فى مشهد مهيب حيث تعنو الوجوه، وتخشع الأصوات، وترتعد الأركان، فى حضرة مالك الملك والملكوت، استخرج سبحانه كل الأنفس من ذرية آدم لأمرٍ عظيم، إنه يوم الميثاق الأول فقال: «ألست بربكم قالوا بلى»، فأقروا وشهدوا على أنفسهم، وقالت الملائكة: شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبية، فجرى هذا الميثاق والإقرار فى البشر مجرى الفطرة والغريزة، فلما ذهبوا عنه ذكرهم سبحانه بأنبيائه وختم بخير خلقه لتقوم حجته عليهم فقال له: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر». فإن لم يكن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه فى هذه الحياة، فبما يذكر إذن! ولقد كان النظر فى صفات الله مجالاً للتنافس بين أكبر العقول من أصحاب الفلسفة الفكرية وأصحاب الحكمة الدينية وذكر العقاد أن «العقيدة فى الإله رأس العقائد الدينية بجملتها وتفصيلها، من عرف عقيدة قوم فى إلههم فقد عرف نصيب دينهم من رفعة الفهم والوجدان، ومن صحة المقاييس التى يقاس بها الخير والشر». فالإنسان يستمد قيمه وأخلاقه ومنهجه فى الحياة من اعتقاده فى إلهه. إلا أن المتشككين والمعطلين يسوقون حججا خطابية تقنع ولا يشترط فيها الحقيقة كذكر التقدم السريع والمطرد فى شتى مناحى الحياة من صناعات وعلوم وفنون فى دول ومجتمعات تدين بديانات أرضية أو ملاحدة لا يؤمنون بوجود إله لأخذهم بأسباب العلم والتقدم بعيداً عن الأديان، ولأنه لا فضل لدين على دين ما لم يكن للدين كله فضل مطلوب، فإنهم يطعنون فى ضرورة ولزوم الدين والعقيدة بالكلية، خارجين عن مفهوم المنطق الذى هو البحث عن الحقيقة إلى شهوة الجدل التى ينشد بها المغالبة فى النقاش بالحق أو بالباطل مماحكين بالقشور دون الجوهر ومستعلين بدعوى العلم والصواب مثيرين للخلاف والفرقة. «ولو شاء ربك لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين».