فى ذكرى الإحتفال الشعبى فالرسمى لم يتقرر بعد بثورة يوليو، ومع العداء الشديد الذى يجهر به الإخوان المسلمون للعسكر ، أى عسكر، ومع جملة محمد مرسى فى خطابه بميدان التحرير «الستينات وما أدراك ما الستينات»، ننشر نص مرافعة الإدعاء فى محاكمة إبراهيم باشا عبد الهادى رئيس وزراء مصر الأسبق فى عهد الملك فاروق، بالتورط فى اغتيال الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، خلال محكمة الثورة التى شكلها ضباط يوليو فى عام 1954. ومن بين الاتهامات التى وجهتها المحكمة لعبد الهادى أنه أتى أفعالاً من شأنها إفساد أداة الحكم. وذلك لأنه فى خلال عام 1949 هيأ لأعوانه الأسباب التى يسرت لهم قتل المرحوم الشيخ حسن البنا وعمل على تضليل التحقيق بقصد إفلات الجناة من العقاب، وكذلك اتهمته باعتقال وتعذيب أعضاء بالجماعة حيث أتى أفعالاً من شأنها إفساد أداة الحكم، وذلك أنه فى خلال الفترة ما بين 28 ديسمبر سنة 1948 و25 يوليه سنة 1949 بوصفه رئيساً للوزارة ووزيراً للداخلية أشاع حكم الإرهاب بأن اعتدى على الحريات العامة وتزعم حملة اعتقالات واسعة النطاق للتنكيل بالمواطنين بأن أمر أعوانه بتعذيب طائفة كبيرة منهم واشرف بنفسه على تنفيذ أوامره وكلها إجراءات لم يكن يقتضيها أمن أو سلامة البلاد اللهم إلا دافع الانتقام والتشفى مخالفاً بذلك أحكام الدستور الذى كان قائماً وقتذاك، وقد حكم على عبدالهادى بالإعدام وخفف إلى السجن المؤبد، وقد فجر مصطفى الهلباوى ممثل الإدعاء فى القضية عدة مفاجآت فى مرافعته فى تهمة اغتيال حسن البنا،فأكد فى بدايتها أن البنا كانت له دعوة إصلاحية لمقاومة الاستعمار استشهد فى سبيلها، واتهم عبدالهادى بالتدبير لاغتيال البنا، شارحاً خطوات تنفيذ ذلك، وكشف عن أن السيارة المستخدمة فى العملية يملكها ضابط بوليس، وأن الياور الخاص برئيس الوزراء تواجد فى مكان الحادث، وأن وكيل وزارة الداخلية أمر بإسكات الشاهد الوحيد الذى تصادف وجوده بالمكان واستطاع التقاط أرقام السيارة، كما أنه تم الزج بشاهد آخر ليدلى بأرقام مغايرة للسيارة، علاوة على شهادات قدمها رجال شرطة بسوهاج أكدوا فيها أن السيارة المذكورة كانت تحت أعينهم وقت ارتكاب الحادث، إلا أنهم بعد خروج عبد الهادى من الوزارة عادوا واعترفوا بكذب شهادتهم وأنهم أجبروا عليها، وغيرها من المفاجآت. الهلباوى قال فى المرافعة: إن للمغفور له الشيخ حسن البنا دعوة استشهد فى سبيلها تقوم على الاصلاح وترمى إلى التخلص من الاستعمار باعتباره أس الفساد ومصدره، ولم ترق هذه الدعوة فى عين المستعمر فلم يقتصد فى فرض نفوذه على الحكام المستضعفين لقتل هذه الدعوة فى مهدها. وانتقل المستعمرون إلى استخدام المتهم وغيره من عملائهم، ليلقوا فى روع الملك السابق أن دعوة المجنى عليه تحمل فى طياتها خطراً على حياته وعرشه، ولم يكن المتهم بعيداً عن هذه الخطة، فقد كان وقتئذ مستشاراً للملك ورئيساً لديوانه، بينما كان سلفه فى رياسة الحزب