حلت الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو، وسط إرادة إلهية لأن تبقى الدولة المصرية، راسخة وقوية وصلبة وشامخة، لم تنحني للهزات الجيوسياسية والاقتصادية التي تضرب أقوى دول العالم، التي تأثرت بشدة، جراء انتشار فيروس كورونا، ثم أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، فقد استطاعت الدولة المصرية بفضل حكمة ورشد وقوة الرئيس السيسي، وصبر وجسارة الشعب المصري، الانتهاء الحرب على الإرهاب، وأرثت قواعد الأمن والأمان، في جميع ربوع المحروسة، وإعادة بناء كافة مؤسسات الدولة من جديد، والخروج من نفق "شبه الدولة" إلى رحاب الجمهورية الجديدة. وجاءت احتفالات 30 يونيو هذا العام، بمذاق خاص، غلب عليه طعم النجاح والاستقرار والأمن والأمان، وغلبت عليه الإرادة السياسية في لم شمل أبناء مصر، وأعادتهم مرة أخرى إلى صدرها الرحب، فتحت لهم كل الأبواب التي حسبوها يوما مغلقة أمامهم، وهي ما كانت أبدا كما ظنوا، إنما كان للدولة المصرية أولويات قصوى، ما كانت لتتراجع عنها أبدا مهما كلفها من ثمن، فالحفاظ على الأمن القومي وحماية الأرض وصون العرض وإحياء الأخلاق وبناء الإنسان المصري، وتجديد دماء المصريين وعودة الروح إلى جسد الوطن، كان خارج أي معادلة وفوق كل الحسابات والسياسات، من أجل بناء الجمهورية الجديدة التي يشرف أبناء الشعب المصري في الداخل وطيوره المهاجرة في الخارج، بأن وطنه اليوم يقف بعزة مرفوع الرأس والهامة، وسط منطقة مشتعلة وعالم يفنى.
وأكدت الدولة المصرية، ومؤسساتها والقيادة السياسية بالفعل والقول والعمل، لكل أبناء الشعب المصري، خاصة جيل 30 يونيو، أنه حان الوقت الأن لتفتح الدولة المصرية أبوابها نوافذها على مصرعيهم بكل ترحاب وسعة، لعودة جميع أبنائها مرة أخرى، إلى حضن الوطن، واحتضنتهم بحكمة ورشد، ودعتهم إلى الاصطفاف الوطني، من أجل إعلاء مصلحة الوطن والمواطن، وافسحت لهم المجال أمام الحديث والاستماع وفتحت لهم نوافذ النقاش والشد والجذب والاتفاق والاختلاف، ورأب الصدع والرفض والتوافق، من على مائدة الحوار الوطني، تحت راية "الطريق إلى الجمهورية الجديدة مساحات مشتركة".
استجاب جيل "30 يونيو"، ولبى نداء الوطن، وشارك في كامل جلسات الحوار الوطني، بمحاوره الثلاث "السياسي والاجتماعي والاقتصادي"، وتشارك مع الدولة المصرية وممثليها من أعضاء مجلسي النواب والشورى وقوى سياسية ونقابية وتنسيقية شباب الأحزاب والسفراء والوزراء والسياسيين والباحثين والمتخصصين والإعلاميين والرياضيين وشخصيات عامة، ورجال الاقتصاد والمال والأعمال، من أجل تصميم "خارطة مستقبل" الجمهورية الجديدة، ورسم ملامح الغد وجني ثمار سنوات الحرب والصبر والعمل والجهد وبزل الدماء، وتحمل الصعاب ومواجهة التحديات وتخطي العراقيل، بإرادة سياسية تعي جيدا أن مصر، الدولة والأرض، بنيت بسواعد شعبها ووحدة صفهم، واستمرت بفضل أبنائها المخلصين، وستبقى إلى الأبد رغم كيد الكائدين.
واستطاعت مائدة الحوار الوطني، أن تسع كل أبناء الشعب المصري على مختلف أيدولوجياتهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية المتنوعة، طالما لم تلوث أيديهم بدماء المصريين، وأعادت اللحمة إلى تحالف 30 يونيو، الذي بفضل تكاتفه واصطفافه، نجح في إزالة طغيان جماعة الإخوان الإرهابية، ومحاولتها اختطاف الدولة المصرية وأبنائها، نحو سجن التطرف الفكري والعقائدي، ودفعه للسقوط في بئر الفتنة الطائفية المظلم، ونصب شراك التعصب والعنف والجهل.
