل بين ثوابت العقيدة وأرجحيات الرأي، وبين مطلق الدين ونسبية شؤون الناس؟! أو بوضوح كيف أحدد العلاقة بين المقدس العلوي، والمدني الثابت الدنيوي وهي معادلة لم تستطيع (أو لم ترد) "حماس" أو "الإخوان" عامة أن تفككها ربما لأن الجلوس في المنطقة المريحة أفضل كثيرا من التقلب بين المناطق والمساحات المتاحة الجديدة وما تحمله في داخلها من قلق وشك وتفكير وإقناع وتعب.
لطالما ردّد قادة من حركة حماس مصطلح إننا (تنظيم) رباني، واستخدموا مثل هذه المقولة ليبرروا أفعالهم ومواقفهم كما استخدموها إثر انتخابات 2006 في فلسطين فأصبحت الحكومة ربانية والى الأبد، فمن يستطيع أن يحاسب الحكومة أوالجماعة الربانية، وكأنه بذلك يحاسب الله أو أنبيائه مما يقع في روع المواطن العادي (يمكن مراجعة كتابنا "حركة حماس سيوف ومنابر" على الشابكة في موقع المحرر "سكريبد" في الاطلاع على مثل التصريحات، عدا عن امتلاء الشابكة بها).
لقد وصل استغلال الدين بإضافة القداسة على الفعل الانساني المتميز بالهدى والضلال والصواب والخطأ بل والخطايا أن أصبح سمة عملت الحركات الإسلاموية طويلا لحفرها في نفوس الناس، فتصبح الطريق ممهدة وتصبح العقول متأهبة فقط لاستقبال ما يسقطه أو يرسله أو يقوله "الربانيون" الذين لا ينطقون عن الهوى، لاسيما وأن النقد أو المراجعة أوالمحاسبة الذاتية ليست من مواصفاتهم.
لقد كانت ايهامات القداسة في مصر بارزة لدى الجماعات الإسلاموية في اعتصامهم في منطقة رابعة العدوية اذ جعلوا جبريل عليه السلام ينزل دعما لهم كما جعلوا الرسول يصلي معهم إلى غير ذلك من أوهام القداسة التي لم تفد شيئا إلا في نسج مزيد من خيوط العنكبوت حول فكرهم أو طريقهم في التعبئة الاستتباعية.
رابعا : الحصرية مقابل الإقصاء (الفسطاطين):
تميزت "حماس"في فلسطين بإشاعتها جو من الاعتزاز بالذات إلى حد الكِبر، وجو من التميز إلى حد رفض المشاركة في أي من أطر (م.ت.ف) أو السلطة إلا منفردة أو متسيّدة.
خاضت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة (فتح) حوارات طويلة مع حماس، وبرعاية الإخوان المسلمين في مصر، وفي السودان منذ عام 1996 وصولا إلى غزة ثم حول العالم العربي لاحقا، أي منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات إلا ان (التنظيم الرباني) والتنظيم المختلف عن غيره لم يكن مقبولا لدية أن يكون جزءا من (منظمة) علمانية كما يطلقون عليها، ليس لأنها كذلك أو غيره وإنما لأن الهدف هو السلطة والسيطرة بدليل موافقتهم لاحقا على الانضمام لها بشروطهم التي تعني أن السيطرة والتحكم هو الهدف الأسمى.
استنادا لصوابية الفكر الذي تحمله "حماس" وهو الفكر الذي يمزج مواضيع ثلاثة ذات دلالة فانه من المبرر منطقيا لديهم والمسوغ عقليا ان يتميزوا ويقصوا الآخرين.
الخلط القائم عن عمد بين مصالح الناس المتغيرة والتعاطي معها، وبين ثوابت الدين في الحركات الإسلاموية هو أحد أهم وسائل مدها بالحياة بحيث لا يستطيع المسلم العادي البسيط إلا أن ينصاع نفسيا لمن يدعي الإسلام قولا وظاهرا فيتبنى مواقفه وآراءه على فرضية أن هذا من ذاك، أي أن (التنظيم الدعوى) هو قطعا مصيب (كتنظيم سياسي حزبي) لأن من يدعو إلى الله يبتغي الخير، فتنعكس المواقف لتصبح تأييدا قطيعيا هو ما ابتغته هذه الحركات، وهو ما تكشف للناس عدم صدقه في مذابح حماس في قطاع غزة اثر انقلاب 2007 وفي استخدامها السلطة والأموال تماما كما يفعل غيرها فلا فرق بين ملتحى يبطش أو حليق، ولا فرق بين من يخطب على المنبر ويرتاد الملاهي أو يمارس السرقة والتعذيب والكذب والفساد، اذ ان التجربة في غزة ولاحقا في مصر قد هزت بقوة مفهوم (الحصرية) أو (الاحتكار) للفكرة القطعية أو للحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والباطل للآخر المخالف أي كان.
ترتبط "الحصرية" بالإقصاء فما دمت أنا من يمتلك الحق أو الصواب الذي مرجعيته ربّانية، فان غيري ليس على المحجّة البيضاء التي يدعو لها الخطباء في غالب المساجد ليلها كنهارها، ومن هنا بدلا من أن ينتشر التسامح والمحبة والاستيعاب والصفح والتقارب ما هو أبرز سمات المسلمين و الإسلام العظيم، برزت معركة "الفسطاطين" بين المسلمين أنفسهم، ليس حين الخلاف العقدي وإنما عند كل معركة سياسية فما دمت أنا في فسطاط الحق المبين فالمخالف في فسطاط الشيطان اللعين.
وعن مصطلح "الفسطاطين" يقول د.عصام شاور متعجبا ومستهجنا في مدونته في 2/8/2008 ( قرأت مقتطفات من خطاب النائب في التشريعي والقيادي البارز في حركة حماس الاستاذ فتحي حماد امام الجماهير الغاضبة بسبب مجزرة الشاطئ , وقد استخدم السيد حماد عبارات ومصطلحات جديدة على الخطاب الفلسطيني و يجب الانتباه لها , حيث ذكر الابادة وقطع اليد وذكر كذلك انقسام الناس إلى فسطاطين , فسطاط الحق وفسطاط الباطل وغير ذلك من تعابير.) ليضيف ان ( تقسيم الناس إلى فسطاطين يذكرنا بأقوال قادة تنظيم القاعدة الذين يكثرون من استخدام تلك التعابير التي لم ترد اصلا في القرآن الكريم ولا حتى في الصحيحين بهذا المعنى) وليتابع بالقول (لا يمكن تقسيم اهل غزة إلى فسطاطين , فغالبيتهم مسلمون موحدون , وكلهم جماعة واحدة لا يمكن تقسيمها...)
لا تحتمل حماس المعارضة أو الرأي الآخر فأغلقت كافة المؤسسات التي لا تستجيب لها وأممت المساجد حتى من الجهاد الإسلامي والسلفيين لصالح خطباء حماس فقط، وشقّت المنظمات النقابية التي لم تستطع الاستيلاء عليها، وقتلت المخالفين بعد أن أفتى مفتوها بحِلّة الدم خاصة لأبناء الأجهزة الأمنية كما فعل مروان أبوراس وياسين الأسطل ونزار ريان، ومؤخرا أي في شهر سبتمبر 2013 قال يونس الأسطل في خطبة الجمعة محرضا على قتل المتظاهرين السلميين :" من يخرج يوم 11/11 فليأتي بكفنه معه" وهو من كان قد قال في العام 2007 محرضا على قتل المخالفين في غزة "ان بسطت يدك لي سأقطع عنقك" في معارضة لقول عبد الملك بن مروان "سأقطع يدك"، وفي معارضة للآية القرآنية الكريمة ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين"
لقد سقطت مضامين هذه التعبئة الداخلية، وبانت للناس كالشمس بحيث أدركوا أن الربط بين (الديني) الثابت و(الحزبي) المتغير لا يستقيم، وهو ما كرره الكاتب الإسلامي القريب من الإخوان فهمي هويدي في اشارة له في سياق دراستنا هذه، كما قدّر ذلك نادر بكار من قيادة السلفيين في مصر وغيرهم، حيث أنه اثر ممارسات "الإسلامويين" السلبية المماثلة لغيرهم أو من سبقوهم في غزة ثم مصر، واثر توزيع الخارطة الحزبية على عشرات التنظيمات (الإسلاموية) لم يعد للاحتكار أو الحصرية أو فسطاط الحق أو الممانعة قوة الجذب السابقة.
خامسا : التُقية والتبرير:
يعتبر الشيعة أن التقية جزء أصيل من المذهب ويدللون عليها بالكثير من الأحاديث، ويعتبرون أن اتقاء شر الآخرين بإظهار خلاف المبطن هو آلية دفاعية واجبة (ورد عن المعصوم المهدي المنتطر كما في روايات الشيعة: أن التقية ديني ودين آبائي). ولربما انتقلت التقية لتتحول من أسلوب مؤقت أو حيلة دفاعية أو وسيلة لاتقاء شر واقع إلى أساس مذهبي نتيجة الاضطهاد الذي عانته تيارات الشيعة المتعددة من السلطات عبر العصور المختلفة كما هي مروياتهم الكثيرة، والتي تُعلي من حجم الاضطهاد وتضخيمه، وتغالي فيه وفي الدلالة عليه خاصة منذ عصر اسماعيل الصفوى في فارس الذي شيّع أهل البلاد قسرا، وأدخل على الشيعة كل المظاهر الحديثة التي لا يعترف بها التشيع العلوي كما يفصل بينهما المفكر الكبيرعلى شريعتي ود.على الوردي وأحمد الكاتب وغيرهم الكثير.
ما يهمنا من هذه المقدمة هو أن مفهوم (التقية) هو مفهوم إسلامي شيعي عقدي وإن نسبوه للقرآن في تأويل لبعض الآيات وهذا شأنهم، فان كان له مسوغاته كما في المذهب الشيعي، فما مسوغاته أو ما يشبهه لدى الإخوان المسلمين؟
استطاع الإخوان المسلمين كما ذكرنا أن يرسموا لهم صورة ذات ظلال حزينة وكئيبة (يمكن الرجوع لكتاب زينب الغزالي المغالي حول عذابات الإخوان وعذابها تحت عنوان أيام من حياتي كمثال) وساروا في طريق بلا معالم، وبخسران للعالم حال عدم وجودهم في سياقه، وخاضوا تشكيكا في (إسلامية) المسلمين بدونهم، فرفعوا أنفسهم كجماعة أو في الحقيقة كفرقة أو"طائفة" إلى مستوى أرقى وأجل من مستوى الناس، فكانوا طبقة فوق الطبقات، وطليعة تطل من مركبها الباذخ على بحر الجماهير باستعلاء، وحاولوا بذلك أن يحققوا التماسك التنظيمي من جهة ورد سهام المخالفين (فهم الأعلون)، لذا يجب (ألا يحزنوا)،أذ أن الابتلاء كما ذكرنا ناتج عن اضطهاد وتعذيب وحرمان من "استاذية" العالم، ما هو امتحان من الله وما صبرهم إلا وصولا "للتمكين" أو الشهادة، والمؤامرات في هذا الطريق كثيرة.
في هذه الحالة الشعورية الناجمة عن حقيقة التعبئة الداخلية أساسا لا بد من ايجاد آليات دفاعية ضد المخالفين أو ضد السلطة او المجتمع الذي يمدون له حبل المودة من جهة من خلال المساعدات الاجتماعية والمالية، ومن خلال وجه الداعية المشرق، و(ينعزلون) بمن يناصرهم بآليات التنظيم والتعبئة بعيدا في (صندوق) محكم يتلقى فيه الأتباع ما لا يجب أن يخالطه الثوابت، ومن هذه الاليات استخدام (التقية) أو الكذب والتبرير.
تزعم غالب القيادات التي خرجت من الإخوان المسلمين أمثال أبو العلا ماضي (رئيس حزب الوسط الإسلامي) ومختار نوح وثروت الخرباوي ان تنظيم الإخوان المسلمين، ومثله "حماس"، لا يتورع عن استخدام التقية داخليا (داخل التنظيم) وخارجه فتصبح الممالأة والمداراة والتزلف صفة مقبولة، كما يصبح الكذب والتزوير فعلا مُجازا.
قال مجدي علي من "الإخوان" ما هو منشور على موقع اليوتيوب «نقبل الديموقراطية التي توصلنا إلى الحكم من خلال الانتخابات لكن عند اي انتخابات الشرع يعطينا الحق في تزويرها وفق قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»؟
ويحدثنا ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد) عن حادثة تزوير في الإخوان المسلمين في الانتخابات الداخلية لمجموعتهم في نقابة المحامين بالتفصيل، كما يحدثنا عن لجوئهم للكذب، ويشير بوضوح وبالأدلة بالصوت والصورة لحادثة مع مرشدهم مصطفى مشهور الذي يرفض النقد قطعيا. ويقول القيادي السابق في الإخوان سامح عيد (كانت الأوامر تصدر لنا بحبس القيادات الجامعية الموكل إليها أمر الترشيحات، وقد شاركت في إحداها حتى يوافقوا على ترشيح طلاب الإخوان، ولا مانع أيضا من تشويه سمعة المنافسين من أجل العمل على إسقاطهم في الانتخابات) مضيفا في لقاء له نقله موقع آفاق في 1/8/2013 (كذلك لا مانع من الكذب ما دام في صالح الجماعة تماما كما حدث في موقعة الجمل وإعلان البلتاجى من على منصة التحرير بأن هناك خمسة آلافإخوانى قاتلوا في هذا اليوم، حيث سأل بعد ذلك الأخ أنور عبد العزيز، من البحيرة الشيخ صفوت حجازي، عن هذا الأمر فقال له : كنا نحاول أن نطمئن الناس فقط.(
وهكذا من الممكن الرجوع لعديد الحوادث التي سطرها الإخوان السابقين لتبرز أمامنا الحقيقة الجلية التي نقترح تعميمها والتي تقول أن التفكير السياسي في الحركات الإسلاموية ومنها "الإخوان" و"حماس" فيها من النسبي والمختلف عليه الكثير، وفيها من التبرير والتراجع (تراجع الإخوان عن عدم ترشيح رئيس لمصر، كما تراجعوا عن وعودهم العلنية بأن يكون عدد مرشحيهم للمجلس النيابي محدودا،....) والتزوير ما يجدونه مبررا ومسوغ شرعيا ما هو أشيه بالتقية، ومرتبطا بتغير الأحوال ما يعني أن استخدامهم للتقنية (إظهار عكس ما يبطن) أصبحت ممارسة قد تجد تجلياتها الأخرى من خلال تعدد الخطابات أوالألسنة، وكما هو الحال اليوم في "حماس" التي إن آمنا أن لا خلافات فيها كما يقول بعضهم فان الاختلافات العلنية تكون بالعقل منظّمة ومتفق عليها، لذا فتغير الألسنة والمواقف والخطابات حول الحديث الواحد أو الموضوع الواحد تصبح سياسة متبعة، ما يجعلنا نؤكد على اختلاف التعبئة الداخلية المتشددة والاقصائية عن الخطاب الدعوي اللين (يمكن الرجوع لكتاب درب الأشواك لعماد الفالوجي المنشق عن حماس)، وعن الخطاب السياسي المتلون الذي أصبح من سمات كثير من التيارات الإسلاموية، فيزهو مزهرا أمام الناس وينكمش في السر ليعمق التشدد والغلو
نكرر ان عقلية التبرير أو التزوير أو التقية تتفق وتتعانق مع عقلية القداسة والمظلومية والابتلاء وتؤدي إلى رفض النقد والمراجعة في رباط محكم.
سادسا : خلط السياسي الحزبي بالدعوي العقدي:
عندما أمسكت حماس بالسلطة اثر انتخابات عام 2006 في فلسطين (الانتخابات التي انتهت مدتها من أكثر من عامين، وفيها خلاف قانوني)، صرح العديد من قادتها ونواطقها أن حكومتهم ربانية، وأنها حكومة للأبد على نفس نهج ما ذكره الرئيس مرسي لاحقا وعصام العريان بأن أمامهم زمن طويل ليحكموا، وان الله معهم لاسيما وأنهم (فتية آمنوا بربهم ) وأنهم (الذين ان مكناهم بالأرض أقاموا الصلاة... ) وأنهم في خلط متعمد بين أعمدة العقيدة وبين السياسي المتغير والنسبي.
إن التعبئة الداخلية المقصودة تلك التي تجعل من طريقة الصلاة على يدي الشيخ متبعة بالتفاصيل التي يربى عليها التابع هي نفسها التي تجعله مستسلما خاضعا لرأيه السياسي، لأن الشخص هو هو، فما دام قد وثق به ونقل عنه كيفية الصلاة والصيام والزكاة والفتاوى ضمن مفهوم لطاعة العمياء أو (كالميت بين يدي المغسل) أو في (المنشط والمكره) كما يقول قسم الولاء للإخوان المسلمين وليس للإسلام فلم لا يثق به عندما يطرح رأيا سياسيا أواجتماعيا أو قانونيا أو موقفا من الحكم ؟!
وهنا بعد أن يستقر في نفس ووعي أو لاوعي الشخص عامل (الثقة) و (الطاعة العمياء) و (الخضوع) و (الالتزام الحديدي) بمسؤوليه أو شيخه يصبح العقل عملة نادرة، فعندما يلغى الحوار والنقاش وتقليب الأمر على أوجهه وعندما يلغى حق الاعتراض أو حتى التفكير المختلف لا يبقى إلا التسليم والاستسلام، وتصبح حركة الجموع مدارة من خلال (ايمان) ليس بالله ورسوله وإنما بالشخص المقدس لذي استغل علمه الديني إن وجد بالرأي السياسي الحزبي فأسقطه حكما شرعيا لا يستقيم.
لقد حملت "حماس" السياسة الحزبية على ظهر الدين، مستغلة التمهيد المرتبط بالعقيدة في نفوض الناس (والتي تعنى هم فقط دون سائر المسلمين المنتمين إلى التنظيمات الأخرى، أو أبناء المجتمع عامة ) فحرثت وزرعت وحصدت ما تريد في الشأن السياسي المتغير والقابل للاعتراض والرفض والنقد،ولكنها لم تقبل إلا القبول منهجا حيث الايمان العقدي والسياسي واحد، والرفض لطلبات التفكير ما يعني الخروج من التنظيم كما حصل مع د.اسماعيل الشطي مسؤول الإخوان المسلمين في الكويت (يراجع كتابه "الإسلاميون وحكم الدولة المعاصرة")
يقول د.اسماعيل الشطي في لقاء له مع الاتحاد الاماراتية في 27 يوليو 2013 (تركتهم –أي الإخوان المسلمين-كي أخرج من ضيق تعليمات التنظيم إلي رحابة الحرية الفكرية "الإخوان" قالوا لي: من يرد أن يعبر عن آرائه الخاصة بحرية تامة فليتفضل بالخروج. وأنا تفضلت بالخروج.. ! لقد عانيت كثيراً من طرح آرائي وأنا مع «الإخوان»، فكان أن توصلت إلى تركهم والتعبير عن آرائي بكامل الحرية بعيداً عنهم.)
وكما حصل مع ثروت الخرباوي ولقائه المرشد العام للإخوان المسلمين الذي قال له (أن دخول الحمام ليس مثل خروجه) عندما قابله رافضا أن يكون له رأي آخر، لكنه خرج، وكما حصل مع الوزير في السلطة الوطنية الفلسطينية محمود الهباش الذي خرج في الثمانينات من "الإخوان" الفلسطينيين، وقبلهم كما حصل مع خليل الوزير (أبو جهاد) في الخمسنيات من القرن العشرين، وأبو يوسف النجار و أبو الاديب من قيادات حركة فتح المؤسسين الذين كانوا في شبابهم من "الإخوان" قبل تأسيسهم لحركة فتح.
يقول الكاتب الفضل شلق في صحيفة الحياة اللبنانية (متى استدعيت السماء ولم تأتِ لنجدتهم على الأرض يشتد غضبهم على السماء وعلى من يؤمنون بها من أهل دينهم. يشتد غضبهم على كل من يشارك معهم في الهوية المفترضة. جميع التيارات التكفيرية انبثقت من الإسلام السياسي الذي شكّل الإخوان المسلمون بؤرة له. ليس المجتمع الإسلامي بيئة حاضنة للتكفيريين بل الإخوان المسلمون، بتفرعاتهم، هم هذه البيئة الحاضنة.)
ويقول الكاتب سعد بن طفلة العجمي (للعملية السياسية وفق الحرياتية "=الليبرالية" الديمقراطية قواعد أساسية، وأهمها تنزيه الدين عن السياسة، والسمو بالدين فوق السياسة المتقلبة التي لا تعرف حلالا ولا حراما ولكنها تعرف مصالح متغيرة، بينما بالدين تعاليم إيمانية ثابتة غير قابلة للتغيير والتبديل ولا تعترف بالمصالح الدنيوية العمليانية (=البراجماتية) على حساب تلك المبادئ العقائدية).
ويقول الكاتب الإسلامي اللبناني د.رضوان السيد أصبحت السلطة هي همّ الإخوان المسلمين والتيارات الإسلاموية الرئيس لا الدين، وأصبح الوصول لها يعني أن (دولة الدين هذه) لا تقوم إلا (بالنظام السياسي الذي يقوده الإسلاميون – حسب د. رضوان السيد) سواء باستغلال الديمقراطية أو عبر العنف. ويضيف في نقده لما أدخلوه على الفكر الإسلامي بالقول و(تطورت لديها عقائد صلبة أيضاً ما عرفها أهل السنة من قبل مثل القول بفقد الشرعية بسقوط الخلافة والقوانين المدنية)، والقول(بوجود نظام إسلامي كامل ينبغي تطبيقه تحت اسم تطبيق الشريعة وذلك بالوصول للسلطة بشتى الوسائل)
إن الخلط بين الأصول غير القابلة للنقض في الدين والفروع المباح النقاش فيها والمخالفة، والخلط بين أسس العقيدة ومقاصد الشريعة الثابتة وبين متغيرات السياسة وتقلبات الاحوال التي تستدعي مواقف قد تظهر متعارضة أو متغيرة استنادا لعوامل عدة تدخل في باب علم السياسة المتغير والعلوم الاجتماعية المتحركة، إن هذا الخلط مما سعت له التنظيمات الإسلاموية قصدا بادعاءات عامة وشعارات غير ذات مضمون مثل (الإسلام هو الحل) الذي يراه د.اسماعي الشطي الإخواني الكويتي السابق (شعار حق يراد به سلطة باطلة) وهو الشعار الذي تهاوى على أعتاب الحكم في مصر، ومثل (المشروع الإسلامي) الذي تبين كما يذكر نادر بكار من قيادات السلفيين في مصر (حزب النور) أن شعار (المشروع الإسلامي) عند الإخوان يعني الجماعة فالجماعة هي المشروع الإسلامي والمشروع هو الجماعة، ما لم يقره لهم ورفضه.
أن خطورة هذا الخلط تأتي في اسقاط (التنزيه) للآراء حيث أن مصدرها هو سبب صحتها، وليس عقلانيتها أو حجيتها أو تحقيقها للمصلحة العامة، فمتى جاء الرأي من هذا مهما كان فهو مقبول، ومتى ما جاء الرأي من ذاك مهما كان فهو غيرمقبول ومرفوض، ومن هنا اصبح (استغلال) الجماهير بهذا (الربط) يحقق مصلحة وفائدة عظيمة استغلتها كثير من التيارات الإسلاموية وطبّقتها وجعلتها في صلب تعبئتها.
سابعا : السمع والطاعة (كالميت بين يدي المغسل)
ان الانتماء والانضباط والالتزام قيم ضرورية في أي تنظيم سياسي أو ديني أو مجتمعي، إذ أن الاقتناع والإيمان بفكرة يرتب على المقتنع بها أن ينشرها وينظر لها ويدافع عنها ويلتزم بمجموعة من التعليمات والأوامر وبالسلسلة القيادية، ولكن في المقابل فإن أبواب التنظيمات مفتوحة بين الأعضاء والقيادة ضمن آليات التفاعل الديمقراطي والاجتماعات والمؤتمرات والاتصالات ما يتم النص عليه بالحقوق والواجبات في دساتيرها ولوائحها التي تعطي حق التساؤل والاستفسار والنقد والاقتراح والمراجعة والمشاركة بالقرار برحابة وسلاسة ما يختلف كليا عن الطاعة المطلقة والسمع الأعمى.
لقد تأثر حسن البنا بمعلمه أو شيخه في الطريقة الصوفية الحصافية فجعل من التصوف أساسا في الإخوان المسلمين حيث اعتبر (الصوفية) تمثل البند الثالث من 8 بنود جاءت ضمن ما أسماه (فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية) حيث في البند 3 ويمثل الإخوان "حقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير"
وجاء قَسَم الإخوان ليعبر عن فكر تسلطي عليائي، فيه من الترفع عن الآخرين ما يقرّبه من التيارات الباطنية في التاريخ الإسلامي أو التنظيمات السرية في العالم، وبرز الجهاز السري أو الجهاز الخاص في الإخوان المسلمين ليؤكد ذلك.
مصطلح الطاعة على شاكلة (الميت بين يدي المغسل) متداول في تنظيم "الإخوان" دلالة على الثقة المطلقة اتباعا (للبيعة) حيث أن (من مات وليس برقبته بيعة مات ميتة جاهلية) ومن هنا كانت بيعة مرشد الإخوان وبالتالي طاعته أخطأ أم أصاب واجبة فهي للعضو في (المنشط والمكره).
إن (الميت بين يدي المغسل) هو المريد حينما يلتزم بشيخ الطريقة الصوفية التي تسعى لتهذيب النفس بأسلوب محدد والتي أثرت في المدرس حسن البنا فنقلها لتصبح ممجدة حتى في الشأن العام والشأن السياسي، وفي هذا شطط عن مفهومها الصوفي المحدود.
السمع والطاعة بطريقة احتفالية، وكسيف بيد القائد على الأتباع أصبحت من سمات الالتزام في تنظيم الإخوان و"حماس" منذ دهر، لكنها اليوم في ظل متغيرات الاتصالات وتدفق المعلومات في عصر المعلوماتيه والتنور تأثرت وضعفت، وفي ظل انتشار الرائيات (التلفزات) والشابكة (الانترنت) التي تنقل وتضخ وتقدم من المعلومات ما لا يتفق بالضرورة مع ما يبتغيه الفكرانيون (المؤدلجون) من الناس قد تجعل من منطق الميت بين يدي المغسل وهماً.
يقول الإخواني السابق سامح عيد في لقاء له نشرته صحيفة آفاق في 1/8/2013 عن السمع والطاعة ورفض أي اعتراض بالمقابل أو النقد والمراجعة أنه (في أحد التحقيقات قال أحد المحققين معى-من الإخوان- إنه ليس من الأدب أن تقول إن الإمام البنا أخطأ، فحدثتهم عن المراجعة وكيف كان صحابة الرسول يراجعونه في أمور كثيرة واستعرضت بعض المواقف من السيرة النبوية، وعندما حاولت الرد بموقف سيدنا موسى من الخضر وعدم استسلامه وطاعته للأوامر، وكيف أنه كان متمردا على عالم مرسل إليه من رب العالمين، وأن الشيخ الشعراوى قال عنه التمرد الإيجابي، فرد المحقق بأن سيدنا موسى أخطأ يا أخي، ولم يحاول أن يراجعه أحد من الإخوة الموجودين، وإنه إذا كان سيدنا موسى أخطأ فليس من الأدب أن تقول حسن البنا أخطأ. فاليقين المطلق في الجماعة عنصر أساسى وقد حدث ذات مرة أن قال أخ لنا «نحن في طريق نظن أنه هو الحق»، وعندها انتفض أحد القيادات الوسطى قائلا له: «حتروح لربنا تقوله أظن، وأنك كنت بتجرب؟ نحن على يقين بأننا على حق»، وبسبب ذلك كان سيتم فصله.)
ان السمع والطاعة يبرز بوضوح في العمل السري سواء في التنظيمات الدينية أو الفكرانية او الثورية، ولدى "حماس" تنظيمها السري ممثلا ب(كتائب الشهيد عزالدين القسام) النظيرة لكتائب شهداء الأقصى في حركة فتح ومثيلاتها في الفصائل الفلسطينية الاخرى، ولكنها كفصيل مقاوم وإخواني فان كتائب القسام تأخذ بكل مسارات العمل السري لدى الإخوان، حيث تتجلى الطاعة والولاء كما هي في التنظيم الخاص-السري في الإخوان المسلمين الذي يذكر كثيرا في أدبيات الإخوان عامة، ولدى كل الخارجين من الجماعة بكثير من التوجس والاتهام.
ثامنا : الممانعة والمقاومة
لم تكتفي منظمة "حماس" (هي أقرب للحزب علميا بفكرها الفكراني من حركة أو جبهة أو حركة، وتلتحق بالفرقة الدينية ضمن الإخوان المسلمين) باستخدام الدعوي الديني ككراس يتم استخدام محتوياته في خطابات الجماهير على مظنة أنهم وحدهم الممثلون للدين، وأنهم وحدهم المحصّنون ما كشفته تناقضات ممارساتهم حينما تولوا أمر السلطة في غزة، وإنما لجأت لمسوغ آخر لحكمها وهو المقاومة والممانعة فأضحى خطابها أكثر قوة حتى من خطاب "إخوان" مصر، بل وإخوان العالم، فكيف بمن يوحدون الله حصريا ويحاربون أعداء الله يوميا أن يقف عامة المسلمين ضدهم !؟ وقفت حماس في خط تعبوي مناهض لمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ليس فقط لأنها (علمانية) كما يقولون، وانما لأنها ليست ضمن (سلطتهم) ولأنها لم تعد منظمة (مقاومة) واستطاعوا ان يحققوا نجاحات حقيقية في الربط بينهم وبين (المقاومة).
إن تصدي الشعب الفلسطيني في غزة وبما فيهم "حماس" لعدوانين اسرائيليين كبيرين كان الثاني عام (2008 – 2009) قد أعطى ثقة في التنظيم الفلسطيني للإخوان المسلمين يضاف للثقة التي أخذوها في انتخابات عام 2006 إلا ان القادم كان بعثرة لأوراق القوة هذه التي ارتدت عليهم.
كان لاستخدام حماس لورقة المقاومة والممانعة المضللة أن وقفت في محور تنظيمات اليسار الفلسطيني (التي تصفها حين الاختلاف بالعلمانية أي المرفوضة) وأن وقفت مع إيران (الشيعية حين الاختلاف معها) ومع حزب الله، ومع سوريا (التي قتل نظامها 30 إلفا من الإخوان المسلمين في حماة) وسعت بقوة لعدة أمور أولها محاولة السيطرة على (م.ت.ف) من القيادة الحالية بدعم سوري ولم تنجح المحاولة. وكان الدعم القطري عند محاولة جمعهم وتشكيل قيادة بديلة في الدوحة ولكن باءت بالفشل أيضا.
كما حصل ثالثا أن اتجهت لمحاولات هدم أركان السلطة بعديد الهجمات الاعلامية المركزة على رأس الشرعية محمود عباس وعلى السلطة الفلسطينية بادعاء فقدانها للشرعية مرارا وتكرارا بعد تقرير (غولدستون) وحين العودة لمفاوضات عام 2013 بشكل رئيس،ولم تنجح هنا أيضا فالمجلس التشريعي المنتهية مدته (تمت الانتخابات في 2006 ومدة المجلس 4 سنوات انقضت) والذي تحتفظ فيه حماس بالأغلبية فاقد للشرعية رغم الجدل القانوني وجدد المجلس المركزي ل(م.ت.ف) للطرفين معا أي الرئيس والتشريعي، كما سعت رابعا لإسقاط السلطة وطنيا عبر الدعوات المتكررة عام 2008 وعام 2012 خاصة "لانتفاضة" ضد السلطة وضد الاحتلال معا، ولم تنجح أيضا هذه السياسة، وخامسا لم تنجح في اختراق التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني كما حصل في مؤتمر القمة العربية في قطر، أما سادسا: فلقد كان فشلها مدويا في أن تحصد ثمار (المقاومة) و(الممانعة) لتضعها في حضن حماس التي وافقت عام 2012 على "وقف الأعمال العدائية" مع الإسرائيليين؟
إن القوة التي اكتسبتها حماس حين الربط بين الديني والسياسي قد تلاشت مع ممارسة الحكم، والقوة التي حققتها بربط نفسها بمحور المقاومة والممانعة (العلمانية والشيعي وقاتل الإخوان المسلمين) قد تبددت في أخطر قرار اتخذته استجابة لوصول الإخوان المسلمين في مصر لسدة الحكم وانطلاقاتهم حديثا لتحقيق خطه "التمكين" فكان خروج حماس من خلف (ايران، سوريا، وحزب الله ) وبالا عليها لا سيما وإسقاط المصريين عام 2013 لحكم الرئيس مرسي فأصبحوا عراة في فلاة.
يقول الكاتب ابراهيم عبد المجيد في مقال له في موقع محيط: (أن كل هجمات حماس علي "إسرائيل" ترفع شعارات استرجاع فلسطين والحقيقة هدفها إسكات (اسرائيل) عنها حتى تنشئ ولاية إسلامية في غزة. وجاءتها الفرصة مع نجاح الإخوان في مصر فدخلت حماس مع (اسرائيل) في تهدئة طويلة لتتفرغ لإقامة الولاية المنشودة).
واليكم مجموعة من التصريحات لقيادات حماس حول المقاومة و"التهدئة" نتركها تحت نظركم وفي عقولكم للتأمل حيث المقاومة تستغل في مناكفة الآخر وكما هي التهدئة أيضا لما فيه مصلحة القادة:
خالد مشعل لجريدة الاخبار اللبنانية في 6/2006 يقول: (إن الصواريخ العبثية هي التي تحقق توازن الردع بيننا وبين العدو الصهيوني وهي التي أرعبت العدو وقضت مضاجعه).
وفي المؤتمر الرابع لدعم المقاومة في بيروت يقول (إن المقاومة الفلسطينية وبجهودها الذاتية استطاعت تطوير صواريخ وعبوات وهذه الصواريخ هي التي حررت غزة وأجبرت العدو الصهيوني على الخروج منها هارباً).
أما محمود الزهار لقناة الجزيرة عام 2005 فيقول: (إن الدعوة إلي وقف إطلاق الصواريخ في مقابل هدنة مع الاحتلال هي دعوة مشبوهة ويُنظر لها بعين الريبة والحذر)
ويؤيده إسماعيل هنية في مهرجان اليرموك عام 2006 صائحا بالقول (لن تسقط القلاع ولن تخترق الحصون ولن ينزعوا منا المواقف سنعيش على الزيت والزيتون والزعتر وستستمر المقاومة لأنها خيارنا الوحيد ) مضيفا ( لن نلقي سلاحنا ولن نهادن العدو الصهيوني ولن نعترف به.)
أما الناطق باسم حماس سامي أبو زهري على قناة الجزيرة 2006 فيقول: (إن وصف الصواريخ بالعبثية هو استهتار بنضالات الشعب الفلسطيني واهانة لشهدائه وجرحاه.)
واليكم إسماعيل رضوان من قيادات حماس أيضا حيث يقول لفضائية العالم في عام 2006 (إن الشعب الفلسطيني اختار حماس لأنها حركة مقاومة وتطلق النار والصواريخ على "إسرائيل"، فإذا أوقفنا إطلاق الصواريخ نكون قد أخلينا بالأمانة التي حَملنا إياها شعبنا.)
ويلحقه المفتي يونس الأسطل لجريدة الرسالة عام 2007 بالقول (المقاومة الفلسطينية في تصاعد مستمر وستطال الاحتلال في كل مكان والأحاديث المطالبة بالتهدئة إنما تهدف لتقديم خدمة مجانية للعدو الصهيوني)
ثم يؤكد فوزي برهوم على قناة المنار في عام 2007 (إن صواريخ المقاومة هي التي قلبت موازين القوى في المنطقة وجعلت المقاومة لها اليد الطولي، وبدلاً من أن تتلقى الضربات أصبحنا نكيل لهم الصاع صاعين.)
وينقلب هذا الخطاب العرمرمي القاطع إلى النقيض بعد "الحسم العسكري " لصالح حماس في غزة عام 2007 و"التهدئة" مع الاسرائيليين ليقول إسماعيل هنية في خطبة يوم الجمعة بتاريخ 27/6/2008 (أطالب جميع الفصائل بالعمل على تثبيت التهدئة والالتزام بما تم الاتفاق عليه لأن ذلك مصلحة وطنية.) ويلحقه طاهر النونو بتاريخ 21/6/2008 قائلا ( نرفض العبث بالمصلحة الوطنية وكل من يخالف الإجماع سيواجه بالقانون وسنتخذ اجراءتنا بحق كل من يعبث أو من يطلق الصواريخ لكسر التهدئة).
أما محمود الزهار على قناة الجزيرة في 20/6/2008 فيقول بوضوح: (التهدئة التي توصلنا لها في القاهرة هي مصلحة وطنية ويجب تثبيتها والالتزام بها لرفع المعاناة والحصار عن شعبنا.) ويؤكد كلامه سامي أبو زهري 23/6/2008 بالتصريح أن (التهدئة هي انتصار عظيم حققه الشعب الفلسطيني ويجب المحافظة عليه والالتزام بها.) ويقول إيهاب الغصين متهددا متوعدا (نحذر كتائب الأقصى من أن إطلاق الصواريخ سيواجه بالحزم والقوة إن لزم الأمر ونحمل قيادات فتح مسئولية إفشال التهدئة.)
أما سعيد صيام من قيادات حماس في25/6/2008 فيشتد في الوصف أكثر من أن الصواريخ "عبثية" إلى حد "خيانية" ليقول (إن هذه الصواريخ التي تطلق الآن هي صورايخ مشبوهة ومن يطلقونها عملاء للاحتلال.) ولا يدع المفتي يونس الأسطل الفرصة تمر ليفتي بالصواريخ وبمصطلحات إسلامية حيث يقول مناقضا ما صرح به وغيره سابقا وعلى شبكة المركز الفلسطيني للإعلام 25/6/2008 التابعة لحماس : (إن هذه التهدئة هي أول القطر في كسر الحصار وسيتبعها الغيث المنهمر، والصواريخ التي تطلق هي صورايخ ضرار ومسومة بالنفاق.) ويعود الزهار للتأكيد في 28/6/2008 قائلا: (سنعتقل وننزع سلاح كل من يخرق التهدئة واعتقلنا عديدين فعلا...) مشيرا إلى أن (بندقية الجهاد الإسلامي ' لا فائدة منها ' )
وهنية في خطابه يوم 19/10/2013 يدين المفاوضات عامة ومؤكدا على رفض مفاوضات السلطة مع الاسرائيليين، وينزه المفاوضات التي قامت بها حماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل الجندي الصهيوني شاليط، وفي ذات الخطاب يدعو لانتفاضة عارمة في الضفة دون أن يذكر أن تكون مثيلا لها في غزة أبدا، رغم أن رجال المقاومة (ينتظرون لحظة اللقاء مع العدو) الذي يصفه (بالهش)، ويقبل العمل السياسي ليقرنه بالعمل العسكري (ان العمل السياسي لم يكن أقل أهمية من العمل العسكري المقاوم فأحدهما يكمل الآخر) ولكنه يشترط تواجد حماس في القرار لاعطاء الشرعية لكل ذلك. (لمراجعة خطاب هنية يوم 19/10/2013 في موقع حماس، وعلى اليوتيوب)
تاسعا : حاضنة للفكر المتطرف والتكفير
أفاض المنشقون عن الإخوان المسلمين بتوضيح الدور الذي لعبته قيادات الإخوان، ومثلهم في قطاع غزة، في آلية التعامل مع التيارات المتطرفة وتراوحت ما بين ثلاثة أحدها أوكلها فهي تتناقل في التعاطي مع التيارات الإرهابية التي تطلق على نفسها صفة " الجهادية" -والجهاد الإسلامي منها براء- بين التسامح والتساهل معها أولا، أو التغاضي عن نشاطاتها ثانيا، أو دعمها واستخدامها ثالثا.
