منظمات المجتمع المدنى وسلوكياته.. نقمة أم نعمة؟ أم تغيير ؟ عندما بدأت الفتن تدب في أوصال المجتمع الإسلامي بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان المندسون داخل المجتمع الاسلامى في مقدمة صفوف دعاة الفتن.. وكانوا أشبه بأفاعي تتحرك دون أن يسمع لها صوت، حتى إذا اقتربت من الضحية لدغته، وما أسرع انتشار السم في جسم الضحية، والنتيجة شلل أو موت، بحسب نوع السم وقدرة جسم الضحية على التحمل..ومنذ ذلك الزمن وإلى اليوم تتكاثر وتتنوع أشكال مختلفة من أفاعي الفتن.. وفي زماننا هذا اُبتلينا بكثير من الأفاعي تسمى "منظمات المجتمع المدني" و"المنظمات الدولية" (الإغاثية والحقوقية)، وغالبا ما ترفع هذه المنظمات شعارات براقة ناعمة الملمس كجلد الأفعى ولكن تخفي بين أنيابها سماً لاسعا.. بالطبع ليست كل منظمات المجتمع المدني ينطبق عليها هذا الوصف، فهناك مؤسسات خيرية لا تهدف إلا إلى فعل الخير ولم يصدر منها ما يضر المجتمعات العربية، ومصدر تمويلها تبرعات العرب والمخلصين..أما الأدوار المشبوهة فتقوم بها المنظمات التي تعتمد - في تمويلها - على الدعم الغربي خصوصاً؛ لأننا نعرف تماماً أن الغرب لا يقدم شيئاً إلا إذا كان مقابله مصلحة له.. وما كان فيه مصلحة للغرب في الغالب يكون مفسدة للعرب. لقد تغيّر مفهوم التنمية في العقود الأربعة الأخيرة، ولاسيما مفهوم التنمية البشرية الذي لم يعد يحصر مسألة التنمية بنموّ معدلات الدخل، بل بتوسيع نطاق القدرات البشرية إلى أقصى حدّ ممكن وتوظيفها أفضل توظيف في جميع الميادين. ومع هذه التغيّرات، ازداد عدد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في البلدان العربيّة، حتى في تلك التي لا يزال العدد فيها منخفضاً مثل دول الخليج بعامةً: فقد بلغت أعداد الجمعيات والمؤسّسات الأهلية 38850 في المغرب، 33300 في مصر، 9900 في تونس، 5769 في العراق، 3360 في لبنان، و1100 في الجزائر. وباستثناء اليمن التي بلغ عدد الجمعيات والمؤسّسات الأهلية فيها 67200 جمعية ومؤسّسة، شهدت بلدان الخليج العربي انخفاضاً في عدد هذه الجمعيات، حيث بلغت 455 في البحرين، 444 في السعودية، 134 في الإمارات، 66 في الكويت، 19 وفى قطر. وممّا لا شكّ فيه أن هذه التنظيمات والجمعيات هي التي فعّلت مظاهر المجتمع المدني الحديث في السنوات الأخيرة، لكونها ولدت أو تطوّرت في سياق اجتماعي اقتصادي لا يسمح باعتبار المجتمع المدني الراهن امتداداً للمجتمع الأهلي وجمعياته أو عناصرها الأخرى التي تشكّل منها المجتمع الأهلي في التاريخ العربي المعاصر. وهذا مع الإشارة إلى أن عمل هذه الجمعيات لا يزال يغلب عليه في الوقت الراهن الطابع الخيري أو الرعائى في مجال مساعدة الفقراء والفئات المحتاجة وتقديم مساعدات مالية أو عينيّة لهم رعاية فئات محدّدة مثل كبار السنّ والأيتام والمعوّقين .. وأن المنظمات ذات الطابع التنموي تقوم بتوفير عناصر القوّة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطنين ودمجهم في عملية التنمية البشرية . أما المنظمات التي لا تقدّم خدمات بل تركّز على الدفاع عن حقوق معيّنة وتستهدف التوعية والتثقيف للتأثير في السياسات العامة لا تزال محدودة على الرغم من تزايد أعدادها في الدول العربيّة بصفة عامة وهي لا تزيد في أفضل الأحوال عن 25 % من إجمالي المنظمات في مصر ولبنان والأردن والمغرب، وتقلّ في دول الخليج كالإمارات واليمن. ناهيك عن العلاقة المستقرّة إلى حدّ ما بين المنظمات التطوّعية غير الربحية التي يتشكّل منها المجتمع المدني من جهة والحكومات من جهة أخرى، خصوصاً أن غالبية هذه المنظمات تتوجّه إلى الحكومات لتوفير الدعم المالي لها. وحول الدور الغامض الذي تقوم به هذه المنظمات وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية كوسيط بين الدولة والمجتمع إلا أنها لازالت موضع اتهام وشك العديد من الهيئات الوطنية على اختلافها والسبب يعود إلى علاقاتها الغامضة والمشبوهة مع مؤسسات التمويل الأجنبي. هذه الاتهامات ليست جديدة وإنما قديمة لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تأخذ اتجاها خطيراً عندما باتت تعمل على ترجمة الأجندات الخارجية وتقوم بمهمة العميل السري الذي يزود دوائره الخاصة بالمعلومات ذات الصبغة الأمنية، والتي تشكل اختراقا أو محاولة لتغيير البيئة الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والعقيدية بطرق ظاهرها إنساني. المشكلة أن هذه المنظمات لازالت أيضاً تتلقى الدعم من مؤسسات دولية خاصة معروف عنها علاقتها بالدوائر الاستخباراتية والدبلوماسية. ولعل واقع العراق اليوم نموذجاً لهذا الاختراق الكبير حيث تقوم مؤسسات المجتمع المدني، بأدوار ليست من صلب أعمالها. ومع تزايد أعداد الجمعيات الأهلية على المستوى العربي فرضت التساؤلات نفسها على الساحة حول جدوى تلك الجمعيات وما قدمته فعليا على الساحة العربية ولماذا تثير قضايا بعينها تتعارض في معظم الأحيان مع قيم وعادات المجتمعات التي تنتمي إليها فضلا عما يتردد بشأن طبيعة تمويل تلك المنظمات والأجندة التي تفرض مسبقا مقابل هذا التمويل. إلى جانب مهمات تدمير المعتقدات وإفساد العقول وتمييع الأخلاق. وتظل كثير من المنظمات الدولية والمحلية العاملة وسط الشعوب دور لا يقل خطورة، ألا وهو التجسس.. وتأتي حادثة التجسس البريطاني على روسيا وهى حادثة مجتمعية دبلوماسية دولية التي كُشف عنها في يناير 2006م وعرفت باسم (صخرة الجواسيس) لتمثل نموذجاً صارخاً حول خطورة ارتباط منظمات المجتمع المدني بالدعم الأجنبي. وخلاصة قضية (صخرة الجواسيس) الروسية هي القبض على دبلوماسي بريطاني كان يقوم باستعادة آلة إلكترونية مصنوعة على شكل صخرة مزروعة تبين بعد فحصها أنها عبارة عن قرص رقمي صلب لنقل البيانات كان يحتوي على معلومات استخبارية على درجة عالية من الخطورة.. * ان هناك العديد من المنظمات الحقوقية العربية أسهمت في الترويج للأجندات الأجنبية في أماكن مختلفة وتخلت هذه المنظمات عن أجندتها من أجل المال، وذلك على خلفية المعوقات العديدة التي تواجه المنظمات الحقوقية العربية داخلياً وخارجياً.. وأقول أيضا بأن اتحاداتنا وهو اتحاد الشباب العربى الحر - والاتحاد الدولى للثوار العرب - والاتحاد الدولى للشباب الحر حيث أتشرف برئاستهم قد تعرضوا عدة مرات لمثل هذه الاغرائات والعروضات. ان أكثر من ثلثيّ دول العالم، تعاني من فساد خطير في القطاع الحكومي، وأن "أداء الدول العربية لم يتغيّر كثيراً عنه في العام الماضي"، وأن العلاقات التي تسود بين منظمات المجتمع المدني ومؤسّسات الحكومة هي صفقات تجارية شخصية. في المقابل، ، يفنّد الدور الهامشي والضعيف للمنظّمات غير الحكوميّة في الانتفاضات والثورات العربية، بالقول إن العالم العربي لم يعرف جمعيات غير حكومية تكون وسيطاً بين الفرد والدولة، وإن هذا الضعف المزمن في المجتمع المدني يشير إلى أن ديمقراطيات عربية قابلة للحياة، أو قادة يمكن أن يكونوا على رأسها، لن يظهروا في أي وقت قريب، وبأن النتيجة الفورية الأكثر احتمالاً للاضطرابات الحالية، هي مجيء مجموعة جديدة من الحكام المستبدين أو أنظمة الحزب الواحد.... ما النتيجة إذاً ... بين اتجاهات ترى للمجتمع المدني ومنظماته دوراً في الانتفاضات و الثورات العربيّة وتلك التي لا ترى له-أي للمجتمع المدني- هذا الدور. وهنا سؤال مهم يريد أن يطرح نفسه: إذا كان هناك اتّجاه أو فلسفة لا تفترض ضرورة أن تكون العلاقة بين المجتمع المدني والدولة علاقة تصادم وتعارض بالضرورة، بل علاقة تصالح وتفاهم غايتها التكامل، وإذا كان المجتمع المدني في هذا السياق عبارة عن قوة اقتراح لا تستطيع الدولة أن تتجاوزها، ولا يستطيع هو في المقابل أن يقوم بدوره على أكمل وجه من دون أن تستجيب الدولة لمطالبه- ما يعني أن حلّ التناقض بين الدولة والمجتمع المدني يتمّ باستخدام الضغوط السلمية المدنية بغية بلوغ التغيير السلمي والموضوعي- فهل يكون للمجتمع المدني ومنظماته، حتى ولو كان سلمياً ومتآزراً مع دور الدولة، أيّ دور في إحداث تغيير في ظلّ علامات الاستفهام كلّها التي تُشاع عن سلوكياته في العالم العربي وخصوصا فى مصر؟ بالسلك الدبلوماسى ورئيس الاتحاد الدولى للشباب الحر