أراد النظام السورى الدموى أن يطفئ نار الثورة السلمية، وأن يحولها إلى حرب أهلية، وأن يحرق الأخضر واليابس، وأن يهلك الحرث والنسل، وأن يحول البلد الجميل إلى أطلال، وقد فعلها، وصبغ وجه سوريا الحبيبة بلون الدم، وساعدته فى ذلك جماعات انتحلت صفة الانتساب إلى الثورة، وأهدرت الطابع الأخلاقى المتفوق للثورة السلمية، وبادلت عصابة الأسد تدميرا بتدمير، وعلى طريقة شعار الشبيحة «بشار الأسد أو ندمر البلد». فى بداية الثورة السلمية لم تكن قطر ولا السعودية ولا تركيا حاضرة فى الموضوع، ولا المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وعندما حضر الشياطين ذهبت الملائكة، وبدا أن تدويل الصراع يهدم قضية الثورة، ويحولها من ثورة فى سوريا إلى ثورة على سوريا، خاصة أن العصابة الحاكمة فى دمشق تستند أيضا إلى دعم دولى سياسى وعسكرى، وتبدو إيران وروسيا بالذات كأنها تحارب الآخرين على جبهة سوريا، وتدير معهم حروبا بالوكالة، يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء السوريين، وتدمر مقدرات ومصالح وممتلكات الشعب السورى، ويهيم الملايين من أبنائه مشردين فى بلادهم، أو لاجئين بمئات الألوف إلى بلاد الآخرين ، وحيث لا يلقون سوى العنت والبؤس وإهدار الآدمية، وإلى حد إصدار فتاوى وضيعة تتعامل مع النساء والبنات السوريات كسبايا، وتوصى بالمسارعة إلى شرائهن فى صورة عقود زواج مشكوك فى دوافعها ونياتها. وربما لايصح لأحد ذى ضمير أن ينكر المسئولية الأساسية عما جرى ويجرى، فنظام بشار هو القاتل والجزار، وهو العنوان الموثوق لعذاب الشعب السورى، وهو الذى يريد البقاء بغير شرعية، وهو الذى سعى لإغراق سوريا فى بحور الدم، وعلى ظن منه أن الحرب هى بديل الثورة، وأن تفجير السعار الطائفى هو الحل، وأن حرب العلويين ضد السنة هى التى تنقذه، وكشف بذلك عن واحد من أقبح وجوهه، ففضلا عن تسلطيته ودمويته ولصوصيته، فهو نظام عائلى طائفى بامتياز، يتصور أنه ينتصر لطائفته العلوية، وهى لاتمثل غير نسبة قليلة من التكوين السورى، ولا مجال لمقارنتها بتعداد السنة الذين يشكلون غالبية التكوين السورى، وهم العمود الفقرى لمدن سوريا الكبرى وغالب بلداتها وقراها، والحاضنة الطبيعية التاريخية للمسيحيين والدروز، وحتى للطائفة العلوية الكريمة نفسها، والتى بدت فى حالة تململ زائد خلال الفترة الأخيرة، وبدت إشارات المعارضة فيها ظاهرة لعائلة الأسد، فدموية النظام المجنون، وحربه الوحشية، وحقده الأسود ضد غالبية الشعب السورى، واستخدامه لآلة الحرب الجهنمية، والإفناء والقتل بلا تمييز، كل ذلك يدفع العلويين إلى الخوف على مصيرهم، ويقودهم إلى المأزق، فإما أن يحاربوا مع عائلة الأسد حتى آخر علوى، أو أن يقرروا التوقف عن القتل، والمشاركة مع كل فئات الشعب السورى فى إنهاء حكم عصابة الأسد، والتى تخوض حربا عبثية بلا أمل أكيد فى النصر. ومع تحميل نظام بشار المسئولية الأساسية عن تدمير سوريا، فربما لايصح الالتفات عن أدوار لجماعات أخرى، لا تهمها قضية الثورة فى سوريا، ولا تحرير الشعب السورى من ربقة الطغيان، ولا اكتساب حياة حرة وديمقراطية، يقرر فيها الشعب السورى لنفسه، ويحمى وحدة سوريا مهد العروبة الحديثة، ويقيم المساواة بين الجميع، وينتصر لحكم القانون والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، وأولوية الانتماء الوطنى على ماعداه من تفريعات، وخلافا لأشواق الثورة التى بدأت عفية وسلمية، فقد ظهرت على السطح جماعات شتى حملت السلاح، بعضها بالفعل ينتمى لسيرة الثورة السورية، أو من جماعات منشقة بالسلاح احتجاجا ورفضا لشناعات الجيش الرسمى، وقد تحول هؤلاء تحت ضغط دموية النظام إلى حمل السلاح، وكان الهدف فى البداية مشروعا، وهو الدفاع عن حرية التظاهر وسلامة المتظاهرين، وضمان اتصال خط الثورة السلمية، والذى حافظت عليه الثورة السورية فى شهورها التسعة الأولى، ثم أراد النظام الخلاص من هواجس هلاكه الوشيك باللجوء إلى البطش الدامى، وتحويل الثورة إلى حرب أهلية، واشعال الفتنة الطائفية المسلحة، وهو ما أوجد بيئة خصبة لانتعاش أدوار لأطراف من ماركة جماعة القاعدة وأخواتها، لا تريد الديمقراطية، ولا تريد الحرية، بل تريد التدمير من أجل التدمير، وتحت شعارات مموهة عن نصرة الإسلام، بينما تبدو سيرة هذه الجماعات غامضة ولا تزال، ليس فى سوريا وحدها، بل فى كل مكان حلت فيه، وصحبت معها خراب عقلها وعملها، فضلا عن ارتباطات مريبة بأجهزة مخابرات لدول كبرى وصغرى، تؤدى دورا كبيرا فى تنفيذ خطة «فرق تسد» الاستعمارية القديمة الجديدة، ولا تعنيها سلامة الوطن السورى، ولا وحدته، بل تجد فى الخراب وطنها المفضل، وفى الأطلال أوكارها المثلى، وفى التحول إلى حرب لا تنتهى غايتها العليا، وهكذا التقت جماعات التدمير فى الرغبة الدموية مع عصابة الأسد، وخدمت خطته الخبيثة، وهى تدرى أولا تدرى، فهى توجه عنفها الأعمى تجاه العلويين والمسيحيين بالذات، تقتل وتشرد على الهوية الطائفية، تماما كالنظام العائلى الطائفى الذى يروى عطشه بشرب دماء السوريين من الأغلبية السنية. ويكاد لا يوجد شك فى أن النظام الدموى ذاهب إلى نهايته الأكيدة، فقد أشعلها حربا لاتبقى ولا تذر، وليس بوسعه أن يحقق النصر فى النهاية، ولا أن يضمن البقاء طويلا، وهو يحرق البلد ما دام لافرصة لبقاء الأسد، لكن تحويل الثورة إلى حرب أهلية لن تنتهى مضاعفاته السيئة بسهولة، والخشية كل الخشية من دواعى الانتقام، ومن تأثيرها السلبى على قضية الثورة بعد إفناء نظام الأسد، فسوف تشكل جماعات الإرهاب خطرا داهما على مسيرة التحول الديمقراطى، وتسعى لتمزيق سوريا إلى أشلاء، وتفكيكها خدمة لإسرائيل، وهذا ما قد يصح أن ينتبه إليه الثوريون الحقيقيون، فالثورة فى سوريا بشير نعمة، لكن الثورة على سوريا هى الجحيم بعينه نشر بالعدد 621 بتاريخ 5/11/2012