مدير تعليم الشرابية تتابع انتظام الدراسة بمدرسة الشهيد محمد حسن الابتدائية    محافظ كفر الشيخ يفتتح مدرسة الفقهاء القبلية بسيدى سالم    سكرتير عام المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات التنموية    أسعار مواد البناء مساء اليوم الثلاثاء    الصناعة: طرح 386 وحدة لرواد الأعمال جاهزة للتسليم الفوري في 11 محافظة.. وخبراء: خطوة جادة نحو تمكين الرواد ودعم الصناعات الصغيرة.. وتنويع الأنشطة يعزز التنمية الإقليمية    وزير الخارجية يلتقي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    وزير الصحة يترأس الاجتماع الدوري للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية    موسكو تستعد لاستضافة القمة الروسية العربية الأولى بمشاركة قادة 22 دولة عربية    السيسي يثمن الموقف الفرنسي الداعم للقضية الفلسطينية    كاف يوافق على نقل مباراة الزمالك أمام ديكيداها الصومالي في الكونفدرالية إلى القاهرة    تقارير إسبانية تكشف موعد عودة لامين يمال إلى الملاعب وموقفه من الكلاسيكو    تعرف على جدول بطولة العالم للسباحة بالزعانف في المياه المفتوحة بالعلمين    الداخلية تضبط مزارعًا بحوزته 533 قطعة أثرية ببنى سويف للاتجار بها    تجديد حبس سائق لاتهامه بدهس معلمة في مصر الجديدة    الداخلية تضبط شابًا اعتدى على فتاتين بسبب المعاكسة    طقس الكويت اليوم.. أجواء حارة ورياح على هذه المناطق    تأجيل محاكمة 44 متهما بخلية اللجان المالية للإخوان لجلسة 10 ديسمبر    باكستان تهنئ مصر بفوز خالد العناني مديرًا عامًا لليونسكو: إنجاز تاريخي عربي غير مسبوق    بالصور.. احتفالات قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر ببني سويف    بحضور إلهام شاهين ومحمد سلماوي.. توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية عن الأفلام القصيرة جدًا    عالم يكتشف فوزه بجائزة نوبل خلال رحلة فى البرية للتخلص من إدمان الهواتف الذكية    بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم: أحمد عمر هاشم خدم كتاب الله وساند المسابقة    إحالة المقصرين بوحدة طب الأسرة بالكرادوة في كفر الشيخ للتحقيق    انطلاق المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية بين طلاب المدارس بالمنوفية    ندوات توعوية لرفع الوعي الصحي لطلاب مدارس المنيا حول الأمراض المعدية    اليونيسيف: أطفال غزة يعيشون رعبا ينبغي ألا يواجهه أي طفل    وزير الاتصالات يفتتح مركز شركة فاوندإيفر Foundever العالمية فى محافظة الأقصر    بايك BJ30 الجديدة في مصر.. سيارة صينية "زيرو" بقوة 400 حصان    فيلم «فيها إيه يعني» يتخطى 20 مليون جنيه في أسبوع    الكرملين: تسليم صواريخ توماهوك إلى كييف تصعيد خطير    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى المنيا    طاقم تحكيم مصري لإدارة مباراة أولمبيك أسفي والملعب التونسي في الكونفدرالية    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2691 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    الزمالك يدرس تعديل عقد حسام عبد المجيد تقديرًا لتألقه وتطوره    إزالة 9 حالات تعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة ب4 قرى بمركز سوهاج    "هاسبارا" ذراع التضليل الإسرائيلى.. تليفزيون اليوم السابع يكشف التفاصيل    الشيخ رمضان عبد المعز: الإيمان بأقدار الله يُريح الروح ويُهدي القلب    مصارعة – كيشو يستعد لتمثيل منتخب أمريكا    رضا شحاتة: الشحات كان أكبر مشكلة لي في مباراة الأهلي والكهرباء    كيروش: مواجهة قطر صعبة.. ونطمح للانتصار في بداية مشوار التأهل    كريم أدريانو يفوز بجائزة «the best» في ثاني أيام عروض مهرجان «المهن التمثيلية» (تعرف على الفائزين)    