وقد تأتي سلاسة أو تساهل التعامل مع المتطرفين الدينيين أن بذور مثل هذا التطرف كامنة في أدبيات الحركات الإسلاموية عامة ومنها لدى الإخوان المسلمين كحاضنة أو دفيئة، وحماس تحديدا التي أفاضت باتهامات التكفير والتخوين للمخالفين وقتالهم.
وفي حالة تعارضها مع السلطة أو الحكم تقوم بتصفيتها والقضاء عليها تماما كما حصل في الحالة الأخيرة في غزة من تأميم حمساوي لكافة لمؤسسات والوزارات وحتى المساجد في مواجهة نفوذ تيارات غير حمساوية، وكما حصل كحالة فاقعة لها من القضاء الدموي على الجماعة السلفية التي قادها الشيخ عبد اللطيف موسى في مسجد ابن تيمية برفح عام 2009 عندما طالب باعلان "إمارة إسلامية" عتبرها أبوزهري حينها انزلاقات فكرية، وراح ضحية المجزرة 20 قتيلا و120 جريحا بيد حماس.
إن الأصل عندهم في التعامل مع هذه التيارات هو التسامح معها إلى حد اعتبارها جزء من الإخوان، وكما هو الحال مع (شكري مصطفى) زعيم التكفير والهجرة عندما تطرّف في سجنه، وتم اقراره على نهجه المنحرف فيما يذكر ثروت الخرباوي مضيفا في ندوة (التكفير وموقف الإسلام منه) عام 2012 ومؤكدا أن الشيخ محمد الغزالي حذر منهم ومن كفرهم واسماهم (تنظيم العشرات) مشيرا إلى ان القطبين التكفيريين بدأوا في الظهور وقيادة الجماعة بعد وفاة المرشد عمر التلمساني.
أما استخدامها ودعمها فلقد تجلى ذلك في تجربة حماس في حكم غزة (منذ عام 2007 حيث استولت حماس بالقوة العسكرية وفتاوى التكفير من مروان أبوراس وياسين الأسطل على القطاع)، وتجربة حكم الإخوان في مصر، حيث رقدت التيارات المتطرفة في غزة وسيناء دون أي ايذاء أو معالجة من قبل الإخوان في الطرفين، بل كان يتم غض الطرف عن تمددها والسماح لها بحرية الحركة عبر الحدود وكما اشارت المصادر المصرية جميعا الممكن الرجوع لها بسهولة لمن يشاء على الشابكة.
إن غض الطرف والاستخدام للمتطرفين يأتي من خلال التسامح معهم أولا دون الحوار أو تبيان مجال الخلط لديها كتنظيمات لأهمية ابقائها ضمن "السلطة" التي تستخدمها في حالات التضييق او الحصار أو في المواجهة مع المخالفين، تماما كما كان النظام المصري يستخدم "الإخوان المسلمين" في مساوماته وتبريد جبهته الداخلية انتقل هذا التكتيك السياسي ليصبح لدى الإخوان المسلمين سراطية (استراتيجية) في تعاملها مع تيارات التطرف الإسلاموية سواء وهم خارج السلطة في السجون أو عندما تسلموا السلطة على فرضية ان (الإسلاميين) كل واحد، ومهما اختلفوا فإنهم سند لبعضهم ما لم تصدقه الأيام.
إن الدعم الذي تلقاه المتطرفون من حكومة الرئيس مرسي وهو في الحقيقة من مكتب الارشاد الذي كان يحكم البلاد أصبح ظاهرا للجميع وسطر فيه الكثيرون الأحبار، أما الاستيعاب الحمساوي لهذه التيارات في غزة فلقد أدى لتغوّلها من جهة ولنشرها أفكاراَ أكثر تطرفا في القطاع.
عاشرا: التميّز وعقلية العُصبة
كل متتبع لفكر الإخوان من خلال رسائل حسن البنا،ومن تلاه يرى بوضوح محاولات التميز للفكر الإخواني وتحصينه بالدعوة والغرض النبيل ما جعل من إمكانية الاستقطاب واسعة تأخذ بالاعتبار تنوع الشخصيات والفئات المستهدفة بالدعوة. وان دل ذلك على شيء فإنما يدل بلا شك على قدرة تنظيمية استقطابية قيادية تحلى بها حسن البنا، لربما كانت في حينها تتداخل مع آليات عمل ومفهوم الأفكار الشمولية التي كانت سائدة في المنطقة آنذاك، فتقوقعت كل منها في إطار صلاحيتها الكاملة واكتفائها بذاتها وانعزالها عن محيطها الفكري. أي أن كل فكرة أو فكرانية (أيديولوجية) ظهر لها أن مضامينها وتحليلاتها ومرجعياتها وسندها الفكري والتاريخي مكتفي بذاته لا يحتاج أن ينفتح ولو من باب التواصل مع الآخرين فحصل التناحر بين الفكر القومي والفكر الإسلامي والفكر الاشتراكي في بداية القرن العشرين.
تتميز الفكرانية بوجود قوالب فكرية وأنماط تفكير وثوابت غير قابلة للنقض عند أصحابها، وتصل بقوتها وصلاحيتها بل وبقداستها إلى حد قداسة النصوص، سواء الدينية أو للمؤسسين والمفكرين الكبار ويصبح التخلي عنها إما رجعية أوانحراف أو انشقاق أو تخلف أو ارتداد أو كفر كل حسب المصطلح المستمد من ذات فكرانيته (أيديولوجيته) وعليه فلقد تم تحصين كل فكرة بذاتها وظهر لكل فصيل أنه هو الأقوى والمنتصر بالحتمية التاريخية أو بوعد الله فتميز أعضاؤه وانعزلوا حكما عن الآخرين.
وبعد أن دالت دول الاشتراكيين والقوميين مع انهيار جدار برلين عام 1989 تبعهم الإسلامويين في التفكك الفكراني (الأيديولوجي) لأن ذات الوباء قد وقع للجميع من مظنّة الكمال، ومظنة الاكتفاء بالذات والتمحور أو الدوران نحو الفكرة القديمة دون تطوير أو انفتاح أو دون نظر حقيقي في البدايات والمآلات، وأضف إلى ذلك أن تنظيمات الإخوان و"حماس" منها قد ميزت نفسها ليس بافتراض أنهم وحدهم المسلمين نفسيا فقط، بل وفي الدعم المالي والمعنوي للناس إذ أن عائلاتهم ومناصريهم في فلسطين كمثال كانوا يتلقون مساعداتهم بلا أي اعتبار لجيرانهم الفقراء على عكس ما كانت تفعل حركة فتح تماما التي استمرت تعطي الجميع، ومن هنا ظهر أن المسلمين الحق أي الإخوان المسلمين هم فقط ومناصروهم أو من يحتمل أن يناصروهم المعنيين بالجوائز والهبات ودعم السماء.
لم يكن ذلك فقط من آليات التعبئة وإنما ما مورس فعلا إلى الدرجة التي ظهرت فيها "حماس" كما الإخوان ليس كحركة أو جماعة، وإنما كمنظمة سرية خاصة، أو فرقة أو طائفة[24] من فرق التاريخ الإسلامي التي تكتفي بذاتها فكريا وسياسيا وفي الاجتهادات وفي العلاقات الاجتماعية، وبافتراض أنهم دونا عن "الفرق" الأخرى أصحاب الحق في مقابل الباطل وأنهم في الجنة والآخرين في النار.
إن عقلية العصبة أو الانغلاق أو الجماعة المكتفية بذاتها هي عقلية انعزال ليس بالضرورة مادي وانما عزلة شعورية عن الآخرين المتهمين دوما، يمارس في خضمه عمليات حقن نفسي وروحي وتفريغ نفسي وعاطفي وبناء فكراني خاص وفي داخل البوتقة الخاصة هذه لا بد من إعلاء شأن الفكرة حتى تصبح مقدسة (أنظر ما يقوله الإخواني المصري السابق سامح عيد في كتابه تجربتي في سراديب الإخوان)، ولا بد من إعلاء شأن أصحاب الفكرة حتى يصبح الدفاع عنهم إلى حد التنزيه، فتختلط الفكرة المطلقة بالتنظيم بالمشروع بالأشخاص فتلغى الحدود بينا، ويلغى النقد حكما، وفي إطار العصابة أو العصبة المنغلقة يتميز[26] أفراد الجماعة عن غيرهم من الناس، فهم على الحق دون سائر البشر وهكذا تسقط القداسة والنزاهة والتميز والاستعلاء في متوالية مع خط السلطة من أعلى إلى أسفل، وفي مواجهة من هم خارج العصبة،وبذا تصنع عقول محدودة التفكير بحيث أن أكثر من 80 عاما من تاريخ الإخوان لم تنتج عالما أو مفكرا أو مثقفا أو أديبا أو فنانا أو رجل دولة يعتد بكتبه أو مأثوراته أو أفعاله.
يقول عماد الفالوجي القائد السابق في حماس في كتابه (مع الرئيس، منهج حياة) عن الإخوان المسلمين الفلسطينيين قبل ظهور"حماس" منهم (كان التركيز على فكر الجماعة فقط، وعدم السماح للعضو بتداول أي كتاب فكري من شأنه التأثير على أفكاره من منطق أن كافة الأحزاب الأخرى الموجودة هي أحزاب وحركات غير إسلامية... لأنهم جميعا إما علمانيون ضد حكم الدين مثل حركة فتح وحكمهم أنهم ضالون يجب العمل على هدايتهم، أو شيوعيون ويساريون صنيعة الاتحاد السوفيتي العدو الاكبر للإسلام والمسلمين وهؤلاء كفرة لا يجوز الاقتراب منهم بل لا بد من محاربتهم وفضح أفكارهم وإنقاذ الشباب منهم ) مستطردا بالقول أن (هذه هي القناعة والثقافة الراسخة في ذهن الجيل الذي انتمى اليه... ويقول باعتباره كادراإخوانيا كنا ننظر إلى الشخصيات القيادية للفصائل الفلسطينية الأخرى أنهم (إما علمانيون ضالون أو شيوعيون كافرون) وأن (الأساس هو الكُره والمقاطعة تحت شعار الحب في الله والبغض في الله وسياسة الولاء والبراء).
إن هناك كثير من المحاججات في تشبيه الإخوان وفروعها و"حماس" بالخوارج أو الحشاشين أو الماسونية أوالحركات الباطنية من الحركات التاريخية، وان كان ذلك يحتاج لجدل طويل، فإن التأثر بمثل هذه التنظيمات أوالحركات وغيرها قائم من الناحية الحركية على الأقل ومن حيث الطقوس والأساليب والآليات وقيم التنظيم الداخلية، ما لا يعني بالضرورة انتهاج نفس الفكر أو الفكرانية (الأيديولوجية) لأي منها.
ماذا خسرت "حماس" و"الإخوان" ؟
إن التجربة الإخوانية التي تداعت في مصر[29] وقبلها في غزة والجزائر كما في أفغانستان قد أحدثت الإرباك الشديد لفكر الجماعة وأساليب تعبئتها فعقدت الاجتماعات والمؤامرات خاصة بعد السقوط في حكم مصر عام 2013، وجعل ذلك من التنظيم العالمي للإخوان في حقيقة الأمر أمام عدة نماذج منها النموذج الجزائري أو نموذج عبد القادر عودة عام 1954 كما يقول الشيخ ناجح إبراهيم من المراجعين في الجماعة الإسلامية (المتطرفة) (تم إعدام عبد القادر عودة بعد اتهام جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في حادثة المنشية عام 1954م ( إلا أنهم اختاروا النموذج الدموي الجزائري.
لقد كان وقع الفشل - ما لم يعترفوا به مطلقا – كبيرا خاصة وان مصر هي مهد "دعوة الإخوان، وهي مقر قيادة أو بالأحرى مقر "الخلافة" التي يدعون لها، فسقوط القاهرة كما هو سقوط بغداد بيد المغول في عقلية الإخوان المسلمين.
إن الهزّة النفسية الشعورية كانت كبيرة فضربت ارتداداتها المحيط، خاصة في غزة حيث حكم "حماس" التي اتخذت فيها قرارا شديد الوطأة على الناس بدعم النظام المصري الإخواني والإخوان على سدّة الحكم وعندما خرجوا من الحكم، فاستخدمت فضائياتها وخاصة (الأقصى) و (القدس) بشكل فاقع في دعم "الإخوان المسلمين"، بل واتخذت من الفضائيات منصة شتم واتهام وتعريض بالجيش المصري والقيادة الجديدة التي أسقطت الإخوان وحكمهم اثر ثورة المصريين في 30 يونيو 2013.
لقد كان للهزة النفسية هذه وقعا هائلا، فبعد أن تم التحصين في (شِعب ابو طالب) أي ميدان رابعة العدوية وسقوط محاولة الربط التاريخية هذه، اتخذت قيادات الإخوان (وحماس) قرارا بالانقضاض على الدولة المصرية، وإن كان من المهم الإشارة بدقة إلى أن قيادات حماس بغالبها خاصة في خارج غزة لم تتعرض للشؤون المصرية بسوء على عكس عدد من قيادات غزة وعلى عكس حالة التحريض المعلنة التي تقوم بها فضائية غزة وفضائية الخارج في تناقض فاضح بين لسان القيادة ودعايتهم الاعلامية.
كانت الصدمة كبيرة في تركيا التي شكلت نموذجا إسلاميا مشرقا إلا أن انتماء رئيس الوزراء والحزب الحاكم طغى على مصالحهم فتشددوا في التعامل مع المتغير المصري المناهض للإخوان.
أولا: لقد سقطت "بغداد" الإخوان المسلمين وربما لا يستعيدون "الخلافة" أبدا، إذ أن طبيعة فكرانيتهم وأساليب تعبئتهم، ونماذج حكمهم الاستبدادية والاستئصالية والاقصائية تقف حائلا بينهم وبين الناس، وفي هذا من الممكن أن نبين أنه بسقوط "الإخوان" في مصر يضعف الجسد كله في كل مكان، وإن تميزت "حماس" في غزة بالحكم العسكري القاسي من جهة ورفعها شعارا ما زال جذابا وآسرا وهو "المقاومة"، فان سقط فكرها "الإخواني" وهو لم يسقط بعد عند الشعب فإنها ما زالت تحمل البندقية في مواجهة العدو ما يجعل من التعاطف معها مستمرا وبالتالي مختلفا من هذه الزاوية مع النموذج المصري وغيره.
لقد خسر الإخوان -ما انعكس على "حماس"- أمام الشعب مجموعة من المفاهيم أو المعتقدات التي حاولوا ترسيخها لأكثر من 80 عاما أولها سقوط الفكرة المتماسكة المتمثلة "بالخلافة" الإسلامية، إذ أنها ظهرت عبر تجربتهم أن الهدف من شعارها هذا هو الاستيلاء على الكرسي والتسلط والتسيد والاستئثار بالغنائم ليس إلا، حتى لو حكموا مساحة 360 كم مربع فقط.
ثانيا : أضاعت "حماس" و"الإخوان" تحالفاتهم العربيةفتاهوا بين المحاور، وظنوا لوهلة بأنفسهم القدرة الخالصة أو القوة المكتفية بذاتها، فتراجعوا عن محور المقاومة والممانعة (إيران وسوريا وحزب الله) وارتبطوا بالمحور التركي-الإخواني الذي أوقع ضربة قاصمة في "حماس" التي أصبحت معاناتهم المالية مدعاة للصراخ.
إن افتقادهم للرؤية الشاملة، وتسرعهم في قطف الثمار، وتقلبهم بين المحاور قد أثر في الناس كثيرا – ما نعتقد ان اثاره ستظهر حتى في غزة – وفي قيادة "حماس" نفسها كمثال، إذ أن هذا التأثر جعل من المحاورعلنية وبشكل كبير ربما لأول مرة في تاريخ "الإخوان" عامة، حتى مع إنكار البعض منهم لذلك أو تهوينهم من الخلافات بالقول أن هذه الخلافات هي مجرد اجتهادات داخل البيت.
ثالثا : بدا التنظيم الإخواني (الحديدي) عبارة عن ركام تنظيمغير قوي، أذ سقطت خدعة أن التنظيم الإخواني تنظيم متماسك فكريا وسياسيا، وبما يطرحه من مشاريع قابلة للتحقيق، وبضبطه لأعضائه الكُثر، وبالتالي أنه التنظيم المرشح لقيادة المنطقة.
سقطت قوة الإخوان من خلال 3 مناهج الأول: بالاستيلاء بالقوة على السلطة التي سبقتها فلحقت بهذه السلطة مسرعة، كما حصل من "حماس" التي رحمها في عيون الجماهير حينها دعوتها للمقاومة ما تبخرت لاحقا بالدعوات للتهدئة والعقاب لمطلقي الصواريخ ثم بتفريطها بالحلفاء.
سقط وهم قوة الإخوان بلجوئهم للقوة في افتكاك السلطة في غزة وفي السودان قبلها، ثم في ردة الفعل في مصر على سقوط الرئيس مرسي، كما سقط وهم القوة من خلال التظاهرات العديدة التي أسقطت موقف (السلمية) وغاب عنها الرشد والعقل لتبتلع عقول الناس بالأوهام بنزول الرسول وجبريل والأمريكان لدعمهم في ميدان رابعة العدوية.
إن التخبط الحاصل قد أثبت افتقاد الرؤية المتزنة من جهة، وانعدام الخطة أو المشاريع من جهة أخرى إضافة لافتقاد تنظيم الإخوان و"حماس" للكادر المفكر أو الجاذب أو المتفقه مقارنة مع كوادر التيارات الإسلاموية الأخرى أو من خرجوا من الإخوان أنفسهم.
ورابعا: لم يظهر لدى "الإخوان" في مصر أو لدى حماس قيادات دولة جاهزةلانتشال البلاد من ازمتها، ففي حماس تغطت حكومتها في غزة بعباءة الدين فهم الربانيون، وهم على المحجّة البيضاء ضد الآخرين الكفار أو العلمانيين (كفّر كل من يونس الأسطل ومروان ابو راس ونزار ريان من قيادات حماس في غزة مخالفيهم علنا أثناء الانقلاب عام 2007، أو ما تسميه حماس "الحسم العسكري"). وكانت العباءة الثانية عباءة المقاومة التي دخلت دهاليز السياسة، ففي يوم يتم الحض عليها وفي آخر يعاقب من يمارسها باطلاق النار عليه أو السجن.
عموما لم تستطع هاتان العباءتان أن تغطيان على فشل إدارة الدولة (الإمارة) سياسيا واقتصاديا وتنمويا ما أظهر ضعفا وعجزا في الإدارة وأبرز افتقادا لرجالات الدولة.
