قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    ترامب: أتوقع التوصل إلى اتفاق قريب مع الرئيس بوتين    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    اللقب مصري.. نور الشربيني تتأهل لمواجهة هانيا الحمامي في نهائي بطولة العالم للاسكواش    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالمقطم    غيبوبة سكر.. نقل الجد المتهم في الاعتداء على حفيده للمستشفى بشبرا الخيمة    بقصة شعر جديدة، كاظم الساهر يحيي اليوم حفل دبي والإعلان عن عرض ثان بعد نفاد التذاكر    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات السبت 17 مايو 2025    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    إبداعات المنوفية| دمية.. قصة ل إبراهيم معوض    إبداعات المنوفية| بين الشك واليقين.. شعر ل وفاء جلال    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 17 مايو 2025    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    بعد رباعية الجونة.. إقالة بابا فاسيليو من تدريب غزل المحلة    رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    ترامب يلوّح باتفاق مع إيران ويكشف عن خطوات تجاه سوريا وبوتين    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    رويترز: إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    شديد الحرارة نهاراً وأجواء معتدلة ليلا.. حالة الطقس اليوم    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    نجم الزمالك السابق يفاجئ عمرو أديب بسبب قرار التظلمات والأهلي.. ما علاقة عباس العقاد؟    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    رئيس شعبة الدواجن: نفوق 30% من الإنتاج مبالغ فيه.. والإنتاج اليومي مستقر عند 4 ملايين    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    غرق طالب بترعة الكسرة في المنشاة بسوهاج    كل سنة وأنت طيب يا زعيم.. 85 عاما على ميلاد عادل إمام    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    رئيسا "المحطات النووية" و"آتوم ستروي إكسبورت" يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 17 مايو 2025    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    "بيطري قناة السويس" تُطلق فعاليات بيئية وعلمية ومهنية شاملة الأسبوع المقبل    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكرم محمد أحمد ينعى الأستاذ فى حوار ل«الشروق»: لولاه ما كنت
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2016

- هيكل أنقذني من الإعدام وعملت معه 24 سنة.. وكنا نشعر معه أن لدينا «ظهرًا يحمينا»
- دخل الأهرام وتوزيعها 60 ألفًا وخلال 3 سنوات اقترب حجم التوزيع من المليون نسخة
- التقط الحكيم ولويس عوض وجاهين إلى الأهرام
- قدم أرقى صور الأداء فى الصحافة والسياسة.. وأصبح جزءًا من تاريخ الوطن لستين عامًا
- كان نزيهًا ونظيفًا فى تشجيع الموهوبين والأذكياء من الشباب.. كان يحب أن يحاط بالموهوبين والمفكرين وصناع التاريخ والثقافة والأدب.. وأسس أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية
- اتسم بالعدل والموضوعية.. ولم يكن مثل «الصراصير» التى تغار من تلامذتها الصغار
- سنخسر هيكل.. لكن يجب ألا ننسى أنه ظل أربعين عامًا نجمًا فى سماء الشرق الأوسط والعالم أجمع
- كتب مانشيت «عبدالناصر فى رحاب الله» رغم الكارثة التى كان فيها
بين عبارات رثاء تفيض بالوفاء والحب، نحو «الأستاذ»، بألف ولام التعريف، كما يعرفه تلاميذه فى الأسرة الصحفية المصرية والعربية، وأخرى خرجت من لسانه مريرة، عن حال الصحفيين والصحافة فى مصر الآن، دار هذا الحوار مع نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد فى مكتبه بالطابق الخامس من المبنى القديم لمؤسسة الأهرام بوسط القاهرة، عن رحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
روى مكرم ل«الشروق» عن سنوات الراحل فى مؤسسة الأهرام وكيف انقذها من «الركود فى السوق»، وجعلها فى المقدمة، وتبنيه المواهب، وعلاقته بجمال عبدالناصر وأثر نكسة 1967 عليه.
وكشف نقيب الصحفيين الأسبق، عن أن الراحل الكبير أنقذه من السجن 25 عاما، أو الذهاب به إلى حبل المشنقة.. وإلى نص الحوار:
* بداية.. حدثنا عن تجربتك فى مزاملة الأستاذ هيكل بصحيفة الأهرام فى القرن الماضي؟
عملت مع الأستاذ هيكل 24 سنة، وأشهد بكل حق وإخلاص أن الأستاذ هيكل صحفى فريد قل أن يتكرر مثله، عمل بالصحافة والسياسة، وقدم أرقى صور الأداء فى المجالين، أصبح جزءا من تاريخ هذا الوطن لستين عاما يشارك فى لعبة السياسة والصحافة.
