فى وادى السليكون بالولايات المتحدة تدمر كل طريقة عرفناها لعمل الأشياء، هكذا ينظر العالم إلى التطور التكنولوجى لتغيير الطريقة التى اعتدنا بها عمل الأشياء الروتينية، البيع والشراء الذى تم استبدالهما بالتجارة الإلكترونية على ebay، دفع ثمن مشترياتنا أو حجز أجازتنا بعد استبدالهم بالحجز والدفع الإلكترونى فى Paypal، كل شىء تغير بتكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصال وانضم أخيرا لهم اقتصاد المشاركة shared economy. يستند مفهوم الاقتصاد التشاركى على تغيير أسس العلاقات الاقتصادية القائمة وكسر احتكار شركات أو أفراد معينين لتأدية خدمة معينة، وتعميمها لتمكين أى شخص لعملها اذا توافرت لديه بعض الأسس المرتبطة بتقديم الخدمة. ظهر مثلا الاقتصاد التشاركى فى السكن أو السفر وأخيرا فى خدمة سائقى الأجرة «التاكسى». من ضمن الخدمات الجديدة والتى هزت العالم بمفهومها البسيط والفعال فى الوقت نفسه هى أوبر Uber. يعتمد التطبيق الإلكترونى لأوبر على سيارة خاصة وسائق لديه تأمين على سيارته وهاتف ذكى Smart Phone. من هنا يبدأ فورا فى تقديم خدمة التوصيل كتاكسى تقليدى مقابل نسبة من ثمن الرحلة للشركة. مقابل تشارك الربح مع السائق، تقدم الشركة سبل لقاء السائق مع الراكب وهو تطبيق الكترونى يمكن الراكب من طلب التاكسى فى أى وقت وأى مكان عن طريق الهاتف الذكى. يمكن هذا التطبيق السائقين من العمل بساعات مرنة دون التقيد بساعات معينة أو وجود رئيس وما إلى ذلك من قيود تقليدية فى علاقات العمل. بعد ظهور هذا النموذج المثير للجدل تنافست عدة دول «قوية» (بمعنى الكفاءة والقدرة) وليس القوة الأمنية لمنع خدمة التاكسى الجديدة «أوبر» والحفاظ على التزامها القانونى مع شركات سيارات الأجرة التى يدفع أصحابها رسوما سنوية مقابل تقديمهم هذه الخدمة للجمهور. أصبح بعدها من غير المنطقى بالنسبة للحكومات أبدا أن يدفع سائق الأجرة ثمنا لرخصة مزاولة المهنة فى بعض الدول تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات حتى يظهر فجأة سائق غير محترف بسيارة خاصة وتطبيق الكترونى لينسف أسس التعاقد الحكومى مع الشركات والسائقين برمته مهددا لفرص عمل شحيحة بالفعل. بدأت هذه الحكومات فى اتخاذ اجراءات قانونية من نوعية إيقاف السائقين وتغريمهم أو توقيفهم فى كمائن مفاجئة أو محاولة التضييق على مكاتب الشركة، ولكن مع الوقت اكتشفوا أن سياسات التضييق أبطأ وأقل فعالية واستنفاذا للموارد مع إقبال الناس على استخدام الخدمة لفعاليتها ورخص سعرها، وأيضا من خلال توفير الخدمة من قبل فئة جديدة من الطبقة الوسطى من الموظفين الذين تحولوا إلى سائقين(ولو بدوام مؤقت) تبحث عن وظائف فى ظل ظروف اقتصادية لم تتعاف منذ أزمة 2008. استسلمت أخيرا الحكومات لهذه الموجة الجديدة من التغيير وبدلا من أداء دور رقابى وبوليسى على محاولة الناس لإيجاد فرص عمل بسيطة وجديدة وفرض الوصاية على الركاب لاختيار سبل توصيلهم، بدأت فى التفاوض مع أوبر عن كيفية تعويض السائقين القدامى وادماجهم فى التطبيق الإلكترونى الجديد، وكيفية منع التهرب الضريبى للسائقين الجدد وبذلك تزيد الحصيلة الضريبية، بالإضافة إلى تطوير الإجراءات الأمنية بالتعاون مع الشركات والسائقين لتحسين الخدمة، فضلت الحكومات «الذكية والقوية» أن تتعاون مع التطور وتصبح جزءا منه بدلا من أن تكون عكس التطور الطبيعى والمنتصر لا محالة. *** رد فعل الحكومات تجاه أوبر هو سؤال المستقبل، هل تعاند التطور وتتصارع فى معارك وهمية ضد التكنولوجيا كالتى حاولت خوضها أمام تطبيقات مثل جوجل إيرث بدواعٍ أمنية؟ هل توافق الدول الضعيفة وغير القادرة على توفير فرص تعليم وعلاج وعمل وخلافه من أساسيات دور الحكومات أن تصبح رهينة للشركات متعددة الجنسية والتى باتت من صناع السياسات العامة فى الصحة والتعليم وخلافه؟ هل تقبل دول أفريقية أن تكون السياسات العامة رهن صانع القرار فى شركة على بعد آلاف الأميال مثل Facebook والتى توفر انترنت مجانيا وتطبيقات للحفاظ على صحة الأمهات وتوفير فرص عمل ومنح تعليم حول العالم عن طريق تطبيق Internet.org فى زامبيا. الأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها فقد حولت تكنولوجيا التطبيقات السياسات العامة من حكرا على الحكومات إلى شأن عام تستطيع منه الشركات والأفراد إلى التدخل دون إذن أو رقيب. لقد أصبح السؤال يطرح فى مصر، هل تعمل الحكومة على معاندة العصر وضياع مجهودها ومواردها فى سياسات ديناصورية أم تتعاون مع الشركات الناشئة والتى تساعد فى خلق نمو محلى للاقتصاد بفرص عمل جديدة لشباب ضاقت به جميع السبل لحياة كريمة؟ هل تعمل على عدم انفاذ القانون وتشجيع أعمال البلطجة والتعدى على من يسعى إلى فرصة عمل محترمة وتحسين للخدمة المقدمة؟ أم تسعى إلى تطوير تشريعى سريع لمواكبة التطورات الاقتصادية والعصرية وضمان الحقوق؟ هذه هى أسئلة المستقبل لصانع القرار المصرى اذا كان حقا بصدد دولة مصرية متقدمة وحديثة تواكب عالمها.