فى العالم المعاصر، هناك أربعة أنماط رئيسية لنجاح انتقال المجتمعات من نظم حكم سلطوية إلى حكومات ديمقراطية. فخبرة دول وسط وشرق أوروبا فى النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين عبرت عن إمكانية نجاح عملية التحول الديمقراطى فى ظرف تاريخى شديد الاستثنائية. تنهار الكتلة الاشتراكية السابقة على وقع انتفاضات شعبية ويتفكك الاتحاد السوفييتى ويختفى نسق القطبية الثنائية ويولد من رحم كل هذه التغيرات وفى فترة زمنية وجيزة نظم سياسية تعددية تمارس الديمقراطية. من جهة ثانية، دلل نموذج التغير السياسى فى عدد من الدول الأوروبية كاليونان وإسبانيا، وهو أقدم نسبيا ويعود إلى سبعينيات القرن العشرين، على مركزية دور الرموز التاريخية. فقد كان لزعيم اليسار اليونانى بابندريو وللملك خوان كارلوس فى إسبانيا الدور الأهم فى صياغة توافق مجتمعى حول الديمقراطية وفى إقناع القوى السياسية المتصارعة بحتمية المساومة والحلول الوسط. ثم تبين، ثالثا، تجارب التحول الديمقراطى فى أمريكا اللاتينية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين قدرة نخب الحكم، حين تلتزم استراتيجيا بهدف إنهاء النمط السلطوى فى إدارة شئون المجتمع وتطور رؤية متكاملة لسلسلة من النقلات النوعية نحو الديمقراطية، على قيادة تغير سياسى ناجح ومقبول من أغلبية شعبية مستقرة. رابعا وأخيرا، استندت التحولات الديمقراطية فى عدد من الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا إلى شرعية المؤسسات الرسمية وثقة غالبية المواطنين فى حياد وسلامة سياستها العامة. فكان للثقة الشعبية فى السلطتين التشريعية والقضائية الأثر الجوهرى فى إنجاح التحول الديمقراطى. أما فى بلاد العرب، فتصبح مسئولية الباحثين عن الانعتاق من السلطوية هى التفكير فى الشروط الواقعية للاقتراب من أى من هذه الأنماط الأربعة وكذلك فى الإمكانيات الفعلية للحد من انتهاكات الحقوق والحريات حتى تستعاد البدايات الديمقراطية.