أما خامسا: فان العباءتين أي عباءة المقاومة وعباءة الدين انكشفتا من على أكتاف "الإخوان" و"حماس" في الممارسات اليومية في غزة ومصر، التي طغت عليها عوامل الهيمنة والسيطرة والتفرد وتوطين الأنصار في الوزارات والمؤسسات والتفرقة بين أعضاء الجماعة والناس واستغلال المتاح، فعلى سبيل المثال لعبت السياسة والمصلحة الحزبية بمنطق السيطرة والاستئثار ومناكفة الخصم السياسي في السلطة الفلسطينية ومقرها رام الله دوار بارزا إذ كلما تقدم السياسيون في السلطة لوّحت "حماس" بالمقاومة في الضفة، وكلما شعرت بالضغط في غزة مارست الاعتقال وإطلاق النار على خارقي التهدئة مع الاسرائيليين، وتوزعت التصريحات الحمساوية لتثبت هذا التكتيك (أوالتناقض) السياسي فيما يتعلق بالمقاومة بحيث ظهر جليا أن العنوان أي (المقاومة) ما هو إلا ستار للحزب للتمكن والاستئثار، ولم يكن سراطية (=استراتيجية) تحررية طويلة النفس.
أما القول بالتستر بعباءة الدين فلقد سقطت من على كتف الإخوان وحماس بما يحدثك به الغزيون من ممارسات يومية تخالف القيم الدينية من بعض قيادات حماس الفاسدة (كسابقيهم في السلطة والأجهزة الأمنية كما يشيرون) ما يعني أن التغني بالإسلام ما كان إلا تغطية على أهداف سياسية سلطوية صرفة.
ونستطيع القول أيضا أن منظمة "حماس" وإخوان مصر لم يستطيعوا أن ينجحوا في التعامل مع الاعلاميين المخالفين ولا مع القضاء إلا بالانقلاب عليهم كما وقفوا ضد الفنانين، وفشلوا في ادارة مصالح الناس والتعامل مع الدستور وفي الاقتصاد ليثبت القول انهم طلاب شريعة الكرسي لا شريعة الله.
سادسا: كان اللجوء للقوةسواء في افتكاك الحكم ما أسمته حماس الحسم العسكري المؤيد بفتاوى القتل عام 2007، ( ) او ما قام به تنظيم الإخوان بعد انهيار اعتصام رابعة العدوية وسقوط حكمهم لمصر من عمليات عنف في القاهرة أو ما جاورها أو في سيناء منهم بشكل مباشر أو عبر الجماعات "الجهادية" والقاعدة كان طامة عليهم كشفت ما يمكن تسميته من تبادل أدوار أو استغلال متبادل لكلا الطرفين ما أسقط كليا سماحة الدعوة والداعية لتبرز أنياب الليث فقط
سابعا: أضاعت " حماس" كما الإخوان المسلمين الهالة التي أحيطت بهم سابقا، وفقدوا السمعة الطيبة التي كانت تربط بين "الإسلامي" الذي حاولوا احتكاره عليهم، من حيث هو دعوي ومؤمن عقديا وبالتالي هو الخالي من الشوائب خلقيا دون غيره، وعليه تصبح آراؤه لدى العامة مصدقة أكثر من غيره، بل قد تكاد تكون هي الآراء الوحيدة الصحيحة دون غيرها، وفق المتتالية التي ذكرناها التي تقرن بين الإسلام والتنظيم والأعضاء في رباط محكم.
لقد تلوثت السمعة وسقطت الافتراضات أو الايهامات والايحاءات، كما سقطت الآراء التي اكتسبت لديهم قداسة فداستها الجماهير بالأقدام، إذ تبين لها أن الكل مسلم ولا يختلف عن غيره الا بمقدار اقترابه من ربه ما هو شأنه، وتبين له أن السلطة مفسدة وأن الكل على الكرسي سواء، وأن كل من عليها فان،فلا يبقى الا وجه ربك ذو الجلال والاكرام.في التفكير السياسي للإخوان المسلمين عامة، والتفكير السياسي لحركة "حماس"منذ أن كتبنا الورقة عام 2000 إلى اليوم بعد 13 عاما بقي الكثير من (الثوابت القطعية) على حاله كما أكدته الأيام، وما ظنته "حماس" كما ظنه "الإخوان المسلمين" عامل (بناء) أو (تماسك) للتنظيم، وإن هو كان كذلك أحيانا، فانه ظهر كعامل (هدم) وعامل (نفور) بعد إمساكهم بالسلطة، ونقصد استيلاء حماس عبر ما أسمته (الحسم العسكري) في غزة عام 2007 على السلطة وتسلم الإخوان المسلمين للسلطة في مصر لمدة عام يتيم في 2012
الجماهير انفضت عن الوهج الذي كان يغلف (مطاطية) الفكر الإخواني الملبس بالدين والذي نشر في العالم امتلاكه لمشروع (جهادي) في فلسطين سرعان ما تهاوى مع أمساك حماس بالسلطة عام 2007 بالقوة ثم مطاردة (المقاومين) من خلال الاتفاقيات مع الاسرائيليين على صيانة حدود غزة خاصة بعد العدوان الصهيوني عام 2012.
انفضت الجماهير عنإخوان مصر في نفس العام الذي حكمت فيه، لأن عباءة الإسلام الفضفاضة التي لبسوها لم تنجح أن تغطي على ترهل الجماعة وضعفها العملي وسلبياتها الكثيرة، كما لم تستطع (التعبئة) التي دامت ل 80 عاما أن تفرز تنظيما حديديا لا تلين له قناة، أو أن تغطي على أوهام ما أسموه "مشروع النهضة" في دعايتهم الانتخابية أو (المشروع الإسلامي) في مصر (كانت الدعاية الانتخابية لحماس في فلسطين عام 2006 تحت قوانين اتفاق "أوسلو" واضحة ومتناقضة مع عنوان قائمتها التي أسميت التغيير والإصلاح) الذي طرحوه ولم يظهر في أي من ممارساتهم التي سرعان ما كشفت تعطشا مذهلا للسلطة، وكأن "التمكين" أو ما أسماه المعارضون في مصر "الأخونة" وفي فلسطين "الأسلمة" الجبرية قد أصبح ممكنا وواجبا ولا مَن يصده كما تهيأ لهم.
إننا في هذه الاضافة للمادة السابقة سنتعرض ل 10 نقاط فقط هي أساسية نظنها تستخدم عبر الزمن وسائل أو آليات أومضامين وسبل التعبئة والتحريض الداخلي والتربية والخطاب التي اتبعتها جماعة الإخوان وفروعها التي منها "حماس"، إذ أن الخطاب سواء الدعوي أو السياسي لم يكن موحدا لدى الجماعة وحماس، بل ارتبط في حقيقة الأمر بالفئة المستهدفة (أعضاء / مناصرين / جماهير / الاقليم / العالم....) وبالموقف، وإن احتفظ بسمات عامة تمثل حقيقة الفكر الإخواني كمضمون وكآليات ما سنورده أدناه.
أولا : المظلومية والضحية:
اجتهدت "حماس" كما "الإخوان المسلمين" في اظهار حجم الاضطهاد أو القمع الذي أصابهم سواء في فترات حكم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر ومن تبعه، أو في حماس في سجون السلطة الوطنية الفلسطينية (رغم استخدام ياسر عرفات أبوعمار معهم سياسة الباب الدوار كما أسماها الاسرائيليون أي يدخلون من باب ويخرجون من آخر فلا يسجنون فعليا)، أو من خلال تكرار اسطوانة أنهم تحصلوا على السلطة شرعيا في فلسطين عام 2006 ولم يسمح لهم العالم بممارسة السلطة لذلك فان الآخرين هم من انقلبوا عليهم وليس العكس، فهم الضحية دوما.
وتأتي فكرة المظلومية كأسلوب تعبوي مثمر (خاصة داخليا) استطاع الإخوان المسلمين من خلاله أن يلعبوا بإتقان دور الضحية أمام الجلاد، وهذا الجلاد الذي مثّل الحكومات المتعاقبة التي تعقبت قيادات وكوادر الإخوان وزجت بهم بالسجون طوال كافة العهود في مصر، فهم دوما ضحايا مع ما يعنى ذلك من إنكار مستمر لأي دور لهم فيما حصل لهم بمعنى أن عقلية الاعتراف بالخطأ أو المراجعة أو النقد الذاتي لم تكن من آليات العمل في التنظيم الذي لم تظهر فيه المراجعات إلا من عدد من قياداته تلك التي انفصلت عنه أمثال د.عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي وكمال الهلباوي ومختار نوح وثروت الخرباوي، وفي كثير من قيادات التنظيمات التي انسلخت عن الإخوان مثل الامام محمد الغزالي والشيخ محمد متولي الشعراوي، أو عاشت في ثوبها ثم غالت (تطرفت)، لكنها عادت لتمارس المراجعات كما حصل مع عبود الزمر والشيخ ناجح ابراهيم والشيخ نبيل نعيم.
فكرة المظلومية شكلت عامل تماسك داخلي في الجماعة أزاحت عن قيادتها تحمل عبء اتهامات التقصير أو الفشل أو السقوط فنزهتها لسبب الربط المحكم بين الفكرة والقيادة والقيم حيث لا يمكن لعابد راكع قائم أن يقصّر أو يكذب أو يفشل لتصبح النظرة للشكل علامة ثقة وليس النظرة للفعل أو نتائج الفعل.
لا جدال أن (مظلومية) الحسين في التاريخ الإسلامي الشيعي خاصة منذ الدولة العباسية كان لها عامل تماسك وبناء من قبل تيارات الشيعة المختلفة، والتي استخدمها الساسة لاحقا ولعبوا عليها في مراحل تاريخية عدة أبرزها عندما تولى الصفويون حكم ايران فشيعوا أهلها بالقوة وفرضوا مظاهرا وطقوسا لا يقرها كل الشيعة، ولكنها على علاتها أدت للحفاظ على المذهب بشكله الصفوي وحفظت الحكم مقابل ذاك النموذج العلوي المغاير كما يقول المفكر الإسلامي الشيعي الكبير علي شريعتي
إن منطق المظلومية في التاريخ استطاع أن يحافظ على التماسك من جهة وأن يشوه صورة الآخر من جهة أخرى بل واستطاع أن يرسم أوهاما وأحلاما وينظر لها على أنها حقائق كما فعل اليهود في (مظلوميتهم) كمثال واحد، لربما استفادت منه التنظيمات السرية ومنها الإخوانية.
إن منطق الابتلاء منطق إسلامي يبتلي فيه رب العزة المؤمنين ويختبرهم ليس ليستظلوا بذلك ضمن فكر التسيير، وانما ليعودوا لصوابهم وعقلهم ويتفكروا فيما اقترفوا فيعالجون أخطاءهم ويتوبون عن خطاياهم، وهو ما كان يوما غطاء للفشل أو غطاء للتقصير أو غطاء يتم عبره تجنب النقد والاستغفار والتعلم من التجارب، لكنه كذلك في فكر وآليات التعبئة في "الإخوان" فالابتلاء من الله وهو حكما مرتبطا بصحة المنهج الإخواني من جهة وما ينبثق عنه من مواقف، ويرتبط بأن الآخر هو عدو الجماعة أي عدو "المشروع الإسلامي" أي عدو الإسلام، وعليه فان هناك مؤامرة تقع على الإخوان من مخالفيهم وعلى "حماس" من كافة الاتجاهات كما دأب كثير من قادتها ومتحدثيها على التكرار.
ان التعبئة الخطرة في عملية استخدام (المظلومية) و(الابتلاء) الرباني و (المؤامرة) الكونية تستدعي إما (السُكون) و(المَوات) أو السُبات، وهي الحالة التي صاحبتإخوان فلسطين فترة طويلة امتنعوا فيها عن الثورة والجهاد والمقاومة (من العام 1948-1988)،وقد تستدعي الموت المقدس (الشهادة) في سبيل الإسلام وهو الموت في سبيل الجماعة حال "التمكين".
ثانيا: المؤامرة وعدم الاعتراف (الإنكار)
مقابل عدم الاعتراف بالفشل أو التوجه نحو نقد الذات ما هو مفترض في أصل نماذج "دعوة" الإخوان يلجأ الإخوان كما هي حماس إلى نظرية المؤامرة والتخوين للمخالف لتبرير الفشل أو العجز أو الخسارة.
إن الشعور الدائم بالاضطهاد نتيجة الابتلاء الرباني الذي لا علاقة لنا به فهو من الله يتكامل مع الفعل الخارج عن القدرة الذاتية لرد الهجوم، أي مع عقلية "المؤامرة" التي تحاك دوما في الظلام ضد الإسلام أي ضد حماس أو ضد الإخوان، وهنا تصبح الشهادة أسمى امانينا ليس ضد الكفار من غير المسلمين وإنما ضد الكفار المسلمين (وربما يطلق عليهم المرتدين أوالجاهليين أو العلمانيين... ) الذين تصبح استباحة دمائهم قابلة للفتوى بسهولة كما حصل من قبل نزار ريان ويونس الاسطل ومروان أبو راس في انقلاب (تسميه "حماس" الحسم العسكري)عام 2007 والذي أدت فيه مثل هذه الفتاوى لمقتل ما يقارب الف بريء من الشعب الفلسطيني في غزة مع سحل بعضهم بالشوارع.
نجد شبيها في الحالة المصرية لما فعله مفتو (جمع مفتي) حماس بحِلّة الدم، وذلك في مواجهة السلطة في مصر إثر حكمهم لمدة عام ثم انقلاب الشعب والجيش عليه من خلال إدخال الاوهام والأحلام في سياق التعبئة في ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر وما صاحبه من فتاوى استحلال دم الآخرين من قيادات جماعات ملتفة حول الإخوان (يمكن لمن يرغب مراجعة مواقع اليوتيوب في ذلك ليرى عيانا لا كتابة ما قالوه).
دعا زعيم منظمة القاعدة أيمن الظواهري يوم 11/10/2013 المصريين المسلمين إلى أن يتصدوا (للمؤامرة) في ما أسماه "بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي العلماني الصليبي" التي تقوده العلمانية العسكرية، ليخلصوا مصر من هذه العصابة المجرمة التي قفزت على الحكم بالحديد والنار واستغلت تنازل بعض الفئات في لهثها وراء سراب التوافق الموهوم"، وان كان الخطاب بهذه الصيغة أصبح لصيقا اليوم فقط بالتيارات المسماة "السلفية الجهادية" فهو للأسف حقيقة التعبئة الداخلية للأفراد داخل حماس وفي الإخوان المسلمين.
وبالعودة لحماس وعقلية المؤامرة المستحضرة دوما كالجني يخرج من القمقم لنترككم مع تصريحات حديثة لتنظروا، يقول ايهاب الغصين على فضائية القدس منكلا بحركة فتح والمصريين بما يدعيه من حصار للمعبر في رفح على فضائية القدس التابعة لحماس بالخارج يوم 28/9/2013 وانظر ببصيرة لتكرار كلمة مؤامرة ومتآمرين وترى المئات مثل هذا النموذج، يقول:( نقول للمتآمرين ( ) والمراهنين على نجاح خطتهم بالتضييق على الشعب الفلسطيني للحصول على نتائج سياسية أن مؤامرتهم ( ) ستفشل كما فشلت كثير من خططهم السابقة، وأن الشعب الفلسطيني شعب واع ويدرك حقيقة المؤامرة ( ) ويعلم من الذي يقوم بالتحريض والتضييق على الشعب.) ويضيف في مسلسل الاتهامات بالمؤامرة في 1/10/2013 على ذات القناة التابعة لحماس الخارج (يريدون التضييق على الشعب الفلسطيني ويراهنون أن هذا التضييق والحصار والإغلاق وزيادة المعاناة وقطع الكهرباء دون بديل أن الشعب سيثور على الحكومه هنا أو على حماس، وهم لا يعلمون أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب وعياً وثقافةً ويعلم حقيقة المؤامرة ( ).) ويضيف أيضا (الشعب الفلسطيني لا بد أن يثور على هؤلاء الذين يبيعون الوطن "أي خون-الكاتب" ويتنازلون عن حقوقه وثوابته.)
وفي يوم 4/10/2013 وعلى رائي (تلفزة) الاقصى الذي يبث في غزة وردا على مقال لناصر اللحام مدير وكالة معا الاخبارية أورد فيه نية عناصر من غزة عمل تفجيرات في سيناء يعود الغصين ليستحضر فكر المؤامرة الكبرى هذه المرة بالقول : (هذه للأسف منظومة متكاملة من سلطة فتح والاحتلال ووسائل الإعلام المصرية (؟!!) هذا في إطار المؤامرة الكبيرة (؟!) التي تحدث ضد قطاعنا الحبيب.)
وربطا للمؤامرة بالخيانة يقول مشير المصري على قناة الأقصى التابعة لحماس في غزة يوم 26/10/2013 (التنسيق الامني يشكل خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، لانه يشكل ارتباط امني وثيق لصالح العدو الصهيوني.) مضيفا للتأكيد كي لا يخالط أحد الشك للحظة، بأن المقصود بالخونة المتآمرين هم السلطة (لكي تبقي قيادات السلطة على مواقعها على كراسي الحكم فان هذا يتطلب ارضاء امريكا والاحتلال والبقاء على التنسيق الامني.) ويوضح ذلك القيادي في حماس على ذات القناة صالح العاروري مؤكدا على قول المصري ( النشاط التي تمارسه أجهزة السلطة على المقاومة اكثر تأثيرا من الاحتلال على المقاومة وكله في النهاية يصب بمصلحة الاحتلال.)
الى ذلك يقول عطا الله أبو السبح من قيادة حماس (وزير سابق) في غزة في لقاء له على فضاء غزة (أن السلطة تقوم ب (إخراس البنادق وزج المقاومين في داخل سجونها المجرمة) مضيفا ان ذلك يتم (من خلال التنسيق الأمني الخياني)؟! ومحرضا و داعيا للانقلاب في الضفة ليس على الصهاينة بل على السلطة قائلا (يجب أن يهب شعبنا في الضفة الغربية ضد السلطة التعسفية الظالمة المجرمة) ويضيف في 5/11/2013 متماديا بالقول وعلى قناة الأقصى الصادرة من غزة (ضروري أن تفعل المقاومة وأن تكسر القيود عن أيدي الشعب الفلسطيني، عندما نرى الأمن الفلسطيني في ظل التنسيق الأمني المجرم يلاحق المقاومين، ماذا أقول أقول أنهم عبارة عن مجموعة من العملاء والجواسيس الذين يعملون لصالح العدو المجرم الذي يقتل شبابنا. )
ويقول خليل الحية عضو القيادة السياسية لمنظمة حماس في مهرجان الجمعة 4/10/2013 في غزة تحت عنوان لبيك يا أقصى ملمحا لما حصل في مصر:( يا بلاد الربيع العربي يا من يتآمر عليكم بالإنقلاب على ثوراتكم وحياتكم وصناديق إقتراعكم تقتلون في الشمال وتقسم أرضكم في الجنوب)
ويقول يحيى موسى القيادي في حماس على قناة القدس التابعة لحماس في الخارج في18/6/2013 في سياق الإشارة بأصابع التخوين والتآمر (المقاومة ملاحقه من قبل الأجهزة الأمنية بالضفة وملاحقة من الاحتلال.... ونحن نشهد تعاونا كبيرابين الأجهزة الأمنية والاحتلال)
ويقول القيادي في حماس اسماعيل هنية في خطابه يوم 19/10/2013 منكرا أي أزمة أو مشكلة أو مأزق لديه بشكل بات:(إن حماس لا تغازل أحداً ولا تستجدي أحداً ولا تندم ولا تعتذر عن تلك المواقف المشرفة حتى ترضي أحداً، ولا تشعر أنها في مأزق حتى تدفع ثمناً لأحد للخروج منه)، ومشيرا كالعادة للمؤامرات بديلا عن الاعتراف بالخطا أو المآسي والمآزق التي تسبب بها فيقول في ذات الخطاب (إن ابناء المقاومة الفلسطينية ورجالها ينتظرون ( ) لحظة اللقاء ومعركة التحرير لتري المحتل هشاشة ( ) كيانه، هذه المقاومة التي تقف بالمرصاد للمؤامرات ( ) وتقوى وتكبر رغم الحصار والعدوان والتضييق).
