وكانت العيون التى انكسرت على حافة المشاهد المأساة، تبحث عن دموع بلا جدوى، وعن حزن لم يعد يأتى.. تحاول أن تفر من رمادية العجز والاحباط سدى. فقد تعبنا من الشارات السوداء.. تعبنا من سرادقات العزاء، التى لا تنتهى.. تعبنا من المراثى الطويلة، التى ننشدها كل صباح، ونضيعها على حافة المساء. وقعت المذبحة المجزرة على ساحل البحر. خرج جنرالات الإعلام.. وشاويشية المقاهى، رافعين سيوفهم الخشبية، صارخين بحناجرهم المشروخة، هى الحرب يا مولاى.. لا شىء غير الحرب. البعض منهم.. وضع على صدره النياشين والشارات، ووقف صارخا فى العراء.. إذا بلغ الفطام لنا صبيا.. تخر له الجبابر ساجدينا، والبعض.. كبس على نافوخه تاج المارشالية، وعمامة البلاغة والحكمة، وهتف.. يا خفى الالطاف نجنا مما نخاف.. الجميع نصب سرادقات العزاء.. الجميع تقمص دور عنترة، وأبوفراس الحمدانى.. الجميع صار فجأة خبيراً عسكرياً واستراتيجيا وسياسيا، كل واحد منح نفسه الصفة التى يريد، لا أحد توقف قليلا وتأمل المجزرة بصورة شاملة.. الجميع.. شاهدها من نافذة قطار سريع. وكان الحزن يفرش ظله الثقيل على المدينة، أنكفأت البيوت على بعضها، وبكت الشوارع حزنها، فقد ظللنا سنوات طويلة نتعامل بمنطق.. يا بخت من قدر وعفا.. ويا عبدالله يا خويا سماح، ظللنا نكتفى بالشجب والتنديد والتهديد والوعيد، فنحن سادة البلاغة. كنا نتغنى بالأمن القومى المصرى، الذى يمتد إلى ليبيا والسودان واليمن، دون أن نلعب دوراً حاسما للدفاع عن الأمن القومى، تحت وهم اللى فينا يكفينا، ولما نخلص على البلاوى اللى عندنا الأول، دون أن ندرك أن الطلقة التى تأتى من أمام اليوم.. ستأتى من الوراء غداً. وعندما ظهر الرئيس السيسى فى خطابه بعد المجزرة يعلن احتفاظ مصر بحق الرد، فى الوقت وبالاسلوب المناسب، اعتقدنا جميعا أن هذا الوقت قد يتأخر كثيرا وربما لا يأتى، بحكم تجربتنا المريرة مع الواقع العربى، الذى تعود دائما الاحتفاظ بحق الرد، حتى قيام الساعة. واستيقظت الناس من الصباح.. على تلك الضربة الجوية، الفعل المصرى الوحيد خارج الحدود منذ سنوات طويلة، ساعات قليلة ما بين الفعل ورد الفعل.. بين الجريمة والعقاب.. بين المجزرة.. وبين الضربة الجوية.. تلك الضربة التى جعلتنا نشعر للمرة الأولى، بأن مصر «دولة كبيرة بجد».. قوية بجد.. قادرة على الانتقام والثأر لدماء أبنائها الذين يسقطون كل يوم.. دولة تدرك أن عليها ألا تكتفى بمحاربة الإرهاب فى الداخل فقط، فالعدو.. يتربص بنا من الجهات الأربع.. وإن لم ندركه الآن.. سيدق أبوابنا.. ويجز رءوسنا غداً.. لقد حركت تلك الضربة العالم كله.. وعادت مصر لمجدها القديم. نشر في عدد 741 بتاريخ 23/2/2015