يتولى رياسة الحكومة فمتى أدخلنا فى اعتبارنا أن هذه الحكومة هى التى تبنت تنفيذ فكرة الحل والتشتيت، وأن المتهم جاء بوزارته فى أعقابها يواصل هذه السياسة، فمن الواضح أن المتهم حمل وقيعة المستعمر إلى الملك يدخلها فى روعه ويحمله على تنفيذ رغبة المستعمر فى شأنها، ثم يحمل بنفسه لواء التنفيذ حين يلى الوزارة بعد مقتل سلفه، فكانت باكورة أعماله فى ذلك أن قرر اغتيال رئيس الجمعية. ولقد بدأ باعتقال أنصار المجنى عليه ومريديه حتى ضاقت بهم المعتقلات إذ بلغوا 2659 شخصاً. ولن تخدعنا فى تبرير هذه الاعتقالات الجزافية الجماعية، العلة التى يتعلل بها المتهم من أنها تدبير اقتضاه صون الأمن العام لأن مقتضى هذه العلة أن يجرى حكمها ابتداء على المجنى عليه نفسه باعتباره زعيم المعتقلين، أما وقد اعتقل المتهم بوصفه الحاكم العسكرى العام جميع أفراد الهيئة دون المجنى عليه، وأبى عليه طلبه الذى رجا فيه أن يحشر فى المعتقل مع رجاله، فلن يكون لذلك سوى تعليل واحد لا ثانى له وهو أنه أبقاه طليقاً مبعداً عن جماعته واخوانه بقصد قتله واغتياله وهو وحيد بعيد عن كل نصير. ولم يكن المتهم مطمئناً إلى أنه بما أجراه من اعتقالات قد عزل المجنى عليه عن أنصاره عزلاً تاماً، بل ساوره الاعتقاد باحتمال أن يكون لفريسته أنصار آخرون لم يتيسر لرجاله الكشف عنهم، ومن ثم فقد دس عليه بعض وزرائه يفاوضونه لإعادة جماعته، توطئة لاعتقالهم. فلما لم يؤد هذا البحث إلى اثبات وجود أنصار آخرين للمجنى عليه، اطمأن المتهم إلى أن الفرصة قد واتته ليجهز على فريسته فكانت الخطوة التالية أن جرده من سلاحه المرخص، ثم رفع عنه الحراسة التى لم تكن مضروبة على المجنى عليه لحمايته بل للرقابة عليه، ثم يأتى بعد ذلك اللواء أحمد طلعت وكيل حكمدار بوليس القاهرة، فيحدثنا فى التحقيق بأنه منذ أسابيع قليلة سابقة على الحادث، جهر المشيعون لجنازة سلف المتهم بصياح الوعيد بالثأر من المجنى عليه، وأنه مع ذلك لم تطلب وزارة الداخلية المسئولة عن صيانة الأمن العام وحفظ دماء المواطنين، اتخاذ أية اجراءات لتوقى هذا الخطر المحدق بحياة المجنى عليه الذى جهر به علناً أنصار الحكومة القائمة وقتئذ، ولم يحاول بوليس القاهرة تحدى الوزارة باتخاذ شيء من هذه التدابير من تلقاء نفسه. وترتفع هذه القرينة إلى مقام الدليل الصارخ حين يتلقى بوليس القاهرة التعليمات برفع الرقابة عليه بعدئذ وقبيل مقتله، حتى يأمن الجناة خطر هذه الحراسة الثانوية. ويزيد هذا الدليل وضوحاً أن وزارة الداخلية كانت تتلقى فى كل يوم تقارير من مراقبة دار المجنى عليه سواء قبل اغتياله أو بعده، ولكن هذه الرقابة لم تفرض فى اليوم الذى تقرر انفاذ القتل فيه. فلما تم للمتهم ذلك. وأيقن أن فريسته غدت عزلاء، لم يبق أمامه إلا استدراجه إلى المكان الذى رتب تنفيذ القتل فيه. فاستعان بقريبه محمد أحمد الناغى سكرتير مجلس إدارة جمعية الشبان المسلمين الذى يعرف فيه صلته الوثيقة بالمجنى عليه. ويقول