أما فيما يتعلق بأدائه كرئيس تحرير، فأعتقد أنه كان أكثر رؤساء التحرير عدلا وموضوعيا، لا أقول يعنى أنه كان النموذج الفذ، ولكن فى المعايير الحقيقية لاحترام المهنة كان نزيها ونظيفا فى تشجيع الموهوبين والأذكياء.
كان يأخذ بيد كل شاب يمكن أن يكون صحفيا جيدا ليمنحه المزيد من الفرصة، وكان يعتقد أن جزءا من مهماته بالفعل أن يكتشف هذه القدرات، وأعتقد أنه تعلم هذا من مدرسة أخبار اليوم. كما أن الأستاذ هيكل كان يحب أن يحاط بالموهوبين والمفكرين وصناع التاريخ وصناع الأدب والثقافة.
حينما جاء الأهرام، كانت الصحيفة تمر بمرحلة ركود شديد، وهبط توزيعها إلى حدود ستين ألف نسخة فقط، وفى غضون ثلاثة أعوام فقط تمكن من تشكيل أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية.
الأهرام كان مشكلا من مجموعتين، مجموعة قدامى الأهراميين وكان متوسط السن 65 عاما، وجاءت عليهم مجموعة من صحفيى جريدة المصرى بعد إغلاقها، وظل الأهرام راكدا بينما مصطفى وعلى أمين كانا قد أسسا أخبار اليوم، وقدما من خلالها صحافة نشطة تتميز بالإثارة، والعناوين المثيرة، الأمر الذى جعل توزيع صحيفة الأهرام ينكمش إلى حدود ستين ألف نسخة.
وأذكر أنه حينما جاء هيكل إلى الأهرام، وكنت قد دخلتها قبله بنحو ستة أشهر فى نهاية فترة أحمد الصاوى محمد، فى أواخر عام 1958 وكنت وقتها محررا فى قسم الحوادث، أذكر أنهم سألوا هيكل بعدما تولى رئاسة تحرير الصحيفة: «عاوز الأهرام يطلع ازاي»؟ فرد عليهم قائلا: «زى امبارح، لكن ما بين امبارح وبعد 3 سنين كان للأهرام هيئة تحرير مختلفة، هى أعظم هيئة تحرير شهدتها الصحافة المصرية».
كما دفع بمجموعة شباب جديدة حتى ينزل بمتوسطات سن محررى الأهرام، واستقدم مجموعة من زملائه فى الأخبار من أبرزهم صلاح هلال وصلاح جلال وصلاح منتصر وفتحية بهيج وتوفيق بحرى «عشان يوضب»، وبدأ يلتقط الموهوبين فى الصحافة المصرية فاستقدم توفيق الحكيم والحسين فوزى ولويس عوض وصلاح جاهين، وفى غضون ثلاثة أعوام فقط كانت الأهرام قفز توزيعها إلى ما يقرب من مليون نسخة، بجهد هيكل وبجهد هذا الفريق النادر من العمل.
هيكل كان أيضا يستطيع أن يحمى زملاءه. كنا نتمتع فى الأهرام بمظلة حماية كاملة، تكفل لنا أداء واجبنا بقدر أكبر من الحرية التى يمارس بها الزملاء عملهم. «وقع علينا ظلم كما وقع على كثير من الزملاء، لكن أنت فى النهاية تحس أن هناك ظهرا يحميك».
فأنا حوكمت فى اليمن محاكمة عسكرية وكاد يصدر ضدى حكم بالإعدام أو بالحبس خمسة وعشرين عاما على الأقل، من الذى أنقذنى من ذلك؟ تدخل هيكل فى الوقت المناسب من أجل هذا.
المهم فى جمال هيكل، أنه حين جاء الأهرام لم يحاول أن يجعل منه «أخبارا»، ولكنه حافظ على مصداقية الجورنال.