القوات المسلحة تنظم المعرض السنوى ال 18 للثقافات العسكرية "ذاكرة أكتوبر 2025"    الأهلي يحيل ملف ثلاثي الفريق إلى لجنة التخطيط لحسم مصيرهم    الري: إطلاق آلية تمويلية بمخصصات 100 مليون دولار لتنفيذ المشروعات التنموية بدول حوض النيل    الدكتور أحمد عمر هاشم يتحدث عن حب آل البيت ومكانتهم في قلوب المصريين (فيديو)    حكم الرجوع في التبرعات الموجهة للمؤسسات الخيرية.. دار الإفتاء توضح    عزاء ثانٍ للدكتور أحمد عمر هاشم بمسجد الشرطة غدًا    ضبط 16 طن دقيق مدعم بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    «مش بيحبوا يتحملوا مسؤولية».. رجال 5 أبراج يعتمدون على الغير بطبعهم    وكيل صحة بني سويف يشيد بدور التمريض: العمود الفقري للمنظومة الصحية    نقابة المهندسين تعلن تضامنها مع «المحامين» في رفض تعديلات قانون الإجراءات الجنائية    ضبط 99 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    موعد عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم فى الشرقية اليوم    تزامنًا مع ذكرى نصر أكتوبر.. محافظ أسيوط والبابا تواضروس يضعان حجر الأساس لمدرسة سانت ماري الدولية    مفاجآت فى واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة بسقارة.. فيديو    وزير الصحة يوافق على شغل أعضاء هيئة التمريض العالى المؤهلين تخصصيًا لوظائف إشرافية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر    اشتباكات عنيفة بين قوات «قسد» والجيش السوري في حلب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فينيسيا 72: "مدام كوراج" والجزائر بين عدمية جيل وخيبة آخر
نشر في نقطة ضوء يوم 10 - 09 - 2015

تختصر المقارنة بين (عمري) المخرج الجزائري مرزاق علواش تاريخا كاملا من التحولات في الواقع الجزائري وحياة الشباب فيه، وأعني المقارنة بين عمر بطل فيلم علواش الأول "عمر قتلتوا الرجلة" 1976 (الذي قاده خطواته الاولى للشهرة ولقي استقبالا نقديا جيدا في المهرجانات) وعمر بطل فيلمه الجديد "مدام كوراج" 2015، الذي يعرض في تظاهرة آفاق (أورزانتي) ثاني ابرز تظاهرات الموسترا (مهرجان فينيسيا السينمائي) هذه الأيام.
وتبدو خلاصة الصورة مروعة بين وعود الحداثة النامية وبدايات أزمة الدولة الوطنية في سبعينيات القرن، وواقع اليأس والخراب الذي تؤول إليه الأمور في أيامنا الراهنة.
ولا تقتصر هذه المقارنة على الشخصيتين، بل على مجمل أجواء الفيلمين، صورة وصوتا، إذ تكفي المقارنة في شريط الصوت بين الفيلمين لنرى كيف احتلت الخطب الوعظية الدينية مجمل خلفية الصورة في الفيلم الجديد مقابل الأغاني ومقاطع الأفلام في "عمر قتلتوا الرجلة".
فاذا كان عمر السبعينيات، يمتلك وظيفة، ويعيش في شقة مع عائلة كبيرة في حي باب الواد الشعبي ويسمع الأغاني ويتابع الافلام، ويرافقه جهاز التسجيل وأشرطة الكاسيت، فأن عمر "مدام كوراج" مشرد تماما ومدمن على الحبوب المخدرة (الارتين) التي تسمى محليا (مدام كوراج، أي السيدة شجاعة) ومنعزل تماما عن المجتمع ترتبط علاقته به باختيار ضحايا من النساء لسرقتهن، ويعيش في خرابة طرف أحدى المناطق العشوائية مع أخته وامه.
بيد أن ما يجمع الاثنين هو الحلم وذاك النمط من الحب الرومانتيكي، فعمر الأول يتعلق بفتاة سمع صوتها عبر شريط كاسيت، والثاني يتعلق بفتاة حاول سرقة عقدها من رقبتها وانتهى مرابطا أمام شقتها ينام بين أكوام الازبال تحت شباكها.
فعمر (الجديد) يائس لا مستقبل له، محطم نفسيا، يعيش على تخدير حبوب الارتين وحلم حب مستحيل مع سلمى الفتاة التي حاول سرقتها ثم تعلق بها.يعيش عمر مع أمه التي تعيش في خرابة في إحدى العشوائيات على هامش حي سكني في مستغانم في الجزائر،الى جانب اخته التي تضطر إلى احتراف الدعارة بعد أن يستغلها قواد في المنطقة.
