الحالة السينمائية هذا العيد لم تكن مرضية على الإطلاق، ولم تأتِ على قدر الترقب ولا هى حتى كانت متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم. لو اهتم صُناع فيلم «بابا» كثيرا، ولو حتى قليلاً، بالتفاصيل. لو تعاملوا مع الكوميديا باعتبارها شيئا آخر تماما غير التهريج لو.. لو.. لو، ولكن «لو كلمة متشعلقة فى الجو». فى الفيلم أمسكت الكاتبة زينب عزيز بفكرة تنضح جاذبية ونسجتها فى قالب كوميدى لا يخلو من ومضات إنسانية، حيث إننا مع طبيب نساء وولادة عاشق للأطفال، ويتزوج ويتوق إلى طفل من صلبه ولكن تأخر الإنجاب. الطبيب المتخصص فى النساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهرى، وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم «أطفال الأنابيب»، هذا الطبيب الذى يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد فى أذنه صرخة طفل تخصه وحده، وعندما يتعذر الحمل بالطريقة الطبيعية يقرر اللجوء إلى الحقن المجهرى. الفيلم يمتلك العديد من المقومات لصناعة عمل فنى به قدر من المغامرة الإبداعية، حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل، وفى نفس الوقت فإنه يحيطها بإطار اجتماعى يجعل شخصياته تتحرك وفق سياج من العادات والتقاليد المرتبطة بمقومات للطبقة المتوسطة التى ينتمى إليها أبطال الفيلم. أسند المخرج الدور إلى السقا لكى يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية فى الضرب والقفز والقتل.. أصبح السقا يمارس التمثيل على طريقة المطربين المشهورين الذين تستعين بهم السينما بين الحين والآخر.. الجمهور ينتظر منهم أن يقدموا أغنيات، بينما السقا عقد معهم اتفاقا يقضى بأنهم ينتظرون منه «شوية» مطاردات وقفزات وضربات.. كان ينبغى للسقا أن يقفز هذه المرة بعيدا عن تلك الأسوار التقليدية التى صارت تحيطه من كل جانب. كان عليه أن يحطم جدران السجن الذى صنعه لنفسه وجاء دوره فى «بابا» كطوق نجاة ينقذه من تلك المصيدة الدرامية.. يبدأ الفيلم بذهاب السقا للاحتفال بزفاف صديقه إدوارد فى الكنيسة، وتبدأ مشاعر السقا تتوجه ناحية دُرة، ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهرى أكثر مما ينبغى، حتى إننى فى لحظات اعتقدت أن هناك اتفاقًا بين شركة الإنتاج وأحد المستشفيات للترويج لتلك العملية الجراحية.. والغريب أن المخرج بدلاً من أن يخلص للمنطق العلمى فإنه يُقدم تلك المواقف باعتبارها نكتة، حيث إن السائل المنوى يتم استخلاصه طبقًا للسيناريو بعد الإثارة الجنسية، وكأنه أراد أن يغتال الفيلم من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق، بل أحيانا كانت مدعاة للتقزز! لا أدرى كيف أن الكاتبة زينب عزيز والمخرج على إدريس يضحيان ببساطة بالفيلم عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إفيه ونكتة، ولم يكتف بتقديمها مرة واحدة، لكننا شاهدناها فى عدة تنويعات نرى فيها المتشدد دينيا، الذى أدى دوره بألق ووهج خالد سرحان، يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب، ونتابع الثرى الخليجى (أدى دوره لطفى لبيب) الذى يصطحب معه أربع زوجات بدلاً من أربع سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل. توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامى فجأة، فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملء المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائى إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها تمضى معها إجازتها، فتكتشف أن الصديقة على علاقة برجل كادت أن تموت طفلتها من جراء ذلك، بينما السقا يسافر إلى لبنان، ويكتشف أن صديقة سابقة أدت دورها نيكول سابا أرادت أن تلقنه درسًا، لأنه تركها بعد علاقة حميمة دون حتى أن يسأل عنها، فتوهمه أن العلاقة القديمة أسفرت عن طفل ثم تعترف له بالحقيقة.. وتعود درة إلى السقا وتحمل طبيعيا وتنجب توأما وتوتة توتة. أعجبنى فى الفيلم تقديم الصداقة بين المسلم والمسيحى دون أن تصدمنا تلك المباشرة والصخب التى توقظنا دائماً وهى تشير إلى أن هذا مسلم وذاك مسيحى ولكن وآه من ولكن. «بابا» فكرة لم تكتمل وبروفة لعرض كان فى حاجة إلى الكثير من التدريبات لو انتظروا قليلاً ولم يفتحوا عليه الستار فجأة. لو أخلصوا للفكرة لشاهدنا فيلما متكاملاً ناضجاً بدلاً من أن نراه وكأنه جنين فى شهره الخامس ولد مبتسرًا.. لو لو لو ولكن لو كلمة متشعلقة فى الجو!!