«الإسلاموية»: هى أيديولوجيا تدعو إلى تطبيق فهم الجماعات الدينية لمنهج الإسلام ليس على الجانبين الدينى والسياسى فقط، بل تتعدى لتشمل كافة مناحى الحياة، وذلك من خلال إقامة دولة دينية، واكتسب مصطلح الإسلاموية دلالته فى الأكاديمية الفرنسية ما بين أواخر السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، ومن فرنسا انتقل إلى اللغة الإنجليزية فى منتصف الثمانينات، وفى السنوات الأخيرة استُبدل بالأصولية الإسلامية فى الأوساط الأكاديمية. وبصورة عامة بدأ العديد من المفاهيم التى تظهر على أوزان: فعلوى وفعلوية، فتردد -على سبيل المثال- مفهوم علمانوية، وفى اللغة العربية لا دلالة على لفظ إسلاموى، ولكنه محاولة للتفرقة المعرفية المهمة بين ما هو: Islamist، وما هو Islamic، فالإسلامى: نسبة إلى ما هو عقائدى وتعبُّدى (إيمان وشعائر)، أما الإسلاموى: فهو تعبير عما هو فكرى وأيديولوجى، أى إنه: فهم الأشخاص والجماعات لمنهج الإسلام فى الحياة. - أما «ما بعد الإسلاموية Post-islamism» فقد استخدمه بعض الباحثين مثل الباحث الإيرانى الأصل «آصف بيات» والباحث الفرنسى «أوليفييه لوروا» فى وصف تحولات الحركات والتنظيمات الإسلامية على النحو التالى: - ركز «آصف» على البعد السوسيولوجى، أى الاجتماعى، أى التحول من الحركات الجماهيرية ذات الإطار البنيوى والأيديولوجى الثابت والقادرة على التعبئة وذات الأهداف طويلة الأجل إلى مرحلة يبرز فيها حركات يقودها الشباب بالأساس ذات بنية رخوة ترفع مطالب تتعلق بالذات وبالكرامة والحقوق والمطلب الديمقراطى بالأساس، وهى ليست ضد الإسلام، فهى كما قال «ظهرت عبر التناقضات والعثرات التى تعرضت لها السياسة الإسلاموية منذ بداية التسعينات، ومن ثم فقد مثلت محاولة لخلط التدين بالحقوق، والعقيدة بالحرية، والإسلام بالتحرر، والتأكيد على الحقوق بدلاً من الواجبات، والتعددية بدلاً من الصوت السلطوى الواحد، والمستقبل بدلاً من الماضى، ولقد حاولت أن تدمج الإسلام فى الديمقراطية والحداثة، وذلك لتحقيق ما سماه البعض الحداثة البديلة»، فهى عنده تعيد تعريف ما يسمى المشروع الإسلامى وتنقده وتطور أجنداته ودينامياته، ورأى «آصف» أن ثورات ما يسمى الربيع العربى هى تعبير عن «ما بعد الإسلاموية»، إذ لم يحركها التيارات الإسلامية، لا تلك التى رفعت شعارات الإصلاح، ولا تلك التى رفعت السلاح، وعلى ذلك يكون التغير الأكبر قد تم بدفع من الحركات الجديدة والجماهير غير المنظمة وليس الحركات والتنظيمات القديمة. - أما «أوليفييه روا» فى كتابه الشهير «فشل الإسلام السياسى» الصادر فى عام 1992 فركز على الانتشار الأفقى المجتمعى للحركات القديمة وتغييرها نمط السلوك اليومى فى بعض جوانبه فى المجال العام ليكون أقرب للتعبير الدينى، والاتجاه نحو ما يطلق عليه الأسلمة الاستهلاكية مع فشلها فى خلق نموذج سياسى واقتصادى بديل ومتمايز، وبالتالى يكون مصيرها الذوبان فى النموذج الحداثى للدولة القطرية بالمشاركة والاندماج فى السياق الديمقراطى والنمط الاقتصادى الرأسمالى بالنهاية، الأمر الذى أدى من وجهة نظره إلى «نزع التسيس» عن الإسلام. - وتكمن إشكالية ما بعد الإسلاموية فى مصر فى أن «ما بعد» تفيد أن يكون السابق تم تجازوه أو أنه انتهى، وفى الحقيقة أن هذا لم يحدث بعد، فما زال ما يسمى الإسلاموية أو الإسلام السياسى موجوداً، وما زال حلم الدولة الدينية قائماً فى عقول وقلوب الجماعات الدينية، وقد حاولت جماعة الإخوان الإرهابية أن توهم الشعب المصرى والعالم بأنها تعبر عن «ما بعد الإسلاموية» وأنها لا تسعى إلى إقامة دولة دينية وأنها تقبل الانتخابات وتؤمن بالديمقراطية، إلا أن التجربة العملية خلال السنوات السابقة أكدت أن هذا ادّعاء كاذب وباطل، فالجماعة تقبل الانتخابات فقط للوصول إلى السلطة وبعدها تغلق باب الانتخابات، كما أن ما ترفعه من شعارات الديمقراطية ما هو إلا متاجرة وخداع للشعب لا يتفق مع حقيقة ما تعتقده الجماعة وعناصرها، فهى تجسيد لما يسمى «الإسلاموية الكلاسيكية العنيفة، Classic Islamism». - ومن وجهة نظرى فإن مصر لكى تدخل فى مرحلة ما بعد الإسلاموية لا بد لها من ثورة دينية تعمل على مكافحة مفاهيم وأفكار الإسلاموية سواء العنيفة أو غير العنيفة، وتتبنى منهجاً نقدياً فى التعامل مع كتب التراث، وتنشر التأويل الصحيح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى يتكئ عليها الفكر المتطرف، كما أنه لا بد من تفكيك كافة التنظيمات والجماعات الدينية، وإعادة تأصيل فكرة الدولة والوطن فى وجدان عناصر هذه الجماعات.