الطريق إلى الجناة كان الاهتمام بالبحث عن قتلة الشيخ البنا من أول الأشياء التي حرص عليها رموز الثورة، فلقد حفظ التحقيق في قضية مقتل الإمام في عهد حكومة إبراهيم عبد الهادي لعدم معرفة الجناة بعد أن استمر ثلاثة أشهر، ثم أعيد التحقيق في عهد وزارة حسين سري ولكنه حفظ أيضًا، ثم أعيد التحقيق ثالثة في عهد حكومة النحاس باشا ثم حفظ أيضًا، ثم أعيد التحقيق للمرة الرابعة في عهد الثورة. قال أنور السادات: “كان أول إجراء اتخذته الثورة لإزالة آثار الماضي البغيض ومحاسبة المسئولين عنه بالحق والعدل، إعادة التحقيق في قضية حسن البنا”. جري التحقيق الرابع بواسطة الجيش عن طريق نائبي الأحكام. وتولت النيابة التحقيق الخامس وانتهت منه في الثامنة من مساء يوم 18 من ديسمبر عام 1952، ولكن بعد ثلاث سنوات وعشرة شهور وخمسة أيام أحال فؤاد سري رئيس النيابة إلي محكمة الجنايات تسعة من المتهمين باغتيال الشيخ حسن البنا منهم ثمانية من رجال الشرطة وواحد من الفلاحين. دون أن تحسم التحقيقات هوية المسئولين أمام القضاء حتى إذا ما جاءت المرة الأخيرة وتم نظر القضية في 10 نوفمبر 1953، وقد تنحت هذه الدائرة عن نظر القضية في إحدى جلساتها 19 نوفمبر 1953، ثم تولت دائرة أخرى نظر القضية في 16 أبريل 1954. جري التحقيق مع المتهمين في السجن الحربي وتولاه نائبا الأحكام الضابطان السيد جاد إبراهيم وإبراهيم سامي جاد الحق. ووقف النائب العام يقول في مرافعته النيابة: “إن للمغفور له الشيخ حسن البنا دعوة استشهد في سبيلها تقوم علي الإصلاح، وترمي إلي التخلص من الاستعمار باعتباره أس الفساد ومصدره، ولم ترق هذه الدعوة في عين المستعمر، فلم يقصر في فرض نفوذه علي الحكام المصريين المستضعفين لقتل هذه الدعوة في مهدها. وأثناء التحقيق حدثنا في ذلك الدكتور يوسف رشاد وزوجته، إذ ينقلان عن الملك السابق – وهما من ألصق أصفيائه – أنه لم يخشي من إبداء تخوفه من نشاط الإخوان المسلمين ضد شخصه وعرشه، وهو النشاط الذي يرمي إلي قلب نظام الحكم، والذي يقول عنه: إنه لا وسيلة له حياله إلا حل هذه الجماعة وتشتيتها”. رد إبراهيم عبد الهادي باشا علي اتهامه بالتستر علي قتلة حسن البنا: “لا عجب عندي أن يثير الإنجليز حولي جوًا من الشكوك والاتهامات..كنت من أشد خصومهم.. وأقوي الدعاة في ثورة 1919 وبالذات في الأزهر الشريف وهي القضية المعروفة بقضية عبد الرحمن فهمي. وبقيت في السجن نحو 4 سنوات.. نقلوني في خلالها من سجون الاستئناف إلي الزقازيق وطنطا ومصر، ولم يفرج عني إلا بعد أن تولي سعد زغلول الحكم. وسجنت مرة أخري في قضية مصرع السير لي ستاك.. وبقيت سجينًا 75 يومًا وكنت آخر من أفرج عنهم من المحبوسين في هذه القضية.وتم الإفراج عني بعد أن اعترف المتهمون بقتل السردار. وهذا هو ماضي الإنجليز فلما قتل محمود فهمي النقراشي كنت رئيسا للديوان الملكي وعرضت عليَ الوزارة فقبلتها...وكان قد قبض علي قاتل النقراشي متلبسًا ولم يكن هناك إذن ما يدعو للانتقام ثم لماذا نأخذ عن الوثائق الأجنبية في قضية حسن البنا ونترك أحكام المحاكم المصرية؟ إن القضاء المصري نظر قضية حسن البنا ومقتله أكثر من مرة.. وجميع الدوائر التي أحيلت عليها القضية ابتعدت كل البعد عن اتهامي بالتستر علي الذين قتلوا حسن البنا. وصدر الحكم بعد قيام الثورة... ولم يتضمن من قريب أو بعيد إشارة لاتهامي بالتستر. وكان يمكن للنيابة أن تطعن في هذا الحكم خلال 18 يومًا ولكن النيابة لم تطعن وأصبح الحكم نهائيًا. وقد تولي التحقيق في قضية حسن البنا منذ اللحظة الأولي النائب العام. وبقيت رئيسا للوزراء 6 شهور نصفها بعد مقتل حسن البنا.. ولم يظهر الفاعل وقتها مع استمرار التحقيق. وجاءت بعدي وزارتا حسين سري ومصطفي النحاس باشا. وتعاقبت الوزارات حتى قيام الثورة.. ولم يظهر القتلة فهل كل رؤساء الوزارات كانوا متواطئين علي الصمت أيضًا.. أو كانوا متواطئين علي التستر علي وبيني وبينهم خصومات سياسية؟ هل كان يمكن أن يتستر مصطفي النحاس باشا علي جريمة يمكن أن أكون أنا شريكًا فيها أو متسترًا علي مرتكبيها؟ هل كان يمكن أن يتستر عليَ حسين سري؟ ولو كان الملك – أيامها– يعرف أني متهم لما سكت عني... ولما سكتت عني الوزارات التالية والتي كانت تؤيده تأييدًا كاملاً في كل ما يتخذ من إجراءات ولما سكت عني الإنجليز الذين حقدوا عليَ فسجلوا حقدهم في وثائقهم التي صدقتموها ورفضتم تصديق القضاء المصري. أبعد أن أعطيت عمري وشبابي وحياتي لمصر تجيء الأيام لتلقي عليَ شبهة اتهام بالتستر علي جريمة؟!”. القبض علي المقدم محمد الجزار في يوم 25 يوليو 1952، (أي بعد يومين) – وقبل اعتزال الملك فاروق وخروجه من مصر أصدر جمال عبد الناصر قرارًا بالقبض علي المقدم محمد الجزار، ونشرت الأخبار أنه أحد كبار المتهمين في قضية الاغتيال، وكتب يلتمس مقابلة اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة للإدلاء بما عنده وسئل أمام السلطة العسكرية يوم 29 يوليو 1952، فتأرجح ضميره بين الاعتراف والإنكار، وفي لحظة استيقظ ضميره فيها بعض الشيء وأدلي باعترافات تؤيد اعترافات محمد محفوظ السابقة. “في هذه الليلة. ليلة قتل الشيخ اتصل بي تليفونيًا محمد الليثي (رسول الناغي) الذي كان يعمل مرشداً بالقسم السياسي الذي كان رئيسًا لقسم الشباب بجمعية الشبان المسلمين، وأخبرني به وطلب مني أن أقابله، وفي هذا الوقت، وبعده بقليل كنت بغرفة القائمقام محمود طلعت”. ونفي محمد الجزار أنه ضغط علي الليثي لتغيير رقم السيارة. قال: “لا يوجد عداء شخصي بيني وبين أية هيئة. فالحكومة هي التي توجه رجال الشرطة بما فيهم القسم السياسي”. وقال إنه علم بتدبير الجريمة بالاشتراك بين السراي وعبد الرحمن عمار، وأن عمار أحضر محمود عبد المجيد من جرجا. وهو بدوره أحضر المخبرين. “علمت أن عبد الرحمن عمارة بك توجه في صباح اليوم التالي لهذا الحادث إلي سراي عابدين، وعلمت كما قيل في ذلك الوقت في ذلك الوقت أن رجال السراي قابلوه بالعناق، ثم علمت بعد ذلك أن هذا الحادث دبر بالاشتراك بين السراي مع عبد الرحمن عمار”. وروي كل التفاصيل عن وجود ضباط الشرطة قرب المكان لاستلام المتهمين في حالة ضبطهم. ولكنه قال إن كل معلوماته عرفها بعد وقوع الحادث ولم يتقدم بها لأن أحداً لم يكن يستطيع أن يفعل ذلك عام 1949. ولم يلبث بعد قليل، أن راح الجزار من شدة فزعه وخوفه أن يردد ما سبق أن صرح به عدة مرات، وراح يضيف بعدها بما يشير إلي العلاقة بين القصر وعدد من ضباط الداخلية، يضيف: “وعلمت أن عمار بك توجه إلي هناك وتلقي التبريك”. “وأن الحادث دبر بالاشتراك بين السراي وعبد الرحمن عمار وأن الأميرالاي محمود عبد المجيد قد أحضر من جرجا حيث كان يعمل حكمدار هناك اثنين من المخبرين أقاما في القاهرة فترة طويلة حتى ارتكب الحادث، وكان