وفي ذات اليوم في خطاب له في قطر كما تورد صحيفة "فلسطين الآن" يقول خالد مشعل في سياق الانكار والتنزيه (إن حركته ليست نادمة على انحيازها للأمة، ولم تخطئ حتى تعترف بخطئها، فهي لا تراجع صواباً، وإن أخطأت تراجع)، ومنكرا أيضا كما فعل هنية وجود أي خلافات في منظمته مؤكدا أن (موقف قيادة "حماس" موحد كما لم يكن موحداً من قبل)
وعودة قليلا للوراء يقول المفتي الآخر في حماس مروان أبوراس، اضافة لزميله ياسين الأسطل، في شهر اكتوبر من عام 2011 على فضائية حماس في غزة أيضا (المقاومة موجودة في الضفة، ولكن يتآمر(؟!) عليها فكا الكماشة الأجهزة الأمنية التابعة لعباس والتابعه لفياض والأجهزة الأمنية الصهيونية).
وفي ذات "المؤامرة" وربطها هذه المرة بأنها ضد المقاومة أي ضد حماس حصريا كما الربط الدائم أيضا بين الإسلام والمؤامرة على اعتبار أن الإسلام بممثليه أو جماعته الحصرية، قال اسماعيل رضوان وزير الأوقاف في سلطة "الحسم العسكري" في غزة يوم 3/10/2013 على رائي (تلفزة) الأقصى التابع لحماس في تعليقه على مشاكل الحجاج وفي استدعاء موحد لعقلية المؤامرة (نحن إزاء مؤامرة ( ) تحاك خيوطها، يراد من خلالها كسر الإرادة وكسر شوكة قطاع غزة والمقاومة والشعب الفلسطيني) مضيفا (نحن نتحدث عن جريمة نكراء هذه الجريمة لا يمكن أن توصف...)
اذن هناك عناق واضح بين رفض الاعتراف أو الانكار الكلي لسوء الوضع أو لأن يكون للتنظيم الرباني دخل فيما تؤول اليه الأوضاع من سوء وتدهور ما يعني افتقاد الحس الانساني من جهة وافتقاد الزمن لأن من يفكر دوما بأنه على صواب يعتقد ذلك في ظل سوء الوضع أو تدهوره بافتراض المستقبل أو الماضي التليد الذي يعيش بين جنباته، وتبرز "نظرية المؤامرة" كحل سحري لحالة الانكار للفساد أو الانهيار أو الاندحارأو المأزق لأن سوى ذلك يعني أن التنظيم أو الجماعة خاطئة وقيادتها متهمة ما يعني أن المشروع "المشروع الإسلامي" فاشل، وهذا برأيهم لا يستقيم.
ثالثا : القداسة والولاء :
يغرم الإخوان المسلمين بالألقاب وابتدأ هذا من المرشد الأول الذي يطلقون عليه لقب (الإمام) رغم أنه مدرس لغة عربية ويطلقون عليه (فضيلة) المرشد، واستمر معهم هذا الأسلوب بالتبجيل حتى اليوم، وارتبط لاحقا ظاهريا بتقبيل اليد او تقبيل الرأس، كما اصبحت الألقاب المختلفة التي تسبق الأسماء مثل الدكتور أو المهندس أو الأستاذ واجبة الكتابة كما تراها في مواقعهم الاعلامية وصحفهم وفي الاعلانات الضخمة في شوارع غزة (معالي رئيس الوزراء الأستاذ اسماعيل هنية كمثال) وليس في ذلك مظهر احترام نقدره أو مظهر اجلال فقط، وإنما غرس حقيقي في النفوس الناشئة لدى الإخوان أنكم على مسافة بعيدة عن قيادتكم التي تفهم أكثر منكم، فمن أنتم لتكونوا دكتور أو كمهندس أو....، وليس لكم أن تفكروا بأن يكون أي منكم اماما أو ان تتمتعوا بلقب (فضيلة) إلا ضمن شروط أتقنت قيادة الإخوان وحماس اسقاطها في روع الأعضاء كمسلّمات وبديهيات غير قابلة للنقض، وهي تمثلت في إهاب الطاعة المطلقة والانصياع بلا سؤال أو تفكير أو مخالفة مهما كانت للمراقب العام او المرشد العام او المسؤول المباشر، فالمتلقي ليس له إلا أن يكون كذلك وشتان بين موقع المرسل والمتلقي حيث لا انتقال بين المواقع إلا بشق الأنفس.
إضافة القداسة على التنظيم قد جاءت بشكل مقصود باعتقادي لإخضاع الاعضاء المنتمين للإخوان أو حماس (حيث يتكرر شعار الولاء والبراء والاستعلاء)، ورغم كل التبريرات التي تساق لمفهوم الطاعة العمياء او السلطة المطلقة للمسؤول الأول فإنها في الحقيقة قد أوجدت شيئين متناقضين داخل التنظيم الأول: هو التماسك الداخلي، والثاني هو التسليم والاستكانة وانتفاء روح النقد والمراجعة إلى الحد الذي جعل تنظيم الإخوان المسلمين وبعد 85 عاما من انشائه لم يفد العالم الإسلامي بشيء على الصعيد الفكري او الثقافي او الفقهي، اللهم إلا ما ينسب لسيد قطب وأفكاره، فكيف لتابع أو مستقبِل أن يناقش شمسا مشرقة أو قائدا ملهما أو مقدسا. ان هذا لا يصح؟! ما افسد العقل وأذهب الأحلام، وجعل من الاعضاء كما هي الشغالات في مملكة النمل.
القداسة صفة متحركة، وصفة لازمة بمعنى أنها ملازمة للدين، الذي يلقى في روع المسلم عندهم ألا يناقش فيه ما لا يعرف وإلا فمصيره جهنم، وبالتالي لأن الإسلام يتم نقله عبر وسائل (أشخاص) فان ناقل المقدس مقدس، سواء كتنظيم أوأشخاص ما ينسحب في الوعي، وفي إطار التعبئة على القيادات جميعا، وعلى مواقفهم المتناقضة مع البعض أو مع أنفسهم بحيث أنها تجد التبرير الدائم نظرا لعدم إمكانية إيجاد أي خطأ في مواقفهم واتجاهاتهم وأفعالهم لا سيما وأن قسم الإخوان (والتربية ضمن أسرها) قسم مقدس مرتبط بالبيعة للإمام وطاعته بلا تجاوز أو نقد كما يسقط في وعي الشخص.
القسم الإخواني بحد ذاته مقدس حيث يقسم بالله العظيم أن يكون مخلصا ليس للإسلام أو للدين الإسلامي أو لنبينا محمدا وإنما (لدعوة الإخوان المسلمين-ولا دعوة بلا دعاة) وهي دعوة بشرية مهما احتوت من أفكار نبيلة فيها من الصواب، كما فيها من الخطأ ما يجب اسقاطه أو تعديله. يعبر القسم عن ولاء مقدس يسقط على "المرشد" وعلى مؤسسيها وقادتها مالا يدركه الشخص العادي في الجماعة لأول وهلة، لأن قسمه في (المنشط والمكره) يضعه كما حال التابع لشيخه الصوفي أي (كالميت بين يدي المغسل) كما أشار ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد)
في أثناء الانتفاضة الثانية في فلسطين (2000-2004م) صرخ أحد ائمة المساجد قائلا إنهم يسجنون الذين يوحدون الله فعاقبهم الله، يقصد أن السلطة تحبس "حماس" فقصف الاحتلال مقرات السلطة ما هو مدعاة للشماتة من جهة (انظروا كم الفرح الهائل في ميدان رابعة العدوية عندما سمعوا باقتراب البوارج الأجنبية في ساحل مصر ظنا أنها لدعم الإخوان، وانظروا توسل الشيخ يوسف القرضاوي بالأمريكان لضرب المسلمين في سوريا، وانظروا قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة التي تكررت في انقلاب غزة عام 2007 وفي مواجهات رابعة العدوية في مصر عام 2013)، وتقديس للذات أو الجماعة من جهة أخرى، وما كان من موسى أبومرزوق الذي يتميز برصانته وهدوئه في قيادة حماس إلا أن أوضح في مقابلة له مع الفجر الجزائرية عام 2013 ما وقر في نفسه والجماعة من تعبئة تقديسية تنزيهية للذات والتنظيم حيث صرح (أن العداء لحماس يأتي لخلفيتها الإسلامية) والأمثلة بهذا الصدد كثيرة ولك ان تجدها في تصريحات العشرات من قيادات حماس أو الإخوان.
إن آلية الربط المحكم بين قداسة التعليمات الإسلامية وبين التنظيم أو قياداته أصبحت حقيقة تجعل من المنتمي للتنظيم يشعر بتميزه عن الآخرين ليس لصلاته وصيامه واحترامه لجيرانه وعدم ايذائهم، وإنما لمجرد انه يحمل (الفكرة والمشروع الإسلامي) أو لمجرد أنه ينتمي للتنظيم (الإسلامي) ما يبرر له أن ينصاع بكل أريحية لقائده، وما يبرر نظرة المغالاة إلى حد القداسة لقائده (في القداسة شعور أكثر من التبجيل بكثير إذ تتشابك عوامل الخوف والرجاء معا)، وبالتالي المغالاة ضد من يخالفه إلى حد اتهامه بالكفر أو الزندقة أو الردة وبالخيانة كما امتلأت أفواه قيادات في حماس ضد مخالفيهم خاصة بعد (الحسم العسكري) في غزة عام 2007.
قال الناطق باسم طلبة حماس في بوليتيكنيك الخليل على قناة حماس غزة المسماة الأقصى التالي يوم 6/10/2013: (شنت أجهزة السلطة الصهيوأمريكية حملة كبيرة ومتغطرسة بحق كل ما هو إسلامي -على اعتبار أن حماس فقط هي ممثلة الله في البلاد- في الضفة الغربية وكل ما هو تيار ممانعة ومقاومة)، وربما يحاجج البعض أن هذا طالب والطلاب معروفون بتهورهم أو اندفاعهم، ولدحض هذا الافتراء يقول صلاح البردويل من قيادات حماس في 9/10/2013 على قناة حماس الفضائية من غزة ردا على حديث لقائد الجيش الثاني المصري ضد حماس ما نصه (نحن وضعنا في خانة الإخوان المسلمون، أمامنا أحد الأمرين إما أن نتخلى عن الإخوان المسلمين ونقول أن لا علاقة لنا بدين الإسلام (؟) وربما يقبلوننا وربما لا يقبلوننا وأما نطبل كما يطبلون) وفي هذه العبارة الموجزة مزج متعمد وواضح بين الجماعة والإسلام بحيث أن لا تمايز بينهما في اسقاط معيب وخبيث في نفوس الأتباع والناس جميعا.
وللإضافة في غيض من فيض يقول خليل الحية عضو القيادة السياسية لمنظمة حماس في مهرجان الجمعة 4/10/2013 في غزة تحت عنوان لبيك يا أقصى في تنزيه للذات وتبجيل : نأتي اليوم لنقول كلمة واحدة هي شعار هذا الإحتفال لبيك يا أقصى نزلزل بها الأركان ونضحي من أجلها بكل ما نملك، ألسنا الصالحين (؟!) ألسنا على طريق الأبرار(؟!) المجاهدين وألسنا من وقفنا في كل الميادين نقول لا للإستكانة ولا للهزيمة ولا للقبول بالعدوان ولا الظلم ولا الطغيان ولا الحصار.
ولم لا يكون ذلك رأيه وهنية يقول في خطاب له في 19/10/2013 في غزة (وما زالت حماس كذلك بفضل الله في قوتها ومنعتها ووحدة صفها وتماسك قيادتها والتحامها مع جماهير شعبها وجماهير أمتها في كل مكان.)
أسقط مفهوم القداسة في طريقه العقل، فافتقد التنظيم للتفكير كما افتقد للنقد الذاتي ونفر واشمأز من المراجعات، ورغم أن كثير من قيادات "الإخوان" و"حماس" ممن درسوا العلوم التجريبية إلا ان المكون الأول للنشأة الذي ارتبط بالطاعة العمياء والقداسة قد قوّض الفكر العلمي التجريبي فيهم، فمالوا نحو الأوهام والأحلام والتفسيرات غير العلمية لكثير من إخفاقاتهم التي أنكروها ولم يعترفوا بها في مصر وغيرها– إلا من رحم ربي من تلك القلة التي منها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي أشار في عديد المقابلات لأخطاء حصلت في غزة، أي أثناء الانقلاب عام 2007 من قبل حماس على السلطة – كما لم تعترف حماس بتشرذمها أو لنقل خلافاتها الفكرية ما هو طبيعي في أي تنظيم، وبأزماتها وفشلها في إدارة قطاع غزة أو إدارة العلاقات الوطنية، أو أدارة العلاقات الاقليمية أوفي ضبط طريقة تبني المقاومة والسلطة معا.
قداسة الفكرة والتنظيم والأشخاص وإن أشعرت القائد بأنه مرتبة أعلى وأسمى، وأنه وصَفّ القيادة صفوة على من دونه إذ أنه من الخاصة والباقي من العامة ما يجد له سندا في التاريخ الإسلامي عندهم فان (منطقة الراحة) هذه للقائد هي نفسها منطقة الأزمة والعَنَت والصعوبة، فكلما ارتفع معدل القداسة للرأي، وهو الرأي المنزه أو العصي على النقد، وفي الشخصية كلما اصطدم بالواقع السياسي المتغير ما يجعل من الصعب على هذا القائد الملهم أو المقدس أن يغير رأيه، وكأنه التف بالحبل في يده على رقبته، فإما العناد والاستمرار حتى يصطدم بالحائط، وإما التراجع بسند شرعي يتم تكييفه كما يفعل الشيخ يوسف القرضاوي في كثير من فتاواه المؤيدة لمواقف الإخوان وحماس أصابوا أم أخطأوا، أوبالنقد الذاتي والاعتراف بالفشل المفضي للخروج او الانشقاق للأتباع.
لم يستطيع الإخوان المسلمين وحماس في منطقة حكمهم في غزة ومصر أن يفصلا بين الواقع السياسي المتحرك والفكر السياسي النسبي من جهة، وبين مطلق الدعوة وثبات العقيدة من الجهة الأخرى، بل كرسوا ذلك على اعتبار أن الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف كما يقولون، فان كانت كل منهما تغذي الأخرى بشكل مباشر فعندها يصبح الرأي السياسي مقدسا كما التعاليم الإسلامية ويصبح التراجع صعبا ومهلكا ما أوقع الإخوان كما حماس في أزمات لم تخرج منها حتى الآن.
لا قداسة إلا لله، ولا فعل مقدس لبشر فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال سيد البشرية، ولكن كم من الناس أو القادة ينفذون ما يتلفظون به بألسنتهم، وأمامهم وخلفهم أتباع يهلّلون ويكبّرون، ويصدّقون ما يقولونه أصواب أم خطأ؟! فكيف أضحّى (بالقداسة) أو وجاهة الموقع ووهج الإعلام اليوم في سبيل الفكر العلمي وأساليب الادارة الرشيدة ؟! وكيف لي أن أفصل بين ثوابت العقيدة وأرجحيات الرأي، وبين مطلق الدين ونسبية شؤون الناس؟! أو بوضوح كيف أحدد العلاقة بين المقدس العلوي، والمدني الثابت الدنيوي وهي معادلة لم تستطيع (أو لم ترد) "حماس" أو "الإخوان" عامة أن تفككها ربما لأن الجلوس في المنطقة المريحة أفضل كثيرا من التقلب بين المناطق والمساحات المتاحة الجديدة وما تحمله في داخلها من قلق وشك وتفكير وإقناع وتعب.
لطالما ردّد قادة من حركة حماس مصطلح إننا (تنظيم) رباني، واستخدموا مثل هذه المقولة ليبرروا أفعالهم ومواقفهم كما استخدموها إثر انتخابات 2006 في فلسطين فأصبحت الحكومة ربانية والى الأبد، فمن يستطيع أن يحاسب الحكومة أوالجماعة الربانية، وكأنه بذلك يحاسب الله أو أنبيائه مما يقع في روع المواطن العادي (يمكن مراجعة كتابنا "حركة حماس سيوف ومنابر" على الشابكة في موقع المحرر "سكريبد" في الاطلاع على مثل التصريحات، عدا عن امتلاء الشابكة بها).
لقد وصل استغلال الدين بإضافة القداسة على الفعل الانساني المتميز بالهدى والضلال والصواب والخطأ بل والخطايا أن أصبح سمة عملت الحركات الإسلاموية طويلا لحفرها في نفوس الناس، فتصبح الطريق ممهدة وتصبح العقول متأهبة فقط لاستقبال ما يسقطه أو يرسله أو يقوله "الربانيون" الذين لا ينطقون عن الهوى، لاسيما وأن النقد أو المراجعة أوالمحاسبة الذاتية ليست من مواصفاتهم.
لقد كانت ايهامات القداسة في مصر بارزة لدى الجماعات الإسلاموية في اعتصامهم في منطقة رابعة العدوية اذ جعلوا جبريل عليه السلام ينزل دعما لهم كما جعلوا الرسول يصلي معهم إلى غير ذلك من أوهام القداسة التي لم تفد شيئا إلا في نسج مزيد من خيوط العنكبوت حول فكرهم أو طريقهم في التعبئة الاستتباعية.
رابعا : الحصرية مقابل الإقصاء (الفسطاطين):
تميزت "حماس"في فلسطين بإشاعتها جو من الاعتزاز بالذات إلى حد الكِبر، وجو من التميز إلى حد رفض المشاركة في أي من أطر (م.ت.ف) أو السلطة إلا منفردة أو متسيّدة.
خاضت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة (فتح) حوارات طويلة مع حماس، وبرعاية الإخوان المسلمين في مصر، وفي السودان منذ عام 1996 وصولا إلى غزة ثم حول العالم العربي لاحقا، أي منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات إلا ان (التنظيم الرباني) والتنظيم المختلف عن غيره لم يكن مقبولا لدية أن يكون جزءا من (منظمة) علمانية كما يطلقون عليها، ليس لأنها كذلك أو غيره وإنما لأن الهدف هو السلطة والسيطرة بدليل موافقتهم لاحقا على الانضمام لها بشروطهم التي تعني أن السيطرة والتحكم هو الهدف الأسمى.
استنادا لصوابية الفكر الذي تحمله "حماس" وهو الفكر الذي يمزج مواضيع ثلاثة ذات دلالة فانه من المبرر منطقيا لديهم والمسوغ عقليا ان يتميزوا ويقصوا الآخرين.
