إلا أن أرسل حملة عسكرية بقيادة سنان باشا ودرغوت باشا وفرض الجيش العثماني حصاراً علي طرابلس لمدة أسبوع إلي أن سقطت المدينة في يد العثمانيين لتظل ليبيا بأقاليمها الثلاثة طرابلس الغرب وبرقة وفزان تحت سيطرة الدولة العثمانية بداية من عام 1551 وحتي 1711 وكما كان سائداً في الأقاليم التابعة للدولة العثمانية، كان السلطان يتولي تعيين حاكم للبلاد. في البداية كان الحكم مستقراً في ليبيا لقوة الدولة العثمانية وسيطرتها علي مقاليد الأمور ولكن سرعان ما بدأ الضعف يدب في أوصال تلك الدولة مترامية الأطراف وظهر ذلك بشكل واضح في ليبيا التي كانت أميل إلي النظام القبلي وهو نظام يحتاج لسلطة مركزية قوية وتمثل هذا الشغف في حالة عدم استقرار وأعمال سلب ونهب وقتل فضلاً عن تغيير الولاة بشكل مستمر ولم يقض علي تلك الحالة من الفوضي سوي أحمد القرمانلي الذي تزعم في عام 1711 ثورة شعبية أنهت الحكم العثماني في ليبيا ولو مؤقتاً. وكعادة الحكام في بلاد العرب، تعهد الباشا الجديد بالقضاء علي الفساد والاستبداد ورفع الظلم عن الناس وانتهي به الأمر إلي أن صار مستبدأ جديداً أسس حكماً لأسرته امتد حتي عام1835 وكعادة الشعوب العربية، رحب الليبيون بحكم القرمانلي وأمام ذلك لم يجد السلطان العثماني مفراً من تنصيبه والياً علي ليبيا ومنحه قدراً كبيراً من الاستقلالية واكتفي بأن تصبح ليبيا جزءاً من الدولة العثمانية شكلياً. كانت هناك بعض الإيجابيات لحكم الأسرة القرمانلية في ليبيا، حيث أعاد الباشا النظام وقضي علي الفوضي وصار لليبيا في عهده أسطول قوي منحها مكانة بين بلاد البحر المتوسط حتي إنه في عهد يوسف باشا القرمانلي كانت ليبيا تفرض رسوماً علي سفن دول أوروبا وأمريكا مقابل العبور في مياه ليبيا الإقليمية بالبحر المتوسط. بل ودخلت في نزاع مع الولاياتالمتحدة واستولت علي إحدي السفن الأمريكية وتطور الأمر إلي حرب استمرت لأربع سنوات حاصرت فيها السفن الأمريكيةطرابلس وقامت بقصفها ولكن تمكن الأسطول الليبي من الانتصار في النهاية واستولي علي أكبر سفن الأسطول الأمريكي في عام 1805 ولكن سرعان ما دب الضعف مرة أخري في أوصال حكم الأسرة القرمانلية وأهمل يوسف باشا الحكم وعادت الفوضي إلي ليبيا مرة أخري واندلعت عدة ثورات ضد الباشا الذي اضطر مرغما إلي التخلي عن الحكم لصالح إبنه علي يوسف القرمانلي في عام 1832 الذي لم يستمر في الحكم سوي ثلاث سنوات لتعود الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد إلي بسط سيطرتها مرة أخري علي ليبيا بعد أن وصل إليها الأسطول التركي وألقي القبض علي، علي باشا ونقله للأستانة. وكعادة العرب، رحب الليبيون بعودة الحكم العثماني مرة أخري وظنوا أن هذا الحكم سيحميهم من الأطماع الغربية ولكن كان ظنهم في غير محله. فخلال تلك الفترة كانت الدولة العثمانية قد بدأت تضعف وكان الإيطاليون فد بدأوا في الالتفات إلي ليبيا التي لا تبعد كثيراً عنهم. بدأت المطامع الإيطالية في ليبيا تظهر من خلال فتح باب الهجرة للأسر الإيطالية التي تريد الهجرة والإقامة في ليبيا فقام الإيطاليون ببناء المدارس والمستشفيات والكنائس وأسسوا الشركات التجارية وأقاموا علاقات اقتصادية واجتماعية مع السكان. وفتحت الحكومة الإيطالية فروعاً لمصرف إيطاليا المركزي في طرابلس وبرقة وأغرقت تلك الفروع الليبيين بالقروض وكان المصرف يستولي علي أرض من لا يتمكن من سداد القرض وبتلك الطريقة استولي الإيطاليون علي الكثير من الأراضي. في تلك الفترة كانت منطقة شمال أفريقيا شبه محتلة بالكامل من قبل الفرنسيين والبريطانيين ولم يتبق سوي ليبيا كمنطقة لا تخضع للنفوذ الغربي. ولأن إيطاليا كانت تعتبر نفسها صاحبة حق تاريخي في تلك المنطقة فقد لجأت إلي