وأذكر كذلك أن حالة الرفت الوحيدة التى وقعت فى أثناء تولى هيكل المسئولية فى الأهرام كانت لمحرر ثبت بالفعل أنه سرب خبرا بشكل عامد متعمد غير حقيقى، لخدمة مصلحة إحدى الدول العربية.
سنخسر هيكل لكن علينا ألا ننسى أنه ظل لأكثر من أربعين عاما نجما فى سماء الشرق الأوسط وفى سماء العالم العربى، يصل قبسه إلى العالم أجمع.
كان أحد الصناع الحقيقيين للرأى العام المصرى والعربى وأعتقد أيضا أنه كان فخورا بنفسه وبمدرسته وبتلاميذه وبهيئة تحريره، كان كبيرا يحب يشتغل مع الكبار «مش زى الصراصير اللى بتغير من التلامذة اللى بتشتغل معاها»، وكان يحب ويسعى لتنمية المواهب التى كانت موجودة معه.
هزيمة 1967 كسرت هيكل بنسبة ما، لكنه أيضا ملك شجاعة مكنته من أن يأتى بنفسه ليكتب مانشيت رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، «عبدالناصر فى رحاب الله»، وغادر الأهرام بعد أن كتب قصته، حيث أدى واجبه المهنى رغم الكارثة التى كان فيها، وسرعان ما أصلح دفة الأهرام، حين كتب «عبدالناصر ليس أسطورة»، وحين دعا لتقنين ثورة 1952 من أجل أن يكون هناك نظام وأن تكون هناك مؤسسات، وينتهى زوار الفجر.
* وماذا عن خلفاء هيكل؟
عايشت خلال وجودى فى الأهرام أربعة رؤساء تحرير على الأقل، على أمين، وعلى حمدى الجمال، وأحمد بهاء الدين، وإبراهيم نافع، وغادرت الأهرام مع تولى نافع رئاسة التحرير لأتولى رئيس مجلس إدارة دار الهلال.
* فى ضوء خبرتك الصحفية الطويلة، كيف تنظر للتحديات التى تواجهها الصحافة اليوم؟
عندنا مشكلات عديدة فى الصحف القومية، هياكلها مختلة، وفيها زحام شديد بحيث لا يتمكن كل الزملاء من أن يحققوا ذواتهم، وهناك خلط سيئ بين الإعلان والصحافة.
وتوجد مجالس إدارات لا تستطيع أن تنهض بمهمتها، والأخطر من ذلك أن جميع الصحف القومية تعتمد فى رواتبها اليوم على خزانة الدولة، هل هذا الوضع يستقيم؟ لابد من إصلاح الهياكل المالية لهذه المؤسسات، فهى عاجزة عن سداد ديونها، ولذلك فإنه ما لم يتم تسديد هذه الديون وإصلاح الهياكل المالية لتلك المؤسسات، فلن تستطيع محاسبة أحد لا على انحراف ولا على فساد.
الأمر الآخر، نحن لدينا صحف خاصة، قليل منها فقط هى التى تفى بالتزامات الصحفيين، وبعضها يغلق أبوابه، ويترك الصحفيين على سلم النقابة يبيعون الخضار، وكثير منهم يلزم الصحفى بأن يكتب استقالته قبل تعيينه، وبعضها لا تدفع أجورا للصحفى فى مقابل أن تمنحه شهادة تجيز له الحصول على بدل النقابة، هل هذا الوضع يكفل صحافة حقيقية؟
وإذا انتقلنا للإعلام، لدينا تليفزيون حكومى ينافسه عدد من التليفزيونات والمحطات الخاصة يملكها رجال أعمال، همهم الأكبر تحقيق أكبر نسبة ممكنة من المشاهدة لجلب أكبر نسبة ممكنة من الإعلانات. كثيرا ما نرى برامج لا ينبغى إطلاقا أن تشاهدها الأسر المصرية، كثيرا ما نرى ترويجا للخرافة.
* اضرب لنا مثالا على هذه البرامج؟
مش هتكلم.. (وبعد صمت) كثيرا ما نرى ترويجا للخرافة. برامج التوك شو أسرفت فى التأكيد على أنها تصنع الرأى العام وأصبحت تكرر نفسها والكلام الذى تسمعه من هذا النجم اليوم، هو ما تسمعه منه ومن غيره فى اليوم التالى إلى الحد الذى جعل الناس تنصرف عن معظمهم، وجعلتهم هم أيضا يقلبون برامجهم الآن إلى برامج فنية بدلا من برامج التوك شو السياسى. كما أنه ليس للإعلاميين نقابة وليس لهم ميثاق شرف صحفى يلزمهم بتطبيق أخلاقيات المهنة بحيث يصبح الإصلاح من داخلهم.
