محافظ أسوان يكرم الموظفين الحاصلين على المراكز الأولى في الدورات والبرامج التدريبية (صور)    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الثلاثاء 23-5-2025    ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق اليوم 23-5-2025 (موقع رسمي)    سعر جرام الذهب صباح اليوم الجمعة 23 مايو 2025    غارات عنيفة للاحتلال تثير الرعب في جنوب لبنان    والد الأسير الإسرائيلي المحرر عيدان ألكسندر: نجلي أصيب بقصف على غزة    موعد نهائي كأس مصر للكرة النسائية بين الأهلي ووادي دجلة    "صلاح على أون سبورت " تريند على تويتر في ليلة تتويجه التاريخية    صباحك أوروبي.. أناقة صلاح.. حلم رافينيا.. ورحيل مودريتش عن ريال مدريد    خلافات مع الأشقاء السبب.. تفاصيل العثور على جثة شاب أنهى حياته بكرداسة    أخبار مصر: زلزال جديد يضرب اليونان ويقلق المصريين، قفزة في الذهب، محمد رمضان يدفع الملايين ل MBC، تحذير من موجة حارة    توقيع بروتوكول تعاون بين الإسكان والثقافة لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة    إطلاق 3 قوافل طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية "حياة كريمة"    ريال مدريد يستعد لتقديم تشابي ألونسو مدربا للفريق الملكي    كوريا الشمالية تفتح تحقيقا موسعا في حادث فشل تدشين مدمرة بحرية    وزير الصناعة والنقل يلتقي بصنّاع ومُنتجي الحديد لوضع سياسات موحدة لتعميق الصناعة وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة الحديد ومنتجاته    مدير أمن البحر الأحمر يوجّه بتنظيم الحركة المرورية بشوارع منطقة الكوثر بالغردقة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 23 مايو 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    ضبط 4 أشخاص لسرقتهم الشقق السكنية بالتجمع الخامس    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    رئيس البنك الإسلامي يعلن الدولة المستضيفة للاجتماعات العام القادم    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    عودة لحراسة الزمالك؟.. تفاصيل جلسة ميدو وأبو جبل في المعادي (خاص)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرياضة ومهرجانات تكريس القبح والسفالة!
نشر في صوت الأمة يوم 22 - 02 - 2020

في كتابه الشائق «حَيْوَنَةُ الإنسان»، الصادر في العام 2003، يحذرنا الكاتب والشاعر السوري «ممدوح عدوان» من تحولنا إلى حيوانات عن طريق آفة الاعتياد وخطورة التعوّد، وما يمكن أن تُخلّفه هذه الآفة في تكوين الإنسان، وتغير من طبيعته، وتُنبت فيه أشياء تتعارض مع فطرته السليمة التي فطره رب العالمين عليها.

الاعتياد على شيء- محمودًا كان أم مذمومًا- يكرسه ويرسخ وجوده في العيون قبل النفوس.. فالتعود على الجمال قد يبدأ بكلمة، أو بصورة، أو بمشهدٍ، أو بتصرفٍ حسنٍ، أو بسلوكٍ قويم.. بينما اعتياد القبح عكس الجمال في كل شيء، فاذا لم يُواجَه هذا الانحراف بكل حزم وحسم، فإنه يتمدد، وينتشر، ويتوغل، ويضم إليه جماعات من الناس لم يعيبوه، ثم ارتضوه.. ويربون أبناءهم على هذه السلوكيات المشينة، فكانت النتيجة أن صار لدينا قطاعات عريضة لا ترى في القبح ولا السفالة ولا قلة الأدب عيبًا، بل تظنها معيارًا للرجولة بكل ما تحمله من معنى!

