«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكري عبد الحليم 35
نشر في صوت الأمة يوم 28 - 05 - 2012

مرة واحدة فقط شاهدت فيها "عبد الحليم حافظ" كنت طفلاً حضرت عيد ميلاد عمي "كامل الشناوي" في منتصف الستينيات ولعله كان آخر أعياد ميلاده.. لم أتعرف وقتها علي كل الوجوه ولكني رأيت أيضاً "عبد الوهاب" ، "نجاة" ، "فايزة" ، "شكري سرحان" وبعد مرور السنوات عندما استرجعت ملامح الحاضرين تذكرت الملحنين الكبار "بليغ حمدي" ، "كمال الطويل" ، "رؤوف ذهني" والكتاب الكبار "موسي صبري" ، "سعيد سنبل" ، "أحمد رجب" ، "كمال الملاخ" ، "جليل البنداري"..
لم تلتصق عيني سوي بعبد الحليم كنت أتابعه منذ لحظة وصوله للبيت - وبالمناسبة أصبح بعد ذلك هو بيت عمي مأمون - إلي ذهابه إلي البوفيه المفتوح ولاحظت أنه لم يضع في طبقه سوي عدد محدود جداً من قطع البطاطس لم يقترب إلا من واحدة أو اثنتين.. مرت عشر سنوات علي تلك الواقعة والتحقت في منتصف السبعينيات بكلية الإعلام وكنا نصدر وقتها جريدة "صوت الجامعة" - التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء - وقررت وأنا في سنة أولي أن أثبت لطلبة السنة الرابعة أنني أستطيع أن أصل إلي نجم مصر الأول "عبد الحليم حافظ" وأخذت رقم تليفونه خلسة من أجندة عمي "مأمون الشناوي" ما أزال أتذكر أول رقمين "80" واعتقدت أنه بمجرد أن يسمع اسم "طارق الشناوي" واسم جريدة "صوت الجامعة" سوف يأتي هو للكلية لإجراء الحوار إلا أنني في كل مرة أصاب بخيبة أمل.. دائماً الأستاذ إما نائم أو في الحمام أو في بروفة أو مسافر أو علي سفر ولم ألتق بعبد الحليم.. مر عام واحد في عام 1976 وانتقلت للسنة الثانية في الكلية.. كنت أتدرب في سنة أولي في المدرسة الصحفية لمجلة "روز اليوسف" واستطعت الحصول علي صورة تجمع بين "عبد الحليم حافظ" و "أحمد عدوية" في إحدي الحفلات التي أقيمت في فندق الشيراتون حيث كان يغني مع "أحمد عدوية"؟!
الحكاية هي أن "عبد الحليم حافظ" كان حاضراً في الحفل وكان "عدوية" قد حقق وقتها شهرة عريضة بأغنية "السح الدح امبوه" أراد "عدوية" مجاملة "عبد الحليم حافظ" وغني "خسارة خسارة فراقك يا جارة" وقرر "عبد الحليم حافظ" أن يرد علي المجاملة بأحسن منها فصعد علي المسرح وغني خلف عدوية "السح الدح امبوه".. أخذت الصورة باعتبارها صيدا ثمينا وكتبت الواقعة وسلمتها إلي الكاتب الصحفي "عادل حمودة" وكان وقتها يشغل موقع سكرتير تحرير "روز اليوسف" وبذكائه الصحفي منح هذه الصورة والتعليق صفحة كاملة.. ظهرت المجلة في صباح يوم الأحد بعنوان "عبد الحليم حافظ" يغني "السح الدح امبوه" فوجئت بأن إذاعة "الشرق الأوسط" تقدم في المساء حلقة من أشهر برنامج فني وقتها وهو "الليل والفن والسهر" تقديم "محمد أنور" و "إبراهيم صبري" الحلقة كلها عن "عبد الحليم حافظ" وهو يكذب الواقعة ويؤكد أن الصورة خضعت لفبركة صحفية وأنه لم يلتق مع "أحمد عدوية" من قبل ولا يمكن أن يغني "السح الدح امبوه" التي كانت عنواناً للفساد الغنائي.. ولم يكذبه أحد حتي مصادري الصحفية رفضوا أن يشهدوا لصالحي.. ورحل "عبد الحليم" وحزنت عليه مثل الملايين وأتذكر أنني كتبت عنه تحقيقا صحفيا كان عنوانه "عبد الحليم حافظ والعرش" علي إيقاع عنوان قصة الكاتب الكبير فتحي غانم "زينب والعرش" وظلت واقعة غنائه "السح الدح امبوه" لا يصدقها أحد إلا أنه قبل عشر سنوات باتت هذه الحكاية كثيراً ما يرددها "أحمد عدوية" في أكثر من حوار تليفزيوني وتجد "حلمي بكر" يذكرها ويؤكد أنه كان حاضراً في هذا الحفل!!
