تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    مساهمو تسلا يقرون حزمة تعويضات لإيلون ماسك بقيمة 56 مليار دولار    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير جهاز استشعار للدفاع الجوي في منطقة للحوثيين    ترامب: علاقاتى مع بوتين كانت جيدة    طاقم حكام مباراة الزمالك أمام سيراميكا كليوبترا في الدوري    إنبي: نحقق مكاسب مالية كبيرة من بيع اللاعبين.. وسنصعد ناشئين جدد هذا الموسم    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    فريضة الحج.. انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدسة (مباشر)    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات خلال عيد الأضحى    هاني شنودة يُعلق على أزمة صفع عمرو دياب لمعجب.. ماذا قال؟    برفقة أولادها.. حنان ترك توجه رسالة لجمهورها بمناسبة عيد الأضحى (فيديو)    "هذه أعمالهم" ماذا يفعل الحجاج في يوم التروية؟    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة قلقيلية وتداهم منازل المواطنين    الدخان وصل للسماء.. شاهد حريق هائل في منطقة الزرايب بالبراجيل    صلاح عبد الله عن صداقته بعلي الحجار: أنا الأصغر.. ولكنه يصر على مناداتي ب «الأستاذ»    باستعلام وتنزيل PDF.. اعرف نتائج الثالث المتوسط 2024    باسل عادل: لم أدع إلى 25 يناير على الرغم من مشاركتي بها    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سبب ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق.. القبة الحرارية (فيديو)    الخارجية الأمريكية: نضغط على إيران لتتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    حزب الله يحول شمال إسرائيل إلى جحيم ب150 صاروخا.. ماذا حدث؟ (فيديو)    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    فيديو| مشادة بين محمود العسيلي ومسلم.. والجمهور: "حلو الشو ده"    «زد يسهل طريق الاحتراف».. ميسي: «رحلت عن الأهلي لعدم المشاركة»    ضبط مريض نفسى يتعدى على المارة ببنى سويف    هشام قاسم و«المصري اليوم»    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    سموحة يعلن موافقته على تطبيق نظام الدوري البلجيكي في مصر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    ننشر صور الأشقاء ضحايا حادث صحراوي المنيا    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    تحرير 14 محضر مخالفة فى حملة للمرور على محلات الجزارة بالقصاصين بالإسماعيلية    أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج في يوم التروية    عيد الأضحى 2024| هل على الحاج أضحية غير التي يذبحها في الحج؟    ما ينبغي على المسلم فعله في يوم عرفة    إصابة 11 شخصا بعقر كلب ضال بمطروح    صحة دمياط: تكثيف المرور على وحدات ومراكز طب الأسرة استعدادا لعيد الأضحى    بايدن يكشف العائق الأكبر أمام تنفيذ خطة وقف إطلاق النار    أماكن ذبح الأضاحي مجانا بمحافظة الإسماعيلية في عيد الأضحى 2024    جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 عمليات عسكرية بالصواريخ خلال ال 24 ساعة الماضية    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    مصطفى بكري يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة.. ومفاجآت المجموعة الاقتصادية    جامعة الدلتا تشارك في ورشة عمل حول مناهضة العنف ضد المرأة    بشرة خير.. تفاصيل الطرح الجديد لوحدات الإسكان الاجتماعي    5 أعمال للفوز بالمغفرة يوم عرفة.. تعرف عليها    بعد استشهاد العالم "ناصر صابر" .. ناعون: لا رحمة أو مروءة بإبقائه مشلولا بسجنه وإهماله طبيا    تحرك نووي أمريكي خلف الأسطول الروسي.. هل تقع الكارثة؟    