ربما يُهّون القارئ من خطورة ما أرمي إليه، ويقول إن ما يفعلونه هم وأبناؤهم مجرد «عرض طارئ»، أو «تفاريح»، وسرعان ما يقلعون عنها.. لكن ألا يعلم هؤلاء أن معظم النار من مستصغر الشرر؟ وأن الإدمان يبدأ ب«سيجارة فرايحي»؟ وأن «الزنا» يبدأ بنظرة؟ وأن «مقالب الزبالة» تبدأ بورقة لقيطة، أو قشرة موز، أو بقايا طعام؟ وأن ما يسمى بأغاني المهرجانات بدأت بشخص مغمور، وكلمات هابطة، ولحن صاخب نشاز؟

آفتنا التعوّد لتكريس كل قبح وسفالة وانحطاط.. بل وتكريس الظلم، والقهر أيضًا.. هل راقبت التغيرات التي تحدث داخلك وأنت تشاهد صورة، أو فيديو لعدوك وهو يقتل أحد أبناء وطنك أو عروبتك؟ ربما لا تطيق رؤية هذا المشهد في المرة الأولى.. لكن بتكرار المشهد في أوقات مختلفة، ربما تشاهده ودماء الثأر والانتقام تغلي في عروقك، ثم تشاهده في المرة الثانية وتدينه، ثم تشاهده ثالثًا، وتستقبحه، ثم رابعًا وتستقذره، ثم بتكرار المشاهدة تهدأ نفسك، وتتعود عينك على هذا المشهد، وتصل إلى مرتبة الحيوانية، وتصبح متبلد الحس، متجمد المساعر.. ولن تعد أنت هذا الذي كان ينتفض لرؤية طفل مقتول، أو امرأة مغتصبة، أو شاب محروق!

تنتشر آفات القبح، والسفالة، وقلة الأدب في فترات الضعف الحضاري والثقافي لأي أمة، حيث تختل المعايير، وينقلب الهرم السلوكي.. هذه الآفات تبدأ بآحاد الناس، كسلوك شاذ منحرف، فإذا ما وجدت بيئة صامتة أو مشجعة، أو ميوعة في مواجهتها، فإنها تكون كالعدوى، فتنتقل إلى خانة العشرات، ثم المئات، ثم الألوف.. حتى يتسع الخرق على الراتق!

لقد بدأ أحد المغمورين، أغاني المهرجانات بأغنية هابطة، بكلمات هابطة، ولحن سوقي.. وتقاعسنا في مواجهته.. فلما وجد صمتًا، وتشجيعًا من البعض، تحول إلى «فيروس» انتقل إلى العشرات، ثم المئات ممن يُطلق عليهم «مطربو المهرجات»، الذين اعتاد كثير منا على سماعهم، فحققوا شهرة عريضة، جعلت بعض المسؤولين يستعينون ببعضهم لإحياء حفل في استاد القاهرة، فكانت الكارثة حين حرضت إحدى أغنياتهم على شرب الخمور والحشيش!

وبدأت السفالة وقلة الأدب في الملاعب من أحد الجماهير المتعصبين، الذي ظن أن تعصبه الأعمى لفريقه، وشتمه لاعبي الفريق المنافس، هو تشجيع رياضي.. فلما لم يوقفه أحد عند حده، تحول إلى فيروس في المدرجات، وظهر مشجعون «شتامون»، ثم تطور الأمر بظهور روابط الألتراس التي خاضت في أعراض اللاعبين، وما تركت ناديًا أو لاعبًا أو إداريًا منافسًا إلا ونالت منه، وكالت له أقذع الشتائم.. بل إن ناديهم، ولاعبيهم، وإدارييهم لم يسلموا من سفالاتهم، وقلة أدبهم، وتعصبهم المقيت.. فماذا كانت النتيجة؟ أفقنا على كارثة مجزرة استاد بورسعيد، وما زلنا ندفع الثمن.

ثم انتقلت السفالة من بعض الجماهير إلى بعض اللاعبين الذين تقمصوا دور المشجعين المتعصبين، وراحوا يستفزون مشاعر الفريق المنافس وجماهيره بالكلام والأفعال، دون أن يحاسبهم أحد.. بل- للأسف الشديد- وجدوا صمتًا، وتشجيعًا من بعض المسؤولين، ومن بعض الصحفيين والإعلاميين الذين تخلوا عن رسالتهم، وتحولوا «طواعية» إلى مشجعين متعصبين، أو أجبرتهم «السبوبة» على القيام بهذا الدور القذر!