معهما بعد ارتكاب الحادث بعض ضباط بوليس يقفون بالقرب من مكانه ومأموريتهم استلام المتهمين في حالة ضبطهم بمعرفة العساكر وتهريبهم. وكنت أعلم أن هذين المخبرين يترددان مع الأميرالاي محمود عبد المجيد علي عبد الرحمن عمار في مكتبه بوزارة المواصلات بعد الحادث”. ويضيف الجزار بما لا يدع مجالاً للشك: “إن الملك مر بنفسه علي المنزل ليتأكد من ذلك بنفسه”. وظل الجزار يردد هذه الأقوال يتكلم ويشير إلي مسئولية السراي وراء اغتيال البنا، وهو ما يشير بما لا يدع مجالاً للشك أن السراي لم تكتف بحركة البوليس السياسي لتنفيذ أغراضها، وإنما تحركت هي قبل ذلك، وحاولت الإفادة من ولاء هؤلاء المسئولين أو تلهفهم لإرضاء الملك. وتعتبر أقواله قرينة ذات قيمة تعزز اعترافات محمد محفوظ، ولا يجدي بعد ذلك عدوله عن هذه الاعترافات. استدعاء محمود عبد المجيد وسر السيارة رقم 9979 في 29 يوليو 1952 بعد خروج الملك بثلاثة أيام تم إرسال إشارة باستدعاء العميد محمود عبد المجيد مدير جرجا إلي القاهرة، فقبض عليه داخل مكتبه في ديوان المديرية بقرار من البكباشي زكريا محي الدين عضو مجلس قيادة الثورة. وقال إن ذلك بأمر قادة الثورة. وقد ظل محمود عبد المجيد ينكر صلته بالجريمة، ولكن وجدت ورقة بخط يده في وزارة الداخلية تبين أنه كتبها لمحمد وصفي عندما كان يدبر لقتل ضابط جيش اسمه عبد القادر طه، وهو من خصوم الملك. وفي هذه الورقة كتب محمود عبد المجيد أسماء القتلة الذين عمل علي نقلهم إلي وزارة الداخلية وهم (البكباشي حسين كامل، واليوزباشي عبده أرمانيوس، والأمباشي أحمد حسين، والجاويش محمد سعيد، والأمباشي حسين محمد سعيد). وكان يريد أن يستعين بهم محمد وصفي لقتل الضابط عبد القادر طه. ردد محمد محفوظ (سائق سيارة محمود عبد المجيد) يوم 30 يوليو 1952 أقواله الأولي، وفي 6 أغسطس انهار واعترف بتفاصيل الجريمة، وأكد اعترافه بعد ذلك مرة أخري أمام نائب الأحكام ثم كرر الاعتراف أمام النيابة، وعاد يردد الاعتراف ست مرات أخري أمام المستشار حسن داود الذي حقق القضية في دار القضاء العالي وفي مواجهة المتهمين الآخرين، وقال محمد محفوظ إنه مظلوم ينفذ أوامر رئيسه. وكان يظن أنه – بذلك – يفلت من العقاب، وأن يسمع كشاهد ليس كمتهم. وبالرغم من إحكام الخطة وعمل الاحتياطات اللازمة أثناء التنفيذ، إلا أنه عُرفت نمرة السيارة التي ابتلعت الجناة واختفت بهما وقيل أن الإمام الشهيد حسن البنا هو الذي التقطها وقيل أن فتي أسمر كان حاضرًا وقت الحادث وأبلغ محمد الليثي (رسول الناغي) الرقم فسجله علي علبة سجائر، واستطاعت جريدة المصري أن تنشر رقم السيارة ولكن تم حذفه بعد كان قد طبع بعض الأعداد . وحاول البوليس السياسي طمس الرقم بالتغيير في وضع الأرقام، وأغروا شاهد الإثبات الوحيد محمد الليثي (رسول الناغي) في التحقيق المبدئي، فاستجاب للإغراء، وحاول طمس الرقم، ولكنه قال 9979. وعرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرالاي “محمود عبد المجيد” المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مذكرة النيابة العمومية عام 1952. والأدلة علي ذلك كثيرة منها أقوال السائق محمد محفوظ، أقوال السيد محمد الليثي (رسول الناغي) الذي أصر علي أن رقم السيارة هو 9979 ولم يستجب لضغوط البكباشي محمد الجزار الذي أراده أن يكتب الرقم 7999 في ورقة وأن يذكره للنيابة، وذكر الليثي أن الجزار قال له: “إزاي تعمل كده؟؟ اللي قتل الشيخ حسن يقدر يبطش بكل شخص يقف في سبيله”، ولكن ضمير الليثي لم يرتح وأخذ ينادي بالرقم الحقيقي ويصر عليه إصرارًا عجيبًا حيث أن: • رغم أن السيارة التي تحمل هذا الرقم هي سيارة الأميرالاي محمود عبد المجيد منفذ إرادة الملك. • رغم أنه يعلم أن محمود عبد المجيد قد تلقي أمر الملك من محمد وصفي رئيس الحرس الحديدي. • ورغم أنه يعلم أن الملك السابق يستطيع أن يأمر الأرض بان تبتلع الليثي ولا يشعر به أحد كما ابتلعت الفتي الأسمر النوبي الذي أدلي إليه برقم السيارة. • رغم تهديدات السجون والمعتقلات. ورغم التشكيك في شهادة الليثي بأنه كان يعمل مرشدًا بالبوليس السياسي لدي الضابط محمد الجزار، ورد علي ذلك الليثي متحديًا الجزار أن يقدم تقريرًا واحدًا كتبه الشاهد لصالح البوليس السياسي وأنكر اللواء أحمد طلعت علمه بأن الليثي مرشد عند الجزار. ولو سلمنا جدلاً بأن الليثي كان مرشداً لدي الجزار فإن ذلك دليل ضد الجزار إذ هو في هذه الحالة شاهد من أهله. ولن يغير من الحق شيئًا تغيير الرقم بتأثير الجزار وتهديده وبتأثير ضعف أعصاب الشاهد، إذ لم يغير الشاهد وصف السيارة التي استقلها الجناة بل قال من أول لحظة إلي آخر لحظة أنها سيارة سوداء ليموزين، وقد وجد بالبحث في سجلات المرور أن هذا الوصف ينطبق علي السيارة رقم 9979 ولا ينطبق علي السيارة رقم 9997. كما تعرف عبد الكريم منصور (زوج شقيقة حسن البنا ورفيق البنا أثناء حادث الاغتيال) في عرض قانوني علي كل من (الأمباشي أحمد حسين ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل)، وقال إنهما أطلقا الرصاص علي المرشد العام. رأت قيادة الثورة أن التهمة ثابتة قبل المتهمين فأرغمتهم علي ارتداء ملابس السجن الزرقاء قبل الحكم عليهم. وأحالت القضية يوم 17 من أغسطس – أي بعد أقل من شهر علي قيام الثورة – إلي النيابة العمومية لتتولي التحقيق فيها. وبعد شهر، في 29 أغسطس 1952 جري البحث عن مصطفي أبو غريب من خلال الأوصاف التي أدلي بها السائق محمد محفوظ، وتبين أنه كان يعمل بالمباحث ويتجر بالمخدرات، ويتخذ من علمه بالمباحث ستارًا يحميه من القانون فقام ضابط من المباحث العامة بالقاهرة بالسفر إلي سوهاج واستطاع القبض عليه في طما. وكان قد مضي علي الجريمة ثلاث سنوات. وعندما علم محمد وصفي– قائد حرس الوزارات– بأنباء التحقيقات أسرع إلي السفارة البريطانية ليطلب اللجوء السياسي، إلا أنها رفضت، مما أدي إلي انتحار وصفي في منزله بالقاهرة بتناول كمية من الحبوب المنومة مؤثرًا الموت علي مواجهة الموقف بعد أن علم أن ضابط الجيش عبد العزيز صادق كلف بالتفتيش عنه. وأن التحقيقات الدائرة في قضية مصرع حسن البنا تناولته ولعلاقته باغتيال الضابط عبد القادر طه. وبناء عليه أقامت النيابة العمومية الدعوي الجنائية علي المتهمين التالي ذكرهم: 1. الأمباشي أحمد حسين جادو – عمره 46 – صناعته أمباشي- سكنه سوهاج. 2. الأمباشي مصطفي أبو الليل يوسف أبو غريب –عمره 27– صناعته فلاح- سكنه طما. 3. اليوزباشي عبده أرمانيوس سرور– عمره 45- صناعته يوزباشي بحرس الوزارات – سكنه: المحلة الكبرى. 4. اليوزباشي حسين كامل – عمره 50 صناعته وكيل باشجاويش –سكنه سوهاج. 5. وكيل باشجاويش محمد سعيد إسماعيل – 55 سنة – صناعته باشجاويش- سكنه سوهاج. 6. الأمباشي حسين محمدين رضوان – 59 سنة – سكنه سوهاج. 