السياسة هي عمل اجتماعى قبل كل شيئ، ومهمة السياسة في أي مجتمع هي أيجاد لغة حوار بين المجتمع والدولة وبين طبقات المجتمع وفئات المجتمع وبعضها البعض، فالسياسة هي وسيلة تواصل واتصال وأداة مرنة تستهدف عدم الصدام وتجنب وصول الأمور أو المشكلات الى مرحلة المعركة. ومشكلة السياسة المصرية الرسمية أو غير الرسمية هى انها انفصلت منذ فترة طويلة عن علوم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي بشكل خاص ... ولهذا من الطبيعى ان تجد سياسيين لا يفهمون نفسيه هذا البلد وكذلك من الطبيعى أن تجد حالة الفوضى فى الخطاب السياسي بين النخبة والرأى العام .لأن من يفهم مجتمعه يعرف متى يتحدث واين والى من يوجه خطابه ؟ إذ أن علم الاجتماع هو الأساس الذى يمكن عليه قياس طبيعة التفاعلات الاجتماعية والمتغيرات التي تطرأ على احتياجات الجمهور، وكذلك فهم نفسية الرأي العام، وبدون الفهم الدقيق لعلم الاجتماع يصبح السياسى كمن يخاطب جمهوراً لا يعلم عنه شيئاً لا يفهمه ولا يستوعب ردود افعاله ولا يستطيع التجاوب معه وبطبيعة الحال يفتقد القدره على قيادته. وقد يظن البعض أن الاختلاط الطبيعى بالمجتمع في الحياة اليومية يكفى حتى يستطيع السياسي أن يفهم بها طبيعة الناس، لكن الحقيقة ان هذا النوع من الاحتكاك اليومى لا يؤسس إلا وجهة نظر شخصية غير كامله عن كافة محتويات المجتمع. خسر السياسيين عندما تحولوا مع الوقت الى طبقة سياسية تعبر فقط عن مصالحها الشخصية، حتى أن مطالبها باتت مطالب تخص السياسيين وكانها مطالب فئوية وليست مطالب اجتماعية، باتت النخبة تنعزل عن المجتمع ليس عن قصد، وانما عن جهل بمحتويات مجتمعهم وطبيعه التحولات الجارية بداخله والتي تؤدى الى ظواهر تطفو على السطح من وقت لأخر. ان السياسة بدون علم اجتماع هي حالة فارغه، تفسد اكثر مما تصلح، فإذا اردنا اصلاحاً حقيقياً علينا ان نستعيد علوم المجتمع في شتى تحركات الحكومة والأحزاب وكل ممارسات المجتمع، وقتها ستجد فلسفة حقيقية لكل قرار، وسنجد تفاعل اجتماعى مع كل خطوة للنظام السياسي بإتجاه المجتمع. أن ممارسة السياسة وفق المجتمع وتقسيماته الطبقية ودوافعه الحقيقية سيؤسس طوقاً حامياً للمجتمع من جماعات المصالح، حتى أنها قد تجعل من هذه الطبقات اكثر قابلية للتعاطى مع احتياجات المجتمع. عندما فقدنا قيمة علوم الاجتماع بات الخطاب السياسي غير مفهوم ولا يعرف طريقه للناس، وشاهدنا برامج حزبية لا تعبر عن الجمهور ولا تعى احتياجاته، ورأينا تنظيمات حزبية تعانى احباطاً أكبر من الاحباطات التي يعانيها الجمهور المتابع للسياسة بحالة من الملل. أن المجتمع كالأنسان له استيعابه وتفاعلاته وانفعالاته وردود فعله وله ايضاً عقل باطن يحتوى على انعكاسات الاحداث وهذا الباطن هو المخزون الحقيقى للمشاعر السلبية والايجابية للمجتمع، وكثيرون للأسف يتعاملون مع الظواهر الاجتماعية بشكل سطحى ناظرين الى الاخبار اليومية، ثم يتفرغون لإعطاء احكاماً ناقصه وعامه ومطلقه عن المجتمع. نصيحة سياسية إذ اردت أن تفهم مجتمعك اعرف دوافعه أقرأ عقله الباطن ستعى وقتها أنك لا تحتاج مجهوداً كبيراً في الوصول بالجمهور الى قناعات حقيقية ونافذه باقل مجهود، فليس حقيقياً ان ظاهر مجتمعنا يعكس باطنه.