الخلط القائم عن عمد بين مصالح الناس المتغيرة والتعاطي معها، وبين ثوابت الدين في الحركات الإسلاموية هو أحد أهم وسائل مدها بالحياة بحيث لا يستطيع المسلم العادي البسيط إلا أن ينصاع نفسيا لمن يدعي الإسلام قولا وظاهرا فيتبنى مواقفه وآراءه على فرضية أن هذا من ذاك، أي أن (التنظيم الدعوى) هو قطعا مصيب (كتنظيم سياسي حزبي) لأن من يدعو إلى الله يبتغي الخير، فتنعكس المواقف لتصبح تأييدا قطيعيا هو ما ابتغته هذه الحركات، وهو ما تكشف للناس عدم صدقه في مذابح حماس في قطاع غزة اثر انقلاب 2007 وفي استخدامها السلطة والأموال تماما كما يفعل غيرها فلا فرق بين ملتحى يبطش أو حليق، ولا فرق بين من يخطب على المنبر ويرتاد الملاهي أو يمارس السرقة والتعذيب والكذب والفساد، اذ ان التجربة في غزة ولاحقا في مصر قد هزت بقوة مفهوم (الحصرية) أو (الاحتكار) للفكرة القطعية أو للحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والباطل للآخر المخالف أي كان.
ترتبط "الحصرية" بالإقصاء فما دمت أنا من يمتلك الحق أو الصواب الذي مرجعيته ربّانية، فان غيري ليس على المحجّة البيضاء التي يدعو لها الخطباء في غالب المساجد ليلها كنهارها، ومن هنا بدلا من أن ينتشر التسامح والمحبة والاستيعاب والصفح والتقارب ما هو أبرز سمات المسلمين و الإسلام العظيم، برزت معركة "الفسطاطين" بين المسلمين أنفسهم، ليس حين الخلاف العقدي وإنما عند كل معركة سياسية فما دمت أنا في فسطاط الحق المبين فالمخالف في فسطاط الشيطان اللعين.
وعن مصطلح "الفسطاطين" يقول د.عصام شاور متعجبا ومستهجنا في مدونته في 2/8/2008 ( قرأت مقتطفات من خطاب النائب في التشريعي والقيادي البارز في حركة حماس الاستاذ فتحي حماد امام الجماهير الغاضبة بسبب مجزرة الشاطئ , وقد استخدم السيد حماد عبارات ومصطلحات جديدة على الخطاب الفلسطيني و يجب الانتباه لها , حيث ذكر الابادة وقطع اليد وذكر كذلك انقسام الناس إلى فسطاطين , فسطاط الحق وفسطاط الباطل وغير ذلك من تعابير.) ليضيف ان ( تقسيم الناس إلى فسطاطين يذكرنا بأقوال قادة تنظيم القاعدة الذين يكثرون من استخدام تلك التعابير التي لم ترد اصلا في القرآن الكريم ولا حتى في الصحيحين بهذا المعنى) وليتابع بالقول (لا يمكن تقسيم اهل غزة إلى فسطاطين , فغالبيتهم مسلمون موحدون , وكلهم جماعة واحدة لا يمكن تقسيمها.
لا تحتمل حماس المعارضة أو الرأي الآخر فأغلقت كافة المؤسسات التي لا تستجيب لها وأممت المساجد حتى من الجهاد الإسلامي والسلفيين لصالح خطباء حماس فقط، وشقّت المنظمات النقابية التي لم تستطع الاستيلاء عليها، وقتلت المخالفين بعد أن أفتى مفتوها بحِلّة الدم خاصة لأبناء الأجهزة الأمنية كما فعل مروان أبوراس وياسين الأسطل (66) ونزار ريان، ومؤخرا أي في شهر سبتمبر 2013 قال يونس الأسطل في خطبة الجمعة محرضا على قتل المتظاهرين السلميين :" من يخرج يوم 11/11 فليأتي بكفنه معه" وهو من كان قد قال في العام 2007 محرضا على قتل المخالفين في غزة "ان بسطت يدك لي سأقطع عنقك" في معارضة لقول عبد الملك بن مروان "سأقطع يدك"، وفي معارضة للآية القرآنية الكريمة ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)
لقد سقطت مضامين هذه التعبئة الداخلية، وبانت للناس كالشمس بحيث أدركوا أن الربط بين (الديني) الثابت و(الحزبي) المتغير لا يستقيم، وهو ما كرره الكاتب الإسلامي القريب من الإخوان فهمي هويدي في اشارة له في سياق دراستنا هذه، كما قدّر ذلك نادر بكار من قيادة السلفيين في مصر وغيرهم، حيث أنه اثر ممارسات "الإسلامويين" السلبية المماثلة لغيرهم أو من سبقوهم في غزة ثم مصر، واثر توزيع الخارطة الحزبية على عشرات التنظيمات (الإسلاموية) لم يعد للاحتكار أو الحصرية أو فسطاط الحق أو الممانعة قوة الجذب السابقة.
خامسا : التُقية والتبرير:
يعتبر الشيعة أن التقية جزء أصيل من المذهب ويدللون عليها بالكثير من الأحاديث، ويعتبرون أن اتقاء شر الآخرين بإظهار خلاف المبطن هو آلية دفاعية واجبة (ورد عن المعصوم المهدي المنتطر كما في روايات الشيعة: أن التقية ديني ودين آبائي). ولربما انتقلت التقية لتتحول من أسلوب مؤقت أو حيلة دفاعية أو وسيلة لاتقاء شر واقع إلى أساس مذهبي نتيجة الاضطهاد الذي عانته تيارات الشيعة المتعددة من السلطات عبر العصور المختلفة كما هي مروياتهم الكثيرة، والتي تُعلي من حجم الاضطهاد وتضخيمه، وتغالي فيه وفي الدلالة عليه خاصة منذ عصر اسماعيل الصفوى في فارس الذي شيّع أهل البلاد قسرا، وأدخل على الشيعة كل المظاهر الحديثة التي لا يعترف بها التشيع العلوي كما يفصل بينهما المفكر الكبيرعلى شريعتي ود.على الوردي وأحمد الكاتب وغيرهم الكثير.
ما يهمنا من هذه المقدمة هو أن مفهوم (التقية) هو مفهوم إسلامي شيعي عقدي وإن نسبوه للقرآن في تأويل لبعض الآيات وهذا شأنهم، فان كان له مسوغاته كما في المذهب الشيعي، فما مسوغاته أو ما يشبهه لدى الإخوان المسلمين؟
استطاع الإخوان المسلمين كما ذكرنا أن يرسموا لهم صورة ذات ظلال حزينة وكئيبة (يمكن الرجوع لكتاب زينب الغزالي المغالي حول عذابات الإخوان وعذابها تحت عنوان أيام من حياتي كمثال) وساروا في طريق بلا معالم، وبخسران للعالم حال عدم وجودهم في سياقه، وخاضوا تشكيكا في (إسلامية) المسلمين بدونهم، فرفعوا أنفسهم كجماعة أو في الحقيقة كفرقة أو"طائفة" إلى مستوى أرقى وأجل من مستوى الناس، فكانوا طبقة فوق الطبقات، وطليعة تطل من مركبها الباذخ على بحر الجماهير باستعلاء، وحاولوا بذلك أن يحققوا التماسك التنظيمي من جهة ورد سهام المخالفين (فهم الأعلون)، لذا يجب (ألا يحزنوا)،أذ أن الابتلاء كما ذكرنا ناتج عن اضطهاد وتعذيب وحرمان من "استاذية" العالم، ما هو امتحان من الله وما صبرهم إلا وصولا "للتمكين" أو الشهادة، والمؤامرات في هذا الطريق كثيرة.
في هذه الحالة الشعورية الناجمة عن حقيقة التعبئة الداخلية أساسا لا بد من ايجاد آليات دفاعية ضد المخالفين أو ضد السلطة او المجتمع الذي يمدون له حبل المودة من جهة من خلال المساعدات الاجتماعية والمالية، ومن خلال وجه الداعية المشرق، و(ينعزلون) بمن يناصرهم بآليات التنظيم والتعبئة بعيدا في (صندوق) محكم يتلقى فيه الأتباع ما لا يجب أن يخالطه الثوابت، ومن هذه الاليات استخدام (التقية) أو الكذب والتبرير.
تزعم غالب القيادات التي خرجت من الإخوان المسلمين أمثال أبو العلا ماضي (رئيس حزب الوسط الإسلامي) ومختار نوح وثروت الخرباوي ان تنظيم الإخوان المسلمين، ومثله "حماس"، لا يتورع عن استخدام التقية داخليا (داخل التنظيم) وخارجه فتصبح الممالأة والمداراة والتزلف صفة مقبولة، كما يصبح الكذب والتزوير فعلا مُجازا.
قال مجدي علي من "الإخوان" ما هو منشور على موقع اليوتيوب «نقبل الديموقراطية التي توصلنا إلى الحكم من خلال الانتخابات لكن عند اي انتخابات الشرع يعطينا الحق في تزويرها وفق قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»؟
ويحدثنا ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد) عن حادثة تزوير في الإخوان المسلمين في الانتخابات الداخلية لمجموعتهم في نقابة المحامين بالتفصيل، كما يحدثنا عن لجوئهم للكذب، ويشير بوضوح وبالأدلة بالصوت والصورة لحادثة مع مرشدهم مصطفى مشهور الذي يرفض النقد قطعيا. ويقول القيادي السابق في الإخوان سامح عيد (كانت الأوامر تصدر لنا بحبس القيادات الجامعية الموكل إليها أمر الترشيحات، وقد شاركت في إحداها حتى يوافقوا على ترشيح طلاب الإخوان، ولا مانع أيضا من تشويه سمعة المنافسين من أجل العمل على إسقاطهم في الانتخابات) مضيفا في لقاء له نقله موقع آفاق في 1/8/2013 (كذلك لا مانع من الكذب ما دام في صالح الجماعة تماما كما حدث في موقعة الجمل وإعلان البلتاجى من على منصة التحرير بأن هناك خمسة آلافإخوانى قاتلوا في هذا اليوم، حيث سأل بعد ذلك الأخ أنور عبد العزيز، من البحيرة الشيخ صفوت حجازي، عن هذا الأمر فقال له : كنا نحاول أن نطمئن الناس فقط.(
وهكذا من الممكن الرجوع لعديد الحوادث التي سطرها الإخوان السابقين لتبرز أمامنا الحقيقة الجلية التي نقترح تعميمها والتي تقول أن التفكير السياسي في الحركات الإسلاموية ومنها "الإخوان" و"حماس" فيها من النسبي والمختلف عليه الكثير، وفيها من التبرير والتراجع (تراجع الإخوان عن عدم ترشيح رئيس لمصر، كما تراجعوا عن وعودهم العلنية بأن يكون عدد مرشحيهم للمجلس النيابي محدودا،....) والتزوير ما يجدونه مبررا ومسوغ شرعيا ما هو أشيه بالتقية، ومرتبطا بتغير الأحوال ما يعني أن استخدامهم للتقنية (إظهار عكس ما يبطن) أصبحت ممارسة قد تجد تجلياتها الأخرى من خلال تعدد الخطابات أوالألسنة، وكما هو الحال اليوم في "حماس" التي إن آمنا أن لا خلافات فيها كما يقول بعضهم فان الاختلافات العلنية تكون بالعقل منظّمة ومتفق عليها، لذا فتغير الألسنة والمواقف والخطابات حول الحديث الواحد أو الموضوع الواحد تصبح سياسة متبعة، ما يجعلنا نؤكد على اختلاف التعبئة الداخلية المتشددة والاقصائية عن الخطاب الدعوي اللين (يمكن الرجوع لكتاب درب الأشواك لعماد الفالوجي المنشق عن حماس)، وعن الخطاب السياسي المتلون الذي أصبح من سمات كثير من التيارات الإسلاموية، فيزهو مزهرا أمام الناس وينكمش في السر ليعمق التشدد والغلو.
نكرر ان عقلية التبرير أو التزوير أو التقية تتفق وتتعانق مع عقلية القداسة والمظلومية والابتلاء وتؤدي إلى رفض النقد والمراجعة في رباط محكم.
سادسا : خلط السياسي الحزبي بالدعوي العقدي:
عندما أمسكت حماس بالسلطة اثر انتخابات عام 2006 في فلسطين (الانتخابات التي انتهت مدتها من أكثر من عامين، وفيها خلاف قانوني)، صرح العديد من قادتها ونواطقها أن حكومتهم ربانية، وأنها حكومة للأبد على نفس نهج ما ذكره الرئيس مرسي لاحقا وعصام العريان بأن أمامهم زمن طويل ليحكموا، وان الله معهم لاسيما وأنهم (فتية آمنوا بربهم ) وأنهم (الذين ان مكناهم بالأرض أقاموا الصلاة... ) وأنهم في خلط متعمد بين أعمدة العقيدة وبين السياسي المتغير والنسبي.
إن التعبئة الداخلية المقصودة تلك التي تجعل من طريقة الصلاة على يدي الشيخ متبعة بالتفاصيل التي يربى عليها التابع هي نفسها التي تجعله مستسلما خاضعا لرأيه السياسي، لأن الشخص هو هو، فما دام قد وثق به ونقل عنه كيفية الصلاة والصيام والزكاة والفتاوى ضمن مفهوم لطاعة العمياء أو (كالميت بين يدي المغسل) أو في (المنشط والمكره) كما يقول قسم الولاء للإخوان المسلمين وليس للإسلام فلم لا يثق به عندما يطرح رأيا سياسيا أواجتماعيا أو قانونيا أو موقفا من الحكم ؟!
وهنا بعد أن يستقر في نفس ووعي أو لاوعي الشخص عامل (الثقة) و (الطاعة العمياء) و (الخضوع) و (الالتزام الحديدي) بمسؤوليه أو شيخه يصبح العقل عملة نادرة، فعندما يلغى الحوار والنقاش وتقليب الأمر على أوجهه وعندما يلغى حق الاعتراض أو حتى التفكير المختلف لا يبقى إلا التسليم والاستسلام، وتصبح حركة الجموع مدارة من خلال (ايمان) ليس بالله ورسوله وإنما بالشخص المقدس لذي استغل علمه الديني إن وجد بالرأي السياسي الحزبي فأسقطه حكما شرعيا لا يستقيم.
لقد حملت "حماس" السياسة الحزبية على ظهر الدين، مستغلة التمهيد المرتبط بالعقيدة في نفوض الناس (والتي تعنى هم فقط دون سائر المسلمين المنتمين إلى التنظيمات الأخرى، أو أبناء المجتمع عامة ) فحرثت وزرعت وحصدت ما تريد في الشأن السياسي المتغير والقابل للاعتراض والرفض والنقد،ولكنها لم تقبل إلا القبول منهجا حيث الايمان العقدي والسياسي واحد، والرفض لطلبات التفكير ما يعني الخروج من التنظيم كما حصل مع د.اسماعيل الشطي مسؤول الإخوان المسلمين في الكويت (يراجع كتابه "الإسلاميون وحكم الدولة المعاصرة")
يقول د.اسماعيل الشطي في لقاء له مع الاتحاد الاماراتية في 27 يوليو 2013 (تركتهم –أي الإخوان المسلمين-كي أخرج من ضيق تعليمات التنظيم إلي رحابة الحرية الفكرية "الإخوان" قالوا لي: من يرد أن يعبر عن آرائه الخاصة بحرية تامة فليتفضل بالخروج. وأنا تفضلت بالخروج.. ! لقد عانيت كثيراً من طرح آرائي وأنا مع «الإخوان»، فكان أن توصلت إلى تركهم والتعبير عن آرائي بكامل الحرية بعيداً عنهم.)
وكما حصل مع ثروت الخرباوي ولقائه المرشد العام للإخوان المسلمين الذي قال له (أن دخول الحمام ليس مثل خروجه) عندما قابله رافضا أن يكون له رأي آخر، لكنه خرج، وكما حصل مع الوزير في السلطة الوطنية الفلسطينية محمود الهباش الذي خرج في الثمانينات من "الإخوان" الفلسطينيين، وقبلهم كما حصل مع خليل الوزير (أبو جهاد) في الخمسنيات من القرن العشرين، وأبو يوسف النجار و أبو الاديب من قيادات حركة فتح المؤسسين الذين كانوا في شبابهم من "الإخوان" قبل تأسيسهم لحركة فتح.
يقول الكاتب الفضل شلق في صحيفة الحياة اللبنانية (متى استدعيت السماء ولم تأتِ لنجدتهم على الأرض يشتد غضبهم على السماء وعلى من يؤمنون بها من أهل دينهم. يشتد غضبهم على كل من يشارك معهم في الهوية المفترضة. جميع التيارات التكفيرية انبثقت من الإسلام السياسي الذي شكّل الإخوان المسلمون بؤرة له. ليس المجتمع الإسلامي بيئة حاضنة للتكفيريين بل الإخوان المسلمون، بتفرعاتهم، هم هذه البيئة الحاضنة.)
ويقول الكاتب سعد بن طفلة العجمي (للعملية السياسية وفق الحرياتية "=الليبرالية" الديمقراطية قواعد أساسية، وأهمها تنزيه الدين عن السياسة، والسمو بالدين فوق السياسة المتقلبة التي لا تعرف حلالا ولا حراما ولكنها تعرف مصالح متغيرة، بينما بالدين تعاليم إيمانية ثابتة غير قابلة للتغيير والتبديل ولا تعترف بالمصالح الدنيوية العمليانية (=البراجماتية) على حساب تلك المبادئ العقائدية).
ويقول الكاتب الإسلامي اللبناني د.رضوان السيد أصبحت السلطة هي همّ الإخوان المسلمين والتيارات الإسلاموية الرئيس لا الدين، وأصبح الوصول لها يعني أن (دولة الدين هذه) لا تقوم إلا (بالنظام السياسي الذي يقوده الإسلاميون – حسب د. رضوان السيد) سواء باستغلال الديمقراطية أو عبر العنف. ويضيف في نقده لما أدخلوه على الفكر الإسلامي بالقول و(تطورت لديها عقائد صلبة أيضاً ما عرفها أهل السنة من قبل مثل القول بفقد الشرعية بسقوط الخلافة والقوانين المدنية)، والقول(بوجود نظام إسلامي كامل ينبغي تطبيقه تحت اسم تطبيق الشريعة وذلك بالوصول للسلطة بشتى الوسائل)
إن الخلط بين الأصول غير القابلة للنقض في الدين والفروع المباح النقاش فيها والمخالفة، والخلط بين أسس العقيدة ومقاصد الشريعة الثابتة وبين متغيرات السياسة وتقلبات الاحوال التي تستدعي مواقف قد تظهر متعارضة أو متغيرة استنادا لعوامل عدة تدخل في باب علم السياسة المتغير والعلوم الاجتماعية المتحركة، إن هذا الخلط مما سعت له التنظيمات الإسلاموية قصدا بادعاءات عامة وشعارات غير ذات مضمون مثل (الإسلام هو الحل) الذي يراه د.اسماعي الشطي الإخواني الكويتي السابق (شعار حق يراد به سلطة باطلة) وهو الشعار الذي تهاوى على أعتاب الحكم في مصر، ومثل (المشروع الإسلامي) الذي تبين كما يذكر نادر بكار من قيادات السلفيين في مصر (حزب النور) أن شعار (المشروع الإسلامي) عند الإخوان يعني الجماعة فالجماعة هي المشروع الإسلامي والمشروع هو الجماعة، ما لم يقره لهم ورفضه.
أن خطورة هذا الخلط تأتي في اسقاط (التنزيه) للآراء حيث أن مصدرها هو سبب صحتها، وليس عقلانيتها أو حجيتها أو تحقيقها للمصلحة العامة، فمتى جاء الرأي من هذا مهما كان فهو مقبول، ومتى ما جاء الرأي من ذاك مهما كان فهو غيرمقبول ومرفوض، ومن هنا اصبح (استغلال) الجماهير بهذا (الربط) يحقق مصلحة وفائدة عظيمة استغلتها كثير من التيارات الإسلاموية وطبّقتها وجعلتها في صلب تعبئتها.
