لا يمكن لنا النظر إلى قيام عدد من المعتقلين والنشطاء السياسيين في مصر بالإضراب عن الطعام، من أجل مطالب سياسية، بمعزل عن البعد التاريخي للإضراب عن الطعام، كإحدى وسائل التعبيير السلمية، فما نحن عليه الآن ما هو إلا حلقة ضمن سلسلة متصلة من النضال السياسي العالمي من أجل الحقوق والحريات. البداية التاريخية لفكرة الإضراب عن الطعام جاءت من أيرلندا، حيث كان يمتنع المجني عليه أو من له حق عن تناول الطعام، ويقف أمام منزل الجاني، وكان لذلك دلالة عظيمة في ثقافة الايرلنديين فيما قبل المسيحية، حيث كان ينظر إلى من يموت جوعًا أمام منزل أحد الأشخاص بأنه عار كبير علي صاحب هذا المنزل. ومن أيرلندا ما قبل المسيحية، إلى أيرلندا القرن العشرين، حيث شهدت هذه الدولة الأوروبية واحدًا من أهم الإضرابات عن الطعام في العالم. ففي عام 1980، قام عدد من سجناء الجيش الجمهوري الإيرلندي بالإضراب عن الطعام في سجن "ميز" احتجاجًا على الحكومة البريطانية لنقضها اعتبارهم أسرى كالسجناء شبه العسكريين في إيرلندا الشمالية. وبعد فك الإضراب الأول، نكثت الحكومة البريطانية بوعودها للسجناء، مما أضطرهم لمعاودة الإضراب من جديد في عام 1981، الأمر الذي أدي في النهاية لوفاة 10 سجناء نتيجة إضرابهم عن الطعام، كان علي رأسهم "بوبي ساندس" الذي أختير عضوًا في البرلمان الأيرلندي أثناء فترة إضرابه، مما أثار حالة من التضامن التام مع السجناء وقضيتهم، وانتهي الأمر برضوخ الحكومة البريطانية برئاسة مارجريت تاتشير لمطالب المضربين. أما في دول العالم الثالث، فقد اشتهر "المهاتما غاندي" باستخدامه الإضراب عن الطعام، كأحد وسائل التغيير السلمية، أثناء فترات اعتقاله من قبل السلطات البريطانية بالهند، والتي كانت تخشى موت غاندي في عهدها، نظرًا لشهرته العالمية. الوسيلة ذاتها استخدامها المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، أثناء فترة اعتقاله بسجن جزيرة روبن آيلاند، والذي استمر قرابة 18 عامًا، للمطالبة بتحسين أوضاع السجناء السياسيين داخل السجن، ولكن "مانديلا" قال في مذكراته أنه اعترض علي فكرة الإضراب عن الطعام داخل السجون، لأنها تضعف السجين في معركته ضد السلطة. أما علي الصعيد العربي، فنجد استخدام الإضراب عن الطعام كوسيلة للاحتجاج، متمثلا في ثلاث بلدان عربية، وهم فلسطينوتونس والمغرب. ففي فلسطين، قام الأسرى الفلسطينيون بالعديد من الإضرابات عن الطعام داخل سجون الإحتلال الإسرائيلي، وراح ضحيتها 113 شهيدًا، كان أولهم الشهيد الأسير "عبد القادر أبو الفحم"، حيث استشهد خلال مشاركته في إضراب سجن عسقلان عام 1970. وخاض الأسرى الفلسطينيون واحدًا من الأكبر وأهم الإضرابات في عام 2012، فيما أطلق عليه "معركة الأمعاء الخاوية"، حيث قام 1500 أسير فلسطيني بالامتناع عن تناول وجباتهم في 17 أبريل، احتجاجًا علي سوء المعاملة التي يلقونها من قبل سلطات الإحتلال. شارك في الإضراب عدد من القيادات الفلسطينية داخل السجون، كان علي رأسهم الأسير خضر عدنان (66 يومًا) والأسيرة هناء الشلبي والأسرى ثائر حلاحلة وبلال ذياب، وانتهى الإضراب بتوقيع اتفاق مع إدارة السجن بالاستجابة لمطالب الأسرى. أما في تونس، يعد "إضراب الجوع" في 18 أكتوبر 2005 ، هو الإضراب الأشهر في البلاد، حيث خاض 8 معارضين من مختلف التوجهات السياسية إضرابا عن الطعام لتحسين الأوضاع السياسية في فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كما كان "إضراب الجوع" سلاحًا استخدمه صحفيو دار الصباح التونسية من أجل إقالة مدير المؤسسة "لطفي التواتي". وفي المغرب، كانت المناضلة اليسارية "سعيدة المنبهي" أحد ضحايا إضراب 8 نوفمبر 1977 بسجن القنيطرة، بعد إضراب عن الطعام استمر 45 يومًا. ومؤخرًا لقي الطالب المغربي مصطفي المزياني المصير ذاته في أغسطس الماضي، بعد إضراب استمر 72 يومًا، للمطالبة بحقه في التسجيل في الجامعة، وكان "المزياني" قد جرى اعتقاله في مدينة فاس في أحداث مقتل أحد الطلاب المنتميين لحزب العدالة والتنمية.