صدر مؤخرا للشاعر والناقد العراقي- المقيم في الدانمارك- علاء حمد، أحدث أبحاثه في مجال النقد بعنوان هبات الفقدان- حركة الخيال والبنى القصائدية في تجربة الشاعر العراقي سلمان داوود محمد. الكتاب من إصدارات دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، ويفسر علاء حمد عنوان الكتاب قائلا: لو حللنا من مثل هذه العنونة معجميا لتوصلنا الى معان متقولبة: وتعني ضياع العاصفة، وفقدانها، ويصلح من مثل هذه العناوين لمجاميع شعرية عادة، ولكن المعنى المجازي والتلاعب باللغة ومراوغتها، اعطى الينا العنوان معان فوق ما رسمناه، فهو الفقدان، وهو السقطة الشعرية في الفراغ، وهو ملاحقة الشعرية اينما تكون، لان الشعرية غير متخصصة ببلد معين، وهي غير عائمة على سطح الماء لرؤيتها متى ماشئنا، وهنا نتطلع الى المعنى الاستقرائي للكتاب، من خلال ابستمولوجيا المعرفة في الوصول الى التأويل والمعرفة والتراكمات المفاهيمية وتوزيع المصطلحات دلاليا ومعرفيا.. فنحن مع التلقي الحاضر، نحن الآن، لانبتعد عن المفهوم الحداثي والحركة الخيالية، فالذهنية هي التي تمتد مع المعاني، فتسيطر على المعنى العام، وتدخل معانيها الخاصة، فضياع العاصفة، هي غير ضائعة وغير مفقودة، ولكن الحس الشعري المركزي هو المفقود، فيذهب هبات الفقدان الى التعارف مع القصائدية ، ويجاور الخيال ويتحرك من حركاته.. شعرية الحدث الشعري علاء حمد لم تبعده الغربة عن الاحساس والمشاركة فيما يعاني أبناء بلده رغم البعد ومعاناة الغربة، كاسرا الحدود ومتارسيها، واضعا انفعالاته في صياغة تمنحه نشوة مغايرة إذ يثور ويهدأ بفاعلية فضائه الشعري، بما يمتلك من عمق وجداني أعطي للقصيدة صورة من جرعات التمرد بممارسته الجريئة في تسلق انفراطات الحياة ومراراتها. وحول ذلك يقول: لا أريد أن أبايع الشعرية والمحتوى العام، ولكن أبايع الحدث الشعري والمحتوى التوظيفي للحدث، ومن خلاله نحو النظرة العقلانية والتي تحويني وتحوي الآخر أيضا، فالنظريات لاتتطور بشكل استطرادي وانما تترك فجوات ومن خلالها تتسم سيرورة الملاحقة للتطور، والدخول الى معجميتها خارج القولبة، فجميع النظريات مفتوحة نحو ذاتها و مفتوحة نحو ذات الآخر، وهي مفتوحة: ذاتية ذاتية ، فاذن لانمانع من دخول التطور وتجاوز العديد من النظريات مع الحفاظ على المبنى العام. - هل من صفات معينة تميز الشاعر عن سواه؟ الشاعر مجرم بطبيعته الشعرية، فهو يكسر اللغة ويبنيها من جديد، ويحطم الاجساد شعريا وينفخ بها من جديد، فلا نستغرب جسد المرأة مثلا عندما يتناوله الشاعر، فهو أمامه كجسد القصيدة، وجسد القصيدة يكسرها الشاعر كما هو في شعرية الشاعر سلمان داود محمد.. وعند البناء يحتاج الى ادوات جديدة ، ادوات يحتاجها من جديد، فهو قد بدأ من دلالة جديدة، فاقرب نقطة اليه يبدأها هي اقرب دلالة يعتمدها في الحدث الشعري. ولكي ندخل الى الحدث الشعري لابد أن نكون مع الشعرية ووجوب التعامل معها على أسس نظامية خارج القولبة، فليس هناك من الاشياء ما يشبع الذهنية في التعاطي الشعري والميول الى الشعرية، ولو اليوم مع الاسف ثورة الشباب في الشعر والتراكم الكمي حول قصيدة النثر والتي يفتقدها معظم الشعراء ويسقطون في الخاطرة. تذوب في الذاتية معظم الاشياء كما أكد جاكبسون، وكما راح الناقد والمفكر جابر عصفور أن يوظف الذات خارج الذات الأنانية، فالذات تتحرك بين الأنا والعالم من جهة وبين الأنا واللغة من جهة أخرى، وهنا تتكون الرؤيا ومدى العطاء في الشعرية ونسبتها في الحراك الذاتي نحو الآخر ونسبتها وتشخيصها للأشياء في بحر اللغة وتشكيلاتها الشعرية. - من هو الشاعر الحق برأيك؟ مهما انتسب الشاعر الى الشعرية ومهما بلغت درجات بلوغه، فالشاعر الحق يبقى يبحث ويبحث، لأنها الفضاء الذي لاينتهي.. ولكي أكون أكثر مع الآن، فلدينا الآن، الآن وما تلاها، وليس الآن مع من مضى، فالكثير من الشعراء لم تكن بدايتهم بالمستوى المطلوب، ولكن تطوروا وكتبوا أجمل القصائد. ويبحث الشاعر من خلال الشعرية عن ذاته وهناك نماذج عديدة ومنها الشاعر المتنبي، الذي بحث عن نسبه من خلال الشعرية، وعرف عن اصوله التاريخية وعائلته، وقد الف النقاد العديد من الدراسات النقدية التشريحية عن ذات الشاعر الشعرية.. وكذلك مانقل الينا من العصر الجاهلي من أدوات شعرية غير مدونة، ولكن جرى التحريف بالكثير لهذه المواد المنقولة لانها خارج التدوين. وقد نسبوا الشاعر الجاهلي بأنه نظم قصائده بأوزان لاصحة لها أبدا مثلا خرير الماء، في الوقت الذي كانت العرب تبحث عن الكلأ والماء في الصحراء، وإذا عثروا، يعثرون على بئر ليست لها الطاقة على الجريان أبدا. - ما أهم أركان الشعرية برأيك؟
جرس المفردة الشعرية يعد تنغيما اضافيا للتنغيم وكذلك للموسيقى الداخلية والخارجية ، وهنا نتحدث عن السقطة الشعرية ، والتي تشغل حيزا جميلا في الجملة الشعرية وتشغل ذهنية المتلقي ، والشعرية لها اركانها ابتداء من منظورها الشعري والى المقاربات الشعرية والمؤسسة الجمالية والتي تعد القاسم الاعظم في الجريان الشعري بالديمومة وايجاد المؤشرات الغنية لفن النظم .. الشاعر مخاتل جميل في كيفية جرّ القارئ الى نتاجه القصائدي، وفي نفس الوقت يعتبر القارئ الأول لما يكتبه ويعرّس من أجله.. وهي عملية تعيينية ضمنية غير مباحة وخارج القولبة الشفافة إلا ماندر في تشخيص مفاتيح الشاعر، وهنا نتكلم عن الشعرية الوازنة المعتمدة كدراسات نقدية تفصيلية وليس كمقالات عابرة تنشر بجريدة وتنسى بعد أيام. انفتحت الشعرية الآن كمنظور ذاتي مقرب، ولذلك حصلنا على النص المفتوح من خلال الغائب والحاضر، وحصلنا على القصيدة الديكارتية، وحصلنا على تشكيلات لغوية لها ابعادها في النمذجة التعبيرية مثلا وفي سيمياء اللغة أيضا وفي التداولية ومابعد التداولية، واخيرا ما أبحر به مابعد القصائدية. المنهجية الشعرية تختلف المنهجية الشعرية من كاتب الى آخر، وأحاول بقدر المستطاع أن أخرج عن تقليد الآخرين، فأنا ان استطعت التحليق، فلست جاهزا إلا من خلال التشكيلات اللغوية، والتي تقود الآخر، الكاتب والشاعر والقاص والروائي.. وتتغلغل في الأعماق، فتجد ضالتها في المتعة الشعرية، وفي النكتة الفكرية، فالشعرية جنون، والكاتب يجن أكثر حين يدخلها، إذن، نحصل على جنونية الكتابة وتعيين اللغة فلسفيا، والتمنطق بها، بل نجعلها مهضومة من خلال ايجاد العدوى إلى الذات، وهنا ندخل الى ذات شاعرية كتابية، ذات لاتتخلى أبدا عن المنطق الاستقرائي، بل تذهب بعيدا نحو الاخر ونحو المتلقي، وهنا جدار التلقي ونظريتها التي تعوم عادة، وتفك الجدران، وتحطم اللغة لتبنيها من جديد. الشعر والشعر خارج الوطن لو ذهبنا قريبا، فسوف نذهب إلى الشاعر العراقي سركون بولص، الذي توفي خارج العراق، وقد ترك إرثا شعريا، وهو يعتمد السريالية والرمزية، فهو الشاعر خارج الوطن، والشاعر ماوراء الواقع، سأكون معه، نعم معه لأكتب عن السريالية مابعد سركون بولص، فمن هو سركون، لقد كان سركون جسدا يعوم مابين البلدان، وقد كان سركون في بيروت وفي بغداد وفي كركوك، لقد كان سركون.. للأسف.. توفي سركون. نحن الآن مع سركون، ولسنا مع الواقع، بل مع العظام التي كان يرميها سركون لتسكت الكلاب عندما تشم رائحتها، نحن مع شعر غير طبيعي أبدا، فالأول كان الشاعر ابن بغداد سلمان داود محمد، والآن سركون الذي توفي في المهجر.