سيواصل العبقري الارجنتيني ليونيل ميسي لهثه نحو لقب كبير في مسيرته الكروية بعدما أهدر فرصة ذهبية لدخول التاريخ من أوسع أبوابه ويصبح نهائيا ضمن أعظم اللاعبين في تاريخ نهائيات كأس العالم لكرة القدم إلى جانب أسطورة "لا ألبيسبيليستي" دييجو أرماندو مارادونا حيث فشل في قيادة منتخب بلاده الى اللقب. هل يعتبر ميسي على قدم المساواة مع مارادونا؟ سؤال أثار عالم الساحرة المستديرة لسنوات لكن على الأرجح أن الجواب عنه سيتأجل الى على الاقل الى النسخة الحادية والعشرين من العرس العالمي والمقررة في روسيا عام 2018. فاز "البعوضة" بكل شيء مع ناديه برشلونة الاسباني (3 ألقاب في مسابقة دوري أبطال أوروبا، ولقبان في كأس العالم للأندية، ومثلهما في الكأس السوبر الأوروبية، وستة ألقاب في الدوري الاسباني، وخمسة ألقاب في الكأس السوبر الاسبانية، ولقبان في كأس اسبانيا) وحصل على أكبر عدد من الجوائز الفردية مقارنة مع اي لاعب في التاريخ (4 كرات ذهبية لأفضل لاعب في العالم). لكن خزائنه تفتقد دائما إلى لقب كبير ليحجز مكانا في قلوب الارجنتينيين الذين سيبقى "ال بيبي دي اورو" وهو لقب مارادونا خالدا إلى الأبد وفريدا من نوعه منذ قيادته المنتخب الارجنتيني الى اللقب العالمي عام 1986. في قلوب الارجنتينيين، لا يزال مارادونا الاعظم في التاريخ، خصوصا لانهم لم ينجحوا برؤية ميسي في ملاعبهم، اذ رحل بعمر الثالثة عشرة الى برشلونة، ولانه لم يجلب لهم اللقب العالمي في ظل منافسة شرسة بينهم وبين الجار البرازيلي، بالاضافة الى حرارة مارادونا صاحب الكاريزما والجانب الشرس من اللعبة. بنظر الارجنتينيين ميسي أقرب إلى أوروبا منه إلى بلادهم، كما انه خجول جدا مقارنة مع حياة مارادونا التي تميزت بالاشكاليات والفضائح والاستفزازات من جميع الأنواع. وفي زمن كرة القدم والاعمال، فإن المليونير ميسي لن يتغير ولن يعيش أبدا نفس نمط حياة سلفه المميز. ولكن إذا كان جلب كأس العالم للمرة الثالثة للارجنتين، فإن صورته لن تكون هي نفسها تماما. وبدأت الأمور تتغير بالفعل منذ استلام اليخاندرو سابيلا مهام الادارة الفنية للمنتخب عام 2011. اتخذ المدرب قرارا جريئا بمنح شارة القائد الى ميسي ليجعله القائد الحقيقي للالبيسيليستي. اراد سابيلا بناء منتخب قوي في خدمة ميسي على غرار ما فعل كارلوس بيلاردو مع مارادونا عام 1986. التحول كما رغب سابيلا في تحمل مسؤوليات القائد وأن يكون فعالا في المنتخب الوطني مثلما يكون مع فريقه برشلونة، حيث مدد عقده في مايو حتى عام 2019 ليصبح اللاعب الأعلى أجرا في العالم (20 مليون يورو سنويا). وأعطت قرارات سابيلا ثمارها لأن ميسي وبعد ظهور متواضع في النسختين العالميتين السابقتين في 2006 (احتياطي)و2010 (سجل هدفا واحدا)، أبدع أولا في التصفيات بتسجيله 10 أهداف، أضاف اليها 4 اهداف حاسمة في النهائيات الحالية في البرازيل. أكد القائد الجديد أنه في مستوى التطلعات، وقاد بمفرده منتخب بلاده الى الدور نصف النهائي خاصة في الادوار الاول عندما سجل اهدافه الاربعة حتى الان، وثمن وربع النهائي عندما كان وراء هدفي الفوز في مرمى سويسرا وبلجيكا، وفي ظل ابتعاد جونزالو هيجواين عن مستواه واصابة سيرخيو اجويرو في الدور الاول وانخل دي ماريا في ربع النهائي. في سن السابعة والعشرين، لم يعد ابن روزاريو مثلما كان. فهو لا يتردد في الحديث وانتقاد الاختيارات التكتيكية لسابيلا على الرغم من أن هذا الدور يعود دائما إلى القائد السابق زميله في برشلونة خافيير ماسشيرانو. برغم مشاركته في تشكيلة الارجنتين الذهبية في اولمبياد بكين 2008، الا ان النجاح في كوبا اميركا وكاس العالم لم يحالف ابن روزاريو. لا يمكن لاي عاقل ان يشكك في نوعية، قدرة وبراعة ميسي، بعد تحليقه ببرشلونة الى القاب الدوري المحلي، دوري ابطال اوروبا وتتويجه افضل لاعب في العالم اربع مرات متتالية بين 2009 و2012، لكن نجمة المونديال تبقى الاغلى من بين نواقص خزانة ميسي المدججة. بعمر التاسعة بدأت مواهبه تتفتح تزامنا مع ظهور نقص في هورمونات نموه، وهي مشكلة كادت تحرمه من ان يصبح لاعبا كبيرا على حد قول طبيب الغدد دييجو شفارستاين: "الاطفال يريدون ان يصبحوا اكبر حجما من اجل المظهر والفتيات، لكنه اراد ذلك من اجل كرة القدم". وصف له علاج مرتفع الثمن بكلفة الف يورو شهريا يعوض النقص ويعطي نتائج سريعة، لكن في ظل ازمة اقتصادية وفقدان والده العامل بالمعادن لوظيفته وبالتالي خسارة التأمين الذي يؤمن لطفله الادوية، عولت عائلة ميسي على انقاذ نادي برشلونة لها من ورطتها فنقلهم الى اسبانيا ورعى الطفل الموهوب تحت جناحيه ليصبح افضل لاعب في العالم وربما في التاريخ. قال ميسي ان هدفه الاساسي هذا الموسم هو كأس العالم، ما اثار حفيظة مشجعي برشلونة الذين اعتبروا بعد موسمه السيء انه خبأ ما يملكه حتى مونديال البرازيل، لكنه فشل في المتر الاخير في دخول نادي العظماء. ولكي لا يعود ابن روزاريو خالي الوفاض الى بلاده منحه الاتحاد الدولي جائزة افضل لاعب في البطولة على الرغم من خفتان بريقه في الدور نصف النهائي والمباراة النهائية، وفي ظل تألق لاعبين آخرين في مقدمتهم نده في النهائي الالماني طوني كروس. حتى ميسي لم يكن راضيا بهذه الجائزة ولم تظهر الابتسامة على شفتيه امام مسؤولي اللعبة العالمية ونزل يجر اذيال الخيبة من المنصة الرسمية الى ارضية الملعب قبل ان يعود الى الاسولى لاستلام الميدالية الفضية. لحظة لا تنسى للنجم الارجنتيني ويحتاج الى وقت طويل لهضمها وربما يتنفس الصعداء في كأس اميركا الجنوبية "كوبا اميركا" في العامين المقبلين (2015 في تشيلي و2016 في الولاياتالمتحدة) ليصل في قمة جوعه الى اللقب العالمي عام 2018 في روسيا.