وزير الري يلتقي نظيره البحرينى لمناقشة تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    ارتفاع الذهب مع تراجع الدولار قبيل اجتماع الفيدرالي الأمريكي    الحمرا اتجننت.. سعر الطماطم يقفز بقوة الشهر المقبل| خزن الآن    غرفة التطوير العقاري: عدد المطورين ارتفع من 75 مطورًا إلى 15 ألفا في 10 سنوات    نتنياهو يعلن بدء عملية "قوية" في غزة.. والجيش الإسرائيلي يدعو السكان للإخلاء    خبراء أردنيون: قمة الدوحة جسدت موقفا عربيا موحدا تجاه ما يسمى مشروع "إسرائيل الكبرى"    جيش الاحتلال: رئيس الأركان عقد اجتماعات مع القوات بشأن عدم الإضرار بالمحتجزين    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    قافلة المساعدات الإنسانية ال 38 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    ضبط سائق تعدى على شخص بالضرب في القاهرة    تأجيل محاكمة "نعمة" المتهمة بقتل زوجها وأطفاله في دلجا إلى 11 أكتوبر    ضبط 104 أطنان لحوم وأسماك فاسدة في حملة تفتيش بمدينة العبور بالقليوبية    ضبط 110.6 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أبو بكر الديب يكتب: مصر وروسيا.. شراكة تتجاوز التوقعات    بث مباشر.. رئيس الوزراء يشهد احتفال تدشين الأكاديمية الدولية للعمارة والعمران    مصرع مسن صدمته سيارة ملاكي بأكتوبر    صيف قطاع المسرح يختتم فعالياته بالاحتفال باليوم المصري للموسيقى    مهرجان الإسكندرية المسرحي يكرّم عصام السيد ومحسن منصور وعددًا من المبدعين    وزير الصحة يبحث مع شركة أليكسيون التعاون في مجال الأمراض النادرة والوراثية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة المخ    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    حماس ترد على ترامب: تصريحاتك انحياز سافر.. وحياة الأسرى بيد نتنياهو    نقل الأسرى فوق الأرض.. ترامب يتحدث من جديد عن قطر ويحذر حماس "فيديو"    إنقاذ حياة طفل مصاب بنزيف في المخ وكسر بالجمجة بمستشفى إيتاي البارود    رئيس لجنة مكافحة كورونا: هناك انتشار للفيروسات النفسية لكنها لا تمثل خطورة    بعد فشل النحاس في لملمة الجراح، قناة الأهلي تفجر مفاجأة حول المدرب الجديد (فيديو)    عشية بحث سعر الفائدة، تعيين مستشار لترامب عضوا بالاحتياطي الفيدرالي وبقاء ليزا كوك في منصبها    قلبك يدفع الثمن، تحذير خطير من النوم 6 ساعات فقط كل ليلة    وزير العمل يُصدر قرارًا لتحديد ضوابط وآليات اعتماد «الاستقالات العمالية»    قرارات التعليم بشأن الكتب المدرسية 2025.. تسليم دون ربط بالمصروفات (تفاصيل)    قبل أيام من بدء العام الدراسي.. تفاصيل قرارات وزارة التعليم (نظام الإعدادية الجديد وموقف التربية الدينية)    خالد جلال وكشف حساب    هند صبري عن والدتها الراحلة: علاقتنا كانت استثنائية ومبحبش أعيط قدام بناتي    رسمياً موعد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للمعلمين.. هل يتم الصرف قبل بدء الدراسة؟ (تفاصيل)    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    ارتفاع سهم تسلا بعد شراء ماسك 2.5 مليون سهم بمليار دولار    مسلسلات المتحدة تتصدر نتائج تقييم موسم 2025 باستفتاء نقابة المهن السينمائية.. تصدر "لام شمسية" و"أولاد الشمس" و"قهوة المحطة" و"قلبى ومفتاحه" و"ظلم المصطبة".. كريم الشناوى أفضل مخرج وسعدى جوهر أفضل شركة إنتاج    عاجل القناة 12: إجلاء 320 ألفًا من سكان غزة يفتح الطريق أمام بدء العملية البرية    أول رد رسمي من بيراميدز