رئيس "مكافحة المنشطات": لا أجد مشكلة في انتقادات بيراميدز.. وعينة رمضان صبحي غير نمطية    عماد الدين حسين يطالب بتنفيذ قرار تحديد أسعار الخبز الحر: لا يصح ترك المواطن فريسة للتجار    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية بالأسواق الجمعة 14 يونيو 2024    عماد الدين حسين: قانون التصالح بمخالفات البناء مثال على ضرورة وجود معارضة مدنية    وكيل صحة الإسماعيلية تهنئ العاملين بديوان عام المديرية بحلول عيد الأضحى المبارك    دواء جديد لإعادة نمو الأسنان تلقائيًا.. ما موعد طرحه في الأسواق؟ (فيديو)    نقيب "أطباء القاهرة" تحذر أولياء الأمور من إدمان أولادهم للمخدرات الرقمية    تراجع سعر السبيكة الذهب (مختلف الأوزان) وثبات عيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 14 يونيو 2024    محمد صلاح العزب عن أزمة مسلسله الجديد: قصة سفاح التجمع ليست ملكا لأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكرم محمد أحمد ينعى الأستاذ فى حوار ل«الشروق»: لولاه ما كنت
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2016

- هيكل أنقذني من الإعدام وعملت معه 24 سنة.. وكنا نشعر معه أن لدينا «ظهرًا يحمينا»
- دخل الأهرام وتوزيعها 60 ألفًا وخلال 3 سنوات اقترب حجم التوزيع من المليون نسخة
- التقط الحكيم ولويس عوض وجاهين إلى الأهرام
- قدم أرقى صور الأداء فى الصحافة والسياسة.. وأصبح جزءًا من تاريخ الوطن لستين عامًا
- كان نزيهًا ونظيفًا فى تشجيع الموهوبين والأذكياء من الشباب.. كان يحب أن يحاط بالموهوبين والمفكرين وصناع التاريخ والثقافة والأدب.. وأسس أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية
- اتسم بالعدل والموضوعية.. ولم يكن مثل «الصراصير» التى تغار من تلامذتها الصغار
- سنخسر هيكل.. لكن يجب ألا ننسى أنه ظل أربعين عامًا نجمًا فى سماء الشرق الأوسط والعالم أجمع
- كتب مانشيت «عبدالناصر فى رحاب الله» رغم الكارثة التى كان فيها
بين عبارات رثاء تفيض بالوفاء والحب، نحو «الأستاذ»، بألف ولام التعريف، كما يعرفه تلاميذه فى الأسرة الصحفية المصرية والعربية، وأخرى خرجت من لسانه مريرة، عن حال الصحفيين والصحافة فى مصر الآن، دار هذا الحوار مع نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد فى مكتبه بالطابق الخامس من المبنى القديم لمؤسسة الأهرام بوسط القاهرة، عن رحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
روى مكرم ل«الشروق» عن سنوات الراحل فى مؤسسة الأهرام وكيف انقذها من «الركود فى السوق»، وجعلها فى المقدمة، وتبنيه المواهب، وعلاقته بجمال عبدالناصر وأثر نكسة 1967 عليه.
وكشف نقيب الصحفيين الأسبق، عن أن الراحل الكبير أنقذه من السجن 25 عاما، أو الذهاب به إلى حبل المشنقة.. وإلى نص الحوار:
* بداية.. حدثنا عن تجربتك فى مزاملة الأستاذ هيكل بصحيفة الأهرام فى القرن الماضي؟
عملت مع الأستاذ هيكل 24 سنة، وأشهد بكل حق وإخلاص أن الأستاذ هيكل صحفى فريد قل أن يتكرر مثله، عمل بالصحافة والسياسة، وقدم أرقى صور الأداء فى المجالين، أصبح جزءا من تاريخ هذا الوطن لستين عاما يشارك فى لعبة السياسة والصحافة.
أما فيما يتعلق بأدائه كرئيس تحرير، فأعتقد أنه كان أكثر رؤساء التحرير عدلا وموضوعيا، لا أقول يعنى أنه كان النموذج الفذ، ولكن فى المعايير الحقيقية لاحترام المهنة كان نزيها ونظيفا فى تشجيع الموهوبين والأذكياء.