7. باشجاويش محمد محفوظ محمد – 44 سنة – صناعته باشجاويش – سكنه سوهاج. 8. الأميرالاي محمود عبد المجيد- 56 سنة – صناعته بالمعاش – سكنه الزيتون. 9. البكباشي محمد الجزار – 59 سنة – بالاستيداع “حرس الوزارات”- سكنه مصر الجديدة. هذا وقد اتهمت النيابة العمومية المذكورين بأنهم في مساء السبت 12 فبراير 1949 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة. كان تقرير النيابة وحكم محكمة جنايات القاهرة برئاسة محمود محمد عبد الرازق وعضوية المستشارين محمد الصيرفي، محمد متولي، وحكمت في الدعاوي المدنية التي تقدم بها زوجة حسن البنا وابنه وصهره، لكنها كانت أحكامًا أقرب إلي الفهم الشائع عن المتهمين، ومن ثم فقد راحت تنسب إلي المتهمين التهم التي وجهت إليهم منذ التحقيقات الأولي والأحكام من نفس الفهم التقليدي الذي حمل ضباط القسم السياسي التستر وارتكاب الجريمة. أولاً: معاقبة المتهم الأول أحمد حسين جاد الأشغال الشاقة المؤبدة، وكل من المتهم السابع محمد محفوظ والمتهم الثامن الأميرالاي محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً، وإلزامهم بطريق التكافل مع الحكومة المسئولة عن الحقوق المدنية. ثانيًا: معاقبة البكباشي محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوي المدنية قبله. ثالثًا: براءة كل من مصطفي أبو الليل واليوزباشي عبده أرمانيوس والبكباشي حسن كامل، والجاويش محمد سعيد إسماعيل، والأومباشي حسين رضوان مع رفض الدعاوي المدنية الموجهة إليهم. كان الحكم مفاجأة للعميد محمود عبد المجيد الذي أسند رأسه علي يديه وعلت وجهه صفرة شديدة وظل في مكانه بالقفص إلي أن قاده الحراس إلي السجن. أما أحمد حسين جاد فظل يبتسم ابتسامة عريضة بعد سماع الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وكأنه لا يدري ما يدور حوله. وانفجر مصطفي أبو الليل – الذي حكم ببراءته – باكيًا وأخرج منديله من جيبه ليجفف به دموعه. وبعد صدور الحكم أمر جمال عبد الناصر بالإفراج الصحي عن محمد الجزار في 29 يونيه 1955 أي بعد عام تقريبًا من صدور الحكم. كما طعن محمد الجزار في الحكم بطريق النقض ولكن محكمة النقض قبلت الحكم شكلاً ورفضته موضوعًا. وقررت الحكومة رد اعتباره بعد أن صدر حكم لصالحه من محكمة جنايات القاهرة في 25 نوفمبر عام 1957. وجدير بالذكر أنه قد تم تقديم إبراهيم عبد الهادي إلي محكمة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة بعدة تهم منها التستر علي قتلة حسن البنا. وأصدرت المحكمة حكمًا بالإعدام علي إبراهيم عبد الهادي ورأي مجلس قيادة الثورة في 4 أكتوبر 1953 – تخفيف الحكم إلي الأشغال الشاقة المؤبدة. ولكن المحكمة لم تحدد هل هو بريء أو أدين في هذه التهمة. وقد أفرج عنه صحيًا – بعد أربعة شهور – في 2 فبراير 1954 ونقل إلي بيته لإصابته بأزمة قلبية. كما أفرج صحيًا عن محمد محفوظ عام 1960، وأفرج صحيًا عن الرقيب أحمد حسين جاد في 4 سبتمبر عام 1967 دون أن يمضي مدة العقوبة كلها. واختفي نص الحكم وحيثياته حتى التي كتبها رئيس المحكمة بخط يده. وفي 13 فبراير 1953 احتفل الإخوان المسلمون بالذكرى الرابعة لاستشهاد البنا _ رحمه الله _ وذهب مجلس الثورة إلي قبر الإمام الشهيد وعلي رأسه اللواء محمد نجيب وألقي بالنيابة عن مجلس الثورة كلمة عن الإمام ودعوته، أذيعت من إذاعة القاهرة.