أيها الموت الذي يتحنجل في الشوارع، لماذا لا تتوقف قليلا، حتي نستطيع أن نودع الأحبة، ولو ببعض الكلمات. أيها الحزن الذي يسكن العيون، ويبني عشه علي القلب، لترحل قليلا لنستريح لحظة من البكاء والشجن، فلم تعد أيام العمر تكفي كل هذه الدموع.. وانكسار الروح. أيتها الملامح الطيبة النبيلة، لماذا ترحلين من أيامنا، وتظلين مجرد حلم نحاول أن نتهجي أبجديته، فيداهمنا النهار، هل تعبتم منا؟! أم أردتم أن تزيلوا عنا حرج المباغتة الدامية؟! لماذا يرحلون جميعا هكذا.. واحد وراء الآخر؟! لماذا تنطفئ أعمدة الحياة فتسود الظلمة، وتتوه الخطوات؟! ويسقط القلب المدمي علي الأرصفة وحيدا تطوحه الريح، والذكريات الأليمة. رحلت الكاتبة المبدعة الرقيقة كنسمة الصباح، الطيبة كأمهات الزمن الجميل، الوديعة كيمامة بنت عشة فوق أسلاك البرق، لتحمل علامة للعابرين حتي في أقصي لحظات غضبها.. كانت كأنها تقتسم قلبها مع الجميع رحلت سناء فتح الله رفيقة رحلة المسرح عبر أقاليم الدلتا وقري الصعيد، في سيارات الثقافة الجماهيرية المتهالكة، وبينما نصرخ احتجاجا وغضبا، كانت تطلق ابتسامتها النبيلة لتهدهد أرواحنا المثقلة بالألم، وعندما تحول المسرح المصري إلي ميكروباص خربان، لا يستحق حتي التوقف أمامه، بدأت في الكتابة عن التجارب العالمية، توقفنا نحن عن الكتابة، بينما ظلت هي توقد شمعة علي نافذة العتمة، ليري العابرون الخطوة المقبلة.. ورحل نصر حامد أبوزيد، المفكر النبيل الذي ظل قابضا علي جمرة النار حتي احترق وحيدا، لأنه رفض المساومة ورفض أن يبيع ثقافته في سوق النخاسة، رفض أن يرتدي عمامة مشايخ الفتنة، والارتزاق من الفضائيات، حتي أصبحوا يركبون العربات الفارهة، وظل يقاوم وحده.. ويتعذب وحده وهو مطارد عبر البلاد البعيدة، خلفه وطن يقف علي حافة المقصلة، وأمامه غربة طويلة ممتدة حتي آخر العمر. رحل نصر حامد أبوزيد فجأة.. بعد أن عاد إلي القاهرة التي خيل إليه أنها قد فتحت شرفاتها علي ذلك الضوء اللامع فاكتشف أنها مفتوحة علي الموت والقهر والعذاب. فلتهدأ قليلا أيها الموت.. فقد تعبنا من المراثي الطويلة.