كان يأخذ بيد كل شاب يمكن أن يكون صحفيا جيدا ليمنحه المزيد من الفرصة، وكان يعتقد أن جزءا من مهماته بالفعل أن يكتشف هذه القدرات، وأعتقد أنه تعلم هذا من مدرسة أخبار اليوم. كما أن الأستاذ هيكل كان يحب أن يحاط بالموهوبين والمفكرين وصناع التاريخ وصناع الأدب والثقافة.
حينما جاء الأهرام، كانت الصحيفة تمر بمرحلة ركود شديد، وهبط توزيعها إلى حدود ستين ألف نسخة فقط، وفى غضون ثلاثة أعوام فقط تمكن من تشكيل أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية.
الأهرام كان مشكلا من مجموعتين، مجموعة قدامى الأهراميين وكان متوسط السن 65 عاما، وجاءت عليهم مجموعة من صحفيى جريدة المصرى بعد إغلاقها، وظل الأهرام راكدا بينما مصطفى وعلى أمين كانا قد أسسا أخبار اليوم، وقدما من خلالها صحافة نشطة تتميز بالإثارة، والعناوين المثيرة، الأمر الذى جعل توزيع صحيفة الأهرام ينكمش إلى حدود ستين ألف نسخة.
وأذكر أنه حينما جاء هيكل إلى الأهرام، وكنت قد دخلتها قبله بنحو ستة أشهر فى نهاية فترة أحمد الصاوى محمد، فى أواخر عام 1958 وكنت وقتها محررا فى قسم الحوادث، أذكر أنهم سألوا هيكل بعدما تولى رئاسة تحرير الصحيفة: «عاوز الأهرام يطلع ازاي»؟ فرد عليهم قائلا: «زى امبارح، لكن ما بين امبارح وبعد 3 سنين كان للأهرام هيئة تحرير مختلفة، هى أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية».
كما دفع بمجموعة شباب جديدة حتى ينزل بمتوسطات سن محررى الأهرام، واستقدم مجموعة من زملائه فى الأخبار من أبرزهم صلاح هلال وصلاح جلال وصلاح منتصر وفتحية بهيج وتوفيق بحرى «عشان يوضب»، وبدأ يلتقط الموهوبين فى الصحافة المصرية فاستقدم توفيق الحكيم والحسين فوزى ولويس عوض وصلاح جاهين، وفى غضون ثلاثة أعوام فقط كانت الأهرام قفز توزيعها إلى ما يقرب من مليون نسخة، بجهد هيكل وبجهد هذا الفريق النادر من العمل.
هيكل كان أيضا يستطيع أن يحمى زملاءه. كنا نتمتع فى الأهرام بمظلة حماية كاملة، تكفل لنا أداء واجبنا بقدر أكبر من الحرية التى يمارس بها الزملاء عملهم. «وقع علينا ظلم كما وقع على كثير من الزملاء، لكن أنت فى النهاية تحس أن هناك ظهرا يحميك».
فأنا حوكمت فى اليمن محاكمة عسكرية وكاد يصدر ضدى حكم بالإعدام أو بالحبس خمسة وعشرين عاما على الأقل، من الذى أنقذنى من ذلك؟ تدخل هيكل فى الوقت المناسب من أجل هذا.
المهم فى جمال هيكل، أنه حين جاء الأهرام لم يحاول أن يجعل منه «أخبارا»، ولكنه حافظ على مصداقية الجورنال.
وأذكر كذلك أن حالة الرفت الوحيدة التى وقعت فى أثناء تولى هيكل المسئولية فى الأهرام كانت لمحرر ثبت بالفعل أنه سرب خبرا بشكل عامد متعمد غير حقيقى، لخدمة مصلحة إحدى الدول العربية.
سنخسر هيكل لكن علينا ألا ننسى أنه ظل لأكثر من أربعين عاما نجما فى سماء الشرق الأوسط وفى سماء العالم العربى، يصل قبسه إلى العالم أجمع.
كان أحد الصناع الحقيقيين للرأى العام المصرى والعربى وأعتقد أيضا أنه كان فخورا بنفسه وبمدرسته وبتلاميذه وبهيئة تحريره، كان كبيرا يحب يشتغل مع الكبار «مش زى الصراصير اللى بتغير من التلامذة اللى بتشتغل معاها»، وكان يحب ويسعى لتنمية المواهب التى كانت موجودة معه.