أضف إلى ذلك، البنية القانونية التى تحكم الصحافة والإعلام، بنية مهترئة تحتاج إلى تغيير شامل، نحتاج إلى تغيير شامل فى عدة قوانين أهم قوانين النقابة والمجلس الأعلى للصحافة.
بالتالى، فإن الوضع لا يسر، لكن أيضا لا نستطيع أن نتجاهل، حتى ونحن فى هذا الحال، أن الصحافة المصرية لاتزال هى أحسن الصحافات العربية، وأكثرها انتقادا للحكم والسلطة ولاتزال توجد مواهب شابة جديدة تبتدع حتى أساليب جديدة فى الكتابة، يوجد إسراف بعض الشىء فى الكتابة باللغة العامية، وإسراف فى «استخفاف الدم».
ورغم كل ذلك، أستطيع أن أقول إن أداء الصحافة المصرية فى المجمل لم يهبط إلى الحد الذى وصل إليه أداء أجهزة الإعلام المرئى، ورأينا كيف كان تأثير هؤلاء فى فترة جماعة الإخوان المسلمين ورأينا كيف عادت جماعة الإخوان، الإعلام والصحافة كما عادت القضاء تماما، لكن هناك أيضا أزمة كبيرة سببها غياب الحرفية، حيث نوجه فى كثير من الأحيان تعميمات غير صحيحة، ونوجه فى كثير من الأحيان اتهامات لا تستند إلى دليل، ونصدر أحكاما كقضاة ليس لنا حق فى إصدارها، لكن مع كل هذه السوءات لا تزال الصحافة المصرية هى أقوى الصحافات العربية وأكثرها انتقادا لنظم الحكم وأكثرها أيضا كشفا للفساد الموجود فى بلدها، لكن هذا ليس مطمح الصحافة المصرية، ففى فترة الستينيات، كانت لدينا صحيفة (الأهرام) أصبحت واحدة من أهم عشر صحف فى العالم، يعنى هقارن نفسى بقطر ولا أقارن نفسى بالسعودية؟ لأ.. المفروض أن أقارن نفسى بدولة متقدمة، لأن تاريخ الصحافة فى هذا البلد تاريخ قديم، وتاريخ النقابة تاريخ قديم. الصحفيون دفعوا تضحيات جسيمة من أجل أن يحصلوا على حريتهم.
* إلى أى مدى ترى القانون الموحد للصحافة والإعلام قد يكون بداية جيدة فى هذا الأمر؟
لا أعرف إذا كان بداية جيدة أم لا، قرأت القانون بدقة ولى تحفظات على هذا القانون، ولا أعرف إذا كانت الدولة ستمتثل لضغوط النقابة وتمشى القانون حتى يتعطل فى مجلس النواب أم ماذا، ولا أظن أنه سيخرج من مجلس النواب قبل شهور عديدة، ولا أعرف ما الحكمة من إصرار النقابة على أن تصدر القانون قبل تشكيل الهيئات التى تقوم على أمر الصحافة والإعلام، لأن الدستور يقول إن تلك الهيئات الثلاث، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، لابد أن تنظر هذه القوانين، ومع كل الشكر لجهود النقابة، لا تستطيع النقابة أن تقول إن مشروع القانون يحظى بتأييد شامل من الصحفيين، لأنه لم يحدث أن وافقت عليه جمعيات عمومية ولم يتم مناقشته فى أى مؤسسات صحفية على نطاق واسع. النقابة جمعت مجموعة من الزملاء وخبراء القانون وقدمت هذا الاجتهاد فينبغى أن ننظر إليه فى هذا الإطار المجرد دون تخويف أو إكراه.
