لا أتعجب أن أجد بين الحين والآخر كتابا يشكك في مصداقية المجتمع المدني.. ويكيل الاتهامات له بشكل عشوائي في مجمله.. أي من خلال إصدار أحكام عامة مطلقة للمجتمع المدني ككل بمؤسساته ومنظماته وجمعياته ومراكزه. فضلاً عن وصف بعض الجمعيات بصفات لها صبغة دينية أو صبغة غربية لرسم ملامح العمالة والخيانة بدون سند حقيقي أو معلومات موثقة. والنادر أن تجد كتابا جيدا ومحايدا في تناول المجتمع المدني بالنقاش والتحليل بدون تصورات مسبقة له. ينطبق ما سبق.. مع ما وجدته في كتاب سعدت كثيراً به للوهلة الأولي، وهو بعنوان (مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية) من تأليف كل من: د. علي ليلة ود. مني حافظ، وهو من إصدار كلية الآداب بجامعة عين شمس (التعليم المفتوح). ولقد وجدت فيه العديد من المعلومات الهامة.. ولقد توقفت عند هذا الكتاب الذي استفدت منه كثيراً لما يعرضه من معلومات هامة وقيمة عن التعريفات المتعلقة بالمجتمع المدني ومجالات عمله وخصائصه، كما يؤكد بأكثر من شكل علي دور المجتمع المدني في مجال التنمية، وما يمثله ذلك من دور داعم للدولة في تقديم الخدمات. وما يمكن استنتاجه من أن الدور الذي يقوم به المجتمع المدني قد تحول إلي دور رئيسي مكمل لجهود الدولة في مجال التنمية.. لا يمكن الاستغناء عنه؛ بل يجب دعمه ومساندته. وما أزعجني أنني قد وجدت في الكتاب القيم المذكور عبارة غريبة عن سياق الكتاب تقول: (وإذا كانت مرحلة التبشير قد ولت، فإن السعي من أجل الحفاظ علي الارتباط بالغرب وإبراز صورة إيجابية له ما زال باقياً، حيث ما زال للمنظمات الدولية غير الحكومية وجودها البارز، إما من خلال التعاون مع المنظمات المحلية والقومية، أو بالعمل المباشر من خلال فروعها القومية، ومن أمثلة ذلك منظمات كاريتاس وكير والمنظمة الكاثوليكية للإغاثة). ما أزعجني فيما سبق هو التعامل مع المنظمات الدولية طبقاً لنظرية المؤامرة التي تحتم وجود متآمر من الغرب ووجود ضحية تتمثل في مجتمعنا. والطريف أن يصدر مثل ذلك الحكم من أساتذة جامعيين ويتم نشر هذا الكلام بين الدارسين علي اعتبار أنها معلومة غير قابلة للنقاش أو الجدل. وللعلم.. فإن جميع جمعيات المجتمع المدني المشهرة أو التي تعمل بتصريح رسمي من وزارة التضامن الاجتماعي (الشئون الاجتماعية سابقاً) تتم مراجعة برامجها وأنشطتها بما فيها التمويل والحسابات المالية، وهو ما يعني أنها تعمل تحت مظلة الدولة المصرية طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها، وهو الأمر الذي ينطبق علي جمعية كاريتاس وهيئة كير. وأعتقد أنه من غير الطبيعي أن تترك الدولة للجمعيات أن تقوم بنشاط مخالف للقواعد التي تنظم عمل المجتمع المدني. وبالتبعية، فإن إطلاق مثل تلك الأحكام علي بعض الجمعيات بالاسم هو خطأ أكاديمي قبل أن يكون خطأ معرفيا ومجتمعيا. عندما يحدث هذا الأمر.. مع جمعيات لها مكانتها التاريخية في المجتمع المصري.. فهذه كارثة، وعندما يتضمن كتاب جامعي مثل تلك الكلمات.. فهذه كارثة أعظم.