هزيمة 1967 كسرت هيكل بنسبة ما، لكنه أيضا ملك شجاعة مكنته من أن يأتى بنفسه ليكتب مانشيت رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، «عبدالناصر فى رحاب الله»، وغادر الأهرام بعد أن كتب قصته، حيث أدى واجبه المهنى رغم الكارثة التى كان فيها، وسرعان ما أصلح دفة الأهرام، حين كتب «عبدالناصر ليس أسطورة»، وحين دعا لتقنين ثورة 1952 من أجل أن يكون هناك نظام وأن تكون هناك مؤسسات، وينتهى زوار الفجر.
* وماذا عن خلفاء هيكل؟
عايشت خلال وجودى فى الأهرام أربعة رؤساء تحرير على الأقل، على أمين، وعلى حمدى الجمال، وأحمد بهاء الدين، وإبراهيم نافع، وغادرت الأهرام مع تولى نافع رئاسة التحرير لأتولى رئيس مجلس إدارة دار الهلال.
* فى ضوء خبرتك الصحفية الطويلة، كيف تنظر للتحديات التى تواجهها الصحافة اليوم؟
عندنا مشكلات عديدة فى الصحف القومية، هياكلها مختلة، وفيها زحام شديد بحيث لا يتمكن كل الزملاء من أن يحققوا ذواتهم، وهناك خلط سيئ بين الإعلان والصحافة.
وتوجد مجالس إدارات لا تستطيع أن تنهض بمهمتها، والأخطر من ذلك أن جميع الصحف القومية تعتمد فى رواتبها اليوم على خزانة الدولة، هل هذا الوضع يستقيم؟ لابد من إصلاح الهياكل المالية لهذه المؤسسات، فهى عاجزة عن سداد ديونها، ولذلك فإنه ما لم يتم تسديد هذه الديون وإصلاح الهياكل المالية لتلك المؤسسات، فلن تستطيع محاسبة أحد لا على انحراف ولا على فساد.
الأمر الآخر، نحن لدينا صحف خاصة، قليل منها فقط هى التى تفى بالتزامات الصحفيين، وبعضها يغلق أبوابه، ويترك الصحفيين على سلم النقابة يبيعون الخضار، وكثير منهم يلزم الصحفى بأن يكتب استقالته قبل تعيينه، وبعضها لا تدفع أجورا للصحفى فى مقابل أن تمنحه شهادة تجيز له الحصول على بدل النقابة، هل هذا الوضع يكفل صحافة حقيقية؟
وإذا انتقلنا للإعلام، لدينا تليفزيون حكومى ينافسه عدد من التليفزيونات والمحطات الخاصة يملكها رجال أعمال، همهم الأكبر تحقيق أكبر نسبة ممكنة من المشاهدة لجلب أكبر نسبة ممكنة من الإعلانات. كثيرا ما نرى برامج لا ينبغى إطلاقا أن تشاهدها الأسر المصرية، كثيرا ما نرى ترويجا للخرافة.
* اضرب لنا مثالا على هذه البرامج؟
مش هتكلم.. (وبعد صمت) كثيرا ما نرى ترويجا للخرافة. برامج التوك شو أسرفت فى التأكيد على أنها تصنع الرأى العام وأصبحت تكرر نفسها والكلام الذى تسمعه من هذا النجم اليوم، هو ما تسمعه منه ومن غيره فى اليوم التالى إلى الحد الذى جعل الناس تنصرف عن معظمهم، وجعلتهم هم أيضا يقلبون برامجهم الآن إلى برامج فنية بدلا من برامج التوك شو السياسى. كما أنه ليس للإعلاميين نقابة وليس لهم ميثاق شرف صحفى يلزمهم بتطبيق أخلاقيات المهنة بحيث يصبح الإصلاح من داخلهم.
أضف إلى ذلك، البنية القانونية التى تحكم الصحافة والإعلام، بنية مهترئة تحتاج إلى تغيير شامل، نحتاج إلى تغيير شامل فى عدة قوانين أهم قوانين النقابة والمجلس الأعلى للصحافة.