سابعا : السمع والطاعة (كالميت بين يدي المغسل)
ان الانتماء والانضباط والالتزام قيم ضرورية في أي تنظيم سياسي أو ديني أو مجتمعي، إذ أن الاقتناع والإيمان بفكرة يرتب على المقتنع بها أن ينشرها وينظر لها ويدافع عنها ويلتزم بمجموعة من التعليمات والأوامر وبالسلسلة القيادية، ولكن في المقابل فإن أبواب التنظيمات مفتوحة بين الأعضاء والقيادة ضمن آليات التفاعل الديمقراطي والاجتماعات والمؤتمرات والاتصالات ما يتم النص عليه بالحقوق والواجبات في دساتيرها ولوائحها التي تعطي حق التساؤل والاستفسار والنقد والاقتراح والمراجعة والمشاركة بالقرار برحابة وسلاسة ما يختلف كليا عن الطاعة المطلقة والسمع الأعمى.
لقد تأثر حسن البنا بمعلمه أو شيخه في الطريقة الصوفية الحصافية فجعل من التصوف أساسا في الإخوان المسلمين حيث اعتبر (الصوفية) تمثل البند الثالث من 8 بنود جاءت ضمن ما أسماه (فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية) حيث في البند 3 ويمثل الإخوان "حقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير"
وجاء قَسَم الإخوان ليعبر عن فكر تسلطي عليائي، فيه من الترفع عن الآخرين ما يقرّبه من التيارات الباطنية في التاريخ الإسلامي أو التنظيمات السرية في العالم، وبرز الجهاز السري أو الجهاز الخاص في الإخوان المسلمين ليؤكد ذلك.
مصطلح الطاعة على شاكلة (الميت بين يدي المغسل) متداول في تنظيم "الإخوان" دلالة على الثقة المطلقة اتباعا (للبيعة) حيث أن (من مات وليس برقبته بيعة مات ميتة جاهلية) ومن هنا كانت بيعة مرشد الإخوان وبالتالي طاعته أخطأ أم أصاب واجبة فهي للعضو في (المنشط والمكره).
إن (الميت بين يدي المغسل) هو المريد حينما يلتزم بشيخ الطريقة الصوفية التي تسعى لتهذيب النفس بأسلوب محدد والتي أثرت في المدرس حسن البنا فنقلها لتصبح ممجدة حتى في الشأن العام والشأن السياسي، وفي هذا شطط عن مفهومها الصوفي المحدود.
السمع والطاعة بطريقة احتفالية، وكسيف بيد القائد على الأتباع أصبحت من سمات الالتزام في تنظيم الإخوان و"حماس" منذ دهر، لكنها اليوم في ظل متغيرات الاتصالات وتدفق المعلومات في عصر المعلوماتيه والتنور تأثرت وضعفت، وفي ظل انتشار الرائيات (التلفزات) والشابكة (الانترنت) التي تنقل وتضخ وتقدم من المعلومات ما لا يتفق بالضرورة مع ما يبتغيه الفكرانيون (المؤدلجون) من الناس قد تجعل من منطق الميت بين يدي المغسل وهماً.
يقول الإخواني السابق سامح عيد في لقاء له نشرته صحيفة آفاق في 1/8/2013 عن السمع والطاعة ورفض أي اعتراض بالمقابل أو النقد والمراجعة أنه (في أحد التحقيقات قال أحد المحققين معى-من الإخوان- إنه ليس من الأدب أن تقول إن الإمام البنا أخطأ، فحدثتهم عن المراجعة وكيف كان صحابة الرسول يراجعونه في أمور كثيرة واستعرضت بعض المواقف من السيرة النبوية، وعندما حاولت الرد بموقف سيدنا موسى من الخضر وعدم استسلامه وطاعته للأوامر، وكيف أنه كان متمردا على عالم مرسل إليه من رب العالمين، وأن الشيخ الشعراوى قال عنه التمرد الإيجابي، فرد المحقق بأن سيدنا موسى أخطأ يا أخي، ولم يحاول أن يراجعه أحد من الإخوة الموجودين، وإنه إذا كان سيدنا موسى أخطأ فليس من الأدب أن تقول حسن البنا أخطأ. فاليقين المطلق في الجماعة عنصر أساسى وقد حدث ذات مرة أن قال أخ لنا «نحن في طريق نظن أنه هو الحق»، وعندها انتفض أحد القيادات الوسطى قائلا له: «حتروح لربنا تقوله أظن، وأنك كنت بتجرب؟ نحن على يقين بأننا على حق»، وبسبب ذلك كان سيتم فصله.)
ان السمع والطاعة يبرز بوضوح في العمل السري سواء في التنظيمات الدينية أو الفكرانية او الثورية، ولدى "حماس" تنظيمها السري ممثلا ب(كتائب الشهيد عزالدين القسام) النظيرة لكتائب شهداء الأقصى في حركة فتح ومثيلاتها في الفصائل الفلسطينية الاخرى، ولكنها كفصيل مقاوم وإخواني فان كتائب القسام تأخذ بكل مسارات العمل السري لدى الإخوان، حيث تتجلى الطاعة والولاء كما هي في التنظيم الخاص-السري في الإخوان المسلمين الذي يذكر كثيرا في أدبيات الإخوان عامة، ولدى كل الخارجين من الجماعة بكثير من التوجس والاتهام.
ثامنا : الممانعة والمقاومة
لم تكتفي منظمة "حماس" (هي أقرب للحزب علميا بفكرها الفكراني من حركة أو جبهة أو حركة، وتلتحق بالفرقة الدينية ضمن الإخوان المسلمين) باستخدام الدعوي الديني ككراس يتم استخدام محتوياته في خطابات الجماهير على مظنة أنهم وحدهم الممثلون للدين، وأنهم وحدهم المحصّنون ما كشفته تناقضات ممارساتهم حينما تولوا أمر السلطة في غزة، وإنما لجأت لمسوغ آخر لحكمها وهو المقاومة والممانعة فأضحى خطابها أكثر قوة حتى من خطاب "إخوان" مصر، بل وإخوان العالم، فكيف بمن يوحدون الله حصريا ويحاربون أعداء الله يوميا أن يقف عامة المسلمين ضدهم !؟ وقفت حماس في خط تعبوي مناهض لمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ليس فقط لأنها (علمانية) كما يقولون، وانما لأنها ليست ضمن (سلطتهم) ولأنها لم تعد منظمة (مقاومة) واستطاعوا ان يحققوا نجاحات حقيقية في الربط بينهم وبين (المقاومة).
إن تصدي الشعب الفلسطيني في غزة وبما فيهم "حماس" لعدوانين اسرائيليين كبيرين كان الثاني عام (2008 – 2009) قد أعطى ثقة في التنظيم الفلسطيني للإخوان المسلمين يضاف للثقة التي أخذوها في انتخابات عام 2006 إلا ان القادم كان بعثرة لأوراق القوة هذه التي ارتدت عليهم.
كان لاستخدام حماس لورقة المقاومة والممانعة المضللة أن وقفت في محور تنظيمات اليسار الفلسطيني (التي تصفها حين الاختلاف بالعلمانية أي المرفوضة) وأن وقفت مع إيران (الشيعية حين الاختلاف معها) ومع حزب الله، ومع سوريا (التي قتل نظامها 30 إلفا من الإخوان المسلمين في حماة) وسعت بقوة لعدة أمور أولها محاولة السيطرة على (م.ت.ف) من القيادة الحالية بدعم سوري ولم تنجح المحاولة. وكان الدعم القطري عند محاولة جمعهم وتشكيل قيادة بديلة في الدوحة ولكن باءت بالفشل أيضا.
كما حصل ثالثا أن اتجهت لمحاولات هدم أركان السلطة بعديد الهجمات الاعلامية المركزة على رأس الشرعية محمود عباس وعلى السلطة الفلسطينية بادعاء فقدانها للشرعية مرارا وتكرارا بعد تقرير (غولدستون) وحين العودة لمفاوضات عام 2013 بشكل رئيس،ولم تنجح هنا أيضا فالمجلس التشريعي المنتهية مدته (تمت الانتخابات في 2006 ومدة المجلس 4 سنوات انقضت) والذي تحتفظ فيه حماس بالأغلبية فاقد للشرعية رغم الجدل القانوني وجدد المجلس المركزي ل(م.ت.ف) للطرفين معا أي الرئيس والتشريعي، كما سعت رابعا لإسقاط السلطة وطنيا عبر الدعوات المتكررة عام 2008 وعام 2012 خاصة "لانتفاضة" ضد السلطة وضد الاحتلال معا، ولم تنجح أيضا هذه السياسة، وخامسا لم تنجح في اختراق التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني كما حصل في مؤتمر القمة العربية في قطر، أما سادسا: فلقد كان فشلها مدويا في أن تحصد ثمار (المقاومة) و(الممانعة) لتضعها في حضن حماس التي وافقت عام 2012 على "وقف الأعمال العدائية" مع الإسرائيليين؟
إن القوة التي اكتسبتها حماس حين الربط بين الديني والسياسي قد تلاشت مع ممارسة الحكم، والقوة التي حققتها بربط نفسها بمحور المقاومة والممانعة (العلمانية والشيعي وقاتل الإخوان المسلمين) قد تبددت في أخطر قرار اتخذته استجابة لوصول الإخوان المسلمين في مصر لسدة الحكم وانطلاقاتهم حديثا لتحقيق خطه "التمكين" فكان خروج حماس من خلف (ايران، سوريا، وحزب الله ) وبالا عليها لا سيما وإسقاط المصريين عام 2013 لحكم الرئيس مرسي فأصبحوا عراة في فلاة.
يقول الكاتب ابراهيم عبد المجيد في مقال له في موقع محيط: (أن كل هجمات حماس علي "إسرائيل" ترفع شعارات استرجاع فلسطين والحقيقة هدفها إسكات (اسرائيل) عنها حتى تنشئ ولاية إسلامية في غزة. وجاءتها الفرصة مع نجاح الإخوان في مصر فدخلت حماس مع (اسرائيل) في تهدئة طويلة لتتفرغ لإقامة الولاية المنشودة).
واليكم مجموعة من التصريحات لقيادات حماس حول المقاومة و"التهدئة" نتركها تحت نظركم وفي عقولكم للتأمل حيث المقاومة تستغل في مناكفة الآخر وكما هي التهدئة أيضا لما فيه مصلحة القادة:
خالد مشعل لجريدة الاخبار اللبنانية في 6/2006 يقول: (إن الصواريخ العبثية هي التي تحقق توازن الردع بيننا وبين العدو الصهيوني وهي التي أرعبت العدو وقضت مضاجعه).
وفي المؤتمر الرابع لدعم المقاومة في بيروت يقول (إن المقاومة الفلسطينية وبجهودها الذاتية استطاعت تطوير صواريخ وعبوات وهذه الصواريخ هي التي حررت غزة وأجبرت العدو الصهيوني على الخروج منها هارباً).
أما محمود الزهار لقناة الجزيرة عام 2005 فيقول: (إن الدعوة إلي وقف إطلاق الصواريخ في مقابل هدنة مع الاحتلال هي دعوة مشبوهة ويُنظر لها بعين الريبة والحذر)
ويؤيده إسماعيل هنية في مهرجان اليرموك عام 2006 صائحا بالقول (لن تسقط القلاع ولن تخترق الحصون ولن ينزعوا منا المواقف سنعيش على الزيت والزيتون والزعتر وستستمر المقاومة لأنها خيارنا الوحيد ) مضيفا ( لن نلقي سلاحنا ولن نهادن العدو الصهيوني ولن نعترف به.)
أما الناطق باسم حماس سامي أبو زهري على قناة الجزيرة 2006 فيقول: (إن وصف الصواريخ بالعبثية هو استهتار بنضالات الشعب الفلسطيني واهانة لشهدائه وجرحاه.)
واليكم إسماعيل رضوان من قيادات حماس أيضا حيث يقول لفضائية العالم في عام 2006 (إن الشعب الفلسطيني اختار حماس لأنها حركة مقاومة وتطلق النار والصواريخ على "إسرائيل"، فإذا أوقفنا إطلاق الصواريخ نكون قد أخلينا بالأمانة التي حَملنا إياها شعبنا.)
ويلحقه المفتي يونس الأسطل لجريدة الرسالة عام 2007 بالقول (المقاومة الفلسطينية في تصاعد مستمر وستطال الاحتلال في كل مكان والأحاديث المطالبة بالتهدئة إنما تهدف لتقديم خدمة مجانية للعدو الصهيوني)
ثم يؤكد فوزي برهوم على قناة المنار في عام 2007 (إن صواريخ المقاومة هي التي قلبت موازين القوى في المنطقة وجعلت المقاومة لها اليد الطولي، وبدلاً من أن تتلقى الضربات أصبحنا نكيل لهم الصاع صاعين.)
وينقلب هذا الخطاب العرمرمي القاطع إلى النقيض بعد "الحسم العسكري " لصالح حماس في غزة عام 2007 و"التهدئة" مع الاسرائيليين ليقول إسماعيل هنية في خطبة يوم الجمعة بتاريخ 27/6/2008 (أطالب جميع الفصائل بالعمل على تثبيت التهدئة والالتزام بما تم الاتفاق عليه لأن ذلك مصلحة وطنية.) ويلحقه طاهر النونو بتاريخ 21/6/2008 قائلا ( نرفض العبث بالمصلحة الوطنية وكل من يخالف الإجماع سيواجه بالقانون وسنتخذ اجراءتنا بحق كل من يعبث أو من يطلق الصواريخ لكسر التهدئة).
أما محمود الزهار على قناة الجزيرة في 20/6/2008 فيقول بوضوح: (التهدئة التي توصلنا لها في القاهرة هي مصلحة وطنية ويجب تثبيتها والالتزام بها لرفع المعاناة والحصار عن شعبنا.) ويؤكد كلامه سامي أبو زهري 23/6/2008 بالتصريح أن (التهدئة هي انتصار عظيم حققه الشعب الفلسطيني ويجب المحافظة عليه والالتزام بها.) ويقول إيهاب الغصين متهددا متوعدا (نحذر كتائب الأقصى من أن إطلاق الصواريخ سيواجه بالحزم والقوة إن لزم الأمر ونحمل قيادات فتح مسئولية إفشال التهدئة.)
أما سعيد صيام من قيادات حماس في25/6/2008 فيشتد في الوصف أكثر من أن الصواريخ "عبثية" إلى حد "خيانية" ليقول (إن هذه الصواريخ التي تطلق الآن هي صورايخ مشبوهة ومن يطلقونها عملاء للاحتلال.) ولا يدع المفتي يونس الأسطل الفرصة تمر ليفتي بالصواريخ وبمصطلحات إسلامية حيث يقول مناقضا ما صرح به وغيره سابقا وعلى شبكة المركز الفلسطيني للإعلام 25/6/2008 التابعة لحماس : (إن هذه التهدئة هي أول القطر في كسر الحصار وسيتبعها الغيث المنهمر، والصواريخ التي تطلق هي صورايخ ضرار ومسومة بالنفاق.) ويعود الزهار للتأكيد في 28/6/2008 قائلا: (سنعتقل وننزع سلاح كل من يخرق التهدئة واعتقلنا عديدين فعلا...) مشيرا إلى أن (بندقية الجهاد الإسلامي ' لا فائدة منها ' )
وهنية في خطابه يوم 19/10/2013 يدين المفاوضات عامة ومؤكدا على رفض مفاوضات السلطة مع الاسرائيليين، وينزه المفاوضات التي قامت بها حماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل الجندي الصهيوني شاليط، وفي ذات الخطاب يدعو لانتفاضة عارمة في الضفة دون أن يذكر أن تكون مثيلا لها في غزة أبدا، رغم أن رجال المقاومة (ينتظرون لحظة اللقاء مع العدو) الذي يصفه (بالهش)، ويقبل العمل السياسي ليقرنه بالعمل العسكري (ان العمل السياسي لم يكن أقل أهمية من العمل العسكري المقاوم فأحدهما يكمل الآخر) ولكنه يشترط تواجد حماس في القرار لاعطاء الشرعية لكل ذلك. (لمراجعة خطاب هنية يوم 19/10/2013 في موقع حماس، وعلى اليوتيوب)
تاسعا : حاضنة للفكر المتطرف والتكفير
أفاض المنشقون عن الإخوان المسلمين بتوضيح الدور الذي لعبته قيادات الإخوان، ومثلهم في قطاع غزة، في آلية التعامل مع التيارات المتطرفة وتراوحت ما بين ثلاثة أحدها أوكلها فهي تتناقل في التعاطي مع التيارات الإرهابية التي تطلق على نفسها صفة " الجهادية" -والجهاد الإسلامي منها براء- بين التسامح والتساهل معها أولا، أو التغاضي عن نشاطاتها ثانيا، أو دعمها واستخدامها ثالثا.
وقد تأتي سلاسة أو تساهل التعامل مع المتطرفين الدينيين أن بذور مثل هذا التطرف كامنة في أدبيات الحركات الإسلاموية عامة ومنها لدى الإخوان المسلمين كحاضنة أو دفيئة، وحماس تحديدا التي أفاضت باتهامات التكفير والتخوين للمخالفين وقتالهم.
وفي حالة تعارضها مع السلطة أو الحكم تقوم بتصفيتها والقضاء عليها تماما كما حصل في الحالة الأخيرة في غزة من تأميم حمساوي لكافة لمؤسسات والوزارات وحتى المساجد في مواجهة نفوذ تيارات غير حمساوية، وكما حصل كحالة فاقعة لها من القضاء الدموي على الجماعة السلفية التي قادها الشيخ عبد اللطيف موسى في مسجد ابن تيمية برفح عام 2009 عندما طالب باعلان "إمارة إسلامية" اعتبرها أبوزهري حينها انزلاقات فكرية، وراح ضحية المجزرة 20 قتيلا و120 جريحا بيد حماس.
إن الأصل عندهم في التعامل مع هذه التيارات هو التسامح معها إلى حد اعتبارها جزء من الإخوان، وكما هو الحال مع (شكري مصطفى) زعيم التكفير والهجرة عندما تطرّف في سجنه، وتم اقراره على نهجه المنحرف فيما يذكر ثروت الخرباوي مضيفا في ندوة (التكفير وموقف الإسلام منه) عام 2012 ومؤكدا أن الشيخ محمد الغزالي حذر منهم ومن كفرهم واسماهم (تنظيم العشرات) مشيرا إلى ان القطبين التكفيريين بدأوا في الظهور وقيادة الجماعة بعد وفاة المرشد عمر التلمساني.
أما استخدامها ودعمها فلقد تجلى ذلك في تجربة حماس في حكم غزة (منذ عام 2007 حيث استولت حماس بالقوة العسكرية وفتاوى التكفير من مروان أبوراس وياسين الأسطل على القطاع)، وتجربة حكم الإخوان في مصر، حيث رقدت التيارات المتطرفة في غزة وسيناء دون أي ايذاء أو معالجة من قبل الإخوان في الطرفين، بل كان يتم غض الطرف عن تمددها والسماح لها بحرية الحركة عبر الحدود وكما اشارت المصادر المصرية جميعا الممكن الرجوع لها بسهولة لمن يشاء على الشابكة.
إن غض الطرف والاستخدام للمتطرفين يأتي من خلال التسامح معهم أولا دون الحوار أو تبيان مجال الخلط لديها كتنظيمات لأهمية ابقائها ضمن "السلطة" التي تستخدمها في حالات التضييق او الحصار أو في المواجهة مع المخالفين، تماما كما كان النظام المصري يستخدم "الإخوان المسلمين" في مساوماته وتبريد جبهته الداخلية انتقل هذا التكتيك السياسي ليصبح لدى الإخوان المسلمين سراطية (استراتيجية) في تعاملها مع تيارات التطرف الإسلاموية سواء وهم خارج السلطة في السجون أو عندما تسلموا السلطة على فرضية ان (الإسلاميين) كل واحد، ومهما اختلفوا فإنهم سند لبعضهم ما لم تصدقه الأيام.
