وسط الاحتفالات بأعياد تحرير سيناء، صور ومشاهد تطل بذاكرتها في وجدان الشعب المصري، ترصد تراث لا يمحى من قلوب أمهات فقدت أبناءها فداء للوطن، وفرحة أمهات أخريات بعودة عائلها الوحيد سالما، فالحزن والفرح وجهان للوطن خلال الاحتفالات. الأسمر أبو ضحكة ترد الروح، بابتسامة تملؤها التربص والتفاؤل، ينام فوق ظهر القطار ممسكا بيده حقيبة قد تحتوي على بعض ملابسه، محلقا بوجهه في السماء، قد يتبادل قليلا من السجائر بعد رفيق آخر يشاركه ظهر القطار الذي يشبه الوطن قاطعا الريح في طريق للوصول إلى محطة السلامة.
وعلى مساحة أخرى جلست «شلبية» تجمع الزبد والجبنة البيضاء من بيتها وبيت جيرانها لتصنع «زوادة» ابنها المسافر للجبهة، فتأتي لها جارتها «بجالوس سمن بلدي لإعداد الفطير المشلتت»، وأخرى تنخل «كيلتين» دقيق لعمل الخبز، ويعقد ولدها «زوادته»- ويقصد كريم- وكل مرة يخرج تدعو له أمه بالعودة سالما، فكم مثله لم يعودوا لبيوتهم، وبالتوازي مع خروج المسافر يزلزل صوت شادية أرجاء المنزل: «قولو لعين الشمس ما تحماشي».
وهناك على زاوية النهر، يجلس الشباب يتسامرون مع ابن بلدتهم، الذي عاد مرتديا بدلته المموجة و«بيادته» السمراء التي يدب الأرض بها، فينتفض غبار الجبن بعيدا، ربما يحكي لهم حكاية لصديق له في الوحدة، مات بين ذراعه في جولة استطلاعية، وحمل ملابسه لأسرته، ووقتها لم تتعجب حين تجد أبناء قريته يلتفون حلوه وكلهم شغف للمشاركة ولو بالاستماع لكثير من القصص الإنسانية التي لا تخلو منها شبر من أرض الوحدات العسكرية والجبهة الحربية ويطلقون الدعابات «شنبك خط ياولدي وبقيت راجل.. بكرة يطلبوك في الجهادية».
من أقصى الصعيد لعمق الدلتا، طقس خاص يرافق مراسم دخول الأبناء الجهادية، أو الجيش، فالزي العسكري رمز وشرف لا بدَّ أن يناله، ويشارك فيه كل أبناء الوطن باختلاف مستواهم الاجتماعي.
ولأن الفرح والحزن وجهان للوطن لا نتعجب حين نعرف أننا شعب قادر على تحويل الحزن لفرح يساعدنا على تقبل المآسي، واستطاع أن يحول عدودة الصعيد التي كانت تطلقها «المعددة»، قبل وبعد وأثناء تشييع الجنازة، والتي نصها يقول: «ومن يوم فراقك والشاي بطلنا.. شايك مع الحفار شيعناه.. يا قبر جايلك شاب زين.. خايل في لف العمامة.. عشان خاطر نبينا الزين يا رب تغفر له خطاياه، ياحبايبنا قولو لعين الشمس ما تحماشي، أحسن حبيب القلب صابح ماشي»، وهي عدودة مرتبطة بمراسم الدفن والموت والطلوع للمقابر التي تبعد عن مساكن القرية.
فنجد أن الفنانة تغنت بكلمات مجدي نجيب ابن الصعيد ولحنها بليغ حمدي وتغنت بها الفنانة شادية: «قولو لعين الشمس ماتحماشي.. احسن حبيب القلب صابح ماشي.. ماشي حبيبي ماشي ماشي بكره ماشي.. يا حمام يا طير قبله قوام.. يا حمام خلي له الشمس حرير يا حمام.. ويا ناس لو غاب ياناس.. خلوه يبعتلي سلام دي الآه بقولها وهو ما يدراشي.. وف بعده طعم الدنيا ما يحلاشي.. قولوا لعين الشمس ما تحماشي.. لا حنام أيام ولا حتى اشوف احلام أيام.. وازاي لو غاب حتفوت الأيام.. وياناس لو غاب يا ناس خلوه يبعتلي سلام.. آه ياناس مطرح خطاويه ما تروح.. قسوه بحنان قسوه وادو له الروح دي الآه بيقولها وهو مايدراشي.. وف بعده طعم الدنيا مايحلاشي.. قولوا لعين الشمس ما تحماشي».