مر زمن طويل ظلت الوقائع الثلاث التي كان "عبد الحليم حافظ" طرفاً فيها لم تغادر مشاعري ودائماً ما أسأل نفسي لماذا تعاطفت معه من أول نظرة شاهدته وأنا طفل ولماذا رفض أن يجري معي حواراً عندما التحقت بكلية الإعلام ولماذا كذبني عندما التحقت بسنة أولي "روز اليوسف"؟!! نعم "عبد الحليم حافظ" يملك جاذبية خاصة مهما كان هناك من نجوم مشاهير فلا يمكن سوي أن تلتصق عينيك به تبحث عنه.. إنها منحة إلهية لا علاقة بجمال ولا إحساس الصوت لكنها تولد مع عدد قليل جداً من البشر وتختلف درجاتها ولكن من الواضح أن "عبد الحليم" كان يقف علي الذروة بهذا الفيض الإلهي.. كان الموسيقار الكبير "كمال الطويل" يقول لي كل النساء يحببن "عبد الحليم" بمختلف الأعمار من تراه حبيبها أو من تراه ولدها ولأن "عبد الحليم حافظ" رحل وهو في الثامنة والأربعين من عمره وكان حريصاً علي تقديم صورة ذهنية ثابتة له بأنه الشاب الذي لا يزال يبحث عن حبه هكذا أكدت السينما هذه الصورة الذهنية في كل أفلامه حتي تلك التي تراها في آخر أفلامه "أبي فوق الشجرة" لحسين كمال عام 1969 و كانت ملامحه أيضاً تؤكد ذلك والناس عادة لا تتعامل مع البطاقة الشخصية للفنان الممثل أو المطرب ولكنها تتعرف عليه من خلال ملامحه ونبضات صوته هكذا كانت النساء تشاهد وتعيش مع "عبد الحليم حافظ" وحتي اللحظة الأخيرة باعتباره فتي أحلامهن.. كان حريصاً علي أن يغني بإيقاع الشباب حتي رحيله عام 1977!!
في عام 1999 كان "عبد الحليم" بمقياس أيامنا بلغ السبعين سألت الموسيقار الكبير "كمال الطويل" لو كان "حليم" بيننا هل سيعتزل الغناء أجابني مستحيل أن يتوقف سيقدم "الفيديو كليب" بأسلوب "عبد الحليم"!!
تأملت كلمات "كمال الطويل" ووجدت أن سر "عبد الحليم" أنه كان ابناً للزمن الذي يعيشه بل سابقاً أيضاً للزمن يراهن علي الكلمة واللحن القادم.. كنا نعيش في مطلع الخمسينيات ثورة سياسية وتحرراً وطنياً وجاء "عبد الحليم" ومعه "كمال الطويل" و "محمد الموجي" و "صلاح جاهين"، وانضم إليهم من الجيل السابق عليهم الشعراء "مأمون الشناوي" و "مرسي جميل عزيز" و "حسين السيد" فأحالوها إلي ثورة عاطفية أيضاً!!
أطلق "عبد الحليم" بأغنيته "يا سيدي أمرك.. أمرك يا سيدي" التي غناها في فيلم "ليالي الحب" أول احتجاج ساخر علي الأغنية التي كانت سائدة قبل الخمسينيات فهو مثلاً يقول "بحقك أنت المني والطلب" ثم يكمل "والله يجازي اللي كان السبب".. الكلمات كتبها "فتحي قورة" ولحنها "محمود الشريف" و"بحقك أنت المني والطلب" قصيدة شهيرة من تلحين الشيخ "أبو العلا محمد" غناها كل المطربين والمطربات وعلي رأسهم "أم كلثوم" تلميذة الشيخ "أبو العلا"!!
ويتابع السخرية بموشح أكثر شهرة وهو "بالذي أسكر من عرف اللما" ويضيف "كان في حاله جاتله داهية من السما" والمقصود ب "عرف اللما" الرائحة التي تخرج من الفم!!
وفي النهاية يقول "خايف أقول علي قد الشوق لا تطلع روحي" يقصد أغنية "علي قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم" التي حققت في مطلع الخمسينيات شهرة غير مسبوقة!!
وهكذا كان المجتمع في الماضي يسمح بثورة ضد الجمود و "عبد الحليم" هو ابن شرعي لزمن التمرد!!