الناغى فى التحقيق إنه قابل المتهم بمنزله فى صباح اليوم الذى وقعت الجريمة فى مسائه، فتحدث إليه فى شأن جماعة الإخوان المسلمين حديثاً توهم منه الناغى أن إعادة الجماعة سيرتها الأولى أصبح أمراً يسيراً قريب المنال، مما حمله على أن يسرع فى محاولة الاتصال بالمجنى عليه ليزف إليه هذه البشرى. ومن ثم فقد طلب من محمد يوسف الليثى أن يسارع إلى ترتيب لقاء بينه وبين المجنى عليه فى مساء ذلك اليوم نفسه، ليحدثه فيما انتهى إليه مع المتهم فى شأن الجماعة التى أصبح أمرها حسبما نقل الليثى عن الناغى فى التحقيق فى يد المجنى عليه نفسه. ويستطرد الليثى فى تفصيل الواقعة فيقول: إنه إذ خشى من الاتصال بالمجنى عليه حتى لا يكون مصيره الاعتقال كما كان مصير من سبقوه إلى مثل ذلك الاتصال، فقد طمأنه الناغى فى ذلك مؤكداً له أنه لن يلقى هذا المصير. وقد تحقق الليثى من هذه الطمأنينة إذ يقول: إنه ذهب يستدعى المجنى عليه لمقابلة الناغى فى جمعية الشبان المسلمين فى مساء يوم الجريمة، فوجد طريقه إليه سهلاً ميسراً بعيداً عن كل اعتراض أو رقابة. وهذه الظاهرة الفريدة فى نوعها قاطعة فى أن التعليمات قد أعطيت لتسهيل مأمورية الليثى فى ذلك بقصد استدراج المجنى عليه إلى مكان الجريمة، وإذا كان الاستدراج قد رتب أمره فى صباح اليوم نفسه بين الناغى وبين المتهم فلن يتصور أن تصدر التعليمات إلا بإيحاء من المتهم نفسه. وقد وقعت الجريمة على الصورة التى رسمتها الأوراق ! ولم تكد تسكت أصوات الرصاص حتى ظهر على مسرح الجريمة ياور رئيس الوزراء المتهم البكباشى محمد وصفى ولم يكن لظهوره فى هذا الوقت المريب غرض سوى ما أظهرته تصرفاته من الرغبة فى تعرف مصير المجنى عليه الذى لم يجده فى مكان الحادث. وعلم من أحد أعضاء جمعية الشبان المسلمين المدعو أنور الشباسى أنه نقل إلى مستشفى قصر العيني، فصحب هذا الأخير إليه حيث التقى هناك بالليثى الذى سارع حين عرف فيه صفته كضابط إلى إخباره برقم السيارة التى فر بها الجناة، طالباً منه ابلاغ هذه المعلومات إلى السلطات المختصة لتستعين بها فى تعقب الفاعلين. ولكن البكباشى وصفى كما يقول الليثى والشباسي، لم يهتم باتخاذ الاجراءات الموصلة لضبط الجناة بل قصر همه على تعرف حالة المجنى عليه ثم قفل راجعاً بعد أن اطمأن إلى أن الفريسة فى حالة ميئوس من نجاتها. ويستوقف نظرنا فى هذه الأمور الحقائق الآتية : أولاً : أنه لم يكن من شأن البكباشى وصفى ياور أن ينتقل لمكان الحادث، وإذا كان زعم أنه انتقل بناء على تكليف من وكيل الحكمدار اللواء أحمد طلعت،فقد كذبه الأخير. ثانياً : أن انتقاله لمحل الجريمة كان بعد لحظات قليلة من وقوعها، ولمجرد تعرف مصير المجنى عليه مما يؤكد اتصاله الوثيق بالجريمة تبعاً لاتصال المتهم بها باعتباره ياوره الخاص. ثالثاً : ويتفرع على ذلك نتيجته الطبيعية أنه نقل معلوماته هذه للمتهم فظهر صداها من حيث حالة المجنى عليه ومعلومات الليثى على لسان الملك السابق، ثم