* ما تحفظات حضرتك على القانون؟
ليقرأ الصحفيون القانون وسيكتشفون بأنفسهم حجم التحفظات الموجودة. إذا كان القانون يعجب الصحفيين فأهلا وسهلا، معنديش أى مشكلة، أنا راجل ليس لى مطمع ولا لى حياة وأديت واجبى تجاه نفسى وتجاه مهنتى، ولا أحب أن أعطل المراكب السايرة، لكننى أقول إن هذا القانون لن يحل مشاكل الصحافة وأقول هذا الكلام عن خبرة حقيقية عميقة بهذه المهنة تواصلت على امتداد خمسين عاما.
* وما تأثير المخالفات الإعلامية التى ذكرتها على ما يهدد الدولة من مخاطر؟
أنا أحارب وأنا فى كامل لياقتى، غير أن أحارب وأنا الحكومة مسندانى بتدفع لى رواتبى. الحكومة تدفع رواتب معظم المؤسسات الصحفية، هل هذا الوضع يستقيم ويستمر؟ «اه حاربنا معركة كويسة فى مواجهة الإخوان المسلمين، وهم الذين بادروا أساسا بالإضرار بمصالح الصحفيين»، لكننا نتكلم عن طريق مفتوح وواسع وعريض يقوم على استقلال هذه المؤسسات وقدرتها على أن تنمى نفسها بنفسها. إذا كنا نتحدث عن دولة مؤسسات، فلابد أن تكون المؤسسات فى هذه الدولة مستقلة تتمتع بحريتها الكاملة.
نتمنى أن الدولة تدرك حجم الإصلاح الضخم المطلوب فى هذا الميدان لأن الصحافة المصرية لاتزال جزءا من قوة مصر الناعمة ولاتزال عماد تشكيل الرأى العام فى مصر، ولاتزال المرآة التى يشاهد فيها العالم حالة مصر وصورتها.
* هل يسهم الأداء الإعلامى فى بناء الدولة التى نطمح إليها؟
لسنا فى كامل اللياقة، نتمنى أن نكون فى كامل لياقتنا حتى يكبر دورنا، نحن لا نزال نواجه مشكلات الفقر التى لم نستطع أن نحقق فيها مكسبا حقيقيا، الفقر المدقع ما زال موجودا، لانزال نواجه أزمة أجيال، وأزمة جيل جديد غير قادرين على التواصل معه فى حوار مثمر. لانزال عاجزين عن إنتاج بسكلتة ولا موتوسيكل ولا حتى مضخة مياه.
الإعلام يؤدى واجبه على قدر ما يستطيع، لكنه يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة. لأن الإعلام فعل لهذه الدولة أشياء كثيرة حتى قبل هزيمة الإخوان. تعليم الفتاة سببه ايه؟ الإعلام المصرى، مدرسة السنية، الجامعة المصرية من أنشأها؟ لابد أن نحصن هذا الإعلام، ولن نستطيع تحصينه إلا من خلال تقوية المؤسسات وإصلاح هياكلها المالية ومنح الصحفيين مزيدا من حرية الرأى والتعبير، ومزيدا من الأمان ومعالجة المشكلات التى تحدثنا عنها فى المؤسسات الصحفية القومية والخاصة ومؤسسات ومحطات الإعلام المرئى.
* هل تظن أن معالجة مشكلات المؤسسات الصحفية قد يعيدنا إلى زمن توزيع المليون نسخة إلا قليلا؟
طبعا ممكن لماذا لا، إذا كنا حققناها فى الستينيات، فمفيش مشكلة، ممكن نحققها جدا، ولدينا مواهب متمثلة فى جيل جديد من الشبان يكتب ويبتدع أساليب جديد، وجيل جديد من المخبرين الصحفيين الجيدين بنشوف جهدهم، والأرض ليست جدباء، الأرض ووراءها تاريخ ضخم.
* ختاما.. ما الرسالة التى توجهها للأستاذ هيكل اليوم وقد صار بين يدى الله؟
أقول له شكرا على ما أعطيته للمهنة، شكرا على ما أعطيته لى.
لولا هيكل كنت ممكن أدخل السجن لقضاء عقوبة مدتها خمسة وعشرون عاما فى تهمة ملفقة (بدعوى نشر أخبار كاذبة عن حرب اليمن)، وكان من الممكن أن أواجه خطر الإعدام. لولاه ما كنت مكرم محمد أحمد، لأننى لم أكن من أحبابه، ولكنه وجد فى بعض الأمل، فمنحنى الفرصة.

محمد حسنين هيكل- شخصيات عامة - صلاح جاهين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.