«أبو سنة» يكشف تفاصيل إنشاء أكبر مجمع إعادة تدوير للمخلفات في مصر    "وضع سقف للدين العام".. أبرز تصريحات معيط بشأن الموازنة العامة أمام النواب    «الخارجية الأمريكية»: نرفض قيام إسرائيل بعملية عسكرية كبيرة في رفح الفلسطينية    تشكيل باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    تحرير 50 محضرا متنوعا للمخابز خلال 4 حملات تموينية مكبرة بالفيوم    إبراهيم السمان يخوض أول بطولة سينمائية مطلقة ب«مخ في التلاجة» (صور)    شارك صحافة من وإلى المواطن    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    فرسان العلم والعمل والإنتاج مع أحمد إبراهيم في قناة مصر الزراعية يومي الاثنين والأربعاء    السفير المصري ببوليڤيا يهنئ الأقباط بعيد القيامة    وزير الصحة يشهد تدريب العاملين بالوزارة على توحيد مفاهيم الجودة (تفاصيل)    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وأشرقت الأنوار
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 08 - 2009

فى نهاية العام السادس للهجرة الموافق 627 لميلاد السيد المسيح وعقب عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أرسل رسله إلى ملوك الأرض وأمرائها يدعوهم إلى الإسلام، وقد تضمنت رسالته إلى إمبراطور الروم مايلى: «من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الاريسيين (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)».
والطريف أن المتأخرين من المفسرين وقفوا عاجزين أمام كلمة «آريسيين» التى وردت فى الرسالة لعدم معرفتهم بالمذاهب المسيحية ففسرها البعض بالخدم والضعفاء والبعض بالزراع والأجراء واكتفى آخرون بأن ذكروا فى تفاسيرهم بأن الآريسيين هم أتباع هرقل! أما رسول الله فقد كان يعلم بما علمه ربه أن الآريسيين هم أتباع آريوس الذين ظلوا قابضين على جمار الحق فى انتظار بعثته صلى الله عليه وسلم، وما كاد فجر يوم 18 ربيع الآخر عام 20ه الموافق 16 أبريل عام 641م يشرق على أرض مصر حتى كان الصحابى الجليل عمرو بن العاص قد نجح فى إسقاط النظام السياسى التابع للإمبراطورية الرومانية الذى كان يضطهد أقباط مصر ويسومهم سوء العذاب، وهكذا دخل كثير من القبط فى دين الله تصديقا بما بشرهم به المسيح عليه السلام ليبدأ على أرض الكنانة عهد جديد ينتهى فيه اضطهاد الروم وأتباعهم وينعم أهلها جميعا بتسامح دينى ليس له مثيل.
ونتيجة للاضطهاد الكاثوليكى للاريانية فى أوروبا فقد كاد المذهب يندثر إلا من شبه الجزيرة الأيبيرية «الأندلس»، وكما أسلفنا فقد تحول ملوك القوط بعد ليوفيجيلد إلى الكاثوليكية دين الإمبراطورية الرومانية طمعا فى استرضاء الأباطرة ليبقوهم على عروشهم بينما تمسك عامة القوط الأندلسيين كقبط مصر بعقيدتهم وتحملوا فى سبيل ذلك العنت والاضطهاد من حكامهم، فضلا عما كانت تعانيه الشعوب الأوروبية عامة خلال تلك الفترة من فقر وحرمان وقهر تحت سلطان حكام جائرين، ولعل هذا الكشف عن حقيقة العقيدة الدينية لقوط الأندلس يفسر لنا السبب الحقيقى الذى دفع الفاتحين المسلمين للإبحار نحوها بدلا من الاتجاه جنوبا فى اليابسة لنشر الإسلام بين قبائل السودان، وعندما نذكر السودان هنا فإننا لا نعنى بالطبع ذلك الواقع جنوب مصر الذى كان قد فُتح بالفعل قبل سنوات طويلة، وإنما نعنى الدول الأفريقية الواقعة جنوب المغرب الكبير كالسنغال والنيجر ومالى وغيرها.
فعندما وصل الفاتحون المسلمون إلى المغرب قبل أكثر من سبعين عاما أثار عجبهم ذلك القدر الهائل من الذهب الذى وجدوه بحوزة البربر وعندما سألوهم: «من أين لكم هذا ؟» أجابوا بأن قدموا لهم الملح الذى يستخرجونه من مناجم الصحراء قائلين: «هذا بذاك!»، فلقد كان البربر فى تجوالهم شمالا وجنوبا يتاجرون مع السودان الذى يتوافر فيه تبر الذهب بلا حساب حتى ليوجد فى متناول الجميع كما تكثر فيه مناجم الياقوت الجيد فكانوا يبيعونهم الملح الصخرى مقابل تلك المعادن الثمينة ومقابل الذهب الأسود لذلك العصر وهم الزنوج الذين كانوا يمثلون عصب القوى العاملة فى العالم القديم شرقه وغربه وقد كان البربر يستخدمونهم فى استخراج ملح المناجم ويبيعونهم للأوروبيين الوافدين إلى مدن المغرب التى حوت آنذاك أكبر الأسواق العالمية لبيع العبيد.
عرف المسلمون إذن، ومنذ البداية ما يحويه السودان من ثروات وفيرة تسيطر عليها قلة من قبائل وثنية بدائية تجمعهم بالبربر علاقات قديمة سلمية وحربية، وفضلا عن ذلك فإن المسير إلى الجنوب عبر اليابسة هو بلا شك أيسر على جنود الجيش الإسلامى سواء من العرب أو البربر عن خوض البحر الذى يمثل لقبائل الصحراء هاجسا مخيفا مما جعل الخليفة الأموى الوليد بن عبدالملك يتردد فى الموافقة على طلب موسى بن نصير بالإذن له فى فتح الأندلس قائلا: «لا تغرر بالمسلمين فى بحر شديد الأهوال»، لكن ابن نصير تمكن من إقناعه بمحدودية المساحة البحرية بين المغرب والأندلس.
وسأكتفى فى الإجابة عن تساؤلات منطقية حول أسباب أولوية الأندلس (بلاد الهمج وما وراء البحار) عن سودان الصحراء المغربية (بلاد الذهب والعبيد وامتداد اليابسة) فى سياسة الفتح الإسلامى رغم سهولة الأخيرة وإغرائها بالمقارنة بالأولى بإجابة الصحابى ربعى بن عامر حين أرسله سعد بن أبى وقاص رضى الله عنهما إلى رستم قائد الفرس للتفاوض معه قبل معركة القادسية، إذ سأله الأخير مستهزئا به ومحتقرا لبداوته: «ما الذى جاء بكم إلى هنا ؟» فأجابه السفير المسلم بثقة راسخة: «لقد ابتعثنا الله لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة». فليست الدنيا هى هدف الفتح الإسلامى لكنه شىء آخر لا يدركه إلا من جاوزت تطلعاتهم ما فوق طين الأرض.
وهكذا شاء رب العباد سبحانه أن تشرق أنوار التوحيد على قوط الأندلس، كما أشرقت قبل أكثر من نصف قرن على قبط مصر لتخرجهم من ظلمات جور طويل، وفى شهر رمضان المبارك من عام 92ه كانت معركة وادى لكة بين الفئة القليلة المؤمنة من جيش طارق بن زياد وبين الكثرة الضالة المضطهدة من جيش الديكتاتور رودريكو، وهنا نجد أنفسنا فى حاجة إلى وقفة مع تعبير «الفتح العربى للأندلس» الذى يستخدمه المؤرخون والذى يعد بحق افتئاتا منهم على الحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.