* نيابة الأموال العامة تحقق فى استيلاء جمعية واحدة للضباط على 900 مليون جنيه * رواتب كبار الضباط المشرفين على الصندوق تتجاوز 10 ملايين بخلاف رواتبهم من الوزارة * صندوق أراضى وزارة الداخلية يربح سنويا 205 ملايين جنيه وفقا لأحكام المادة 206 من الدستور، فإن الشرطة (وزارة الداخلية) هى هيئة مدنية نظامية فى خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة. وفى حقيقة الأمر قرأت الدستور عدة مرات، ولم أجد فيه كلمة واحدة عن حق الشرطة (وزارة الداخلية) فى تجارة الأراضي، أو ممارسة مهام السمسرة العقارية، فى تقسيم وبيع الأراضى لمن يدفع أكثر. لكن لواءات عديدة فى الداخلية يعملون وفقا لأحكام مصلحتهم، ويسهرون على إثراء حساباتهم البنكية، ويكفلون لرجال الأعمال منفذا للحصول على أراض ذات موقع متميز، بأسعار زهيدة، هى فى الأصل حق الشرفاء والكادحين، والساهرين على أمن المواطنين، بعيدا عن الجهة الإدارية المنوط بها فعل هذا الأمر وفقا للقانون وهى وزارة الاسكان. ولأن المسألة شديدة الربح، وشديدة الاغراء، والإغواء، فقد قامت وزارة الداخلية بإنشاء مايسمى بصندوق مشروعات أراضى وزارة الداخلية، ثم جهاز تنفيذى لمشروعات أراضى وزارة الداخلية، ليس لبناء سجون أو أقسام شرطة، أو وحدات مرور أو إدارات تخدم المواطنين، أو حتى لبناء وحدات سكنية لصغار ضباط الشرطة فقط، بل لبناء شقق سكنية باهظة الثمن لا يستطيع الخريج الحديث دفع تكلفتها. السؤال هنا، كيف تحصل وزارة الداخلية على الأراضى التى تتاجر بها وتتربح منها، وتوزع من أرباحها المقدرة بمئات الملايين على كبار قياداتها؟ من طريقين. الأول بوضع اليد، (عافية) كالعرب الذين نطلق عليه بلطجية الصحراء، والثانى عن طريق جمعيات تعاونية لمساكن الضباط يرأسها ويديرها لواءات كبار وعاملون فى الخدمة. الجزء الاول (وضع اليد) الذى يتبع صندوق مشروعات أراضى وزارة الداخلية وهى أراض بمئات الأفدنة، أغلبها يقع فى مناطق مميزة جدا، مثل الشيخ زايد وأكتوبر والقاهرة الجديدة. موازنة الصندوق، بلغت ملياراً ومائتى وسبعين مليون جنيه، بند الأجور فيها عشرة ملايين جنيه، والارباح بلغت 205 ملايين جنيه. كم عدد العاملين فى هذا الصندوق ليكون إجمالى أجورهم عشرة ملايين فى السنة، وكم لواء شرطة مازال فى الخدمة يحصل على راتب من الداخلية وراتب آخر من الصندوق؟ الجزء الثانى (عن طريق جمعيات تعاونية مشكلة من لواءات وضباط كبار فى الداخلية)، تتقدم هذه الجمعيات بطلبات للحصول على عشرات أو مئات الأفدنة لبناء مساكن للضباط الصغار، لكن ما أن يحصلوا على الأرض، يضرب بالتعاقد الموقع بينهم وبين وزارة الإسكان عرض الحائط، وينحى القانون على جنب، ولا صوت يعلو فوق صوت كروش القيادات. عدد الجمعيات التعاونية المشكلة من ضباط الشرطة لا حصر له، فكل إدارة أو هيئة أو جهاز أو مديرية أو مصلحة، لها جمعيتها التعاونية، ووفقا لشطارة قيادتها، تحصل على الأراضى وتتم التجارة وتقسيم الشغل، وبدلا من مهمة حفظ أمن المواطنين، تتقدم مهمة تجارة الأراضى وتصبح على قمة الأولويات. فمثال واحد على هذا الأمر كفيل بأن يجعل النيابة العامة تتحرك، وتلقى القبض على رجال تنفيذ القانون بتهمة مخالفة القانون، وهو ما يبدو أنه قريب جدا للتحقق، فنيابة الأموال العامة، بدأت تحقيقاتها فى مخالفة الجمعية التعاونية للبناء وإسكان للضباط العاملين بأكاديمية الشرطة، المعنية أساسا بتخريج ضباط شرطة على أعلى مستوى من العلوم الشرطية، لكن الحال ليس كالخطب الرنانة وحفلات التخرج العظيمة. فوفقا للتحقيقات فقد حصلت جمعية النخيل من وزارة الإسكان على ما يقرب من 800 فدان فى القاهرة