إن الدعم الذي تلقاه المتطرفون من حكومة الرئيس مرسي وهو في الحقيقة من مكتب الارشاد الذي كان يحكم البلاد أصبح ظاهرا للجميع وسطر فيه الكثيرون الأحبار، أما الاستيعاب الحمساوي لهذه التيارات في غزة فلقد أدى لتغوّلها من جهة ولنشرها أفكاراَ أكثر تطرفا في القطاع.
عاشرا: التميّز وعقلية العُصبة
كل متتبع لفكر الإخوان من خلال رسائل حسن البنا،ومن تلاه يرى بوضوح محاولات التميز للفكر الإخواني وتحصينه بالدعوة والغرض النبيل ما جعل من إمكانية الاستقطاب واسعة تأخذ بالاعتبار تنوع الشخصيات والفئات المستهدفة بالدعوة. وان دل ذلك على شيء فإنما يدل بلا شك على قدرة تنظيمية استقطابية قيادية تحلى بها حسن البنا، لربما كانت في حينها تتداخل مع آليات عمل ومفهوم الأفكار الشمولية التي كانت سائدة في المنطقة آنذاك، فتقوقعت كل منها في إطار صلاحيتها الكاملة واكتفائها بذاتها وانعزالها عن محيطها الفكري. أي أن كل فكرة أو فكرانية (أيديولوجية) ظهر لها أن مضامينها وتحليلاتها ومرجعياتها وسندها الفكري والتاريخي مكتفي بذاته لا يحتاج أن ينفتح ولو من باب التواصل مع الآخرين فحصل التناحر بين الفكر القومي والفكر الإسلامي والفكر الاشتراكي في بداية القرن العشرين.
تتميز الفكرانية بوجود قوالب فكرية وأنماط تفكير وثوابت غير قابلة للنقض عند أصحابها، وتصل بقوتها وصلاحيتها بل وبقداستها إلى حد قداسة النصوص، سواء الدينية أو للمؤسسين والمفكرين الكبار، ويصبح التخلي عنها إما رجعية أوانحراف أو انشقاق أو تخلف أو ارتداد أو كفر كل حسب المصطلح المستمد من ذات فكرانيته (أيديولوجيته) وعليه فلقد تم تحصين كل فكرة بذاتها وظهر لكل فصيل أنه هو الأقوى والمنتصر بالحتمية التاريخية أو بوعد الله فتميز أعضاؤه وانعزلوا حكما عن الآخرين.
وبعد أن دالت دول الاشتراكيين والقوميين مع انهيار جدار برلين عام 1989 تبعهم الإسلامويين في التفكك الفكراني (الأيديولوجي) لأن ذات الوباء قد وقع للجميع من مظنّة الكمال، ومظنة الاكتفاء بالذات والتمحور أو الدوران نحو الفكرة القديمة دون تطوير أو انفتاح أو دون نظر حقيقي في البدايات والمآلات، وأضف إلى ذلك أن تنظيمات الإخوان و"حماس" منها قد ميزت نفسها ليس بافتراض أنهم وحدهم المسلمين نفسيا فقط، بل وفي الدعم المالي والمعنوي للناس إذ أن عائلاتهم ومناصريهم في فلسطين كمثال كانوا يتلقون مساعداتهم بلا أي اعتبار لجيرانهم الفقراء على عكس ما كانت تفعل حركة فتح تماما التي استمرت تعطي الجميع، ومن هنا ظهر أن المسلمين الحق أي الإخوان المسلمين هم فقط ومناصروهم أو من يحتمل أن يناصروهم المعنيين بالجوائز والهبات ودعم السماء.
لم يكن ذلك فقط من آليات التعبئة وإنما ما مورس فعلا إلى الدرجة التي ظهرت فيها "حماس" كما الإخوان ليس كحركة أو جماعة، وإنما كمنظمة سرية خاصة، أو فرقة أو طائفة من فرق التاريخ الإسلامي التي تكتفي بذاتها فكريا وسياسيا وفي الاجتهادات وفي العلاقات الاجتماعية، وبافتراض أنهم دونا عن "الفرق" الأخرى أصحاب الحق في مقابل الباطل وأنهم في الجنة والآخرين في النار.
إن عقلية العصبة أو الانغلاق أو الجماعة المكتفية بذاتها هي عقلية انعزال ليس بالضرورة مادي وانما عزلة شعورية عن الآخرين المتهمين دوما، يمارس في خضمه عمليات حقن نفسي وروحي وتفريغ نفسي وعاطفي وبناء فكراني خاص وفي داخل البوتقة الخاصة هذه لا بد من إعلاء شأن الفكرة حتى تصبح مقدسة (أنظر ما يقوله الإخواني المصري السابق سامح عيد في كتابه تجربتي في سراديب الإخوان) ولا بد من إعلاء شأن أصحاب الفكرة حتى يصبح الدفاع عنهم إلى حد التنزيه، فتختلط الفكرة المطلقة بالتنظيم بالمشروع بالأشخاص فتلغى الحدود بينا، ويلغى النقد حكما، وفي إطار العصابة أو العصبة المنغلقة يتميز[26] أفراد الجماعة عن غيرهم من الناس، فهم على الحق دون سائر البشر وهكذا تسقط القداسة والنزاهة والتميز والاستعلاء في متوالية مع خط السلطة من أعلى إلى أسفل، وفي مواجهة من هم خارج العصبة،وبذا تصنع عقول محدودة التفكير بحيث أن أكثر من 80 عاما من تاريخ الإخوان لم تنتج عالما أو مفكرا أو مثقفا أو أديبا أو فنانا أو رجل دولة يعتد بكتبه أو مأثوراته أو أفعاله.
يقول عماد الفالوجي القائد السابق في حماس في كتابه (مع الرئيس، منهج حياة عن الإخوان المسلمين الفلسطينيين قبل ظهور"حماس" منهم (كان التركيز على فكر الجماعة فقط، وعدم السماح للعضو بتداول أي كتاب فكري من شأنه التأثير على أفكاره من منطق أن كافة الأحزاب الأخرى الموجودة هي أحزاب وحركات غير إسلامية... لأنهم جميعا إما علمانيون ضد حكم الدين مثل حركة فتح وحكمهم أنهم ضالون يجب العمل على هدايتهم، أو شيوعيون ويساريون صنيعة الاتحاد السوفيتي العدو الاكبر للإسلام والمسلمين وهؤلاء كفرة لا يجوز الاقتراب منهم بل لا بد من محاربتهم وفضح أفكارهم وإنقاذ الشباب منهم ) مستطردا بالقول أن (هذه هي القناعة والثقافة الراسخة في ذهن الجيل الذي انتمى اليه... ويقول باعتباره كادراإخوانيا كنا ننظر إلى الشخصيات القيادية للفصائل الفلسطينية الأخرى أنهم (إما علمانيون ضالون أو شيوعيون كافرون) وأن (الأساس هو الكُره والمقاطعة تحت شعار الحب في الله والبغض في الله وسياسة الولاء والبراء)
إن هناك كثير من المحاججات في تشبيه الإخوان وفروعها و"حماس" بالخوارج أو الحشاشين أو الماسونية أوالحركات الباطنية من الحركات التاريخية، وان كان ذلك يحتاج لجدل طويل، فإن التأثر بمثل هذه التنظيمات أوالحركات وغيرها قائم من الناحية الحركية على الأقل ومن حيث الطقوس والأساليب والآليات وقيم التنظيم الداخلية، ما لا يعني بالضرورة انتهاج نفس الفكر أو الفكرانية (الأيديولوجية) لأي منها.
ماذا خسرت "حماس" و"الإخوان" ؟
إن التجربة الإخوانية التي تداعت في مصر[29] وقبلها في غزة والجزائر كما في أفغانستان قد أحدثت الإرباك الشديد لفكر الجماعة وأساليب تعبئتها فعقدت الاجتماعات والمؤامرات خاصة بعد السقوط في حكم مصر عام 2013، (79) وجعل ذلك من التنظيم العالمي للإخوان في حقيقة الأمر أمام عدة نماذج منها النموذج الجزائري أو نموذج عبد القادر عودة عام 1954 كما يقول الشيخ ناجح إبراهيم من المراجعين في الجماعة الإسلامية (المتطرفة) (تم إعدام عبد القادر عودة بعد اتهام جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في حادثة المنشية عام 1954م ( إلا أنهم اختاروا النموذج الدموي الجزائري.
لقد كان وقع الفشل - ما لم يعترفوا به مطلقا – كبيرا خاصة وان مصر هي مهد "دعوة الإخوان، وهي مقر قيادة أو بالأحرى مقر "الخلافة" التي يدعون لها، فسقوط القاهرة كما هو سقوط بغداد بيد المغول في عقلية الإخوان المسلمين
إن الهزّة النفسية الشعورية كانت كبيرة فضربت ارتداداتها المحيط، خاصة في غزة حيث حكم "حماس" التي اتخذت فيها قرارا شديد الوطأة على الناس بدعم النظام المصري الإخواني والإخوان على سدّة الحكم وعندما خرجوا من الحكم، فاستخدمت فضائياتها وخاصة (الأقصى) و (القدس) بشكل فاقع في دعم "الإخوان المسلمين"، بل واتخذت من الفضائيات منصة شتم واتهام وتعريض بالجيش المصري والقيادة الجديدة التي أسقطت الإخوان وحكمهم اثر ثورة المصريين في 30 يونيو 2013.
لقد كان للهزة النفسية هذه وقعا هائلا، فبعد أن تم التحصين في (شِعب ابو طالب) أي ميدان رابعة العدوية وسقوط محاولة الربط التاريخية هذه، اتخذت قيادات الإخوان (وحماس) قرارا بالانقضاض على الدولة المصرية، وإن كان من المهم الإشارة بدقة إلى أن قيادات حماس بغالبها خاصة في خارج غزة لم تتعرض للشؤون المصرية بسوء على عكس عدد من قيادات غزة وعلى عكس حالة التحريض المعلنة التي تقوم بها فضائية غزة وفضائية الخارج في تناقض فاضح بين لسان القيادة ودعايتهم الاعلامية.
كانت الصدمة كبيرة في تركيا التي شكلت نموذجا إسلاميا مشرقا إلا أن انتماء رئيس الوزراء والحزب الحاكم طغى على مصالحهم فتشددوا في التعامل مع المتغير المصري المناهض للإخوان.
أولا: لقد سقطت "بغداد" الإخوان المسلمين وربما لا يستعيدون "الخلافة" أبدا، إذ أن طبيعة فكرانيتهم وأساليب تعبئتهم، ونماذج حكمهم الاستبدادية والاستئصالية والاقصائية تقف حائلا بينهم وبين الناس، وفي هذا من الممكن أن نبين أنه بسقوط "الإخوان" في مصر يضعف الجسد كله في كل مكان، وإن تميزت "حماس" في غزة بالحكم العسكري القاسي من جهة ورفعها شعارا ما زال جذابا وآسرا وهو "المقاومة"، فان سقط فكرها "الإخواني" وهو لم يسقط بعد عند الشعب فإنها ما زالت تحمل البندقية في مواجهة العدو ما يجعل من التعاطف معها مستمرا وبالتالي مختلفا من هذه الزاوية مع النموذج المصري وغيره.
لقد خسر الإخوان -ما انعكس على "حماس"- أمام الشعب مجموعة من المفاهيم أو المعتقدات التي حاولوا ترسيخها لأكثر من 80 عاما أولها سقوط الفكرة المتماسكة المتمثلة "بالخلافة" الإسلامية، إذ أنها ظهرت عبر تجربتهم أن الهدف من شعارها هذا هو الاستيلاء على الكرسي والتسلط والتسيد والاستئثار بالغنائم ليس إلا، حتى لو حكموا مساحة 360 كم مربع فقط.
ثانيا : أضاعت "حماس" و"الإخوان" تحالفاتهم العربيةفتاهوا بين المحاور، وظنوا لوهلة بأنفسهم القدرة الخالصة أو القوة المكتفية بذاتها، فتراجعوا عن محور المقاومة والممانعة (إيران وسوريا وحزب الله) وارتبطوا بالمحور التركي-الإخواني الذي أوقع ضربة قاصمة في "حماس" التي أصبحت معاناتهم المالية مدعاة للصراخ.
إن افتقادهم للرؤية الشاملة، وتسرعهم في قطف الثمار، وتقلبهم بين المحاور قد أثر في الناس كثيرا – ما نعتقد ان اثاره ستظهر حتى في غزة – وفي قيادة "حماس" نفسها كمثال، إذ أن هذا التأثر جعل من المحاورعلنية وبشكل كبير ربما لأول مرة في تاريخ "الإخوان" عامة، حتى مع إنكار البعض منهم لذلك أو تهوينهم من الخلافات بالقول أن هذه الخلافات هي مجرد اجتهادات داخل البيت.
ثالثا : بدا التنظيم الإخواني (الحديدي) عبارة عن ركام تنظيمغير قوي، أذ سقطت خدعة أن التنظيم الإخواني تنظيم متماسك فكريا وسياسيا، وبما يطرحه من مشاريع قابلة للتحقيق، وبضبطه لأعضائه الكُثر، وبالتالي أنه التنظيم المرشح لقيادة المنطقة.
سقطت قوة الإخوان من خلال 3 مناهج الأول: بالاستيلاء بالقوة على السلطة التي سبقتها فلحقت بهذه السلطة مسرعة، كما حصل من "حماس" التي رحمها في عيون الجماهير حينها دعوتها للمقاومة ما تبخرت لاحقا بالدعوات للتهدئة والعقاب لمطلقي الصواريخ ثم بتفريطها بالحلفاء.
سقط وهم قوة الإخوان بلجوئهم للقوة في افتكاك السلطة في غزة وفي السودان قبلها، ثم في ردة الفعل في مصر على سقوط الرئيس مرسي، كما سقط وهم القوة من خلال التظاهرات العديدة التي أسقطت موقف (السلمية) وغاب عنها الرشد والعقل لتبتلع عقول الناس بالأوهام بنزول الرسول وجبريل والأمريكان لدعمهم في ميدان رابعة العدوية.
إن التخبط الحاصل قد أثبت افتقاد الرؤية المتزنة من جهة، وانعدام الخطة أو المشاريع من جهة أخرى إضافة لافتقاد تنظيم الإخوان و"حماس" للكادر المفكر أو الجاذب أو المتفقه مقارنة مع كوادر التيارات الإسلاموية الأخرى أو من خرجوا من الإخوان أنفسهم.
ورابعا: لم يظهر لدى "الإخوان" في مصر أو لدى حماس قيادات دولة جاهزةلانتشال البلاد من ازمتها، ففي حماس تغطت حكومتها في غزة بعباءة الدين فهم الربانيون، وهم على المحجّة البيضاء ضد الآخرين الكفار أو العلمانيين (كفّر كل من يونس الأسطل ومروان ابو راس ونزار ريان من قيادات حماس في غزة مخالفيهم علنا أثناء الانقلاب عام 2007، أو ما تسميه حماس "الحسم العسكري"). وكانت العباءة الثانية عباءة المقاومة التي دخلت دهاليز السياسة، ففي يوم يتم الحض عليها وفي آخر يعاقب من يمارسها باطلاق النار عليه أو السجن.
عموما لم تستطع هاتان العباءتان أن تغطيان على فشل إدارة الدولة (الإمارة) سياسيا واقتصاديا وتنمويا ما أظهر ضعفا وعجزا في الإدارة وأبرز افتقادا لرجالات الدولة.
أما خامسا: فان العباءتين أي عباءة المقاومة وعباءة الدين انكشفتا من على أكتاف "الإخوان" و"حماس" في الممارسات اليومية في غزة ومصر، التي طغت عليها عوامل الهيمنة والسيطرة والتفرد وتوطين الأنصار في الوزارات والمؤسسات والتفرقة بين أعضاء الجماعة والناس واستغلال المتاح، فعلى سبيل المثال لعبت السياسة والمصلحة الحزبية بمنطق السيطرة والاستئثار ومناكفة الخصم السياسي في السلطة الفلسطينية ومقرها رام الله دوار بارزا إذ كلما تقدم السياسيون في السلطة لوّحت "حماس" بالمقاومة في الضفة، وكلما شعرت بالضغط في غزة مارست الاعتقال وإطلاق النار على خارقي التهدئة مع الاسرائيليين، وتوزعت التصريحات الحمساوية لتثبت هذا التكتيك (أوالتناقض) السياسي فيما يتعلق بالمقاومة بحيث ظهر جليا أن العنوان أي (المقاومة) ما هو إلا ستار للحزب للتمكن والاستئثار، ولم يكن سراطية (=استراتيجية) تحررية طويلة النفس.
أما القول بالتستر بعباءة الدين فلقد سقطت من على كتف الإخوان وحماس بما يحدثك به الغزيون من ممارسات يومية تخالف القيم الدينية من بعض قيادات حماس الفاسدة (كسابقيهم في السلطة والأجهزة الأمنية كما يشيرون) ما يعني أن التغني بالإسلام ما كان إلا تغطية على أهداف سياسية سلطوية صرفة.
ونستطيع القول أيضا أن منظمة "حماس" وإخوان مصر لم يستطيعوا أن ينجحوا في التعامل مع الاعلاميين المخالفين ولا مع القضاء إلا بالانقلاب عليهم كما وقفوا ضد الفنانين، وفشلوا في ادارة مصالح الناس والتعامل مع الدستور وفي الاقتصاد ليثبت القول انهم طلاب شريعة الكرسي لا شريعة الله.
سادسا: كان اللجوء للقوةسواء في افتكاك الحكم ما أسمته حماس الحسم العسكري المؤيد بفتاوى القتل عام 2007، او ما قام به تنظيم الإخوان بعد انهيار اعتصام رابعة العدوية وسقوط حكمهم لمصر من عمليات عنف في القاهرة أو ما جاورها أو في سيناء منهم بشكل مباشر أو عبر الجماعات "الجهادية" والقاعدة كان طامة عليهم كشفت ما يمكن تسميته من تبادل أدوار أو استغلال متبادل لكلا الطرفين ما أسقط كليا سماحة الدعوة والداعية لتبرز أنياب الليث فقط.
سابعا: أضاعت " حماس" كما الإخوان المسلمين الهالة التي أحيطت بهم سابقا، وفقدوا السمعة الطيبة التي كانت تربط بين "الإسلامي" الذي حاولوا احتكاره عليهم، من حيث هو دعوي ومؤمن عقديا وبالتالي هو الخالي من الشوائب خلقيا دون غيره، وعليه تصبح آراؤه لدى العامة مصدقة أكثر من غيره، بل قد تكاد تكون هي الآراء الوحيدة الصحيحة دون غيرها، وفق المتتالية التي ذكرناها التي تقرن بين الإسلام والتنظيم والأعضاء في رباط محكم.
لقد تلوثت السمعة وسقطت الافتراضات أو الايهامات والايحاءات، كما سقطت الآراء التي اكتسبت لديهم قداسة فداستها الجماهير بالأقدام، إذ تبين لها أن الكل مسلم ولا يختلف عن غيره الا بمقدار اقترابه من ربه ما هو شأنه، وتبين له أن السلطة مفسدة وأن الكل على الكرسي سواء، وأن كل من عليها فان،فلا يبقى الا وجه ربك ذو الجلال والاكرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.