وحدهما مسقط الرأس «الإسكندرانى»، وفرقتهما سبل السياسة وخبرات العمر، فشيماء مناضلة يسارية، وسندس فتاة إخوانية، اختلفت الشعارات والمشاعر، ثم عاد الموت المستعجل ليوحد المصائر، فقد قتلت شيماء الصباغ فى مظاهرة ورود بوسط القاهرة عشية ذكرى الثورة، وقتلت سندس رضا فى مظاهرة إخوانية قبلها بيوم بالإسكندرية . ملايين الناس صاروا يعرفون شيماء اسما وصورة، بينما لم تحظ سندس بالاهتمام نفسه، ولا حتى بربعه، وكأن مكاييل القتل تختلف، وأحزان الرحيل الدامى ليست نفسها، وكأننا نعانى أزمة أخلاق، واختناقا فى عدالة توزيع الشعور الإنسانى، ونقصانا فى احترام جلال الموت ومهابته، واستغراقا فى خطيئة التفرقة وإهدار المساواة بحق الدم . وكاتب السطور يختلف مع جماعة الإخوان إلى آخر العالم، لكنه لا يقر بالتفرقة فى الدم، ولا بكون دم أحد أغلى من دم الآخر، فهذه مشاعر عنصرية بدائية بغيضة، لا تليق بالإنسانية التى فطرنا عليها، ولا بصحيح قواعد ديننا، والتى تجعل حرمة الدم أشد عند الله من حرمة الكعبة، ولا بحقوق المواطنة المتساوية، والتى تؤكد على مبدأ المساواة فى حق الحياة وفى حق الدم، ودون هذه المساواة، تصبح الدنيا غابة، ويصبح البشر كالحيوانات المتوحشة. أعرف أن هذا الكلام لا يعجب الكثيرين، وليس مهما عندى أن يرضى أحد أو أن يسخط، فالأهم دائما أن ترضى ضميرك، وألا تساير الناس فى ظلماتهم، ولا فى روح التشفى بالمرض أو بالموت، وهو داء لعين لحق للأسف بقطاعات تتسع من المجتمع المصرى، أصيب به الإخوان، وينافسهم فيه غيرهم، وبما يأخذ من إنسانية المصريين كشعب متحضر، ويجعل الخلاف السياسى مساويا للإقصاء البدنى، وقد نتفهم الأثر النفسى السلبى لظاهرة الإرهاب، وضرائب الحرب ضد عملياته القذرة، والرغبة فى تصفية نسل الإرهابيين، وبما يجعل قتل الإرهابى جزاء وفاقا لفعلته السوداء، لكن المشكلة فى اعتياد القتل، وجعله فرضا وسنة فى كل الأحوال، وسواء كنا بصدد إرهاب حقيقى، أو بصدد مظاهرات شبه سلمية، أو بصدد وفد يحمل ورودا لوضعها على نصب تذكارى للشهداء، وعلى الطريقة التى قتلت بها شيماء وقتلت سندس، ودون أن يزعم أحد أنهما كانتا لا سمح الله من الإرهابيين . لم أكن أعرف شيماء شخصيا، ولا عرفت سندس، لكنى شعرت بالحزن والغضب لمقتلهما، وكأن أختى هى التى ماتت، وقد تكون شيماء هى الأقرب إلى مزاج تفكيرى السياسى، لكن سندس عندى كشيماء فى مقام الأحزان والحقوق، فلا توزعوا الأحزان من فضلكم بمكاييل الهوى السياسى، ولا تهدروا إنسانيتكم فى خلافات الحياة الدنيا .