وإذا كان انتشار السفالة بين الطبقات الدنيا خطير، فالأخطر انتشار ها بين الطبقات الأعلى، وكبار المسؤولين.. فها نحن قد اعتدنا على سماع التصريحات الاستفزازية، والتهديدات المستقبحة، و«البذاءات» المنتقاة، التي يطلقها رئيس نادٍ كبير بحق مسؤولين رياضيين وغير رياضيين، على الهواء مباشرة، عبر قنوات تليفزيونية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يقترب منه أو يحاسبه أحد، محتميًا بحصانة برلمانية، رفض مجلس النواب رفعها عنه مرات عدة؛ حتى ترسخ لدى البعض أن هذا «الشتام»، «الغلّاط»، هو النموذج الذي يجب أن يكون عليه رئيس ناديهم.. فقلده بعضهم واتخذوه قدوةً، ومثلًا أعلى، حتى رأينا عشرات مثل هذه النموذج في دوريات المظاليم.. وأصبح لدينا مَنْ يدافع عن القبح، ويبرر السفالة، ويصقف لقلة الأدب!

والأخطر- حقًا- هو اختلال المعايير، فلم يعد شعار الرياضة: «التواضع عند النصر، والابتسام عند الهزيمة»، بل: «الغرور والاستفزاز عند الفوز، وضرب وشتيمة المنافس عند الهزيمة».. وللأسف، بعض اللاعبين توهموا أن البلطجة داخل الملعب «رجولة»، واستفزاز المنافس «بطولة»، وإهانة الآخر محبة لناديهم.. وتناسوا أن «كل إناء ينضح بما فيه»، و«الشيء من مأتاه لا يستغرب»- كما يقول المثل العربي- أو كما نقول في فلسفتنا الشعبية: «إن طلع العيب من أهل العيب ميبقاش عيب»!


اللعنة على التعوّد.. فالاعتياد على القبح يكرس القبح، والاعتياد على السفالة يكرس السفالة.. والاعتياد على الفساد يكرس الفساد، والاعتياد على البلطجة يكرس البلطجة.. والاعتياد على القهر يكرس القهر.. هل سألت نفسك كيف اعتادت أذنك على سماع الصخب الضجيج الذي يقابلك في كل مكان؟ وكيف اعتادت أنفك على الروائح الكريهة المنتشرة في معظم الأماكن؟ وكيف تتعايش عينك مع الأشياء المنفرة المقزّزة التي تصدمك أينما وليّت وجهك؟

إنه التعوّدُ الذي يقتل فينا أشياء جميلة، ويحيي فينا أشياء قبيحة.. التعوّدُ الذي هو أعمق وأبعد أثرًا تخريبيًّا في الإنسان، من اللامبالاة والأنامالية، وعدم الاهتمام.. إنه الاعتياد الذي يميت داخلنا شُعيرات حساسة في مجرى الشم والسمع والبصر.. أو كما يقول «ممدوح عدوان»: «نحن لا نتعوّد إلاَّ إذا مات فينا شيءٌ، فتصوَّر حجمَ ما مات فينا حتى تعوّدنا على كلّ ما يجري حولنا.. فكم فقدنا من كرامتنا وإنسانيتنا؛ حتى صرنا نتعوّد الإذلال المحيط بنا، لنا ولغيرنا؟!».

بإمكان الدولة- لو أرادت- أن تفعل الكثير من أجل ترسيخ الجمال، وعودة الانضباط في حياتنا، ليس بقوة المنع، بل بمواجهة القبح بمزيد من الجمال، والتصدي لأغاني المهرجانات بتشجيع الشعراء والمبدعين على إنتاج المزيد من الكلمات والأغاني المحترمة، والتخلي عن الدراما «الهايفة» لصالح الدراما الهادفة، والتصدي للبلطجة والسفالة، وقلة الأدب بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وإعلاء القيم والمثل العليا، وتعليم الأجيال أن المجد للعلماء والشرفاء والمحترمين، وليس للعوالم، والفاسدين، والسفلة، والبلطجية..

تقول الحكمة: «مَنْ أمن العقاب أساء الأدب». ويقولون في الأثر: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».. فهل يفيق مسؤولونا، ويتصدون لهذا القبح بكل حزم وحسم، أم سينتظرون حتى نستيقظ على مجازر أبشع من مجزرة بور سعيد؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.