من تربى مثلى فى دار روزاليوسف يعلم يقينا أن الأهرام هو أكثر الصحف تأثيرا فى القارئ، ولابد أن أؤكد أننا جميعا وعبر سنوات الستينيات سمعنا من أساتذتنا أن الأهرام لم يأخذ جدارته أو مكانته من العدم، بل لأن الأستاذ محمد حسنين هيكل جعل من الأهرام جريدة العالم العربى الأولى لا عبر صداقته الأثيرة مع جمال عبدالناصر، ولكن لأنه استطاع بعمل شديد الحيوية والذكاء أن يضع الصحافة المصرية عبر الأهرام على خريطة الكون من موسكو إلى قلب إفريقيا ومن لندن إلى البيت الأبيض ومن روما إلى قصر الإليزيه بباريس، ومن بكين إلى طوكيو، ولو لم يكن لهيكل مصداقية هائلة لما استطاع اختراق حجب كثيفة من العقبات حول احترام وتقدير الرأى المكتوب فى القاهرة. كنت أسمع من أستاذى فتحى غانم وصفا دقيقا للاستاذ هيكل "كل دقيقة من وقته هى للعمل" وعرفت بقراءتى للرائد الكبير انه الروائى الفذ الذى أضاف للمقال الصحفى نكهة الخبر الطازج ومصداقية التحليل النافذ واستطاع الرجل أن يربى أجيالا متعددة. وكنا نحن أبناء مدرسة الهواء الطلق فى روزاليوسف نشعر بالقرابة من الأهرام، أما جريدة الأخبار بعملاقيها على ومصطفى أمين فلم نكن نفضلها لنكهتها الأمريكية الواضحة، فضلا عن سرعتها اللاهثة التى وضع أسسها رائد الصحافة المصرية محمد التابعى ومن بعده تلاميذ متعددون مثل أستاذنا إحسان عبدالقدوس ومثل الأخوين على ومصطفى أمين. وأراد السادات فى عام 1989 أن يطلق رصاصات الرحمة على الصحافة المصرية بعد أن أبعد هيكل عن الأهرام ولم يسترح لإدارة أحمد بهاء الدين ذات التوجه العربى الدقيق، ولا إدارة إحسان عبدالقدوس هذا الرقيق الحالم الذى لا يستطيع الحياة فى جو مكهرب بالتآمر، فجاء السادات بعدة قيادات لمختلف الصحف أساء البعض للمهنة كثيرا وأحسن البعض للمهنة قليلا، ولكن توسعات الأهرام جعلها رغم كل الظروف بيتا هائلا للخبرة والخبر أيضا. وبعد ثورة 25 يناير استطاع لبيب السباعى الراحل الكريم أن يستفيد من خبرات من سبقوه بصدقه الأخَّاذ، ولم يكن ليتدخل فى العمل اليومى إلا بما يساعد على تحسين الأداء بأحاديث من مؤسس الأهرام الحديث محمد حسنين هيكل. واليوم يخطو شاب أنهى ال50 منذ أيام ليقود سفينة الأهرام مسلحا بخبرة عربية متسعة ودراسة عميقة للتاريخ المصرى بمؤسساته المختلفة سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو عسكرية، ويمتلك يقظة ضمير لن تتيح لأحد أن يكسر هدوءه الظاهر، فهو من قلة لا تدخل معارك صغيرة. عن نفسى أتمنى لمحمد عبدالهادى نجاحا فى مهمته؛ لأن نجاح الأهرام هو إضافة مؤكدة لقيمة الصحافة المصرية.