وأعاد الحوار الوطني، مشهد "الاصطفاف" خلف الدولة مرة أخرى إلى الأذهان، والذي كانت هي الصورة الأوضح للعيان، حيث تصدر جيل 30 يونيو 2013 للحظة الإعلان عن سقوط حكم الإخوان، في مشهد لن تنساه ذاكرة التاريخ الحديث، وسيظل عالقا في أذهان المصريين كبارا وصغارا وشبابا، ولن تمحوه أي خلافات أو اختلافات، خاصة أن الحوار الوطني، قام على إيمان الدولة المصرية بحتمية "الاصطفاف الوطني" مرة أخرى، الذي عاد بمصداقية واتساع آفاق الحريات على أرضية وطنية مسؤولة، تحترم الاختلاف في الرأي، وتؤمن بأنه لن يفسد للوطن قضية، وأنه بعد انتهاء الحرب على الإرهاب، فقد آن الأوان لأن يكون هذا الجيل الذهبي، شريكاً بالكامل في إدارة الدولة المصرية، من خلال كل أدوات التواصل مع مؤسساتها، في ظل وجود رغبة لتأصيل العلاقة بين الشعب ومؤسسات دولته، وسط احترام تام للحريات المسؤولة، وبالإيمان بأن الخلاف في الرأي يدعم الإيجابيات ويعالج السلبيات.
وأوضح سيد عبد العال، رئيس حزب التجمع، أن الحوار الوطني، هو منعطف تاريخي للدولة المصرية، ولحظة فارقة بين مرحلتين في غاية الأهمية، هما "الصخب الثوري بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو" وما أعقبهما من تحديات شائكة، ثم بناء الجمهورية الجديد، مما أتاح الفرصة أمام إعادة لم شمل "تحالف 30 يونيو"، بكل مكوناته.
وقال رئيس حزب التجمع: "جاء الحوار الوطني، بالتزامن مع وقوع أحداث دولية وإقليمية في غاية الخطورة والدقة، وترتبط بشكل وثيق بالأمن القومي المصري، ودور الدولة المصرية في المنطقة"، لافتاً إلى أن الحوار الوطني، وضع على كتف كل المشاركين وجميع الأطراف، مسئولية وطنية، بما في ذلك مؤسسات الدولة، التي فتحت الباب أمام جميع مكونات المجتمع، ولم يقتصر على النخبة فقط.
فيما أعرب الدكتور باسل عادل، رئيس ومؤسس كتلة الحوار، عن فخره واعتزازه بالحوار الوطني، موضحا أنها لحظة أمل فارقة جامعة يتغير فيها التاريخ، وتؤسس لانطلاقة حقيقية نحو وطن يسع لكل أبناءه، أسست لها الدولة واستجابت المعارضة، وقال: "استطاع الحوار الوطني أن ينقلنا إلى جزء آخر من التاريخ، هام للغاية، وهو قوة الشرعية، فنحن أبناء وجيل 30 يونيو، ننتقل الأن من شرعية القوة التي كانت واجبة وضرورية وحاسمة ومطلوبة في وقت من الأوقات، كانت الدولة المصرية تخوض فيها حربا ضارية ضد الإرهاب، إلى قوة الشرعية، وهي قوة الشعب وروحه وانتماء إلى وطنه"، موجها التحية إلى القيادة السياسية، التي أسست إلى لحظات العبور بأرواح المصريين في الجمهورية الجديدة.
وتابع: "عندما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، المعارضة للحوار من أجل إجراء إصلاح سياسي، لبينا النداء بعدما أصبح لدينا فهما وعيا كافيا، بما جرى خلال السنوات العشر الماضية، وما تحملته الدولة ومؤسساتها من أجل الحفاظ على أرض الوطن وحماية الشعب وصون المقدرات، إلا أن هذه اللحظة الفارقة التي صنعها الحوار الوطني، خلقت لدينا أملا كبيرا، وسط شعور جارف بحتمية المعارضة مسئولة، وليس المزايدة والشقاق، واحترام اختلاف وتنوع الايدولوجيات السياسية، ونضع فيها أيدينا في يد بعض، ليكون وطننا هو الأولى ونكون جميعا مصر، التي تجمع الشمل ولا تفرق، فلا مجال بين جنبات الحوار الوطني إلى توجيه الاتهامات أو تشويه السمعة أو الخوض في الأعراض، من أجل أن نؤسس جميعا إلى لحظة تنطلق فيها الجمهورية الجديدة، بمعارضة مسئولة ودولة تحترم المعارضة".