اتفاقات مع فرنسا لتمهد لاستيلائها علي ليبيا فاعترفت إيطاليا لفرنسا باحتلال تونس والمغرب، مقابل اعتراف فرنسا باحتلال إيطاليا لليبيا. واعترفت إيطاليا لإنجلترا باحتلال مصر لنفس الغرض. ولم يبق أمامها سوي إزاحة الحكم العثماني من ليبيا ولم يكن ذلك أمراً صعباً. فعندما عمت الفوضي أرجاء الدولة العثمانية بعد الانقلاب الذي أطاح بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، أرسلت الحكومة الإيطالية إنذاراً للدولة العثمانية تشير فيه إلي تردي الأوضاع الداخلية في ليبيا وخوفها من تأثير ذلك علي الرعايا الإيطاليين هناك. وأعقب ذلك هجوم الأسطول الإيطالي علي ليبيا وقصف طرابلس ودرنة وبنغازي من البحرية الإيطالية. ورغم أن القوات العثمانية والليبية قاومت لبعض الوقت غير أن الجيش الإيطالي الذي زاد علي ثلاثمائة ألف مقاتل تمكن من هزيمة العثمانيين وانتهي الأمر بتوقيع معاهدة بين العثمانيين وإيطاليا في أكتوبر 1912 اعترفت فيها الدولة العثمانية بسيادة إيطاليا علي ليبيا، ليبدأ أهل ليبيا في مقاومة المحتل الإيطالي بأنفسهم وكانت تلك المقاومة مؤثرة في البداية حتي إن السيطرة الإيطالية اقتصرت علي المناطق الساحلية فقط. وعندما اندلعت الحرب العالميه الأولي، انضم أحمد الشريف السنوسي الذي تزعم المقاومة ضد الإيطاليين إلي تركيا وبعد هزيمة قواته تخلي عن الزعامة للشيخ إدريس السنوسي. سعي الإيطاليون إلي استمالة الليبيين ولكن لم تنجح جميع محاولاتهم ولم يلق الإيطاليون تعاوناً من أهل ليبيا إلا فيما ندر بل اشتعلت المقاومة ضدهم في جميع مناطق ليبيا. ولمواجهة ذلك استخدم الإيطاليون العنف المبالغ فيه ضد الأهالي وارتكبوا مجازر عدة ضدهم فأبادوا أهل المنشية شرق طرابلس في مذبحة لم ينج منها حتي النساء والأطفال وارتكبوا مجازر أخري في بلدات وقري أخري أسفرت عن نفي أو قتل عشرات الآلاف. ولم تسفر تلك المجازر سوي عن اشتعال الثورة ضد الوجود الإيطالي، وبزغ نجم عمر المختار الذي تولي المقاومة في منطقة الجبل الأخضر نيابةً عن الشيخ السنوسي. ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين السنوسيين والأتراك وازداد الأمر سوءاً نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وحدوث مجاعة أهلكت المئات وزاد الطين بلة بتفشي وباء الطاعون فأجبر السنوسي مكرهاً علي الدخول في مفاوضات مع بريطانيا وإيطاليا. وكان من نتيجة تلك المفاوضات إبرام اتفاق حدد مناطق نفوذ للسنوسيين وأتاح لهم حرية الحركة أعقبه اتفاق في عام 1920 اعترفت فيه إيطاليا بالسنوسي زعيمًا حاكمًا للجزء الداخلي من ولاية برقة ومنحته لقب أمير واعترفت بحكم وراثي للعائلة السنوسية في تلك المنطقة. خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالميه الأولي أبرمت إيطاليا اتفاقاً مع مجموعة من الزعماء الليبيين اعترفت بموجبه بقيام جمهورية طرابلس وكانت جمهورية تتمتع بالاستقلال الذاتي، تحت سيادة ملك إيطاليا. نص الاتفاق علي تشكيل مجلس نواب محلي وآخر حكومي يشتركان في حكم طرابلس وبالفعل تم الاتفاق علي إنشاء تلك الجمهورية التي كانت أول جمهورية عربية في السادس عشر من نوفمبر 1916 تولي السلطة في تلك الجمهورية مجلس رئاسي مكون من سليمان باشا الباروني وعبد النبي بلخير واحمد المريض ورمضان السويحلي ولكن لم تستمر تلك الجمهورية سوي ستة أشهر فقط. و ترتب علي ذلك مواصلة الليبيين لمقاومة الإحتلال الإيطالي و دارت معارك عدة وسعت إيطاليا بكل قوتها للقضاء علي تلك المقاومة و استتهدفت زعيمها الشيخ عمر المختار الذة نجحت في القبض علية في سبتمبر 1931 و أحرت محاكمة عسكرية لة أسفرت عن الحكم بإعدامة في السادس عشر من سبتمبر 1931. نشر فى العدد 596 بتاريخ 12 مايو 2012