في عام 1953 عند إعلان الجمهورية رسمياً قال "يوسف وهبي" في حفل لأضواء المدينة "اليوم تعلن مولد الجمهورية ويعلن أيضاً مولد مطرب جديد"!!
لهذا ارتبط اسم "عبد الحليم" بالثورة المصرية وغني لها "ثورتنا المصرية عدالة.. اشتراكية" تلحين "رؤف ذهني" و "إني ملكت في يدي زمامي" تلحين "كمال الطويل" والقصيدتان من تأليف "مأمون الشناوي".. بعد تولي "جمال عبد الناصر" رئاسة الجمهورية له من كلمات "صلاح جاهين" وتلحين "كمال الطويل" "إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب يا فاتح باب الحرية يا ريس يا كبير القلب" وغني له من كلمات "إسماعيل الحبروك" وتلحين الطويل "يا جمال يا حبيب الملايين" واستمرت رحلة "عبد الحليم" الوطنية مع الثورة وفي نفس الوقت كان "عبد الحليم حافظ" زعيم الأغنية العاطفية في مصر والعالم العربي.
حلق "عبد الحليم" بجناحي الوطن والحب وغني للوطن في لحظة المد الثوري العربي وأيضاً للحب، حيث كان هو رسول العشاق بأغنياته!!
الملمح الثاني الذي التقطه هو علاقة "عبد الحليم حافظ" بالإعلام فهو لا يجري حوارا مع أي صحفي ينبغي أن يضمن أولاً أن الحوار يصب من خلال صحفيين يثق في ولائهم لصالحه.. لقد حكي لي الكاتب الروائي الكبير الراحل "محمد جلال" أنه التقي مع "عبد الحليم حافظ" في مطلع الستينيات في منزله وكان هناك صحفي ولكني سوف أحتفظ باسمه كان هذا الصحفي يعرض علي "عبد الحليم" بروفة حديث طويل أجراه معه في مجلة شهيرة أحد العناوين أغضب "عبد الحليم" فأطاح بالبروفة في جنبات الغرفة وتم تغيير الحوار عند نشره كما يريده "عبد الحليم"!!
نعم أحكم "عبد الحليم" السيطرة علي الإعلام وحكي لي كل من "محمد رشدي" و "محرم فؤاد" العديد من الوقائع ونشرتها قبل 9 سنوات علي صفحات "روز اليوسف" من بينها كيف كان "عبد الحليم" يملك سطوة في الإعلام مثلاً مقطع "أنا كل ما أقول التوبة ترميني المجادير" الذي يردده "محمد رشدي" في أغنية "عرباوي" التي كتبها "حسن أبو عثمان" ولحنها "حلمي بكر" تتوافق مع مقطع في أغنية عبد الحليم "علي حزب وداد جلبي" التي كتبها "صلاح أبو سالم" ولحنها "بليغ حمدي" لأنهما من الفولكلور استطاع "عبد الحليم حافظ" لعدة سنوات أن يمنع تداول إذاعة أغنية "رشدي" من الإذاعة المصرية.. وقال لي "محرم فؤاد" إن "عبد الحليم" عندما علم أنه سجل بصوته موشح "قدك المياس يا عمري" تأليف "مجدي نجيب" وتلحين "محمد سلطان" سارع بالاتفاق مع "محمد حمزة" و "بليغ حمدي" علي تقديم موشح "قدك المياس يا عمري"؟!
نعم "عبد الحليم" كان دائماً عينه وقبله وعقله علي ما يجري في الحياة الفنية يلتقط ما هو أجمل ويحيط نفسه أيضاً بقوة إعلامية تسانده.. "عبد الحليم" كانت له أيضاً أشواك يدافع بها عن نفسه؟!
قال "كامل الشناوي" عبد الحليم يكذب إذا تكلم ويصدق فقط عندما يغني.. من الممكن الآن أن أفهم من خلال تلك العبارة المكثفة لماذا أنكر "عبد الحليم حافظ" واقعة غنائه "السح الدح امبوه" وردد الإعلام وراءه التكذيب حتي شهود الواقعة الأحياء لم يستطيعوا أن يؤكدوها إلا بعد رحيله بأكثر من عشر سنوات!!