على مفاوضات الأهلي مع ماييلي    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الكلب طاهر.. وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    لقاء تاريخي في البيت الأبيض يجمع البطريرك برثلماوس بالرئيس الأمريكي ترامب    فيديو أهداف مباراة إسبانيول و مايوركا في الدوري الإسباني الممتاز ( فيديو)    تحية العلم يوميًا وصيانة شاملة.. تعليمات جديدة لضبط مدارس الجيزة    صور.. حفلة تخريج دفعة بكالوريوس 2025 الدراسات العليا تجارة القاهرة بالشيخ زايد    بسبب المال.. أنهى حياة زوجته في العبور وهرب    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    نجم بيراميدز يكشف: تعرضت لحملة ممنهجة في الزمالك    فائدة 27% للسنة الأولى.. أعلى عائد تراكمي على شهادات الادخار في البنوك اليوم (احسب هتكسب كام؟)    قبل كأس العالم.. أسامة نبيه يحدد برنامج معسكر منتخب الشباب في تشيلي    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    سيطرة مصرية في ختام دور ال16 ببطولة مصر المفتوحة للإسكواش    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخوخة دولة عبد الناصر «الإعلامية» - الآن
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 11 - 2015


(1)
مثلما زايد «صحفيون» على جمال عبد الناصر عندما جمعهم كي يملي عليهم القواعد الجديدة لدولته «الإعلامية»، مساء 7 مارس/آذار 1954، زايد خلفاؤهم من العينة نفسها على الرئيس الجديد، عبد الفتاح السيسي، عندما جمعهم فى أول لقاء له بهم فى قصر الاتحادية، صباح 9 أغسطس/آب 2014. فى الحالة الأولى، اقترح بعضهم من تلقاء أنفسهم مزيدًا من القيود، وفى الحالة الثانية، اقترح أحدهم تخصيص يوم 14 أغسطس/آب من كل عام (يوم مذبحة رابعة) عيدًا قوميًّا للبلاد. فى الحالة الأولى، لم أكن قد وُلدت بعد، وفى الحالة الثانية، كنت بين الحضور. لفحني ما قاله هذا فقفزتْ عيناي مسرعتين إلى لقطة مقربة على وجه الرئيس علّني أقرأ استنكارًا أو اندهاشًا أو حتى قليلًا من التململ، لكنني لم ألتقط شيئًا من هذا القبيل. كانت هذه أول مرة أحضر فيها اجتماعًا من هذا النوع، وآخر مرة.
(2)
على الأقل كان عبد الناصر فى ذلك المساء واضحًا فى فرض القواعد: «الجيش الآن لاعب أساسي فى السياسة .. تذكّروا هذا جيدًا فى كل ما تقولون/تكتبون .. لا حديث عن محمد نجيب .. احترسوا فى كل ما يمكن أن يمس السياسة الخارجية والاقتصادية». يحتوي هذا الوضوح - الذي ترجمه عمليًّا فى صورة رقيب مقيم فى المؤسسات الصحفية - على نوع من «تحمل المسؤولية» فى فرض القمع؛ إذ إنه لم يكن بعد قد اكتشف إلى أي مدى يمكن أن تذهب الرقابة الذاتية بضعاف النفوس والجبناء والمنافقين والمتسلقين ومنعدمي الموهبة/الكفاءة من الحناتير.
كان الانتقال من «فرض» القواعد إلى «افتراضها» لدى هؤلاء مسألة حتمية، لكن الأمر تطلّبَ أكثر من نصف قرن كي يتعرف خلفاء عبد الناصر على المدى الشاسع الذي يمكن أن تصل إليه الرقابة الذاتية، حتى صار ذلك المدى - الذي هو فى الواقع لا حد له - كأنه «حق مكتسب» من وجهة نظر دولة عبد الناصر «الإعلامية»، تتوقعه دائمًا كي ترتفع ظاهريًّا فوق مستوى «تحمل المسؤولية» فى فرض القمع. يقترب هذا فى معناه، رغم اختلاف المجال والسياق، من المعنى الذي ذهب إليه لسان حال المسؤولين فى واشنطن عن فضيحة برنامج الترحيل غير العادي Extraordinary Rendition Program، الذي كانت مصر إحدى محطاته: «إذا تطلّبَ الأمر، دع الحثالة يقومون عنك بالأشياء القذرة».
