المصادر المعرفية والفكرية التى اعتمدت عليها التكوينات التنظيمية لتنظيم الجهاد متنوعة، ولعل أهم تلك المصادر هى تلك الكتب التى بدأت الدولة الناصرية تسمح بإصدارها بعد هزيمة 1967 م، وبعضها كانت كتبا سلفية لابن تيمية وابن القيم وابن كثير ومحمد بن عبدالوهاب والعديد منها كان يحققها الشيخ محمد حامد الفقى الذى أسس جماعة أنصار السنة والتى كان مقرها فى عابدين بشارع قوله، وفى هذا المسجد بدأ أيمن الظواهرى ومجموعته يذهبون إليه لتلقى الدرس ومعرفة العلوم الشرعية، ويقول أيمن الظواهرى إنه كانت له علاقة بالشيخ محمد خليل هراس الذى حقق العديد من كتب ابن تيمية فى العقيدة مثل «العقيدة الوسطية» وهو من رجال الأزهر الذين جمعوا بين مناهجه وبين العقيدة السلفية، كل هذا يشير إلى أن التوجه السلفى للتنظيم كان واضحا ومبكرا. وكان موضوع العقيدة السلفية أحد الموضوعات التى اهتمت بها مجموعة «أيمن الظواهرى» بشكل مبالغ فيه، وكان التمسك بهذه العقيدة هو الذى حال دون التقاء تلك المجموعة مع «مجموعة الفنية العسكرية» التى لم يكن لها نفس العمق العقدى ولم تكن تهتم بذلك النوع من الجدل، وهذا الالتزام بالعقيدة السلفية أورث مجموعة «أيمن الظواهرى» حذرا مبالغا فيه فى الحركة، لدرجة أنها بدأت منذ أواخر الستينيات وحين بدأت أحداث 1981 لم يكن لها سوى نفر قليل، كما أنها لم تشارك فى الأحداث. الوثيقة الثانية المهمة التى تمثل أحد المصادر الفكرية لتنظيم الجهاد هى «رسالة الإيمان» لصالح سرية قائد حركة الفنية العسكرية، وهذه الرسالة طبعها اتحاد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة فى السبعينيات، وهو ما يعنى أن هناك تيارا جهاديا وراء طباعة تلك الوثيقة الصغيرة التى كان يتم تداولها سرا، وكان واضحا فى الوثيقة تأثر مؤلفها بخبرته السياسية فى العراق قبل أن يأتى لمصر، لقد طرح بشكل واضح أن القوة والتنظيمات السرية هى الوسائل الناجعة لإقامة الدولة الإسلامية وأن الجهاد هو وسيلة تغيير الأنظمة السياسية القائمة، وقدمت الرسالة بعض الأفكار التى تعد ناضجة ومتقدمة حول التعامل مع الواقع. ومثلت خطبة «كارم الأناضولى» المتهم الثانى فى تنظيم الفنية العسكرية والذى حكم عليه بالإعدام أحد مصادر الإلهام العاطفى للشباب الإسلامى فى تلك الفترة وخاصة من كانت لديه ميول جهادية. حتى ذلك الوقت لم يكن الخط الفكرى لتنظيم الجهاد قد اكتمل ومن ثم تأتى أهمية رسالة «الفريضة الغائبة» التى ألفها محمد عبدالسلام فرج الذى يعد الأمير الحقيقى لمجموعة بحرى قبل أن تنضم إليها مجموعات الجماعة الإسلامية فى الصعيد، الفريضة الغائبة هى إعلان لاكتمال الفلسفة العقدية والفكرية التى يقوم عليها التنظيم. فلأول مرة يجرى استخدام تعبير «الطائفة الممتنعة» والتى كانت ولا تزال الإطار المرجعى لكل تيارات السلفية الجهادية حتى اليوم، وهو تعبير استخدمه ابن تيمية 661ه -728 فى مواجهة التتار الذين اسقطوا الخلافة الإسلامية وحكموا العالم الإسلامى باسم الياسق الذى كان مجموعة من القوانين الوضعية بعضها كان مستمدا من الإسلام. ناقش «عبدالسلام فرج» فى رسالته الطرق المختلفة التى تنتهجها الجماعات الإسلامية الأخرى وانتهى إلى أن الجهاد هو طريق إقامة الدولة الإسلامية، وأكد فيها أن الحكام المسلمين مرتدون وأنهم عدو يجب التخلص منه أولا حتى قبل تحرير فلسطين من اليهود. لم يكن لتنظيم الجهاد وثيقة فكرية مكتوبة تنتمى إلى من قاموا بعملية اغتيال السادات سوى رسالة «الفريضة الغائبة» والتى تمثل قيمة حركية أكثر منها فكرية، وفى أتون الصراع بين الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد تحركت كعادتها الجماعة الإسلامية أولا وشحذت همتها لتصدر ميثاق العمل الإسلامى والذى كان تطويرا لما أرساه محمد عبدالسلام فرج فى «الفريضة الغائبة« وبعدها «حتمية المواجهة» ثم «حكم الطائفة الممتنعة» وغيرها من الإصدارات التى تعد أحد المراجع المهمة للسلفية الجهادية اليوم – وقد راجعتها الجماعة الإسلامية جميعا بإصدارات جديدة. وفى الواقع تأخر إصدار تنظيم الجهاد لوثيقة تخصه بعد دخول السجن لأسباب متصلة بانشغاله ببنائه الحركى وبدأ يصدر من داخل السجن وعلى استحياء ما سمى بمنهاج العمل الإسلامى وهو خلاصة اشتغال المجموعة الجهادية فى السجن على قضايا متنوعة وبدا المنهاج جامعا بين عناصر أصولية قديمة وبين عناصر حديثة تشير للتعامل مع بعض قضايا الواقع المعاصر، بيد إنه فى خطوطه العامة لم يكن مختلفا عن الفريضة الغائبة أو إصدارات الجماعة الإسلامية. وفى فترة التسعينيات انتشر بين شباب تنظيم الجهاد فى مصر كتاب «العمدة فى إعداد العدة» لعبدالقادر بن عبدالعزيز والذى لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت فقد كان البعض يظنه «أيمن الظواهرى» حتى عرفه الناس بعد ذلك ولم يكن سوى «سيد إمام عبدالعزيز الشريف»، ورغم أن الكتاب أعد من أجل ضبط معسكرات المجاهدين فى أفغانستان بيد أنه حمل أفكارا متصلة بالخروج على الحكام عن طريق السلاح، وكان كاتبه وفيا لمبدأ اعتبار « العدو القريب أولى فى القتال من العدو البعيد»، ثم كان كتابه الضخم «الجامع فى طلب العلم الشريف» و حين قام تنظيم الجهاد بإعادة طبع الكتاب بعنوان «الهادى إلى سبيل الرشاد فى معالم الجهاد والاعتقاد» شن المؤلف عليه حملة عاتية قاسية وهو ما يشير إلى أنه ألف الكتاب بعد تركه التنظيم عام 1993. يبدو أن المشاكل الحركية التى واجهت التنظيم فى التسعينيات والتى أطلقنا عليها مرحلة «التيه التنظيمى» أثرت على توجهاته الفكرية فرغم سلفية التنظيم إلا أنه كان ينحو منحى ظاهرا باتجاه التكفير والعسكرة، فقد ذهب سيد إمام عبدالعزيز الشريف فى كتابه «الجامع» إلى أن أعيان الطائفة كفار ودخل فى الأعيان هنا القضاة وأعضاء الهيئات التشريعية والجنود المدافعون عن هذه الأنظمة، والذين يشاركون فى العمليات الانتخابية، ويبدو أن الأزمة النفسية التى واجهها «سيد إمام» كانت تعبيرا عن أزمة التنظيم الفكرية، فهو ينتقل من الفقه إلى العقيدة ومن أحكام الجهاد فى العمدة إلى أحكام الإيمان والكفر فى الجامع، والحال نفسه كان بالنسبة للجماعة الإسلامية، فالمزيد من العنف الذى بلغ قمته مع حادث الاقصر عام 1997 والمزيد من الخطابات المتشددة التى كانت تتبناها الجماعة فى المحاكمات العسكرية، كانت تخفى وراءها تمزقا فكريا ونفسيا قاد فى النهاية إلى الدخول فى مرحلة جديدة من مراحل تحول تنظيم الجهاد الفكرية الكبيرة وهى مرحلة المراجعات التى أنتجت كتب الجماعة الإسلامية الأربعة الأولى بعنوان «مبادرة وقف العنف» و «تسليط الأضواء على ما وقع فى الجهاد من أخطاء» و«النصح والتبيين فى تصحيح مفاهيم المحتسبين» و«حرمة الغلو فى الدين وتكفير المسلمين» ،ثم «وثيقة ترشيد العمل الجهادى فى مصر والعالم» لصاحبها سيد امام، ومرحلة المراجعات الفكرية تلك تؤرخ لمرحلة جديدة من مراحل سيرة ومسيرة التنظيم الفكرية للخروج من مأزق التكفير والعسكرة ،إلى «البديل الثالث» ،وهو الطرح الذى حاول عبود وطارق الزمر دون غيرهما أن يشيرا اليه فى اكثر من موضع حتى تبلور أخيرا فى الوثيقة الجديدة «البديل الثالث بين الاستبداد و الاستسلام».