على لسان وكيل وزارة الداخلية ليتخذ التدابير التى تكفل اسكات الليثى عن الادلاء بمعلومات توصل إلى ضبط الجناة. رابعاً : وامعاناً فى افساد الحكم بتضليل السلطة القضائية والعمل على افلات الجناة، انتقل البكباشى وصفى إلى محل التحقيق منتحلاً صفة المفتش بالقلم السياسى ليعترض طريق الليثى عندما أراد أن يدلى بمعلوماته عن رقم سيارة الجناة، ويسفر تدخله عن زعزعة عقيدة الشاهد بما حمله على أن يضلل التحقيق فى شأن حقيقة هذه السيارة. ولن يتصور أن يقدم وصفى على هذه الأمور الخطيرة إلا إذا كان مطمئناً إلى أن رئيسه المتهم يظاهره فيها ويحميه مما قد يترتب عليها من مسئوليات. خامساً : وليس أدل على أن ما اتخذ حيال الليثى من محاولات بقصد اسكاته، مرجعه معلومات البكباشى وصفى التى نقلها إلى المتهم فأذاعها للملك السابق ثم لوكيل الوزارة. ولم تقف محاولات رجال المتهم فى تنفيذ تعليماته لتضليل السلطة القضائية عند هذا الحد. بل نرى فى التحقيق أن البكباشى توفيق السعيد يقدم للمحقق شاهداً يدعى محمد حسنى عباس أظهر التحقيق أنه صديق البكباشى محمد الجزار ليدلى للمحقق بمعلومات كاذبة يرشد فيها عن سيارة أخرى غير التى استعملت فى الجريمة ويختلق لها رقماً مطابقاً للرقم الذى أرغم الليثى على انتحاله لسيارة الجناة. ونرى رجال البوليس يسارعون بمصادرة جريدة «المصري» حين نما إلى علمهم أن ما نشرته من معلومات عن الجريمة تضمن ذكر رقم سيارة الجناة. ويحدثنا محمد محفوظ عن الظروف المحيطة به يوم طلبت معلوماته فى التحقيقات الأولى فيقول إن رئيسه القائمقام محمود عبد المجيد لقنه اجابة تتضمن انكاره كل ما يتصل بالجريمة ثم صحبه إلى المحقق ليدلى بما لقنه إياه تحت ناظريه وتحت رقابة واشراف وكيل الأمن العام. فتكفل هذا وذاك بارغامه على الادلاء بهذه المعلومات الكاذبة. ولن نتصور أن تتخذ وزارة الداخلية من رجالها فى مختلف الادارات والجهات أعواناً لتضليل وافلات الجناة من الجريمة. إلا إذا تلقت ذلك من وزير الداخلية المتهم. ولن نتصور أن يهتم بالجناة هذا الاهتمام الصارخ الدنس إلا إذا كان متآمراً معهم فى جريمتهم مباركاً لهم فعلتهم. ويمعن رجال المتهم بوحى منه فى حملة التضليل فيعلل وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمار عند سؤاله فى التحقيق الباعث على الجريمة فيقول: إن بعض جماعة المجنى عليه أحسوا بأنه لم يعد يرضيه انحرافهم إلى الجريمة وخشوا أن يفضح سرهم فعجلوا به لتلك العلة وحدها، وذلك إن لم يكن قتل المجنى عليه على يد بعض أهل اليمن أخذا ً بثأر إمامهم الذين يتهمون المجنى عليه بالتآمر على قتله وتدبير اغتياله. بمثل هذه المغالطات كان المتهم بلسان رجاله وبأفعالهم وبلسان صحيفته يضللون العدالة والرأى العام. ولن يكون ذلك منه إلا لأنه يخشى إذا ما انكشفت الحقيقة فى سر الجريمة أن تنتهى هذه الحقيقة إلى إدانته هو وأن تلقى على رأسه بدم القتيل. تم نشره بالعدد رقم 606 بتاريخ 23/7/2012