الحالة السينمائية هذا العيد لم تكن مرضية تماماً ولم تأت على قدر الترقب ولا هى حتى كانت متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم. وكما قال الشاعر «عيد بأى حال عدت يا عيد» نقولها مرة أخرى «بأى أفلام عدت يا عيد». فى فيلم «بابا» لأحمد السقا أمسكت الكاتبة «زينب عزيز» بفكرة تمتلئ جاذبية ونسجتها فى قالب كوميدى لا يخلو من ومضات إنسانية حيث إننا مع طبيب نساء وولادة عاشق للأطفال ويتزوج ويتوق لطفل من صلبه ولكن تأخر الإنجاب.. الطبيب المتخصص فى النساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهرى وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم «أطفال الأنابيب» هذا الطبيب الذى يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد فى أذنه صرخة طفل تخصه وحده وعندما يتعذر الحمل بالطريقة التقليدية يقرر الطبيب اللجوء للحقن المجهرى.. الفيلم يمتلك العديد من مقومات صناعة عمل فنى به قدر من المغامرة الإبداعية حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل وفى نفس الوقت فإنه يحيطها بتفاصيل نعيشها فى الحياة الاجتماعية.. أسند المخرج الدور إلى «السقا» لكى يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية فى الضرب والقفز والقتل لو تطلب الأمر أصبح «السقا» يمارس فن التمثيل على طريقة المطرب الذى يشارك فى بطولة فيلم.. الجمهور ينتظر منه أن يقدم لهم أغنيات بينما «السقا» عقد اتفاقاً مع الجمهور يقضى بأنهم ينتظرون منه «شوية» مطاردات وقفزات وضربات، خاصة أن «السقا» يحرص على ألا يستعين بدوبلير فى العديد من تلك المشاهد الخطيرة فصار جمهوره يتابعه فى الموقف المثير وهو يضع يده على قلبه خوفاً على البطل بأن يصيبه مكروه.. كان ينبغى لأحمد السقا أن يقفز هذه المرة بعيداً عن تلك الأسوار التقليدية التى صارت تحيطه من كل جانب وجاء دوره فى «بابا» كطوق نجاة يخرجه من تلك المصيدة الدرامية.. يقدم الفيلم بدون إقحام طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط متجسدة فى حالة الصداقة بين المسلم والمسيحى وذهاب «السقا» للاحتفال بزفاف «إدوارد» فى الكنيسة وتبدأ مشاعر «السقا» تتوجه ناحية «دُرة» عندما يراها فى الكنيسة ويتقدم للزواج ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهرى كثيراً وبدلاً من أن يخلص للمنطق العلمى الذى يحيل مثل هذه الأمور التى تتم فى إطار طبى محدد وفق قواعد متعارف عليها فإنه يعتقد أن الموقف يُقدم باعتباره نكتة، حيث إن السائل المنوى يتم استخلاصه طبقاً للسيناريو بعد الإثارة الجنسية وكأنه أراد أن يغتال السيناريو من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق بل أحياناً كانت تؤدى إلى الإحساس بالتقزز. لا أدرى كيف أن الكاتبة «زينب عزيز» والمخرج «على إدريس» يضحيان بالفيلم الذى كان ينبئ بحالة إبداعية متوهجة عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إيفيه ونكتة ولم يكتف بتقديمها مرة واحدة شاهدناها فى عدة تنويعات نرى فيها المتشدد دينياً الذى أدى دوره «خالد سرحان» يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب ونتابع الثرى الخليجى أدى دوره «لطفى لبيب» الذى يصطحب معه أربع زوجات بدلاً من أربع سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل.. الإيفيه قائم على أن الحيوانات المنوية يتم الحصول عليها بعد الإثارة الجنسية للزوج بأى طريقة وعليه أن يملأ وعاء ضخماً بالسائل المنوى. توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامى فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملء المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائى إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها تمضى معها إجازتها فتكتشف أن صديقتها المطلقة على علاقة برجل ولا تهتم بمرض طفلها وهى التى ترعاه حتى تنتهى الأم من ممارسة الرذيلة.. بينما «السقا» يسافر إلى لبنان ويكتشف أن صديقة سابقة أدت دورها «نيكول سابا» ربطتهما علاقة جنسية قبل بضع سنوات تستضيفه فى منزلها ثم تتركه مع طفل تؤكد له أنه أبوه من علاقتهما القديمة ولا تجهد الكاتبة نفسها كثيراً فهى تنهى كل ذلك بأن كل ما شاهدناه لم يحدث وأن الطفل الذى ادعت أنه طفله ليس طفله وهى لم تعد تحبه فقط أرادت أن تلقنه درساً لأنه تركها بعد علاقة حميمية بينهما بدون حتى أن يسأل عنها بل هى التى تٌصلحه على زوجته «درة» وتقول لها إن هذا طفل لقيط تبنته وليس ابنها.. وتعود «درة» وتحمل طبيعياً وتنجب توءم وتوتة توتة. الفيلم يقدم بدون مباشرة حالة التعايش بين المسلم والمسيحى مثل تلك اللقطة التى تجمع بين «خالد سرحان» المتطرف دينياً و«إدوارد» وهما يشاهدان من وراء حاجز زجاجى شفاف طفليهما ويقول «صلاح عبد الله» مدير المستشفى لهما هل أحد منهما يستطيع أن يعرف على وجه اليقين من هو ابنه من المسلم ومن المسيحى فهو يريد أن يثبت أننا جميعاً نولد على الفطرة!! صناع الفيلم اغتالوا أفكاره بيدهم ومع سبق الإصرار والإضرار لأنهم أرادوا أن يتحول إلى نكتة وهكذا لعبوا على موقف واحد لم يتمكنوا من تجاوزه حتى إنك فى لحظات تعتقد أنهم يقدمون دعاية لمستشفى متخصص فى الحقن المجهرى أو لعل منتج الفيلم قد اتفق مع أكثر من مستشفى أن يقدم دعاية غير مباشرة ليمهد الطريق للناس للإقبال على التعامل مع هذه التقنية الجديدة فى الإنجاب.. ولم ينس الفيلم كالعادة أن يدعم الموقف بالممرضة التى تفتقر إلى الجمال وتبحث عن عريس وهكذا قدم «إيمان السيد» التى تؤدى دائماً دور العامل المساعد فى تعبئة الضحك بأى إيفيه تلقيه بدون منطق فنى ولكن مجرد الإمساك بنكتة ولا أتصورها حققت نجاحاً حتى فى هذا الشأن.. وهو ما وقع فيه أيضاً المخضرم «صلاح عبد الله» الذى كان تواجده هامشياً من أجل مزيد من الضحك.. «دُرة» تؤدى دورها بقدر من البساطة والاقتصاد فى التعبير و«أحمد السقا» كان موفقا وهو يختار هذا الدور الذى يعتمد على أداء ممثل وليس لياقته البدنية.. «خالد سرحان» كعادته يحيل مشاهده القليلة فى أى عمل فنى إلى مساحة لا تُنسى فهو يؤديها بخفة دم وتفهم لأبعاد الشخصية ولهذا نكتشف أننا نضحك لصدقه فى التقمص فهو لا يقدم نكتة بل دوراً كما أنه يحطم دائما حالة التنميط التى صارت تسيطر مثلاً على «إدوارد» من فرط تسكينه الدائم فى دور صديق البطل بالمعنى التقليدى للكلمة حيث إنه بلا ملامح درامية خاصة فصار هو أيضاً يؤدى أدواراً تتشابه فى كل تفاصيلها ويختلط عليك الأمر فلا تدرى هو هذه المرة صديق لمن لأحمد السقا مثلا أم لحمادة هلال.. « بابا» فكرة لم تكتمل وبروفة لعرض كان لا يزال فى حاجة إلى الكثير من التدريبات ولكنهم فتحوا عليه الستار وهو لم يكتمل إنه أقرب إلى جنين فى شهره الخامس وبدلاً من الانتظار حتى الولادة الطبيعية التاسع ولد مبتسرا!! يبدو أن «أحمد السقا» لديه نية صادقة للعبور إلى الشاطئ الحقيقى لأى ممثل وهو أنه بالفعل يمثل دوراً ويتقمصه بكل تفاصيله ولكن السيناريو خذله وليس هكذا تُصنع الأفلام تم نشر المحتوى بعدد 612 بتاريخ 3/9/2012