يتسلل عمر في الليالي التي يعود بها إلى البيت (الخرابة) مثل لص، وتواجهه امه دائما بسيل من الشتائم، لكنها تستقبله بالاحضان حين يعود إليها يوما حاملا أكياس خضروات وفاكهة وقليل من اللحم، دون ان تسأله عن مصدر نقوده، وهي التي لا تكف عن الاستماع للخطب الدينية.
يظل عمر مطاردا (منذ لحظة افتتاح الفيلم الأولى نراه يركض لاهثا يطارده أربعة اشخاص بعد قيامه بسرقة)، وتظل علاقته بالمجتمع، الذي يحيط به، علاقة غارات ينفذها للسرقة بعد تناوله حبوب الارتين التي تمنحه شجاعة الإغارة على هذا المجتمع الذي يعيش على هامشه وسرقة الأضعف فيه وهن النساء.
وقد حكمت مبادئ "الرجلة" (أقرب إلى مفهوم الفتوة يسود بين شباب الأحياء الشعبية الجزائرية) سلوك عمر السبعينيات، حتى أن عنوان فيلم علواش جاء "عمر قتلاتو الرجلة"، يقول علواش عن نركيزه على هذا المفهوم في مقابلة قديمة "أردت تصوير حياة شبان حي شعبي ثقافته قائمة على مبادئ "الرجلة". وإذا عدت إلى فيلمي الأول، تجد أن عنوانه الكامل كان "عمر قتلاتو الرجلة". و"للرجلة" مكانة هامة في بنية شخصيات وفكر هؤلاء الشباب. وحتى المنتمون منهم الى الجماعات المتطرفة، فأنهم يتمسكون بمبادئ "الرجلة" ويحترمونها".
لكنها تتخذ لدى عمر المعاصر صيغة انتقام كما نرى عند شرائه مدية كبيرة وذهابه إلى القواد الذي استغل اخته وضربها ليقوم بجرحه في حوضه وفي مكان حساس من جسده.
ويتصاعد هذا الحس بالانتقام بعد أن يقوم أخو سلمى باختطافه وضربه وتعذيبه كي يبتعد عن طريقها، فيهاجم البيت بمديته لكنه يفاجئ بأبي سلمى المريض بدلا من الأخ وبوجه سلمى التي تقف بين مديته ووالدها.
وينهي علواش هنا فيلمه بنهاية مفتوحة، حيث يظل عمر قابعا تحت سلم العمارة في انتظار الأخ لقتله، لكنه ينام هناك بعد أن يبتلع حبوبه المخدرة، وتكتشفه سلمى في الصباح عند خروجها لترافق زميلاتها الى المدرسة وتتركه نائما.
واقعية نقدية
في هذا الفيلم يظل علواش، كعادته في أفلامه الأخرى، على حافات الواقعية النقدية، غائضا في تناقضات المجتمع الجزائري، متناولا واقع البؤس والتهميش الاجتماعي وملتقطا أبطاله من بين هؤلاء المهمشين واللامنتمين.
وكثيرا ما يهاجم علواش في الصحافة الجزائرية المحلية متهما بالإساءة للمجتمع الجزائري والتركيز على عيوبه، بيد أن علواش يبدو منشغلا بتصوير واقع الفساد وفشل بناء الدولة الحديثة في الجزائر المعاصرة وما ينتجه من تهميش اجتماعي واستلاب.
لقد خلق العجز عن تجاوز واقع الاستلاب وبنية الفساد المستحكمة أرضا خصبة للعنف والأفكار المتطرفة بين الأجيال السابقة الحالمة بعد الاستقلال والمدحورة والغارقة في الخيبة أو النوستالجيا حاليا، والجيل الراهن الذي يبدو يائسا وعدميا يحلم بالهجرة ويمثل زادا للعنف.
يقول علواش معلقا فيلمه مدام كوراج إن "هوامش المجتمع، كتجارب هذا الصبي وآلاف المراهقين المهمشين الذين يعانون من البؤس اجتماعيا وسايكولوجيا، يستحيلون إلى ارض خصبة للعنف".