بالتالى، فإن الوضع لا يسر، لكن أيضا لا نستطيع أن نتجاهل، حتى ونحن فى هذا الحال، أن الصحافة المصرية لاتزال هى أحسن الصحافات العربية، وأكثرها انتقادا للحكم والسلطة ولاتزال توجد مواهب شابة جديدة تبتدع حتى أساليب جديدة فى الكتابة، يوجد إسراف بعض الشىء فى الكتابة باللغة العامية، وإسراف فى «استخفاف الدم».
ورغم كل ذلك، أستطيع أن أقول إن أداء الصحافة المصرية فى المجمل لم يهبط إلى الحد الذى وصل إليه أداء أجهزة الإعلام المرئى، ورأينا كيف كان تأثير هؤلاء فى فترة جماعة الإخوان المسلمين ورأينا كيف عادت جماعة الإخوان، الإعلام والصحافة كما عادت القضاء تماما، لكن هناك أيضا أزمة كبيرة سببها غياب الحرفية، حيث نوجه فى كثير من الأحيان تعميمات غير صحيحة، ونوجه فى كثير من الأحيان اتهامات لا تستند إلى دليل، ونصدر أحكاما كقضاة ليس لنا حق فى إصدارها، لكن مع كل هذه السوءات لا تزال الصحافة المصرية هى أقوى الصحافات العربية وأكثرها انتقادا لنظم الحكم وأكثرها أيضا كشفا للفساد الموجود فى بلدها، لكن هذا ليس مطمح الصحافة المصرية، ففى فترة الستينيات، كانت لدينا صحيفة (الأهرام) أصبحت واحدة من أهم عشر صحف فى العالم، يعنى هقارن نفسى بقطر ولا أقارن نفسى بالسعودية؟ لأ.. المفروض أن أقارن نفسى بدولة متقدمة، لأن تاريخ الصحافة فى هذا البلد تاريخ قديم، وتاريخ النقابة تاريخ قديم. الصحفيون دفعوا تضحيات جسيمة من أجل أن يحصلوا على حريتهم.
* إلى أى مدى ترى القانون الموحد للصحافة والإعلام قد يكون بداية جيدة فى هذا الأمر؟
لا أعرف إذا كان بداية جيدة أم لا، قرأت القانون بدقة ولى تحفظات على هذا القانون، ولا أعرف إذا كانت الدولة ستمتثل لضغوط النقابة وتمشى القانون حتى يتعطل فى مجلس النواب أم ماذا، ولا أظن أنه سيخرج من مجلس النواب قبل شهور عديدة، ولا أعرف ما الحكمة من إصرار النقابة على أن تصدر القانون قبل تشكيل الهيئات التى تقوم على أمر الصحافة والإعلام، لأن الدستور يقول إن تلك الهيئات الثلاث، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، لابد أن تنظر هذه القوانين، ومع كل الشكر لجهود النقابة، لا تستطيع النقابة أن تقول إن مشروع القانون يحظى بتأييد شامل من الصحفيين، لأنه لم يحدث أن وافقت عليه جمعيات عمومية ولم يتم مناقشته فى أى مؤسسات صحفية على نطاق واسع. النقابة جمعت مجموعة من الزملاء وخبراء القانون وقدمت هذا الاجتهاد فينبغى أن ننظر إليه فى هذا الإطار المجرد دون تخويف أو إكراه.
* ما تحفظات حضرتك على القانون؟
ليقرأ الصحفيون القانون وسيكتشفون بأنفسهم حجم التحفظات الموجودة. إذا كان القانون يعجب الصحفيين فأهلا وسهلا، معنديش أى مشكلة، أنا راجل ليس لى مطمع ولا لى حياة وأديت واجبى تجاه نفسى وتجاه مهنتى، ولا أحب أن أعطل المراكب السايرة، لكننى أقول إن هذا القانون لن يحل مشاكل الصحافة وأقول هذا الكلام عن خبرة حقيقية عميقة بهذه المهنة تواصلت على امتداد خمسين عاما.