(3)
بعد الثورة، ارتبط هذا الملمح طرديًّا - مثلما ارتبطت أمور أخرى كثيرة - بمدى قوة الشارع. كلما زادت هذه زادت جهود النظام فى ما يمكن أن نسميه «الاسترقاب الذاتي» الذي لا يريد حتى أن يتحمل مسؤولية المنع والقمع، وزادت من ثم قدرة من لديه بعض من ضمير واستقلالية ذهنية على المقاومة. الآن يستطيع القارئ أن يخمن لماذا احتجب برنامج «آخر كلام» عن الظهور أكثر من مرة ولماذا تعرض زملاء لنا بعد ذلك لما هو أسوأ. فى الأشهر الأولى لم يكن أمام النظام - وقد انفضحت الآن تجاعيد دولته «الإعلامية» على الأرصفة والطرقات - سوى ممارسة «الود» والاستيعاب، حتى مع أولئك «الإعلاميين» من داخل تلك الدولة. ومع انشقاق الصف الثوري لملمت الدولة سيطرتها على مخلفات مبارك «الإعلامية» (بالود أو بغيره)، بينما استغلت نشوء هدف مشترك مع طلاب الديمقراطية ودولة القانون، ومن لا يصلح معهم «الود»، فى مواجهة أجندة إخوانية ضيقة الأفق، فى المرحلة الثانية. لكنها، وهي تفعل هذا، كانت تبيّت النية وتعد العدة لما سيأتي فى المرحلة الثالثة.
(4)
مثلما قسّم عبد الناصر ضباط الجيش فى أعقاب 1952 إلى ثلاثة أقسام: «من معنا» و«من علينا» و«المستقلون ذهنيًّا»، بقيت دولته «الإعلامية» عبر العقود التالية مخلصة لهذا التقسيم الذي امتد من وقتها ليشمل الفاعلين فى الحياة العامة المدنية. لا مشكلة فى التعامل مع النوعين الأولين. المشكلة الكبرى فى النوع الثالث. وهذا فى ما نرى أهم مفتاح لفهم ما حدث «إعلاميًّا» - وسياسيًّا بكل تأكيد - بعد الثالث من يوليو/تموز 2013. هذه لحظة الثأر التي كانت تنتظرها دولة «إعلامية» عجوز نُزع رداؤها على الملأ قبل أكثر من عامين وقد تهيّأ لها الآن ما يكفي من الرياح كي تحول حالة الذعر من عام الإخوان فى الحكم - وقد كان لها بعض الدوافع المنطقية - إلى حالة من الهيستيريا فى كل اتجاه، لا علاقة لها بأي منطق.
و«أردتم لمصر أن تتطهر؟ حسنًا، خذوا الآن أقذر ما فيها». باسم الأمن القومي شُرشِح مفهوم الأمن القومي، من الآمر والمأمور معًا، بلا رقيب ولا محاسب، وأُهينَ الوطن وشعبه باسم الوطن وباسم الشعب. سيتعدى الأمر إذًا فى النسخة الجديدة من دولة «الإعلام» كُفتة الخوابير الاستراتيجية فى مصر إلى قمة العمى فى التعامل مع القضية الفلسطينية، إلى قمة الانحطاط فى الاستفراد باللاجئين السوريين، إلى قمة الانحلال فى وصف شعب عربي آخر بالدعارة، إلى قمة الغباء فى التعامل مع سفير دولة فى نزاع وجودي مع مصر، من بين أمثلة أخرى كثيرة. سيدرك الآمر بعد قليل أن ذراعه ليست بعيدة عن مصدر النار، وأن الحناتير لا ضابط لها ولا دين فى نهاية اليوم إلا الحظوة والدراهم. ولأن للحظوة طاقةً استيعابية وللدراهم نهاية لا بد من أن تتمكن الغيرة من الحناتير فتتفاقم المناقصة اشتعالًا حتى يسمع الحيُّ كله وحتى يبلغ العرض حدًّا بلا ثمن. لكنّ الحناتير فى حدود ذواتهم أنواع، ومن الواضح أن آمرًا لا يتمتع بحد أدنى من الذكاء والمهارة يلتقط عادةً نوعًا من الحناتير أقل منه فى الذكاء والمهارة يتحولون بعد قليل من ذخر له إلى عبء عليه، وهذا من لطف الله فى فطرته.
بكل ما له من أيادٍ بيضاء فى أمور أخرى، لا بد أن مؤسس قواعد الدولة «الإعلامية» فى مصر، جمال عبد الناصر، يتلظى الآن فى قبره وهو يرى دولته هذه وقد انحدرت من «قمع محسوب» إلى مسخرة بلا حدود. ولا بد أنه هو نفسه يدرك أن هذه النفخة الكبرى فى جسدها المهلهل ليست فى الواقع سوى سكَرات ما قبل النهاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.