- «مدام كوراج» عملية تشريح جديدة للمجتمع الجزائرى.. و«الشمس الساطعة» تكشف تمزق كرواتيا بعد الحرب تشهد شاشة المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى اليوم صراع خاص بين الجزائروكرواتيا فى جذب الجمهور وامتاعه، ففيلما اليوم يشكلان تيارين سينمائيين مختلفين من حيث الرؤى والأسلوب والمذاق، وان كانا يبحران معا فى عالم التجريب، وهو تجريب ينقل بشفافية واقع، ثم يعيد تشكيل نهاية صورته، وغالبا ما تأتى النهاية صادمة للبعض ومرضية للبعض الآخر فى مقاعد المشاهدين. ففى صالة المسرح الكبير عرض الفيلم الجزائرى «مدام كوراج» للمخرج المثير للجدل مرزاق علواش، وذلك لجرأته الكبيرة فى تناول قضايا المواطن الجزائرى وتشريح مجتمعه وغوصه العميق فى أزمة الواقع. الفيلم يرصد عبر 89 دقيقة حكاية عمر وهو فتى غير متزن ووحيد فى سن المراهقة. يعيش فى أحد عشوائيات ضاحية «مستغانم»، فى العاصمة الجزائر. وقد أدمن تناول العقاقير المخدرة أو كما يطلق عليها مسكنة للعقل الحائر بفضل قسوة المجتمع، وتحديدا نوع من أقراص ارتان يطلق عليه «مدام كوراج»، أى «السيدة شجاعة». هذه الأقراص منتشرة بشكل كبير وسط الشباب الجزائرى بفعل تأثيرها المبهج وإعطاء من يتناولها شعورا بأنه لا يقاوم. عمر أيضا لص متمرس وهذا يبدو من أول مشاهد الفيلم عندما نراه يلتقط حقيبة من سيدة، وفى أحد الأيام يذهب إلى وسط المدينة ليمارس أعماله الإجرامية، حيث تصبح فريسته الأولى فتاة صغيرة اسمها سلمى، كانت تسير مع أصدقائها، وترتدى عقدا ذهبيا بارزا. وبينما يقوم عمر بسرقتها، تلتقى عيونهما، ويقع فى حبها، وهو الحب الذى يغير مسار حياته ومحاولة التخلص واقع اليأس والخراب الذى تؤول إليه الأمور جزائر اليوم ممثلة فى «عمر». وقد احتلت الخطب الوعظية الدينية معظم خلفية الصورة فى الفيلم وخاصة فى مشاهد الأم وهى تجلس بمنزلها، بعدها نرى مشاهد متتالية تظهر عمر مشردا تماما ومدمنا على الحبوب المخدرة ومنعزلا تماما عن المجتمع ترتبط علاقته به باختيار ضحايا من النساء لسرقتهن، ويعيش فى منطقة تشبه «الخرابة» بإحدى المناطق العشوائية مع أمه التى تضطر إلى احتراف الدعارة بعد أن يستغلها قواد فى المنطقة. ثم نراه يتعلق بفتاة حاول سرقة عقدها من رقبتها وانتهى مرابطا أمام شقتها ينام بين أكوام الزبالة تحت شباكها ينتظر منها مجرد نظرة، وقد بدا مشهد اكتمال الحب بينهما مستحيلا. فعمر يائس لا مستقبل له، محطم نفسيا، يعيش على تخدير حبوب الارتين وحلم حب مستحيل مع سلمى التى حاول سرقتها ثم تعلق بها. يظل عمر مطاردا منذ لحظة افتتاح الفيلم، حيث نراه فى لقطات يركض لاهثا يطارده أربعة اشخاص بعد قيامه بسرقة، وتظل علاقته بالمجتمع، الذى يحيط به، علاقة مشاوير للسرقة بعد تناوله حبوب الارتين التى تمنحه الشجاعة للسطو على المجتمع الذى يعيش على هامشه وسرقة الأضعف فيه وهن النساء. ومع تطور الاحداث نرى انتفاضة عمر فى صيفة انتقام بذهابه إلى القواد الذى استغل امه ويضربه بالسكين. ويتصاعد هذا الحس بالانتقام بعد أن يقوم أخو سلمى باختطافه وضربه وتعذيبه كى يبتعد عن طريقها، لنراه يهاجم البيت وينهى علواش فيلمه بنهاية مفتوحة، حيث يظل عمر جالسا تحت سلم العمارة فى انتظار اخو سلمى الذى يرفض حبه لقتله، لكنه ينام هناك بعد أن يبتلع حبوبه المخدرة، وتكتشفه سلمى فى الصباح عند خروجها لترافق زميلاتها إلى المدرسة وتتركه نائما. العمل قدرت ميزانيته بنحو 600 الف يورو، وسيناريو وحوار سنية عباس ويقوم ببطولته عدلان جميل ولمياء بوزواى، ليلى تيلماتين عبداللطيف بن أحمد محمد تكيريت، وكان علواش قد أثار جدلا بسبب عرض فيلمه «مدام كوراج» فى مهرجان حيفا السينمائى فى إسرائيل قبل عرضه فى الدورة ال37 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، خاصة بعد الأزمة التى تسبب فيها الفيلم مع وزارة الثقافة الجزائرية التى طلبت من المخرج إعادة المبلغ التى دعمته به اعتراضا على عرض الفيلم فى مهرجان «حيفا» السينمائى. بينما قال الناقد يوسف شريف رزق الله المدير الفنى لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى إنه لولا اعتراض الحكومة الجزائرية على عرض الفيلم بمهرجان حيفا لما عرف أحد تلك الأزمة، موضحا أن فيلم «مدام كوراج» قيمة فنية كبيرة، وقد عرض فى مهرجان فينيسيا الاخير، وسيتم عرضه فى افتتاح مهرجان قرطاج المقرر إقامته 28 نوفمبر المقبل وهو دليل على أهميته، كما أن المخرج «مرزاق علواش» أفلامه تحصل على جوائز عديدة، الفيلم الثانى الذى يعرض اليوم فى المسابقة الرسمية هو الكرواتى «الشمس الساطعة»، من إخراج داليبور ماتانيتش وهو مرشح ايضا للفوز بجائزة اوسكار أفضل فيلم اجنبى. ويتناول على مدى 113 دقيقة ثلاث قصص عن الحب، تدور خلال ثلاثة عقود متتالية بين أنحاء قريتين متجاورتين فى البلقان يجمعهما تاريخ طويل من الكراهية العرقية جراء الحرب اللعينة، حيث يتناول الفيلم المخاطر الهائلة، والازمات الانسانية الناتجة عن الحب الممنوع بين جميع الاطراف التى ولدت وعاشت مشتتة الهوية، وكيف امتد تأثير ذلك من القرن الماضى إلى يومنا هذا فى تحولات هذا المجتمع.