* وما تأثير المخالفات الإعلامية التى ذكرتها على ما يهدد الدولة من مخاطر؟
أنا أحارب وأنا فى كامل لياقتى، غير أن أحارب وأنا الحكومة مسندانى بتدفع لى رواتبى. الحكومة تدفع رواتب معظم المؤسسات الصحفية، هل هذا الوضع يستقيم ويستمر؟ «اه حاربنا معركة كويسة فى مواجهة الإخوان المسلمين، وهم الذين بادروا أساسا بالإضرار بمصالح الصحفيين»، لكننا نتكلم عن طريق مفتوح وواسع وعريض يقوم على استقلال هذه المؤسسات وقدرتها على أن تنمى نفسها بنفسها. إذا كنا نتحدث عن دولة مؤسسات، فلابد أن تكون المؤسسات فى هذه الدولة مستقلة تتمتع بحريتها الكاملة.
نتمنى أن الدولة تدرك حجم الإصلاح الضخم المطلوب فى هذا الميدان لأن الصحافة المصرية لاتزال جزءا من قوة مصر الناعمة ولاتزال عماد تشكيل الرأى العام فى مصر، ولاتزال المرآة التى يشاهد فيها العالم حالة مصر وصورتها.
* هل يسهم الأداء الإعلامى فى بناء الدولة التى نطمح إليها؟
لسنا فى كامل اللياقة، نتمنى أن نكون فى كامل لياقتنا حتى يكبر دورنا، نحن لا نزال نواجه مشكلات الفقر التى لم نستطع أن نحقق فيها مكسبا حقيقيا، الفقر المدقع ما زال موجودا، لانزال نواجه أزمة أجيال، وأزمة جيل جديد غير قادرين على التواصل معه فى حوار مثمر. لانزال عاجزين عن إنتاج بسكلتة ولا موتوسيكل ولا حتى مضخة مياه.
الإعلام يؤدى واجبه على قدر ما يستطيع، لكنه يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة. لأن الإعلام فعل لهذه الدولة أشياء كثيرة حتى قبل هزيمة الإخوان. تعليم الفتاة سببه ايه؟ الإعلام المصرى، مدرسة السنية، الجامعة المصرية من أنشأها؟ لابد أن نحصن هذا الإعلام، ولن نستطيع تحصينه إلا من خلال تقوية المؤسسات وإصلاح هياكلها المالية ومنح الصحفيين مزيدا من حرية الرأى والتعبير، ومزيدا من الأمان ومعالجة المشكلات التى تحدثنا عنها فى المؤسسات الصحفية القومية والخاصة ومؤسسات ومحطات الإعلام المرئى.
* هل تظن أن معالجة مشكلات المؤسسات الصحفية قد يعيدنا إلى زمن توزيع المليون نسخة إلا قليلا؟
طبعا ممكن لماذا لا، إذا كنا حققناها فى الستينيات، فمفيش مشكلة، ممكن نحققها جدا، ولدينا مواهب متمثلة فى جيل جديد من الشبان يكتب ويبتدع أساليب جديد، وجيل جديد من المخبرين الصحفيين الجيدين بنشوف جهدهم، والأرض ليست جدباء، الأرض ووراءها تاريخ ضخم.
* ختاما.. ما الرسالة التى توجهها للأستاذ هيكل اليوم وقد صار بين يدى الله؟
أقول له شكرا على ما أعطيته للمهنة، شكرا على ما أعطيته لى.
لولا هيكل كنت ممكن أدخل السجن لقضاء عقوبة مدتها خمسة وعشرون عاما فى تهمة ملفقة (بدعوى نشر أخبار كاذبة عن حرب اليمن)، وكان من الممكن أن أواجه خطر الإعدام. لولاه ما كنت مكرم محمد أحمد، لأننى لم أكن من أحبابه، ولكنه وجد فى بعض الأمل، فمنحنى الفرصة.

محمد حسنين هيكل- شخصيات عامة - صلاح جاهين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.