ويمثل البحث عن جذور العنف ونقد الخطاب الديني وهيمنة الدين في الحياة الاجتماعية الجزائرية أحد الثوابت الأساسية في أعمال علواش لا يكاد يخلو منها فيلم من أفلامه، التي تمتلئ باشارات وتلميحات إليها وإن لم تكن تتناول الموضوع مباشرة (راجع مقالينا في بي بي سي عن فيلميه "التائب" "وسطوح")
بيد أن هذا النقد قد يسقط في المبالغة إحيانا، وقد تصل حد الكاريكاتير في التعامل مع الشخصيات الدينية. كان علواش في الثمانينات ينتقد استخدام البعض لاشارات تنقد الإسلام ارضاء لدوافع انتاجية في السينما العربية المهاجرة، لكننا نراه في أفلامه الأخيرة، لا سيما بعد تصاعد مد الجماعات الاسلامية في الجزائر، لا يعزف عن إيراد مثل هذه الإشارات.
وكما في "سطوح"، ظل صوت الاذان يتكرر بشكل مبالغ فيه كخلفية صوتية في كثير من المشاهد وكذلك الحال مع مواعظ الشيوخ الدينية، فلا نرى مشهدا للأم أو بيت عمر دون سماع صوت وعظ ديني في خلفية الصورة. ونجد في ذلك نوعا من المبالغة، بيد أنه لا يعدم أن يكون لدية استخداما ناجحا لمثل هذه الاشارات في بعض المشاهد دون شريط الصوت، كالمشهد الذي يضع عمر فيه سلسلة ذهبية فيها شكل مصحف ذهبي وكلمة الله بارزة فيها، ونحن نعرف أنه سرقه من جيد إحدى السيدات بالتأكيد.
ليل عمر ونهار سلمى
لا شك أن علواش من أغزر المخرجين الجزائرين أو العرب انتاجا، وهو بارع في اكتشاف حلوله الإنتاجية ومواصلة العمل بميزانيات منخفضة، كما هي الحال في هذا العمل الذي قدرت ميزانيته بنحو 600 الف يورو، ودخل في تظاهرة في المهرجان تحت لافتة انتاج فرنسي جزائري إماراتي، إذ كان من الأفلام التي حصلت على منحة صندوق دعم السينما في أبو ظبي (سند) .
لم يعن علواش كثيرا بتقديم مشاهد بصرية جمالية، قدر انشغاله بتقديم صورة الواقع المشوه، ضمن حدود ميزانيته المتواضعة، فمعطم مشاهده خارجية صورت في أحياء عشوائية أو شعبية، وصور الكثير منها بكاميرا محمولة.
وكنا في معطم الوقت أمام لقطات سريعة تحاول بلهاث الركض مع عمر المطارد ابدا، أواللحاق بسرعة دراجته النارية،وسط شوارع مستغانم، ولا مجال للتأمل البصري الجمالي بل ركض وسط واقع رث، وكأن الكاميرا كانت تخشى التوقف فيه، فتتسارع لقطاتها في ايقاع سريع متوتر جسمه استخدام القطع الحاد في الانتقال في كثير من المشاهد.
وغلبت المشاهد الليلية على المشاهد التي يظهر فيها عمر في عالمه المعتم المنعزل، مقابل مشاهد نهارية لسلمى عدا اطلالات قليلة من شباك الشقة ليلا على عمر المنتظر تحتها.
وأدار تصوير فيلم علواش الفرنسي أوليفييه غيربوا، الذي سبق أن عرف كمدير انتاج لعدد من الافلام من بينها، شيق اللليدي تشاترلي، وهذه تجربته الثانية في تصوير فيلم روائي بعد أن صور 3 أفلام قصيرة.
ونجح علواش بشكل في ادارة ممثليه الذين اختارهم من ممثلين شباب هواة، كعدلان جميل ولمياء بوزواي، الذين جسدوا ادوارهم بنجاح وبدوا مقنعين جدا في تقمص شخصياتهم دون مبالغات واضحة في الأداء عادة ما تصيب الممثلين الهواة.
في "مدام كوراج" يصيف علواش حلقة جديدة في سلسلة بحثه وغوصه العميق في أزمة الواقع الجزائري، ممسكا بمبضع جراح ماهر ومسلحا بوعي نقدي حاد، ما يجعل من أفلامه منذ سبعينيات القرن الماضي الى يومنا هذا سجلا ثرا لمناقشة تحولات هذا المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.