لم يكن "عبد الحليم" غزير الإنتاج وصل رصيده إلي قرابة 500 أغنية عدد من مطربي جيل "عبد الحليم" والسابق واللاحق له رصيدهم الغنائي يعد بالآلاف.. لكن هناك 30 أغنية في البداية لحنها له "عبد الرؤوف عيسي" و "أحمد صبرة" و "فؤاد حلمي" و "عبد الحميد توفيق زكي" وغيرهم كان يمنع إذاعتها لأنها لم تكن تعبر عن طموحه الفني.. بل إنه غني بعد "محمد قنديل" أغنية "يا رايحين الغورية" وبعد أن تم تسجيلها وجد النتيجة ليست في صالحه كان قادراً من خلال علاقته بكبار الإعلاميين علي منع تداولها.. إنه يمتلك مؤشرا للنجاح يوجه بوصلته الفنية له أينما كان ولهذا فإن أسلحته دائما مشرعة للدفاع عن نفسه.. إنه ابن الزمن ولو مرت به الأيام فلا شك أنه كان سيختار الأفضل ولن يتوقف عن حماية إبداعه بكل الأسلحة منذ اختياره الكلمة!!
كان "عبد الحليم حافظ" شديد الاعتناء بالكلمات واختيارها حتي لو اختلفنا مع عدد من أغنياته إلا أنه علي سبيل المثال يقول بكلمات "مرسي جميل عزيز" في أغنية في يوم في شهر في سنة "وعمر جرحي أنا أطول من الأيام".. أو هو يقدم تلك الصورة الشاعرية الرائعة لحسين السيد "كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم".. أو مع مأمون الشناوي وهو يقول في أغنية في يوم من الأيام "أنا كل طريق لعيوني علمته بذكري معاك"!!
وأتذكر لمحمد حمزة في أغنية "سواح" تعبير "الليل يقرب والنهار رواح" ومع الأبنودي في أحضان الحبايب "رميت نفسك في حضن سقاك الحضن حزن"!!
الكلمة عند "عبد الحليم" كانت تشكل بالنسبة له رهاناً علي الأجمل والدليل أن الأغنيات الأولي لعبد الحليم كتبها "سمير محبوب" وبعد ذلك اكتشف "حليم" أن لدي "مأمون الشناوي" و "مرسي جميل عزيز" و "حسين السيد" في الأغنيات العاطفية و"صلاح جاهين" و"أحمد شفيق كامل" و"عبد الرحمن الأبنودي" في الوطنيات شاعرية أكبر ولهذا لم يكمل المشوار مع "سمير محبوب" الذي عاش بعد "عبد الحليم حافظ" خمسة عشر عاماً وهو يتساءل لماذا لم يكمل الرحلة مع "عبد الحليم حافظ" التي بدأها في أغنيات "صافيني مرة" و "تبر سايل" و "ظالم وكمان رايح تشتكي".. وبعدها أخذ "محبوب" يشكو لطوب الأرض من ظلم "عبد الحليم" وتنكره لرفيق المشوار ولكن "عبد الحليم" ضحي بالصداقة من أجل الإبداع الأصدق والأجمل والأكثر عصرية سواء أكانت كلمة أو لحناً وكانت لدي "عبد الحليم" بوصلة قادرة علي أن تلتقط الجديد ويجمل به حديقته الغنائية ولهذا بعد العمالقة المبدعون "الموجي" و "الطويل" و "منير مراد" و "عبد الوهاب" ينضم إليهم "بليغ حمدي" لأنه كان يشكل بالنسبة له وقتها نبضاً موسيقياً مغايراً حتي لو أغضب ذلك رفقاء الطريق ولو امتد العمر بعبد الحليم حافظ فلاشك أنه كان سوف يتعاون مع عمار الشريعي وصلاح وفاروق الشرنوبي ومحمد ضياء الدين وزياد الطويل والراحل رياض الهمشري وصولاً إلي وليد سعد ومحمد رحيم.. ومع الشعراء من أمثال بهاء الدين محمد وفاطمة جعفر وعماد حسن وبهاء جاهين وجمال بخيت وأحمد بخيت وكوثر مصطفي والمبدع الذي رحل مبكراً عصام عبد الله.. لأنه يريد دائماً أن يتجدد مع الزمن ويلتقط ايقاعه تماماً مع مثل استاذه الاول محمد عبدالوهاب ... عبدالحليم حافظ ليس ملاكاً ولا شيطاناً انه إنسان يعيش فى فقط من اجل الفن وعليك وانت تستعيد تاريخه ومواقفه حتى السلبى منها أن تدرك أن رهانه الوحيد هو الفن ومن اجله تهون كل الاشياء ... نعم عبدالحليم يصدق فقط اذا غنى لانه ولد فقط لكى يغنى لتعيش قولبنا على ايقاع اغنياته حتى لو اضطر ان يردد فى لحظة وراء عدوية السح الدح امبوه !!
tarekelshinnawi @yahoo.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.