الجديدة، بغرض بناء مدينة سكنية للسادة الضباط العاملين فى أكاديمية الشرطة، وبدلا من تنفيذ بنود العقد، وتوفير وحدات سكنية للضباط، قام السادة لواءات الشرطة ببيع الأراضى لرجال الأعمال الذين اشتروا الأراضى المخصصة للضباط، فاشترى إدوار فكرى لبناء مول تجاري، ورجائى عبدالرازق لبناء مدرسة دولية، وعماد راغب لبناء معهد خاص، وعلاء خليفة لبناء مدارس زوسر الدولية، وشركة يوجو مصر لبناء مول تجاري، وحمدى الملا لبناء مدارس سميت كبريدج، وإبراهيم عبدالله لبناء معهد حاسبات، ونيرمين إسماعيل لبناء مدارس مصر 2000، ومحمود شاكر لبناء مدارس منارة الفاروق، وشركة الفقيه القانونى أحمد كمال أبو المجد المصريين للاستثمار» لبناء مبنى إداري. ولم يتوقف الأمر على المشاريع الخدمية فقط، بل إن أحدهم وهو ثروت عزيز إسكندر قرر بناء مشروع سكنى على الأرض التى اشتراها من جمعية اللواءات المسماة بجمعية النخيل، وهو الأمر الذى شجع ماجد سامى جرجس صاحب أندية وادى دجلة، بأن يشترى هو الآخر قطعة أرض فيها لبناء ناد جديد لا يمنح أى ميزة فى العضوية لصغار الضباط، الذى بنى ناديه على أرض مخصصة فى الأصل لهم.. القائمة طويلة جدا، وتحتوى على أسماء ومشاريع كبيرة وشهيرة كلها مهددة بالتوقف، لأنها مشتراة ممن لا يملك، وباعها لمن لا يستحق، ولن يستطيع احد من هؤلاء أو غيرهم ممن اشتروا الارض أن يرخص مبنى واحداً، او يحصل على حق تسجيل أى وحدة إدارية أو سكنية أو تجارية، لأنها عملية بيع مخالفة للقانون. أين السادة الضباط الذين يموتون دفاعا عن مصر؟ لا شىء، أين السادة الضباط الذين يقفون فى الشوارع ليلا ونهارا ويؤدون واجبهم باحترام وشرف؟ لا شىء، فلا مكان لهم فى عزبة اللواءات أصحاب المكاتب المكيفة الذين يلعبون بالملايين. النيابة العامة، رأت أن الموقف صعب، فطلبت من السادة اللواءات التصالح مع وزارة الإسكان، بمبدأ جلب المنفعة ودرأ الضرر، بقدر الإمكان وبما لا يخالف القانون، وحتى لا يتعرض أحد للضرر. فطلبت من وزارة الاسكان ان تقيم وتحصر رجال الاعمال الذين حصلوا على ما لا حق لهم فى اراضى صغار الضباط، وبالفعل قامت الوزارة بعمل تقرير مفصل بموقف كل قطعة أرض تم بيعها بالمخالفة للقانون، عن طريق لجنة جرى تشكيلها لهذا الأمر. التقرير انتهى إلى إلزام جمعية النخيل لإسكان ضباط الشرطة بدفع فارق اسعار بين السعر المخصص كتعاونى للسادة الضباط، وبين المفترض أن يتم بيعه بالمزاد العلنى كسعر تجارى واستثماري. اللجنة توصلت إلى أن فارق الأسعار بلغ ما يقرب من 400 مليون جنيه بخلاف الغرامات وفوائد التأخير، ليصبح المبلغ المفترض دفعه يقترب من 900 مليون جنيه. السادة كبار الضباط المسئولين عن الجمعية وكل مخالفاتها رفضوا، وحاولوا التهرب من القانون مرة أخرى، فأصرت النيابة على إعمال القانون، فما كان منهم إلا أن لجأوا إلى حيلة، بأن عرضوا على وزير الإسكان مصطفى مدبولى التنازل عن قطعة أرض رقم 4 بمساحة 23369 مترا قيمتها السوقية الآن تقترب من 400 مليون جنيه، على أن ينتهى النزاع عند هذا الرقم وتعترف الوزارة بحق الجمعية فى بيع الأراضى لرجال الأعمال. فهل تقبل النيابة بهذا التخاذل؟ أم تطالب بحق الدولة فى المبلغ بأكمله (900 مليون جنيه) طالما تحول الأمر إلى تجارة، وليس إلى تعاون لتوفير الوحدات السكنية لصغار الضباط. لكن السؤال الأهم والأخطر، هل يقبل وزير الداخلية الجديد، أن يستمر عمل الوزارة فى تجارة الأراضي، بدلا من حفظ الأمن وتوفير الاستقرار كما جاء فى الدستور، أم يطيح بالسادة الأباطرة تجار الأراضى من الداخلية، ويدفعهم لتحقيق طموحاتهم ليكونوا سماسرة وتجار أراض بعيدا عن الداخلية؟!